الأربعاء، 16 مايو 2018
الجزء العاشر - الربع الثامن - الأحكام الفقهية
الآية الأولى
{وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ . فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ . فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 75 - 77].
نقض العهد مع الله
العقودُ هي: العهود، وهي إلزام والتزام، سواء كان فيه يمين أو لم يكن؛ ولذلك فهي أشبه بالنذر أو اليمين،
وقد اختلف أهل العلم في صيغة أعاهد الله على كذا،
فذهب الحنفية إلى أنها من الأيمان؛ لأن اليمين هي عهد الله على تحقيق شيء أو نفيه، كما في "الاختيار لتعليل المختار"، وهو قول للمالكية، كما في "مختصر خليل"، ومذهب الحنابلة كما في "المغني" لابن قدامة، وعند الشافعية تكون يمينا بالنية كما في "تحفة المحتاج".
وذهب أبو بكر الجصاص كما في "أحكام القرآن" إلى أن العهد نذر، فقال تعليقًا على آية التوبة السابقة: "فيه الدلالة على أن من نذر نذرًا فيه قربة، لزمه الوفاء؛ لأن العهد هو النذر والإيجاب، نحو قوله: إن رزقني الله ألف درهم، فعلي أن أتصدق منها بخمسمائة، ونحو ذلك". اهـ.
وفي "المدونة": "إن قال علي عهد الله وذمته وكفالته وميثاقه؟ قال مالك: هذه أيمان كلها قال: وأخبرني ابن أبي ذئب عن ابن شهاب، أنه قال: "من عاهد الله على عهد فحنث، فليتصدق بما فرض الله في اليمين، وقاله ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد، قال ابن وهب عن سفيان الثوري عن فراس عن الشعبي قال: إذا قال: علي عهد الله فهي يمين".
وقال ابن قُدامة في "المغني": "إن قال: عليَّ عهدُ الله وميثاقُه لأفعلنَّ، أو قال: وعهدِ الله وميثاقِه لأفعلنَّ - فهو يمين، وإن قال: والعهدِ والميثاقِ لأفعلنَّ - ونوى عهد الله - كان يمينًا؛ لأنَّه نوى الحلِفَ بصفةٍ من صفات الله تعالى".
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنها تارة تكون يمينًا ونذرًا، وتارة تكون يمينًا فقط؛ فقال - رحمه الله - في "الفتاوى": "والعهودُ والعُقود مُتقاربةُ المعنَى، أو متَّفقة، فإذا قال: أُعاهِدُ اللهَ أنِّي أحجُّ العامَ، فهو نذرٌ وعهْدٌ ويَمين، وإن قال: لا أُكَلِّمُ زيدًا، فيَمينٌ وعهدٌ لا نذر، فالأيْمان تضمَّنتْ معنَى النذر، وهو أن يلتزِمَ لِلَّه قربةً، لزمه الوفاء، وهي عَقْدٌ وعهد ومعاهدة لِلَّه؛ لأنَّه التزم لله ما يطلبُه الله منه".
وعليه فمن لَم يفِ بما عاهد الله عليه، فقد نقَض العهد الَّذي بينه وبين الله، ويجب عليه التوبة، وكفارة يمين وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الفتاوى"، قال: "إن ما وجب بالشرع إن نذره العبد، أو عاهد الله عليه، أو بايع عليه الرسول، أو الإمام، أو تحالف عليه جماعة، فإن هذه العهود والمواثيق تقتضي له وجوبًا ثانيًا، غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول، فتكون واجبة من وجهين، بحيث يستحق تاركها من العقوبة ما يستحقه ناقض العهد والميثاق، وما يستحقه عاصي الله ورسوله، هذا هو التحقيق، وهو رواية عن أحمد، وقاله طائفة من العلماء". ثم استدل – رحمه الله - على ذلك بآيات كثيرة، منها قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}، ثم قال: "فإن الله أعلن عهده الذي أمرهم به، من بعد ما أخذ عليهم الميثاق بالوفاء به، فاجتمع فيه الوجهان: العهدي، والميثاقي". وهذا القول أقرب للصواب، وأحوط في الدين، وأبرأ للذمة.
********************************************************
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التوبة:79]
حكم الطعن على من يظهر الأعمال المشروعة من أوصاف المنافقين
إن من يُظهر الأعمال المشروعة ويسعى جاهداً في بذلها ونفسُه سخيَّةٌ بها حقه أن يُكرم ويوقر، وأن تُكِنَّ له القلوب المحبةَ والمودة، وأن يُدعى له بالخير لقاءَ جهوده وجزاء إحسانه ومقابل بذله وعطائه، أيًّا كانت أعماله التي يظهرها ما دامت أعمالاً مشروعة؛ ومن ذلك الدعوة إلى الله، وتحفيظ القرآن، وبناء المساجد، وطباعة الكتب النافعة، وكفالة الأيتام ، ومساعدة الفقراء ، وإعانة المعسرين ، وقضاء الديون ، ومساعدة المتزوجين ، إلى غير ذلك من أعمال البر المشروعة ؛ فكل من يقوم بشيء من هذه الأعمال المباركة ويسعى في هذه المصالح النافعة حقه الإكرام وأن يحسَن به الظن ، إذ هو على ثغرةٍ مباركة وفي عملٍ نبيل ، وكيف يساء بأمثال هؤلاء الظن ، أو تكال لهم الطعون أو توجَّه إليهم التُّهم أو يدخل في نواياهم ومقاصدهم ؟!
وقد ذمَّ الله المنافقين بمثل هذا ، قال الله عز وجل { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التوبة:79] ،
فقد جاءت هذه الآية ضمن سياقٍ كريم في سورة التوبة في بيان أوصاف المنافقين وقبائحهم ومخازيهم، وفي السورة آيات ٌكثيرة منها ؛ ما يبدأ بقوله {وَمِنْهُمْ} ، ومنها ما يبدأ بقوله {الَّذِينَ } ثم تُذكر أوصاف هؤلاء ، وفي هذه الآية ذكر عز وجل من أوصافهم أنهم يلمزون المطوعين في الصدقات ويلمزون كذلك الذين لا يجدون إلا جهدهم ؛ أي أنهم يلمزون المكثر من الإنفاق في سبيل الله بأنَّ قصده بنفقته الرياء والسمعة والمفاخرة ونحو ذلك ، ويلمزون المقِلَّ في النفقة لكونه لا يجد إلا القليل بقولهم : إن الله غني عن نفقته .
فلم يسْلَم منهم مقلٌّ ولا مكثِر، بل لا يدَعون شيئاً من أمور الدين وأفعال الخير يرون لهم فيها مقالاً إلا طعنوا وتكلموا بالبغي والعدوان والظلم والبهتان. نسأل الله العافية والسلامة.
وروى الحافظ أبو بكر البزار: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا" ، قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله، عندي أربعة آلاف ، ألفين أقرضهما ربي ، وألفين لعيالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أمسكت" . وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر، فقال: يا رسول الله ، أصبت صاعين من تمر : صاع أقرضه لربي، وصاع لعيالي ، قال: فلمزه المنافقون وقالوا : ما أعطى الذي أعطى ابنُ عوف إلا رياءً ! وقالوا: ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا؟ فأنزل الله: { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} الآية ا. هـ مختصراً .
وقد جمع هؤلاء المنافقون بهذا الطعن واللمز بين جملةٍ من الخصال الذميمة والخلال المشينة ، وفي هذا يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : (( فإنهم جمعوا في كلامهم هذا بين عدة محاذير :
منها : تتبعهم لأحوال المؤمنين وحرصهم على أن يجدوا مقالاً يقولونه فيهم ، والله يقول : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور:19] .
ومنها : طعنهم بالمؤمنين لأجل إيمانهم كفراً بالله تعالى وبُغضاً للدين .
ومنها : أنَّ اللَّمز محرَّم ، بل هو من كبائر الذنوب في أمور الدنيا ، وأما اللمز في أمر الطاعة فأقبح وأقبح .
ومنها : أنَّ من أطاع الله وتطوع بخصلةٍ من خصال الخير فإن الذي ينبغي إعانته وتنشيطه على عمله ، وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم وعابوهم عليه .
ومنها : أن حكمهم على من أنفق مالاً كثيراً بأنه مراءٍ غلطٌ فاحش ، وحكمٌ على الغيب ، ورجمٌ بالظن ؛ وأي شر أكبر من هذا ؟ .
ومنها : أنَّ قولهم لصاحب الصدقة القليلة : الله غنيٌّ عن صدقة هذا ! كلام مقصوده باطل ؛ فإن الله غنيٌّ عن صدقة المتصدِّق بالقليل والكثير ، بل وغنيٌّ عن أهل السماوات والأرض ، ولكنه تعالى أمر العباد بما هم مفتقرون إليه ؛ فالله وإن كان غنيا عنه فهم فقراء إليه ؛ { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } [الزلزلة:7] وفي هذا القول من التثبيط عن الخير ما هو ظاهرٌ بيِّن ، ولهذا كان جزاؤهم أن يسخر الله منهم ولهم عذابٌ أليم )) ا.هـ .
ومن خلال ما تقدَّم يُعلم أنَّ الطعن فيمن يُظهر الأعمال المشروعة ووصْفه بالرياء أو التشكيك في نيته إنما هو من أعمال المنافقين كما هو واضحٌ في الآية المتقدمة وفي الأحاديث المبيِّنة لها ، وهو من قبيل ما جاء في المثل (( رمتني بدائها وانسلَّت )) ، ثم هو كذلك من أعمال المشركين ؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : (( بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي ... )) الحديث؛ فرمى هؤلاء المشركين سيِّدَ ولد آدم وإمامَ المخلِصين وقدوة الموحِّدين بالرياء لما رأوه متعبِّداً لله عز وجل .
ويُعلم كذلك أن النهي عن الأعمال المشروعة والتخذيل عنها بحجة البُعد عن الرياء والسلامة منه مسلكٌ غير صحيح، بل يترتب عليه أضرارٌ كثيرة وأخطارٌ عديدة لا يُعلم مداها،
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المقام كلامٌ عظيمُ النفع كبيرُ الفائدة أنقله بحروفه رجاء أن ينفع الله به كل من يطَّلع عليه ، قال رحمه الله : (( وَمَنْ نَهَى عَنْ أَمْرٍ مَشْرُوعٍ بِمُجَرَّدِ زَعْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ رِيَاءٌ فَنَهْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ لَا يُنْهَى عَنْهَا خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ ، بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا وَبِالْإِخْلَاصِ فِيهَا ، وَنَحْنُ إذَا رَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُهَا أَقْرَرْنَاهُ ، وَإِنْ جَزَمْنَا أَنَّهُ يَفْعَلُهَا رِيَاءً فَالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا } [النساء:142]
فَهَؤُلَاءِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُقِرُّونَهُمْ عَلَى مَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ الدِّينِ وَإِنْ كَانُوا مُرَائِينَ وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي تَرْكِ إظْهَارِ الْمَشْرُوعِ أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي إظْهَارِهِ رِيَاءً ، كَمَا أَنَّ فَسَادَ تَرْكِ إظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ رِيَاءً ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ رِئَاءَ النَّاسِ.
الثَّانِي : لِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا أَنْكَرَتْهُ الشَّرِيعَةُ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( إنِّي لَمْ أومر أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَنْ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ))، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه : مَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَحْبَبْنَاهُ وَوَالَيْنَاهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا أَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ سَرِيرَتَهُ صَالِحَةٌ.
الثَّالِثُ : أَنَّ تَسْوِيغَ مِثْلِ هَذَا يُفْضِي إلَى أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ يُنْكِرُونَ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ إذَا رَأَوْا مَنْ يُظْهِرُ أَمْرًا مَشْرُوعًا مَسْنُونًا ، قَالُوا : هَذَا مِرَاءٌ ، فَيَتْرُكُ أَهْلُ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ إظْهَارَ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ حَذَرًا مِنْ لَمْزِهِمْ وَذَمِّهِمْ فَيَتَعَطَّلُ الْخَيْرُ وَيَبْقَى لِأَهْلِ الشِّرْكِ شَوْكَةٌ يُظْهِرُونَ الشَّرَّ وَلَا أَحَدَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ . الرَّابِعُ : أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ شَعَائِرِ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ يَطْعَنُ عَلَى مَنْ يُظْهِرُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التوبة:79] ،
فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَامَ تَبُوكَ جَاءَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِصُرَّةِ كَادَتْ يَدُهُ تَعْجِزُ مِنْ حَمْلِهَا فَقَالُوا : هَذَا مِرَاءٌ ، وَجَاءَ بَعْضُهُمْ بِصَاعِ فَقَالُوا : لَقَدْ كَانَ اللَّهُ غَنِيًّا عَنْ صَاعِ فُلَانٍ ، فَلَمَزُوا هَذَا وَهَذَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَصَارَ عِبْرَةً فِيمَنْ يَلْمِزُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ )) .
********************************************************
وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84].
صلاة الجنازة لا تجوز على المشرك، والكافر، والمنافق نفاقا أكبر، فمن علم نفاق شخص أو كفره : حرم عليه أن يصلي عليه ، أو أن يستغفر له بعد موته ، سواء كان قريبا له أم لم يكن.
قال أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله في " المهذب( 1/250)
وإن مات كافر لم يصل عليه، لقوله عز وجل: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) التوبة/84، ولأن الصلاة لطلب المغفرة ، والكافر لا يغفر له، فلا معنى للصلاة عليه " انتهى.
وقال النووي رحمه الله: " وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْكَافِرِ " انتهى من المجموع. ( 5/258)
وجاء في "الموسوعة الفقهية: (21/41)
"كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، حَتَّى نَزَل قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) . فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلاَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ.
وَكَانَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ صَلَّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ ، وَمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ لَمْ يُصَل عَلَيْهِ.
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا مَاتَ مَيِّتٌ لَمْ يُصَل عَلَيْهِ ، حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ ؛ لأِنَّ حُذَيْفَةَ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَعْيَانَ الْمُنَافِقِينَ " انتهى .
ولما استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب بعد موته ، نهاه الله عن ذلك ، بقوله : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) التوبة/113-114 .
وكذلك الساحر الذي يستعين بالجن في سحره ، فإنه كافر لا تجوز الصلاة عليه .
وقد سئل الشيخ ابن باز عن حكم الصلاة على الساحر ودفنه في مقابر المسلمين بعد قتله.
فأجاب : " إذا قتل لا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، يدفن في مقابر الكفرة ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، ولا يصلى عليه ، ولا يغسل ولا يكفن " .
انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (8/ 111) .
ثانيا: الواجب هو التثبت ، وقد يكون حكم عليه بالنفاق لكونه وجد فيه علامة من علامات المنافقين ، كالكذب في الحديث ، وهذا لا يكفي لإخراج المسلم من الإيمان والحكم عليه بأنه منافق نفاقا اعتقاديا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "النفاق نوعان: نفاق اعتقادي، ونفاق عملي، فالنفاق الاعتقادي محله القلب ، ولا يعلم به إلا الله، ولهذا بعض الصحابة الذين حصل منهم المخالفة، فقال عمر: إنه نافق، فعارضه الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالنفاق الاعتقادي محله القلب، ولا يجوز أن يرمي الإنسان به أحداً من المسلمين، وأهل الولاء لله ورسوله إلا ببينة واضحة.
والنفاق العملي: أن يأتي الإنسان خصلة من خصال المنافقين، فلا بأس أن تقول: هذا منافق لهذا الفعل، فإذا رأينا الرجل يحدث ويكذب؛ قلنا: هذا منافق نفاقاً عملياً في هذه المسألة، وإذا رأيناه قام إلى الصلاة وهو كسلان؛ نقول: هذا فيه خصلة من خصال المنافقين؛ لأنه أشبه بالمنافقين في قيامه إلى الصلاة على وجه الكسل، فالنفاق العملي واسع؛ فكل من وافق المنافقين في خصلة من خصالهم، فإنه منافق في هذا العمل خاصة، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
هذه علامة المنافق، لكن هذه العلامات قد يقوم بها أناس من المسلمين؛ فنقول: هو منافق في هذه المسألة " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (32/ 21) .
فلا يجوز أن يرمى الإنسان بالنفاق الاعتقادي المخرج عن الملة ، إلا ببينة واضحة .
الثلاثاء، 15 مايو 2018
الجزء العاشر - الربع الثامن - التفسير و المعاني
فيما يلي ماتيسر ذكره من تفسير الايات من كتاب التفسير الميسر و يتبع كل ايه مايلي:
📌وقفات تدبريه من تطبيق القرآن تدبر و عمل
💡ما تيسر من الأعمال و التوجيهات المستنبطه من الآيه من تطبيق القرآن تدبر و عمل
( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ )
التوبة (75)
ومن فقراء المنافقين مَن يقطع العهد على نفسه: لئن أعطاه الله المال ليصدَّقنَّ منه، وليعمَلنَّ ما يعمل الصالحون في أموالهم، وليسيرَنَّ في طريق الصلاح.
********************************************************
التوبة (76)
فلما أعطاهم الله من فضله بخلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال في الخير، وتولَّوا وهم معرضون عن الإسلام.
********************************************************
التوبة (77)
فكان جزاء صنيعهم وعاقبتهم أَنْ زادهم نفاقًا على نفاقهم، لا يستطيعون التخلص منه إلى يوم الحساب؛ وذلك بسبب إخلافهم الوعد الذي قطعوه على أنفسهم، وبسبب نفاقهم وكذبهم.
السؤال : لماذا عبرت الآية الكريمة عن كذب المنافقين بـــــ (كانوا يكذبون) ؟
وعبّر عن كذبهم بصيغة (كانوا يكذبون) لدلالة كان على أنّ الكذب كائن فيهم ومتمكّن منهم، ودلالة المضارع على تكرّره وتجدّده.
(ابن عاشور:10/273.)
********************************************************
التوبة (78)
ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله يعلم ما يخفونه في أنفسهم وما يتحدثون به في مجالسهم من الكيد والمكر، وأن الله علام الغيوب؟ فسيجازيهم على أعمالهم التي أحصاها عليهم.
********************************************************
التوبة (79)
ومع بخل المنافقين لا يَسْلَم المتصدقون من أذاهم؛ فإذا تصدق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء، وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم استهزؤوا بهم، وقالوا سخرية منهم: ماذا تجدي صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلاء المنافقين، ولهم عذاب مؤلم موجع.
السؤال : ما الذي يجب على المؤمنين إذا رأوا أحداً يعمل بخصلة من خصال الخير؟ وكيف يفاد هذا من الآية؟
من أطاع الله وتطوع بخصلة من خصال الخير فإن الذي ينبغي هو: إعانته، وتنشيطه على عمله، وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم، وعابوهم فيه.
(السعدي:346.)
********************************************************
التوبة (80)
استغفر -أيها الرسول- للمنافقين أو لا تستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم، مهما كثر استغفارك لهم وتكرر؛ لأنهم كفروا بالله ورسوله. والله سبحانه وتعالى لا يوفق للهدى الخارجين عن طاعته.
********************************************************
التوبة (81)
فرح المخلفون الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقعودهم في (المدينة) مخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وقال بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحرِّ، وكانت غزوة (تبوك) في وقت شدة الحرِّ. قل لهم -أيها الرسول-: نار جهنم أشد حرًا، لو كانوا يعلمون ذلك.
السؤال : ما الفرق بين المؤمن والمنافق إذا فاتتهم الأعمال الصالحة؟
وهذا قدر زائد على مجرد التخلف؛ فإن هذا تخلف محرم، وزيادة رضا بفعل المعصية، وتبجح به. (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله): وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا -ولو لعذر- حزنوا على تخلفهم، وتأسفوا غاية الأسف، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؛ لما في قلوبهم من الإيمان، ولما يرجون من فضل الله، وإحسانه، وبره، وامتنانه.
(السعدي:346.)
السؤال : لماذا قال تعالى: (المخلفون) ولم يقل: «المتخلفون»؟ وماذا نستفيد من ذلك؟
هذه آية تتضمن وصف حالهم على جهة التوبيخ لهم، وفي ضمنها وعيد. وقوله: (الْمُخَلَّفُونَ) لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه، وهذا أمكن في هذا من أن يقال: «المتخلفون». ولم يفرح إلا منافق، فخرج من ذلك: الثلاثة، وأصحاب العذر.
(ابن عطية: 3/65.)
السؤال : ما سبب وصف الله المنافقين بعدم الفقه؟
فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة، وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال، ويذهبه البكر والآصال، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره، وهو النار الحامية.
(السعدي:346.)
********************************************************
التوبة (82)
فليضحك هؤلاء المنافقون الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة (تبوك) قليلا في حياتهم الدنيا الفانية، وليبكوا كثيرًا في نار جهنم؛ جزاءً بما كانوا يكسبون في الدنيا من النفاق والكفر.
********************************************************
التوبة (83)
فإنْ رَدَّك الله -أيها الرسول- مِن غزوتك إلى جماعة من المنافقين الثابتين على النفاق، فاستأذنوك للخروج معك إلى غزوة أخرى بعد غزوة (تبوك) فقل لهم: لن تخرجوا معي أبدًا في غزوة من الغزوات، ولن تقاتلوا معي عدوًا من الأعداء؛ إنكم رضيتم بالقعود أول مرة، فاقعدوا مع الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال : ما خطورة ترك العبادات والأعمال الصالحة في حال تهيؤ الظروف المناسبة؟
فإن المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة لا يوفق له بعد ذلك، ويحال بينه وبينه.
(السعدي:346.)
********************************************************
التوبة (84)
ولا تصلِّ -أيها الرسول- أبدًا على أحد مات من المنافقين، ولا تقم على قبره لتدعو له؛ لأنهم كفروا بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وماتوا وهم فاسقون. وهذا حكم عام في كل من عُلِمَ نفاقه.
السؤال : ما حكم الدعاء للمؤمنين عند قبورهم؟
والسنة في زيارة قبور المسلمين نظير الصلاة عليهم قبل الدفن، قال الله تعالى في كتابه عن المنافقين: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) فكان دليل الخطاب أن المؤمنين يصلى عليهم.
(ابن تيمية:3/435.)
********************************************************
التوبة (85)
ولا تعجبك -أيها الرسول- أموال هؤلاء المنافقين وأولادهم، إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بمكابدتهم الشدائد في شأنها، وبموتهم على كفرهم بالله ورسوله.
السؤال : كيف نفيد من هذه الآية في تطبيق الولاء والبراء في الله؟
تدريباً لهم على الحبِّ في الله، والبُغض فيه؛ لأنه من أدقِّ أبواب الدِّين فهماً، وأجلها قَدراً, وعليه تُبتنى غالب أبوابه, ومنه تُجتنى أكثرُ ثمراته وآدابه, وذلك أنه ربما ظنَّ الناظر فيمن بُسِطت عليه الدنيا أنه من الناجين؛ فيوادُّه لحسن قوله غافلاً عن سوء فعله.
(البقاعي:3/371.)
********************************************************
التوبة (86)
وإذا أنزلت سورة على محمد صلى الله عليه تأمر بالإيمان بالله والإخلاص له والجهاد مع رسول الله، طلب الإذن منك -أيها الرسول- أولو اليسار من المنافقين، وقالوا: اتركنا مع القاعدين العاجزين عن الخروج.
********************************************************
التوبة (87)
رضي هؤلاء المنافقون لأنفسهم بالعار، وهو أن يقعدوا في البيوت مع النساء والصبيان وأصحاب الأعذار، وختم الله على قلوبهم؛ بسبب نفاقهم وتخلفهم عن الجهاد والخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، فهم لا يفقهون ما فيه صلاحهم ورشادهم.
السؤال : ما الفرق بين المؤمن والمنافق في حالتي السِّلم والحرب؟
فإذا وقع الحرب؛ كانوا أجبن الناس، وإذا كان أَمنٌ كانوا أكثر الناس كلاما
(ابن كثير:2/363)
********************************************************
( لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
التوبة (88)
إنْ تخلَّف هؤلاء المنافقون عن الغزو، فقد جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه بأموالهم وأنفسهم، وأولئك لهم النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة والكرامة في الآخرة، وأولئك هم الفائزون.
********************************************************
التوبة (89)
أعدَّ الله لهم يوم القيامة جنات تجري مِن تحت أشجارها الأنهار ماكثين فيها أبدًا. وذلك هو الفلاح العظيم.
********************************************************
التوبة (90)
وجاء جماعة من أحياء العرب حول (المدينة) يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج للغزو، وقعد قوم بغير عذر أظهروه جرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. سيصيب الذين كفروا من هؤلاء عذاب أليم في الدنيا بالقتل وغيره، وفي الآخرة بالنار.
********************************************************
التوبة (91)
ليس على أهل الأعذار مِن الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يملكون من المال ما يتجهزون به للخروج إثم في القعود إذا أخلصوا لله ورسوله، وعملوا بشرعه، ما على مَن أحسن ممن منعه العذر عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ناصح لله ولرسوله من طريق يعاقب مِن قِبَلِه ويؤاخذ عليه. والله غفور للمحسنين، رحيم بهم.
السؤال : ما وجه وصف الضعفاء والمرضى والفقراء بالإحسان, مع أنهم لم يجاهدوا، ولم يتصدقوا؟
(إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ) يعني: بنياتهم وأقوالهم، وإن لم يخرجوا للغزو، (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ): وصفهم بالمحسنين لأنهم نصحوا لله ورسوله، ورفع عنهم العقوبة، والتعنيف، واللوم.
(ابن جزي:1/367.)
السؤال : ما الحكمة في ختم الآية باسمي (الغفور) و(الرحيم), مع أنها تتكلم عن المحسنين؟
(والله غفور رحيم) إشارة إلى أن الإنسان محل التقصير والعجز وإن اجتهد, فلا يسعه إلا العفو.
(البقاعي:3/374.)
********************************************************
التوبة (92)
وكذلك لا إثم على الذين إذا ما جاؤوك يطلبون أن تعينهم بحملهم إلى الجهاد قلت لهم: لا أجد ما أحملكم عليه من الدوابِّ، فانصرفوا عنك، وقد فاضت أعينهم دَمعًا أسفًا على ما فاتهم من شرف الجهاد وثوابه؛ لأنهم لم يجدوا ما ينفقون، وما يحملهم لو خرجوا للجهاد في سبيل الله.
السؤال : ما أهمية النية الصادقة؟ أجب من خلال هذه الآية.
فهؤلاء لا حرج عليهم، وإذا سقط الحرج عنهم عاد الأمر إلى أصله، وهو: أن من نوى الخير، واقترن بنيته الجازمة سعيٌ فيما يقدر عليه، ثم لم يقدر؛ فإنه يُنَزَّل منزلة الفاعل التام.
(السعدي:348.)
السؤال : رأينا في زماننا من يبكي لخسارة فريق رياضي أو شهوة نفسية أو منفعة دنيوية، ما الذي أبكى الصحابة رضي الله عنهم؟وهم سبعة نفر سموا بالبكائين ... أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إن الله قد ندبنا إلى الخروج معك؛ فاحملنا ... فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله عنه في قوله تعالى: (قلت لا أجد ما أحملكم عليه) تولوا وهم يبكون.
(البغوي:2/315.)
********************************************************
مع بعض التوجيهات
********************************************************
مع التفسير للدكتور/ابراهيم الشربيني
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)