*التوحيد في القرآن الكريم*
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين ، النبي الأمي المبعوث رحمة للعالمين ، والمؤيد بالكتاب المبين والقرآن العظيم ، ليخرج الناس من ظلمة المعتقدات الفاسدة ،والديانات المحرفة ، ويعيد الإنسانية إلى نور التوحيد ، وفطرة الحنيفية السمحة التي فطر الله تعالى الخلق عليها ، سيدنا ،وإمامنا ،وقائدنا ، وشفيعنا ،محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين ومن سار على هديه واتبع سنته الى يوم الدين .
قال الله تعالى :"وماأرسلنا من قبلك من رسول إﻻ نوحي إليه أنه ﻻإله إلا أنا فاعبدون " اﻻنبياء-25-
قال الله تعالى : "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " .محمد-19-
نزلت هذه الآية الكريمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة المنورة، أي بعد ثلاث عشرسنة من دعوته إلى توحيد الله عزوجل ، وإفراده بالعبادة سبحانه وتعالى ، وقد استفرغ عليه الصلاة والسلام كل طاقته ، وبذل كل ما في وسعه في تبليغ رسالته إلى أهل مكة ، فكانت هذه الآية الكريمة ، نداءً ربانيا ، وأمرا إلهيا ، لعبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكل مكلف من أمته صلى الله عليه وسلم من بعده بوجوب تعلم التوحيد إيماناً وسلوكا، والثبات عليه ، لعله يدرك بعض مافيه من أنوار وتوجهيات ، وفوائد ودﻻﻻت.
قال الله تعالى : "ياأيها الذين آمنوا ....... آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله ومﻻئكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضﻻﻻ بعيدا " النساء -136- .
وفي الصحيح عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من مات وهو ( يعلم )أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " .
وقد تضمن القرآن الكريم في سوره وآياته أنواع التوحيد التي بعث بها الانبياء ودعى إليها الرسل عليهم الصلاة والسلام وهي :توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات
.
قال الإمام ابن القيم :" التوحيد أشف شيء وأنزهه ،وأنصعه وأصفاه ،وأدنى شيء يخدشه ويدنسه ويؤثر فيه ،فهو كأبيض ثوب يكون ، يؤثر فيه أدنى أثر ، وكالمرآة الصافية جداً ، أدنى شيء يؤثر فيها ، ولهذا تشوهه اللحظة ، واللفظة ، والشهوة الخفية ".الفوائد ﻻبن القيم
*بِسم اللّه الرّحمن الرّحيم*
*الحمد للّه:* ربِّ العالمين.
*الحمد للّه:* المَلكِ الحقِّ المُبين.
*الحمد للّه:* أشهدَ الخلقَ على ربوبيّتهِ وأخذَ عليهم عهدَه.
*الحمد للّه:* علَّم الإنسانَ بأنه الربُّ المتفرِّدُ بصفات الكمال ونُعوت الجلال وحده.
*الحمد للّه :* المُسَمّى بالأسماءِ الحسانِ وصْفَه.
*والصلاة والسلام* الأتمّان الأطهران على:
البشيرِ النذيرِ، المبعوث رحمة للعالمين.
المؤيَّد بالقرآن العظيم،
ليُخرِج الناس من الظلمات إلى النور المبين.
إمام النبيّين وأسوة الموحّدين وشفيع الخلق يوم الدين.
وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وأحيا سُنّته وأقام نهجه حتى أتاه اليقين، وبعد:
إخوتي الأكارم، وأحبّتي الأفاضل، *السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:*
أقدّم إليكم هذه الباقات المباركات، بكلام الحق سبحانه وصفاته.
والزهرات المعطّرات، من فيوضات القرآن الكريم وآياته.
وهي تنطق بالوحدانية المطلقة لله عزّ وجلّ، وقد سمّيتها باقات :
*" التوحيد رحيق الروح "*
وأرسلها إلى مجموعتكم الكريمة المباركة بإذن الله تعالى مرتّبةً متسلسلةً، راجياً من الله العليم الحكيم أن يرزقنا جميعاً:
*علماً نافعاً، ويقيناً صادقاً، وقلباً خاشعاً، وعملاً صالحاً متقبﻻً، وشفاءً من كل داء.
* وأن يحينا دائماً بذكر *" ﻻ إله إلاّ اللّه "* مبلِّغين.
*وأن يقبضنا عليها طيبين.
*وأن يبعثنا بها من قبورنا آمنين.
*وأن يُثَّقل بها ميزاننا، لنفوز بجواره في الفردوس خالدين.
د/ حسان كشتو******************************************************************************************************************************************
[1] *التوحيد في القرآن الكريم*
*"جوهر الكون"*
إخوتي اﻻفاضل وأحبّتي الأكارم، السالكين بإذن الله تعالى في مدارج إياك نعبد وإياك نستعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
قال الله تعالى: *(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)*.
[سورة اﻷنبياء 25].
إنّ توحيد الله تبارك وتعالى هو:
*جوهر الكون* وسر أنواره.
وهوالحكمة من خلقه والعلّة من وجوده.
ولبيان شأن التوحيد وعظيم قدرِه، أرسل الحقُّ سبحانه وتعالى إلى الثقلين أنبياءه ورسله، وأيّدهم بآياته وكتبه.
فكان *التوحيد المطلَق لله عزّ وجلّ* أهمّ موضوعٍ تناوله القرآن الكريم عرْضاً وبياناً، وأعظمه أمثلةً وأكثره تصويراً، لأنّ الإيمان بالله عزّ وجلّ والإخلاص له سبحانه، هو أمرٌ فطريٌّ، وتكليفٌ شرعيٌّ، وقضيةٌ مصيريّةٌ.
قال الله تعالى: *(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ).*
[سورة الحج 18].
إخوتي في الله :
سنجتهد إن شاء الله تعالى، بالبحث والنظر والتفكّر في السُوَر والآيات الكريمات لننهل من:
*التوحيد في القرآن الكريم*
راجين من الحقّ سبحانه وتعالى وهو المتفضِّل علينا بهداية الدﻻلة عليه، أن يكرمنا بالتعرّض لنفحاتٍ مباركاتٍ طيباتٍ من أنوار التوحيد، تستنير بها قلوبنا، ورحيقاً تحيا بها أرواحنا.
إخوتي في الله:
إنّ باقات *التوحيد رحيق الروح*:
هي نسماتٌ عطِراتٌ، مُستقاةٌ من القرآن الكريم وعلومه، وهدي نبيّه صلى الله عليه وسلم وسنّته، نتدارسها ونتذاكرها تحت عناوين علمية جليّة، ومن خﻻل مقاطع مكتوبة مختصرة، تكون كحلقاتٍ منفصلةٍ عن بعضها في مادتها ومحتواها، وكأنّها حلقاتٌ متّصلةٌ في سلسلةٍ واحدةٍ، في جوهرها وفي مضمونها وهو:
*التوحيد في القرآن الكريم*
قال الله تعالى: *(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ).*
[سورة الزمر 2 - 3].
******************************************************************************************************************************************
[2] *التوحيد في القرآن الكريم*
*" علمٌ وثباتٌ "*
قال الله تعالى: *(ِاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).*
[سورة العلق 1 - 5].
إن أوَّل آية أُنْزِلَت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في غار حراء يتعبّد موﻻه كانت:
*"إِقرأ"*. وهي أول الوحي الإلهي، لخاتم الأنبياء وخاتم الرساﻻت.
*"إِقرأ"*. هي أمرٌ ربانيٌّ بالقراءة، ودعوة منه تعالى للعلم والتعلّم.
*"إِقرأ"*. هي رحمةٌ ربانيّةٌ للعباد، وأول نعمة بنزول الوحي إليهم.
*"إِقرأ باسم ربك"*: إقرأ بإذن خالقك العظيم، الذي ربّاك واعتنى بك.
*"إِقرأ باسم ربك"*: وهي أول آيةٍ، تُثبِت أصلاً هامّاً من أصول التوحيد هو *توحيد الربوبية*.
وهذا يدلّ على أهمية طلب العلم والتعلّم، ويدلّ على عظمة هذا الدِّين، وعظيم مَنْهجه ودعوته.
وتَتابع نزول الوحي الإلهي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، وهو يدعو قومه إلى الإيمان بالله تعالى وحده مدة ثﻻث عشرة سنة.
وبعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر نزول القرآن الكريم عليه.
قال الله تعالى: *(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ و َمَثْوَاكُمْ)*.
[سورة محمد 19] .
فهذه الآية الكريمة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة المنورة، أي بعد ثﻻث عشرة سنة من دعوته إلى توحيد الله عزّ وجلّ، ولزوم إفراده بالعبادة سبحانه وتعالى.
وقد استفرغ عليه الصلاة والسلام ﻷجل ذلك كل طاقته، وبذَل كلّ ما في وُسعِه في تبليغ رسالته إلى أهله وقومه في مكة.
إذاً كانت هذه الآية الكريمة:
*نداءً ربانياً، وأمراً إلهياً، لعبده ورسوله* صلى الله عليه وسلم، *ولكلّ مكلَّفٍ* من أمّته صلى الله عليه وسلم من بعده، بلزوم *تعلُّم التوحيد الواجب لله رب العالمين*.
وطلب هذا العلم الشريف ﻻ يكون لأجل التحلّي والتباهي، وإنما ليتجلّى إيماناً صادقاً في القلب، وسلوكاً عملياً في الحياة، مع ضرورة متابعته والصبر في تحصيله والثبات عليه.
ومن أكرمه الله عزّ وجلّ وأدرك حظاً من أنوار التوحيد، وتفضّل عليه بدوام نعمة الإخﻻص له سبحانه، فقد أعظم عليه المنَّة، وأجزل له العطيّة.
قال الله تعالى: *(فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).*
[سورة هود 112].
******************************************************************************************************************************************
[3] *التوحيد في القرآن الكريم*
*"صفاءٌ ونقاءٌ"*
[سورة الصافات 83 - 84].
• كان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام *أول المؤمنين* في عصره وفي قومه.
• وكان عليه الصلاة والسلام *إمام الحنيفية* في صفاء إيمانه ونقاء توحيده.
• وكان عليه الصلاة والسلام *يسأل ربه أن يثبّته على التوحيد الصافي النقي الخالص،* وقد أشهده الحق أنوار أسمائه وعظيم صفاته.
إذاً: لأجل أن يكون إيمان المسلم صحيحاً، وتوحيده لله خالصاً، يجب أن يكون:
*القلب سليماً نقياً صافياً* من خمسة أشياءٍ:
*1- شركٍ* يناقض التوحيد.
*2- بدعةٍ* تخالف السنة.
*3- شهوةٍ* تخالف الشرع.
*4- غفلةٍ* تناقض الذكر.
*5-هوىً* يناقض الإخﻻص.
قال الله تعالى: *(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).*
[سورة الشعراء 88 - 89].
وقد عرَض القرآن الكريم في كثيرٍ من سُوَره وآياته، قصصاً عديدةً ومتنوعةً، لما قام به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام من بيانٍ لحقيقة الوحدانية المطلَقة لله عزّ وجلّ، وماتضمّنته من أنواع التوحيد الثﻻثة ولزوم الإيمان بها وهي:
*توحيد الربوبية.*
*توحيد الألوهية.*
*توحيد الأسماء والصفات.*
فكانت الحكمة الإلهية من بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هي إعادة الإنسان إلى صفاء الفطرة ونقائها، وتقوية أنوار التوحيد في القلب وترسيخها، فيغدو:
* كلامه نور
* عمله نور
* مدخله نور
* مخرجه نور
* مصيره يوم القيامة إلى النور.
قال الله تعالى: *(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).*
[سورة النور 35].
قال الإمام ابن القيّم [في الفوائد]: " *التوحيد* أشفّ شيءٍ وأنزهه، وأنصعه وأصفاه، وأدنى شيءٍ يخدِشه ويُدنّسه ويؤثّر فيه، فهو كأبيض ثوبٍ يكون، يؤثّر فيه أدنى أثر، وكالمرآة الصافية جداً، أدنى شيءٍ يؤثّر فيها، ولهذا تُشوّهه اللحظة، واللفظة، والشهوة الخفية "
******************************************************************************************************************************************
[4] *التوحيد في القرآن الكريم*
*" حملٌ للأمانة "*
قال الله تعالى: *(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).*
[سورة اﻷحزاب 72].
إنّ القيامَ بواجب حمل الأمانة الإلهية التي كُلِّف بها الإنسان، يحتاج إلى معرفةٍ وعلمٍ بالله عزّ وجلّ، ﻷنّ اﻷمانة *أمرٌ إلهيٌّ ومنهجٌ شرعيٌّ*، وهذا بدوره يحتاج إلى:
• تحصيلٍ علميٍّ.
• تطبيقٍ عمليٍّ.
• صبرٍ وثباتٍ.
فتوحيد الله تعالى كما ينبغي أن يكون، ليس قضية سهلة على شفافيتها، لأنّ حقيقة الإيمان هي:
*1- تصديقٌ بالجَنان*
*2- عملٌ بالأركان*
وقد سُئِل التَستُريّ عن الإيمان فقال:
" *قولٌ، وعملٌ، ونيّةٌ، وسنّةٌ*، ﻷن اﻹيمان إذا كان قوﻻً بﻻ عملٍ فهو كفرٌ، وإذا كان قوﻻً وعمﻻً بﻻ نيّةٍ فهو نفاقٌ، وإذا كان قوﻻً وعمﻻً ونيّةً بﻻ سنّةٍ فهو بدعةٌ ".
قال الله تعالى: *(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).*
[سورة فصلت 30].
فحَمْل *اﻷمانة اﻹلهية*، أو القيام بأركان الدين الثﻻثة، اﻹسﻻم واﻹيمان واﻹحسان، هو أعظم ما يكون من المهمّات وتحمّل المسؤوليات، والدافع إليه والثبات عليه ﻻ يكون إﻻ:
بتدفّق المحبة الصادقة لله تبارك وتعالى، المبنيّة على معرفةٍ يقينيةٍ جازمةٍ *بالوَحدانية المُطلَقة الواجبة لله عزّ وجلّ.*
قال الله تعالى: *(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).*
[سورة الكهف 28].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *" إنّ الأمانة نزلَت في جذْرِ قلوب الرجال، ثم علِموا من القرآن، ثم علِموا من السنّة "* متفق عليه .
وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال:
*" كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ونحن فتيانٌ حَزاوِرة، فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلّم القرآن، ثمّ تعلّمنا القرآن فازددنا به إيماناً".* [سنن ابن ماجه].
"حزاورة: قبل البلوغ".
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: *" لقد عشنا بُرهةً من دهرٍ وأحدنا يرى الإيمان قبل القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجاﻻً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، وﻻ يدري ما آمِرُه وﻻ زاجِرُه، وﻻ ما ينبغي أن يقف عنده منه وينثره نثر الدّقْل."* [رواه الطبراني في اﻻوسط، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين].
"الدقْل: التمر الرديء".
******************************************************************************************************************************************
[5] *التوحيد في القرآن الكريم*
*" إخلاصٌ دائمٌ "*
قال الله تعالى: *( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ).*
[سورة الزمر 2 - 3].
وقال الله تعالى: *(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).*
[سورة البينة 5].
*الإخلاص المُطلَق:*
• هو الإخلاص الدائم الذي أمرَ الحقُّ عزّ وجلّ به عبادَه.
• وهو الذي ﻻ يخالِطه أدنى شرك جليّ أو خفيّ.
• وهو الذي يشمل جميع أعمال العبد، وأقواله، ومقاصده.
وهذا هو المطلب الإلهي، والتكليف الرباني ﻷنه:
*• الدين الخالص.*
*• ودين الإسلام.*
*• والحنيفية السّمْحة.*
وهذه هي الحقيقة التي أمرَ الله تعالى بها عباده، وﻻ يقبَل من أحدٍ غيرها.
قال الله تعالى: *( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ).*
[سورة اﻷنعام 162 -163].
فمن أقبل على الله عزّ وجلّ:
• بالقصْد والنيّة والعزْم.
• وأفرَد موﻻه الجليل بالطاعة والعبادة.
• وثبت على ذلك صابراً مُحتسِباً من غير غرورٍ بعمله أو رؤيةٍ لنفسه.
فقد استدركتهُ العناية الربانية بالأمنِ التامّ والاهتداء التامّ، فضﻻً من الله تعالى ونعمة.
قال الله تعالى: *( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون َ).*
[سورة اﻷنعام 82].
ولمّا كان طريق تحصيل الإخلاص المطلَق شاقّاً وصعب المنال، عزَّ إليه المشمِّرون والسائرون، وقَلَّ فيه الواصلون والفائزون.
*والمخلِصون على خطرٍ عظيمٍ:*
قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ )*، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: *( الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ).* [رواه الإمام أحمد والبيهقي].
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ:
*( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنْ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ )*، قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ:
*( الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ )*. [رواه الإمام أحمد وابن ماجه]
وقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *( أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ )*، فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال: *(قُولُوا اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئاً نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ )*. [رواه الإمام أحمد والطبراني].
******************************************************************************************************************************************
*[6] التوحيد في القرآن الكريم*
*"يقينٌ ودليلٌ"*
قال اللّه تعالى: *(وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ).*
[سورة اﻷنعام 75].
* لمّا كانت *الوحدانية المُطلَقة للّه*عزّ وجلّ أعظمَ حقيقةٍ في الوجود:
ألْهَم الحق السماوات والأرض وما فيهن *تسبيحه وتوحيده.*
* ولمّا شاء اللّه عزّ وجلّ أن يكون الإنسان في اﻷرض خليفةً:
أشهَدَ ذريّته وقال: ألستُ بربكم؟ فقالوا: بلى، وأقرّوا له *بالرُّبوبية والوحدانية.*
* ولمّا أكرمه بالعقل وكلّفه، أبصَرَ الكون مِنْ حولِه:
ليرتقي بإيمانه ويقينه، وليصبح الكون حجة له وبرهانه ودليله، في بيان حقّ: *ربوييته وتوحيده.*
قال اللّه تعالى: *(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).*
[سورة البقرة 258].
هذا المنهج الرباني، الذي أوحاه اللّه تعالى لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام إمام *الحنيفية السمحة*، هو منهج:
*القرآن الكريم.*
*والسنة النبوية.*
لدعوة الناس أجمعين إلى *الوحدانية المُطلَقة،*الواجبة للّه ربّ العالمين.
وهو سبيل وطريق أمّته صلى اللّه عليه وسلم من بعده، إلى يوم الدين.
قال اللّه تعالى: *(قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).*
[سورة يوسف 108].
هذا المنهج العلمي الدقيق، يعتمد على:
*البراهين العلمية.*
*والأدلة العقلية.*
مُنطلِقاً من الأمور البديهية والضرورية، التي ﻻ يختلف فيها العقلاء، وذلك لإقامة البراهين الساطعة والحجج الدامغة، وإلزام:
*الكافر، أو المشرك، أو المُتشكِّك* بها.
قال الله تعالى: *(قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).*
[سورة اﻷنبياء 62 - 67].
هذا المنهج القرآني طريق إلى:
* زيادة الإيمان واليقين.
* إثبات الوحدانيةالمطلقة.
وهذا يحتاج بعد الإيمان، إلى معرفةٍ صحيحةٍ ودقيقةٍ، بالعقيدة الحنيفية السمْحة التي:
* ناظرَ بها سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه وقومه.
* وحاجَّ بها الملك الذي ادّعى الربوبية، وأنكر خالقه وربّه.
* وإليها دعا عليه الصلاة والسلام عبَدَة الكواكب والنجوم.
بعد أن أثبت لهم بالدليل القاطع -أنها وغيرها من المخلوقات- قد سبَقَها العدم، وسيلحقها العدم، وأنها متغيّرة الأطوار والأحوال والأوصاف، وهذا دليلٌ على افتقارها للذي أوجدها واعتنى بها، وهو *الله ربّها*وربّ العالمين.
وبيّن لهم عليه الصلاة والسلام أن الله رب العالمين، هو الإله *المعبود بحقّ،* والذي يعبده وﻻيشرك به أحداً، وقد دعاهم لﻹيمان به وعبادته وحده.
قال الله تعالى: *(وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).*
[سورة اﻷنعام 75 - 79].
******************************************************************************************************************************************
*[7] التوحيد في القرآن الكريم*
*"معرفةٌ واجبةٌ"*
قال اللّه تعالى: *(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).*
[سورة آل عمران 18].
لمّا كان الإيمان باللّه عزّ وجلّ *فرضاً واجباً*، وركناً أساسياً من أركان الإيمان، كانت معرفة اللّه *فرضاً واجباً*، وكان تعلُّم أركان الإيمان واجباً شرعياً على الإنسان، حتى وإن كان هذا المكلَّف مسلماً ويعيش في بلاد الإسلام.
قال اللّه تعالى: *(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).*
[سورة التوبة 122].
فالشرع الحكيم، أوجب على كلّ مكلَّف *"وجوباً عينياً"*، أن يعرف معرفةً *إجماليةً*، أنّ اللّه تعالى:
• مُتَّصفٌ بجميع صفات الكمال المطلَق، وأنها واجبةٌ في حقّه.
• ومنزَّهٌ عن أيّ صفةٍ من صفات النقص، وأنها مستحيلةٌ في حقّه.
• وﻻ يُسأل عما يفعل؛ وفِعْل ما يشاء، وترْك ما يريد جائزٌ في حقّه.
قال اللّه تعالى: *(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُْ).*
[سورة محمد 19].
كما أوجب الشّرع على المكلَّفين، *"وجوباً كفائياً"*، أنْ يعرفوا معرفةً *تفصيليةً* بأركان اﻻيمان مع الدليل التفصيلي، وفي ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حقّ اللّه عزّ وجلّ.
ولعلَّ الحكمة الإلهية، من *معرفة وفَهْم أحكام التوحيد* ورسوخها يقيناً صادقاً في القلب، هو أنها:
• أصل الدين وأساسه.
• منبع الإخلاص وثباته.
• سبيل التحقّق بالعبودية .
• تحفظ القلب سليماً، مما يعكِّر صفاءه، ويحجُب أنواره.
قال الله تعالى: *(أَفَمَنْ كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِه).*
[سورة هود 17].
وعمﻻً بهذا المنهج القرآني أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعَثَه نحو أهل اليمن فقال لهُ: *" إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ، فَإِذَا صَلَّوْا ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ ، فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ ، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ"* [متفق عليه].
*والخلاصة:* فإن الله تعالى إذا تفضّل على العبد، وعرَّفه عظيم صفاته وأنوار أسمائه، وأشهَدَه بديع خلقه وحكمة أفعاله، يصبح جاهزاً وبأتم استعداد:
• للقيام بالتكاليف الشرعية والأوامر الربانية.
• مع تمام الرضا والحب والمسؤولية.
******************************************************************************************************************************************
*[8] التوحيد في القرآن الكريم*
*"غراسُ الفِطْرة"*
قال اللّه تعالى: *(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ).*
[سورة اﻷعراف 172].
لما خلَق اللّه تعالى آدم عليه السلام، أخرج من صُلْبه ما هو كائنٌ من ذريّته إلى يوم القيامة، وجمَعَهم على صعيدٍ واحدٍ وعرَّفهم بأعظم حقيقةٍ في الوجود، أﻻ وهي:
*الوحدانية المُطلَقة للّه.*
وأَشهدَهم سبحانه وتعالى على ذلك، وأقام عليهم الحُجّة، لئلّا يقولوا يوم القيامة أنه لم يبيّن أو يعرّف لهم ذلك، وكانوا عنه غافلين.
فشهدوا على أنفسهم -وهم في عالَمِ اﻷرواح-، وأقرُّوا لله عزَّ وجلّ بالربوبية والوحدانية، وهذه هي الفطرة التي فَطَر اللّه الناس عليها، ويتساوى فيها جميع أفراد البشرية.
*فالفطرة اﻹلهية*هي:
• ﻻ إله إلا اللّه.
• التوحيد المطلق.
• توحيد الرُّبوبية.
• توحيد الألوهية.
• توحيد اﻷسماء والصفات.
• هي الدين، والإسلام، و الإخلاص.
• وهي الحجة القائمة، على من أنكرها وكفَرَ بها يوم القيامة.
قال اللّه تعالى: *(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).*
[سورة الروم 30].
*والفِطرة الإلهية*هي نور التوحيد، الذي جبَلَ اللّه
عزّوجلّ عليه الإنسان، وهيّأ قلب هذا المخلوق البشري، وجعل عنده الاستعداد اللازم لمعرفة خالقه العظيم، وقبول الحقّ إذا بلَغ مبلَغ المعرفة.
*وللفطرة الإلهية* في القرآن الكريم مثالاً بديعاً، عرّف الله عزّ وجلّ لنا فيه مكانتها، ودورَها في حياة اﻹنسان المؤمن الموحِّد.
قال اللّه تعالى: *(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).*
[سورة النور 35].
*فالفطرة اﻹلهية*في قلب المؤمن، هي بمنزلة الزيت النقي الصافي، الذي يَكاد يُضيء لشِدَّة نقائه وصفائه، ولديها أيضاً اﻻستعداد الكامل لتلقي التعاليم الإلهية، وتطبيق الشريعة الربانية.
فإذا تعرّف صاحبها على الله عزّ وجلّ وآمَنَ به، اشتعل ذلك النور في قلبه، وازداد توهّجاً وضياءً، وكان ذلك بمثابة اشتعال النار في فتيلة زيت المصباح.
فالمصباح الموصوف والزيت، يقابلُه القلب الموحِّد الصافي من كل شائبة، فإذا وصل إليه الإيمان أضاء إضاءةً عظيمةً، إذ يجتمع فيه نور الفطرة، ونور المعرفة، ونور الإيمان، فيصبح
*نورٌ على نور.*
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: *"مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ".* [متفق عليه].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: *"كل مولود يولد على الفطرة ، حتى يعرب عنه لسانه ، فإذا عبر عنه لسانه إما شاكراً وإما كفورا ".* [رواه أحمد].
*فالفطرة الإلهية*هي بمثابة مؤشِّرٍ حسّاس، ومقياسٍ دقيق، يرقب أفعال الإنسان وسلوكه، بحيث لو تُرِكت -وكانت سليمة من أي تأثير خارجي- ﻻختار صاحبها طريق الإيمان، وأقر لربّه عزّ وجلّ بالكمال .
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجلّ: *" إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَ اجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا "* [رواه مسلم].
******************************************************************************************************************************************
*[9] التوحيد في القرآن الكريم*
*"إحياء الفطرة"*
[سورة الروم 30].
*الفطرة الإلهية :*
*هي الخِلْقَةُ الأصليّة التي خلق الله عزوجل الناس عليها.
*وهي الجِبِلَّةُ القابلة لدين الحق
*وهي أوجه الخيركله، الذي جاء به الدين، وبيّن فيه حكمه.
*وهي التعريف بالأمانة الإلهية والإقرار بها، والإعداد والتكليف لحملها.
*والفطرة الإلهية:*
صافية نقية *حنيفية* في أصلها، يتعرض صاحبها خلال حياته ، لكثير من أنواع الإبتلاء والمحن ، وينزل به أصناف من القضاء والقدر، قد تتأثر بسبب ذلك فطرته، ويتعكر صفاؤها ويتكدر نقاؤها، فينحرف الإنسان عن الصراط ، ويضل طريق الهداية ، ويتبع أوامرالهوى ، ويسلك طرق الغواية .
وقد قامت رسالة الدين الحنيف على:
* *تثبيت عقيدة التوحيد* في قلب الإنسان.
* *وإحياء فطرته السليمة* وإزكائها.
وذلك بمحاربة أنواع الفساد والشرك والضلال في بيئته، وإزالة الحجب والأصداف التي أصابت فطرته ، وطمست أنواراها وأضاعت هديها .
ولعل أهم مايؤذي هذه الفطرة من أسباب:
*1-عدواة الشيطان* للإنسان ،ومحاولة صرفه عن الصراط المستقيم، متسلحاً لإغوائه بأنواع الوساوس والأوهام ، ومزينا له سوء أفعاله ليراها أعمال حسان.
قال اللّه تعالى : *(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ).*
[ اﻷعراف 16 - 17] .
وقال اللّه تعالى : *(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).*
[ الحجر 39].
*2-*وجود الإنسان في *البيئات الفاسدة*الظلمانية ، وانخراطه في المجتمعات المنحرفة الضالة.
قال اللّه تعالى : *(وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ).*
[ هود 113] .
*3-إتباع الهوى،* والإنصياع للنزعات النفسية السلبية ، الشهوانية منها والعدوانية .
قال الله تعالى : *(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).*
[ القصص50 ] .
******************************************************************************************************************************************
*[10]التوحيدفي القرآن الكريم*
*"أسئلةوامتحان"*
[سورة الحجر 92 - 93].
وقال اللّه تعالى : *(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ).*
[سورة المؤمنون 115 - 116].
* لمَّا خلق اللّه تعالى الإنسان، وأراد له *السعادة*في حياته الدنيا وفي آخرته...
* ولمَّاجعل الحق عزوجل هذه *السعادة،* مرهونة بصحة عقيدتهِ وثبات إيمانه...
* أراد سبحانه وتعالى أن تكون عقيدة *التوحيد المطلق* هي أجلُّ مطالب الإنسان، وأسمى مقاصده وأنبل أهدافه، لأنها حياة قلبه، وطمأنينة نفسه، *وسِر سعادة*.
* وقد أخبر اللّه تعالى أن الدار الآخرة ستكون *داراََ للحساب وللجزاء*، فإما نعيم وإماشقاء، وأن في منازلها من الشدائد والأهوال مايذهل الإنسان، وماتشيب منه الولدان.
قال اللّه تعالى : *(لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ).*
[سورة الرعد ١٨].
* وشاءَ الحق سبحانه وتعالى أن يكون *القبر أول منازل الآخرة،* وخصَّه بأنواع من الشدائد والأهوال، وجعل فيه *أسئلة وامتحان،* وعليها يُكرمُ المرء في قبره، أويُهان.
قالَ اللّه تعالى : *(حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ).*
[سورة المؤمنون 99 - 100].
وقالَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: *( إنَّ القبرَ أوَّل منازل الآخرة، فإن نجامِنْه، فما بعدهُ أيسرُ مِنه ،*وإن لم
ينج منه *، فما بعده أشَدُّ).*رواه الترمذي وابن ماجه.
* ولمَّا أخبَرَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن *مكان أول امتحان* بعد موت الإنسان، أخْبرَ أيضا عن *زمانه،* وحدَّدَ موضوع *أسئلته،* نظرا لأهميته، ولأنَّ مابعده إنّما يُبنى عليه.
* وبيَّن عليه الصلاة والسلام أن *القلب* هو المَعنيّ بهذا الأمر كله، وأن *أسئلة الإمتحان* ستكون بما يَحويه وينبُضُ فيه، لأنّه محطَّة التوحيد، ومنبع الإخلاص، وقائد الحواس.
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(ألاَ وإنَّ في الجسدِ مضغة إذا صَلَحتْ صَلحَ الجسدُ كُلّه وإذا فَسدتْ فسدَ الجسدُ كله ألا وهي القلب).*متفق عليه.
*مكان الامتحان:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(إنَّ هذه الأمّة تُبْتلى في قُبورها).*رواه مسلم.
*زمان الامتحان:
كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: *(استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل).*رواه ابو داوود.
*أسئلة الامتحان:
َعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: *(اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ. قَالَ: فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنَ السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ يَعْنِي بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ يَقُولُونَ: فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ ; فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: [ مَنْ رَبُّكَ؟ ] فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ. يَقُولَانِ لَهُ: [ مَا دِينُكَ؟ ] فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: [ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ ] يَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا فَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ. فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ وَيَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ: رَبِّ، أَقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي. قَالَ: وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ. قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا وَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدْعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَتَخْرُجَ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ يَقُولُونَ: فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ، فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31] فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: [ مَنْ رَبُّكَ؟ ]يَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ لَهُ:[ مَا دِينُكَ؟ ]فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ: [ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ ] فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ وَافْتَتِحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ حَرُّهَا وَسَمُومُهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ، فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ».*رواه أحمد وأبو داوود.
******************************************************************************************************************************************
*[11] التوحيد في القرآن الكريم*
*"ثمرات ومؤشرات"*
قال اللَّه تعالى : *(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).*
[سورة إبراهيم 24 - 25].
وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم : *(عجباََ لأَمْرِ المؤمن، إنَّ أمرهُ كلّه له خير، [ وليس ذلك إلاّ للمؤمن ]؛ إنْ أصابته سرَّاءَ شكرَ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاءَ صبرَ فكان خيراََ له).*رواه مسلم.
* إذا ما شهد العبد المسلم بقلبه وحدانية الخالق، المالك، المدبر، *رب العالمين.*
* وعلم يقيناً بأن اللَّه تعالى له وحده *الكمال المطلق* في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وفي أفعاله.
* وتوجه *صادقاََ* إلى مولاه عزوجل بالطاعة والعبادة، لأنه المعبود بحق وحده .
عندها تظهر فيه ثمرات الإيمان الحق، وتتجلى في سلوكه مؤشرات العقيدة الصحيحة.
فغرسةُ الإيمان، وشجرةُ التوحيد، إذا ماتجذَّرت في قلب المؤمن، وقَوي ساقها وأَورقت أغصانها، فإنها سَتُثمر بالأعمال الطيَّبة، والأحوال المباركة، وستعود على صاحبها بِخَيرَي الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى : *(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ).*
[سورة المؤمنون 1].
وقال الله تعالى : *(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).*
[سورة اﻷنعام 82].
وقال الله تعالى : *(لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى). [سورةالرعد ١٨].*
ومن حكمةِ اللَّه تعالى، وعظيم فضله ومنَّته على عباده، أن جعل قلوب المؤمنين، وأفئدة الصالحين، *تشعر وتتذوَّق ثمرةَ الأيمان باللّه تعالى،* وتَتَنسَّم عَبَق التوحيد المطلق للّه عزوجل، *ليزداد حبها وشوقها لمولاها،* وهي سائرة إليه، متوكلة عليه، طالبة لرضاه.
وتتجلـَّى هذه الثمرات في صلاح ثلاثة مواضع.
*أولاً-صلاح القلب ومنها:*
1-ملازمة ذكر اللَّه تعالى، ودوام شكره والثناء عليه سبحانه.
2-دوام الإفتقار والإنكسار والتذلُّل للّه عزوجل، وكثرة التوبة والإنابة والإستغفار.
3-الصبر والثبات والاحتساب، مع تمام الرضى والتسليم بقضاء اللّه عزوجل.
قال اللَّه تعالى : *(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).*
[سورة اﻷنفال 2].
وقال اللَّه تعالى : *(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ).*
[سورة إبراهيم 27].
*ثانياً-صلاح العمل ومنها:*
1-طلب العلم النافع، والإكثار من العمل الصالح.
2-الحرص على متابعة سنن النبي صلى الله عليه وسلم في كل شؤون الحياة.
3-موالاة المؤمنين والنصح لهم، والدعوة إلى الخير، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.
قال اللَّه تعالى: *(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).*
[سورة التوبة 71].
*ثالثاً-صلاح السلوك ومنها:*
1-حُسن الظنَّ باللَّه تعالى وصدق التوكل عليه.
2-الشجاعة والإقدام وعزة النفس، فلا يأس ولا قنوط.
3-الشوق للقاء اللَّه تعالى، والاستعداد والتزود له.
قال اللَّه تعالى : *(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ).*
[سورة فصلت 30 - 32].
وقَالَ النبي صلى اللّه عليه وسلم : *( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ر تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ).* رواه البخاري ومسلم .
******************************************************************************************************************************************
*[12] التوحيد في القرآن الكريم*
*"أصولٌ وقواعد"*
قال الله تعالى : *(قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).*
[سورة يوسف 108].
* بَيَّن اللَّه تعالى في كتابه الكريم، *قواعد هذا الدين* الحنيف، وعَرَّفَ سبحانه بأصول *التوحيدالمطلق الواجب له* عزوجل.
* وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم *بأداء الأمانة، وتبليغ الرسالة، وبنصح الأُمَّة* على هدىً من ربه عزوجل وبصيرة.
* وجاء السلف الصالح من بعده، من علماء أصول الدين ، بتصنيف وتدوين *أركان علم التوحيد،* على أساس اليقين، القائم على الحجة والبرهان والدليل.
قال الله تعالى : *(أَفَمَنْ كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ).*
[سورة محمد 14].
فأصولُ *علم التوحيد،* وقواعد هذا الدين الحنيف ، قامت على:
*العلم الصحيح،*وهو الوحي الإلهي في الكتاب والسُّنة.
*والإعتقاد الصريح،*وهو ماوقَرَ في القلب وصدَّقه العمل، بأنَّ الله تعالى:
*واحد في ذاته.*
*واحد في صفاته.*
*واحد في أسمائه.*
*واحد في أفعاله.*
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : *(يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ).* رواه أحمد والبيهقي.
وبُنِيَت هذه الأصول والقواعد على:
*أوﻻ-التنزيه:*أي تعظيم، وتقديس، وتسبيح الذّات العليّة، والصفات والأسماء الإلهية، عن أن يكون لها: *مثيلاً، أو شبيهاً، أونداً، أوشريكاً، أوأن يكون لها بدايةً،أو نهايةً، أو....*تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
قال الله تعالى : *(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ).*
[سورة الصافات 180].
وقال الله تعالى : *(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).*
[سورة الشورى 11].
وقال الله تعالى : *(فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ).*
[سورة المؤمنون 116].
*ثانياً-التوقيف:*أي أنَّ الأسماء الإلهية الحُسنى، التى تسمى بها الذّات العليّة ، وصفات الكمال المطلق، التي توصَف بها ، هي أسماء وصفات موقوفة على القرآن الكريم والسُّنة النبوية .
قال الله تعالى : *(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).*
[سورة اﻷعراف 180].
قال الإمام أحمد رضي الله عنه : *"لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يُتجاوز القرآن والحديث".* مجموع الفتاوى.
*ثالثاً-العجز:*أي قطعُ طمع النفس ،وبَتْرِ وسوسة الشيطان عن الخوض في كُنْه الذات ، أو مَاهًِيّة الصفات ، واعتراف العبد بالعجز الكامل ، عن ادراك الكمال المطلق للخالق العظيم .
قال الله تعالى : *(لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).*
[سورة اﻷنعام 103].
وقال الله تعالى : *(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا).*
[سورة طه 110].
وقال سيّد الصدِّيقين سيدنا أبا بكر رضي الله عنه: *"العجز عن درك الإدراك إدراك".* رواه الزركشي،وأورده السيوطي والمناوي وغيرهم.
******************************************************************************************************************************************
*[13] التوحيد في القرآن الكريم*
*"أحكام وضوابط"*
[سورة المائدة 3].
إنَّ جهل المسلم، بأصول ولوازم *التوحيد المطلق،* الواجب للَّه عزوجل، أمرٌ خطيرٌ، ويترتب عليه إثمٌ كبير، فقد يقع الجاهل بهذا الأمر، بما لا ينبغي أن يقع فيه، من أنواع الوهم، أوالخيال،أو الشك، أوالشرك، أو أن ينسب للّه تعالى أوينفي عنه، مالا يليق به سبحانه.
لذلك بيَّن اللّه تعالى لنا أصول وقواعد *علم التوحيد،*وما يتعلق به من أحكام وضوابط، وأمرنا بتعلُّمها وأن نعملَ بِمُقْتَضاها.
ٍ قال اللّه تعالى : *(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ).*
[سورة محمد 19].
وقد أكرمَ اللّه تعالى الإنسان بالعقل، وأمدَّه بالعلم ، ونوَّع له مصادر المعرفة وأسبابها، لتكون زادَه في جميع الأحكام والقواعد والقوانين ، التي تَضبُط شؤونَ حياته ، وتهديهِ طريق سعادتهِ وفوزهِ ونجاته .
قال اللّه تعالى : *( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ).*
[سورة النحل 89].
إذاً... هذه الأحكام والقواعد والأصول، التي أقامها الحق عزّوجل وأنعم بها على الإنسان، وهَداهُ إليها، وصلت إليه من خلال المصادر الأساسية للمعرفة، وهي:
*أوﻻ-الوحي الإلهي:*
*هو مَنْهَل العلم اليقيني القاطع.
*ومصدر العقيدة الحنيفيّة الغرّاء، وسائر أركان الدين.
*وهو مَرجع الاخبار الغيبيّة التي جاء بها الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة والسلام.
قال اللّه تعالى : *(وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).*
[سورة الشورى 52].
و يشمل الوحي الإلهي:
*القرآن الكريم.*
*السُّنة الشريفة المطهرة.*
*فالقرآن والسنة،*هما مصدر *الأحكام الشرعية،*وهي خمسةأقسام:
*١-الواجب أوالفر ض.*
*٢-المحرم.*
*٣-المندوب.*
*٤-المكروه.*
*٥-المباح.*
*ثانياً-العقل:*
*هو محطّة حمل الأمانة، ومَنَاط التكليف الشرعي، والمَعْنيُّ بخطاب الوحي الإلهي، وفهم مراده.
*وهو أساسُ المعرفة وأداتها، والمأمور بالإنطلاق للبحث والنَّظر والتَّفكر في الكون من حوله، ليزداد معرفةً ويقيناً بوحدانية الحقِّ سبحانه، وبكمال صفاته وحُسْن أسمائه.
قال اللّه تعالى : *(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).*
[سورة فصلت 53].
* وعندمايبدأ العقل بالبحث، ينطلق من أمور مُسَلَّمَة ضرورية ، ومن ثوابت بديهية، ومن تصورات صحيحة مطابقة لما عليه الواقع، بحيث تقوده إلى بناء أحكام سليمة، *فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.*
فكان العقل مصدر الأحكام العقلية، وهي ثلاثة أقسام:
*١-الواجب:*هو كلّ أمرٍ يقبل الثبوت فقط، ومثاله: يجب للّه عزّوجل الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته.
قال اللّه تعالى : *(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).*
[سورة الحديد 3 - 4]
*٢-المستحيل:*هو كلّ أمرٍ يقبل الإنتفاء فقط، ومثاله: يستحيل في حق اللّه عزوجل أي نقص أوعيب.
قال اللّه تعالى : *(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).*
[سورة اﻷنبياء 22]
*٣-الجائز:*هو كلّ أمرٍ يقبل الثبوت والإنتفاء، ومثاله: يجوز في حق اللّه عزوجل فعل أي شيءأوتركه.
قال الله تعالى : *(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ).*
[سورة القصص 68].
*ثالثا-التجربة والتكرار:*
*هي وقائع كونية مُشاهدة، وأمور حادثة مُجربة ومُتكررة، حتى أصبحت بالنسبة للإنسان وكأنها أمور اعتيادية.
قال الله تعالى : *(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ).*
[سورة يس ٣٨-٣٩].
*وقد أشار القرآن الكريم إلى كثير من هذه السنن الكونية والقوانين التجريبية، المخلوقة للّه عزّوجل، والمبثوثة في هذا الكون
قال الله تعالى : *(قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).*
[سورة البقرة 258].
* فاعتاد الإنسان نتيجة تكرار المشاهدة والتجربة، أن يقترن السَبَبُ بالمُسَبَّبِ، فإذا وجد السَبَبُ وجد المُسَبَّبُ عادة، وإن عدم السَبَبُ عدم المُسَبَّبُ عادة، وهذا مايعرف *بقانون أو مبدأ السببية،* وهو مصدر الأحكام العادية.
قال الله تعالى : *(وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).*
[سورة النحل 68 - 69].
******************************************************************************************************************************************
*[14]التوحيد في القرآن الكريم*
*"مبدأ السببية"*
قال اللّه تعالى : *(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ).*
[سورة الواقعة 58 - 59].
وقال اللّه تعالى : *(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ).*
[سورة الواقعة 63 - 64].
وقال اللّه تعالى : *(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ).*
[سورة الواقعة 71 - 74].
* لقد أقام اللّه تعالى هذا النظام الكوني الدقيق، والمترابط بكل ما فيه، على *قوانين ونواميس* مُشاهَدَة ومُتَكرّرة.
* واهتدى الإنسان إلى تلك القوانين والنواميس وعَاينها، فوجد أن هناك *تلازمٌ واقترانٌ* مُتكرر، *بين *الأسباب وبين النتائج* المترتبة عند الأخذ بها *عادةً،* وهو مايعرف *بالمُسَبَّبات.*
* وقد سُمِّيت علاقة التَّلازم هذه، وتلك الروابط المعتادة بين الأسباب والمُسَبَّبات، *بمبدأ السَبَبيّة* اصطلاحاً.
*[ مبدأ السببية ]*
* فمبدأ السببية هو حكمة ربانية، وفضل إلهي عظيم ، خلقه اللّه تعالى وجعله:
*1-سبباً في توازن الكون واستقراره،*وعدم الفوضى والعَبَثيّة في جميع نواحيه ومكوناته، وخاصة فيما يتعلق بحياة الإنسان وتنظيم شؤونه.
قال اللّه تعالى : *(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).*
[سورة الحجر 21].
*2-*سبباً سهلاَ، وطريقاً قريباً *لِيتَعرَّف الإنسان إلى خالقه العظيم،*وليهتدي إلى فاطر هذا الكون ومبدعه، سِيَما وأن هذا المبدأ مُنسجم مع عقل الإنسان وفطرته.
قال اللّه تعالى : *(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ).*
[سورة النور 43].
* ونتيجة لمبدأ السببية، والذي أشار إلى *التّّلازم بين وجود الأسباب ووجود مُسَبَّباتها،* -والعكس صحيح أيضا، وذلك من خلال التجربة والمعاينة- عُرفَت الأحكام العادية.
*[ الأحكام العادية ]*
*فالحكم العادي:*هو الربط بين السَّبَب والمُسَبَّب وجوداً وعدماً بواسطة التكرار، مع *الإعتقاد بصحة تخلف* هذا الربط بينهما، *وعدم تأثير* السَّبَب في المُسَبَّب
قال اللّه تعالى : *(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).*
[سورة البقرة 258 ].
والحقيقة التي لاشك فيها ولاريب:
* أن اللّه عزّوجل هو خالق الأسباب والمُسَبَّبات.
* وهو القائم على إمدادهما كيفما أراد، ومتى شاء .
*و اللّه وحده سبحانه، الذي يحدد نوع الربط بينهما، إيجاداً وإعداماً.
* فمبدأ السَبَبيّة هو سُنَّة كونية، يتعلَّق استمرار وجوده، وانفكاك روابطه وفنائه، بمشيئة الله تعالى ومُراده.
قال اللّه تعالى : *(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).*
[سورة يس 37 - 40].
وقال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلّم : *( لكل داءٍ دواء، فإذا أُصِيبَ دواءُ الدّاء برأَ بإذن اللّه تعالى).* رواه مسلم.
******************************************************************************************************************************************
*[15] التوحيد في القرآن الكريم*
*"الأسباب الكونية"*
قال اللّه تعالى : *(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا).*
[سورة الكهف 84 - 85].
إنَّ من كمال قدرة اللّه تعالى وعظيم حكمته، ومن جزيل نعَمِه على عباده ومِنَّته، أن سيَّر هذا الكون وفق سُنَن دقيقة منضبطة، ونواميس ثابتة محدَّدة، خلقها اللّه عزّوجل وجعلها سببا في:
* حِفْظ النظام الكوني العام، ودوام اسقراره وثباته.
*صلاح الكون وتذليل كل مافيه، ليعيش الإنسان آمناً متوازناً في حياته.
*سلامة الإنسان والكون من الفساد والفوضى، و من الهلاك والعبثية.
قال اللّه تعالى : *(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ).*
[سورة المؤمنون 71].
*فالأسباب الكونية:*
هي أشياء وأمور مخلوقة للّه تعالى، اعتاد الإنسان من خلال التجربة وتكرارالمشاهدة، أن تكون مقرونة بالمُسَبَّبات، وهي مخلوقة للّه تعالى أيضاً.
والحقيقة أنَّ جميع مافي الكون من آياتً بمافيها الإنسان، إنما هي أمثلة حيَّة تنطق بذلك.
* فالشمس سبب، والنور والحرارة مُسَبَّب.
*والنار سبب، والحرق مُسَبَّب.
قال اللّه تعالى : *(قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ).*
[سورة اﻷنبياء 68 - 69].
*والسكين سبب، والقطع مُسَبَّب.
*والدواء سبب، والشفاء مُسَبَّب.......
*والماء سبب، والإنبات مُسَبَّب.
قال اللّه تعالى : *(وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا).*
[سورة النبأ 14 - 16].
*إذاً الأسباب الكونية:*
* ﻻتؤثِّر بقوّة *ذاتية فيها.*
* وﻻبقوّة مستقلة *أودعها الله فيها.*
* والتلازم والاقتران بينها وبين المُسَبَّبات هو *تلازم عادي* يصح تخلّفه وإنفكاكه .
قال اللّه تعالى : *(قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).*
[سورة الرعد 16].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(إن اللَّه صانع كلّ صانع وصنعته )*.رواه البخاري والحاكم.
*وعن الأسباب الكونية:*
نشأ ثلاث فرق من الإعتقاد :
1-فرقة تعتقد أن الأسباب تؤثِّر *بذاتها،أو بطبيعتها.*
وهذا شرك صريح، يتنافى مع اقتباس وحدانية اللّه تعالى في الأفعال، وإنفراده في التأثير.
ويعتقد هؤلاء أيضا،ً أن *التلازم بين الأسباب ومُسَبَّباتها ﻻينفك وﻻيتخلَّف أبداً،*وهذا مايعرف بالتلازم العقلي، ويَلْزم من ذلك *إنكار المعجزات*الثابتة في القرآن والسُّنة.
2-فرقة تعتقد بأن الأسباب تؤثر *بقوّة مودعة فيها،*وأن التلازم بين الأسباب ومُسَبَّباتها هو *تلازم عادي.*
وهذا إعتقادٌ بِدْعي فاسد لأمرين:
أ-لأن القوّة المودعة أصبحت *واسطة*بين الخالق والمُسَبَّب، وﻻيحتاج إلى الوسائط إﻻ المخلوق، ويلزم من ذلك مماثلة *الخالق للمخلوق،*تعالى الله عن ذلك علوا كببرا
ب-ويلزم أيضاً من القول بالقوّة المودعة، أن قدرة الله تعالى *لم تتعلق بأفعال المخلوقات*في كل جزء لايتجزأ من الوقت، أي أنها مقيدة، وهذا أمر باطل.
3-فرقة تعتقد أن الأسباب ﻻتؤثر *بذاتها ،وﻻ بقّوة مودعة فيها،*وأن التلازم بين الأسباب ومُسَبَّباتها هو *تلازم عادي.*
وهم *أهل السنة والجماعة،*وهم الفرقة الناجية بإذن اللّه تعالى.
قال الله تعالى: *(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ٌۚ).*
[سورة اﻷنفال 17].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -مُنبِّها إلى ضرورة الأخذ بالأسباب ، لأجل الوقاية من الأمراض السارية، والمعدية، والحذر منها : *(إذا سمعتم بالطاعون بأرض قوم فلا تدخلوها ،وإذا وقع بأرض وانتم بها فلا تخرجوا منها).* متفق عليه.
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - مؤكداً أن الأمراض ﻻتعدي بنفسها أوبذاتها، وﻻ بقوة مودعة فيها - :
*( ﻻعدوى).* رواه مسلم.
******************************************************************************************************************************************
*[16]التوحيد في القرآن الكريم*
*خوارق مبدأالسببية*
قال اللّه تعالى : *(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ).*
[سورة القمر 1 - 2].
لقد شاء ربّنا، خالق كل شيء ومَليكه، أن يُبدِّل قانون أو مبدأ السَّببية، وأن يغيّر النواميس والسُّنن الكونية، متى شاء، وكيفما شاء ،لحكم كثيرة جليلة أرادها سبحانه ، أخفى بعضها جلَّ شأنه، وعَرَّف عن بعضها عزّسلطانه، ومنها:
1-شهادة من اللّه تعالى على صدق دعوة رُسُلة عليهم الصلاة والسلام، وتحدَّيا منهم لأقوامهم.
قال الله تعالى : *(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا).*
[سورة اﻹسراء 101].
2-تنبيه الإنسان الذي أَلِفَ ماحوله من الآيات الباهرة، وغفل عن الخالق العظيم، بأن اللّه عزّوجل -وهوالمُبدع الحكيم- له في كل مخلوق آية باهرة، ومعجزة مدهشة، تنطق بأنه واحد، أحد،سبحانه.
قال اللّه تعالى : *(فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ).*
[سورة الشعراء 45 - 47].
'3- تذكير المسلم بأن الذي خلق هذا الكون بمافيه، هو من خلق الأسباب والمُسَبَّبات، وهو الذي يُمدُّهما ويَقرنُ بينهما إذا شاء وكيف يشاء.
قال اللَّه تعالى : *( (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ).*
[سورة الواقعة 58 - 59].
وقال اللَّه تعالى : *(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ).*
[سورة الواقعة 63 - 64].
*أنواع خوارق مبدأالسببية:*
*أوﻻ-المعجزة:*وهي أمر خارق لمبدأ السببية أو"الحكم العاد ي"،وتكون تأييداً من اللَّه تعالى، *وتصديقا لرسوله، ومقترنة بدعوى الرسالة مع التحدي،* وعدم إمكان أحد من الخلق أن *يعارضها*أو يأتي بمثلها .
ُ
ُ قال رسول اللّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : *(مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَة).* متفق عليه.
ِ
*2-الإرهاص:* وهو أمر خارق لمبدأ السببية أو "العادة"،ويكون *للرسول قبل بعثته*تهئية له.
ومثال ذلك كثير، منها: ظهور الخير والبركة في بادية بني سعد، بعد فوز حليمة السعدية بشرف رضاعة سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم.
وكذلك شق صدره الشريف وهو طفل في باديتها.
عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالى عنه: *(أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه).*أخرجه مسلم وغيره.
*3-الكرامة:*وهو أمر خارق لمبدأ السببية، *غير مقرون بالتحدي*، يظهره اللَّه على يد عبد *ظاهر الصلاح ،ملتزم بمتابعة النبي* صلى اللَّه عليه وسلم، مصحوب *بصحيح الإعتقاد*والعمل الصالح.
قال الله تعالى : *(كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).*
[سورة آل عمران 37].
*4-المعونة:* أمر خارق لمبدأ السَبَبيَّة، يظهره اللَّه تعالى على *يد عامة المسلمين، حين اجتماعهم، ودعائهم،* رجاء أن يرفع اللَّه عزّوجل عنهم شدة أصابتهم، أو بلاء نزل بهم.
ومثال ذلك:صلاة الإستسقاء.
*5-الإستدراج:*وهو أمر خارق لمبدأ السببية، يظهره اللّه على يد *فاسق وفق مُراده، مكراً به* من اللَّه تعالى.
ومثال ذلك : فتنة المسيح الدجال.
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم : *(إنه لم تكن فتنة في الأرض ، منذ ذرأ الله ذرية آدم ، أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال،..... وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر ، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت.....).*رواه مسلم وغيره.
6-الإهانة :وهي أمر خارق لمبدأ السببية، يظهر اللَّه على يد *فاسق على غير مراده، تكذيبا*وإهانة له.
ومثال ذلك :ماوقع لمسيلمة الكذاب.
عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : بَلَغَ مُسَيْلِمَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَفِلَ فِي بِئْرٍ عَذُبَ ، فَتَفَلَ فِي بِئْرٍ فَصَارَتْ أُجَاجًا."
******************************************************************************************************************************************
*[ 17 ] التوحيد في القران الكريم*
*"علمٌ وإيمان"*
قال اللّه تعالى : *(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).*
[سورة الحج 54].
قال اللّه تعالى : *(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).*
[سورة آل عمران 7].
*أولا-العلم بالله تعالى*
قال اللَّه تعالى : *(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ).*
[سورة فاطر 28].
وقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه وسلم: *" إنَّ أتقاكم وأعلمكم باللَّه أنا*". رواه البخاري.
بيّنَ الوحيُ الإلهيُ في القرآن الكريم والسّنة المطهرة، وبشكلٍ واضح وصريح أنّ :
*مؤشِّر الخشية من اللّه تعالى، ومعيارتقوى الإنسان لمولاه عزَّوجل، إنَّما يتحرَّك مع مؤشّر العلم والمعرفة باللّه سبحانه.
*وأن المقصود بمعرفة اللَّه سبحانه وتعالى، إنما هو:
١-معرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، من حيث مايجب للَّه عزّوجل من الكمال المطلق، وما يستحيل في حقه تعالى، ومايجوز.
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: *(للّه تسعة وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنة) وفي رواية:(من أحصاها).*رواه البخاري ومسلم.
٢-معرفة أحكام الألوهية والربوبية، التي أثبتها اللّه تعالى لنفسه في كتابه وفي سنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم.
قال اللّه تعالى : *(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّه).*
[سورة محمد 19].
٣-التعرف على آثار الأسماء والصفات ومدلولاتها، دون الخوض في كُنه الذات، أو ماهِيَّةالصفات الإلهية.
قال اللّه تعالى : *( فَانْظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ).*
[سورة الروم 50].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(اللَّهم إنّي أعوذُ بكَ من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تَشْبع، ومن دعوةٍ لا يُسْتَجاب لها).*رواه مسلم.
قال ابن رجب: *(العلم باللَّه: هوأصل العلم*الذي يُوجبُ خشيتهُ ومحبتهُ والقرب منه والأنُس به والشوق إليه ،ثم يتلوه العلم باحكام اللّه...ومن فاته هذا *العلم النافع،* وقع في الأربع التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم، وصار علمه وباﻻً وحُجةً عليه...). "فضل السَّلف على الخلَف".
وقال ابن القيّم: *( ﻻيستقرّ للعبد قدم في المعرفة،بل وﻻ في الإيمان،*حتى يؤمن بصفات الربِّ جلّ جلاله، ويعرفها معرفة تُخرجه عن حدِّ الجهل بربّه، *فالإيمان بالصفات ومعرفتها هو:*
*أساس الإسلام.*
*قاعدة الإيمان.* *وثمرةشجرةالإحسان)*. مدارج السالكين.
*ثانياً-اﻻيمان بالله تعالى*:
قال اللّه تعالى : *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ).*
[سورة النساء 136].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(ذاق طعم الإيمان،من رضي بالله ربا،وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً).* رواه أحمدومسلم.
وسئل سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان فقال: *( قول ، وعمل ، ونيّة ، وسنّة،* لأن الإيمان إذا كان قوﻻ بلا عمل فهو *كفر،* وإذا كان قوﻻ وعملا بلا نية فهو *نفاق،* وإن كان قوﻻ وعملا ونيّة بلا سنّة فهو *بدعة).* الفتاوى.
******************************************************************************************************************************************
[18] *التوحيد:في القرآن الكريم*
" *الرُبوبيَّة "*
قال اللّه تعالى : *(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).*
[سورة الصافات 180 - 182].
*الوحدانية المطلقة للّه تعالى*:
* إن أهمَّ قضية وأكثر موضوع، تناوَله القرآن الكريم بياناً وأحكاماً، مع عرضٍ مفصلٍ لمواقف الأمم والأقوام من الدعوة إليه والإيمان به، هو... *الوحدانيةالمطلقةللّه* عزوجل.
* وإنَّ أعظمَ وأجلَّ مادعا إليه الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وكذلك من خَلَفَهُم مِمَّن حمل رسالتهم واتبع هُداهُم، هو الدعوة إلى... *الوحدانية المطلقة*للّه عزوجل.
قال اللّه تعالى : *(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).*
[سورة اﻷنبياء 25].
قال اللّه تعالى : *(وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ).*
[سورة البقرة 163].
* وأوّل ماعَرَّفَ اللّه عزوجل به عباده من جِنه وإنْسه، وكلَّفهم أن يؤمنوا به يقيناً جازماً هو... *الوحدانية المطلقة*للّه عزوجل.
* وأوّل مانَزَل من القران الكريم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهوفي غار حِراء، هو... *الوحدانية المطلقة*للّه عزوجل.
قال الله تعالى: *(ِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).*
[سورة العلق 1].
* وتتضمن الوحدانية المطلقة للّه تعالى *"اصطلاحا"*ثلاثة أقسام من التوحيد الواجب للّه عزوجل وهي:
*توحيد الربوبيّة.*
*توحيد الألوهية.*
*توحيدالأسماء والصفات.*
وأيّ نقص أو خلل في الإيمان، بأي من تلك المضامين الثلاثة لمعنى التوحيد المطلق للّه عزوجل، ﻻيكون المرء مؤمناً موحداً.
قال الله تعالى : *(قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).*
[سورة الشعراء 75 - 83].
*أوﻻ-توحيدالربوبية*
*توحيد الربوبيّة هو:
وحدانية اللّه تعالى المطلقة *في الأفعال، وإنفرادُه في التّأثير.*
فلا خالقَ، وﻻمالكَ، وﻻمدبِّرَ، إلا اللّه ربّ العالمين.
قال اللّه تعالى : *( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).*
[سورة اﻷعراف 54].
وتوحيد الربوبيّة يشمل :
١-الإيمان الجازم بأن اللّه هو *الخالق العظيم،* وأنه واجبُ الوجود، وله الوجود الحق وحده.
٢-الإيمان الجازم بأن كل ما في الكون هو *ملك للّه* عزوجل وحده.
٣-الإيمان الجازم بأن كل مافي الوجود من حركة وسكون..... هو من *شأنه وتدبيره.*
وعليه فإن *شرك الربوبيّة* يكون:
* إما بإنكار الوجود الحق، لواجب الوجود *-من له الوجود الذاتي-*وهو الأول ولم يكن شيءغيره.
وهؤلاء المنكرين هم فئة قليلة جداً ،عرفوا قديماً *بالدهريين* وحديثاً *بالملحدين.*
* أو يكون بدعوى أن للربّ سبحانه شريكٌ في فعل من أفعاله.
*كالخلق*:قال الله تعالى: *(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ َۖ).*
[سورة البقرة 258].
*أوالملك*:قال الله تعالى : *(وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ).*
[سورة الزخرف 51].
*أوالتدبير*قال الله تعالى :
*( قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).*
[سورة البقرة 258].
******************************************************************************************************************************************
*[19] التوحيد:في القرآن الكريم*
" *الألوهية*"
قال اللّه تعالى : *(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).*
[سورة اﻷنعام 162 - 163].
لقد خلق اللَّه عزّوجل الإنسان، وبعث إليه الأنبياء والرسل، وأنزل له الشرائع والكتب، لأجل أن *يَعْبُدَ اللّهَ تعالى وحده،* ولايُشرك بعبادة ربِّه أحدا.
فعبادة اللّه عزّوجل، وطاعته والإنابة إليه وحده، هو التوحيد الذي أمر به سبحانه عباده، وهو التوحيد الذي أنكره المشركون، ولأجله حاربوا الأنبياء والرسل عليهم الصلاه والسلام على مر العصور.
قال اللّه تعالى : *(قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).*
[سورة اﻷعراف 70].
*ثانياتوحيد الألوهية*
* توحيد الألوهية، هو أصل التوحيد الواجب للَّه عزّوجل، وهو *التوحيد الذي كُلِّفَ به العبد،*وأيّ خلل فيه يَخْرُج صاحبه من دائرة الإيمان الكامل، ومن دائرة التوحيد المطلق للّه عزّوجل.
* فمن أقر بتوحيد الربوبية، واعتقد جازما أنه ﻻخالق، وﻻمالك، وﻻمُدبِّر، إﻻربّ العالمين، توجب عليه الإقرار بتوحيد الألوهية والقيام بلوازمها.
قال اللّه تعالى : *(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).*
[سورة اﻷنعام 79].
* ويلزم من توحيد الألوهية، *توحيد الأسماء والصفات،*مع العلم أن هذا التقسيم/ لِمَا يتضمنه التوحيد المطلق للّه عزّوجل من معان وأقسام/، هو *اصطلاح علمي* اعتمده مُتَقدّمي علماء السلف، من استقرائهم لنصوص القرآن الكريم والسُّنة الشريفة.
ومن الآ يات الكريمات مايتضمّن أنواع التوحيد الثلاثة.
قال اللّه تعالى : *(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا).*
[سورة مريم 65].
* فتوحيد الألوهية هو أصل الدين، وأساس الإسلام، ويعني أنه ﻻعبادة، وﻻطاعة، وﻻتوجُّه، إﻻ للّه رب العالمين، فهو *التوحيد المطلق،* لأنه يتضمن توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، ويشمل:
1-إفراد اللّه عزوجل بجميع *أنواع العبادات،* الظاهرة والخفية، *والعبادة* هي اسم جامع لكل مايحبه اللّه ويرضاه من الأقوال، والأعمال، والأحوال.
2-التوجه والقصد *والإخلاص للّه*عزوجل، في سائر الأوقات، وفي جميع الأحوال والأقوال والأعمال.
قال اللّه تعالى : *(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).*
[سورة اﻷنبياء 25].
وقال اللّه تعالى : *(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).*
[سورة الذاريات 56].
*شرك الألوهية*
*الشرك:* هوتسوية غير اللّه، بالله عزّوجل، فيما هو من خصائص اللّه تعالى.
ولذلك كان الشرك من أكبر الكبائر، وأوّل المُهلكات، ورأس المُوبقات، وهومُحبِطٌ لجميع الاعمال.
قال اللّه تعالى : *(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا).*
[سورة النساء 116].
وينقسم الشرك من حيث خطره على صحة الإيمان إلى:
*1-الشرك الأكبر*:
ويكون بصرف شيء من أنواع العبادات لغير اللّه تعالى، كعبادة الأصنام، والأوثان، والأشخاص، أو أي من المخلوقات، أوالذبح لغير الله...
قال اللّه تعالى : *(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ).*
[سورة البقرة 165].
أو يكون بتوجه القلب لغير الله عزّوجل، في طلب رزق، أو قضاء حاجة، أو تفريج كرب،.... ، ظناً منه أن أحداً شريكاً للّه تعالى في ملكه، أو في أي فعل من أفعاله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
قال اللّه تعالى: *(وَيَعْبُدُونَ
*مِنْ دُونِ اللَّهِ *مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ َ).*
[سورة يونس 18].
*2-الشرك الأصغر*:
هو كلّ مانهى عنه الشارع وسمّاه شركاً، مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، أو وسيلة للوقوع فيه.
وضبط ابن القيم رحمه اللّه تعالى تعريفه: *" الشرك الأصغر: كيسير الرياء، والتصنع للمخلوق، والحلف به، ورجائه..."،* لذلك يسميه *شرك العمل،* لأنه لم يحصل من العبد توجه تام بقلبه إلى غير الله، وﻻتسوية بين الخالق والمخلوق.
قال الله تعالى : *(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).*
[سورة اﻷنعام 82].
******************************************************************************************************************************************
*[20] التوحيد:في القرآن الكريم*
*" الأسماء والصفات"*
قال اللّه تعالى : *(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ).*
[سورة اﻹسراء 110].
وقال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم : *(للّه تسعة وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنَّة)*وفي رواية: *(من أحصاها).*رواه البخاري ومسلم.
*ثالثاً-توحيد الأسماء والصفات*
إنَّ هذا الكون البديع بكل ما فيه من مخلوقات، إنما يُشير لعظمة خالقه وحكمة مدبره، وينطق *بحُسن أسمائه وكمال صفاته،*و يدعو العاقل ليشهد فيه، أن اللّه سبحانه:
*واحد في ربوبيَّته.*
*واحد في ألوهيته.*
*واحد في أسمائه وصفاته.*
قال اللّه تعالى : *(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ٌ).*
[سورة فصلت 53].
*توحيد الأسماءوالصفات*:
* هو إفراد اللَّه تعالى بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلا الواردة في الكتاب والسنَّة، والإيمان بمعانيها وأحكامها.
* أي: الاعتقاد بأن اللّه تعالى *واحد في أسمائه، واحد في صفاته،* فلا مثيل له، وﻻندّ له، وﻻشبيه له في أسمائه تعالى ولا في صفاته.
*وأسماءاللّه وصفاته توقيفية،* فلا تحريف فيها، وﻻتبديل، وﻻتعطيل، وﻻتكييف، وﻻ تشبيه.
قال الإمام أحمد: *(ﻻيوصف اللَّه إﻻ بما وصف به نفسه، أوبما وصفه به رسوله صلى اللَّه عليه وسلم، ﻻيتجاوز الكتاب والحديث).*
* ودﻻلة الكتاب والسنُّة على ثبوت صفات الكمال الواجبة لله تعالى تظهر في ثلاثة أوجه:
*1-التصريح بالصفة:* قال اللّه تعالى: *(وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ).*[البقرة255].
*(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).*
[سورة الذاريات 58].
*2-التصريح بفعل أو وصف دالّ على الصفة:* قال اللّه تعالى:
*(وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا).*
[سورة النساء 164].
*(إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ).*
[سورة المائدة 1].
*3-تضمن اﻻسم للصفة:*
من المعلوم أن أسماء اللَّه الحسنى متضمنة لصفات الكمال الواجبة للّه سبحانه، وكلّ اسم يرجع من حيث المعنى إلى صفة من صفات الكمال له سبحانه.
-فمن أسمائه الحُسنى : الواحد، الأحد، الغني، الأول، الآخر... ،كانت *صفات التنزيه:* الوحدانية، الغنى، البقاء...
-ومن أسمائه الحسنى : الخالق، المالك، الرزاق، النافع، الرافع ... ، كانت *صفات الأفعال.*
-ومن أسمائه الحسنى : العليم، القدير، السميع، البصير، المتكلم...،كانت *صفات المعاني*:العلم، والقدرة، والإرادة والسمع،والبصر،والكلام...
-ومن الأسماء الحسنى ما يتضمن عدة صفات كمال، ولم يختص بصفة واحدة مثل : الصمد، المجيد، العظيم....
قال الله تعالى : *(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ).*
[سورة اﻹسراء 110].
*شرك الأسماء والصفات* يكون:
*إما بدعوى أن للّه سبحانه وتعالى، مثيل، أو ند، أوشريك، في أسم من أسمائه، أو في صفة من صفاته.
*أو أن يوصف اللّه عزوجل بصفة من صفات المخلوق، كما فعلت اليهود والنصارى.
*أو بإنكار، أوتعطيل، أي من الأسماء، أو الصفات الثابتة لله عزّوجل في الكتاب والسنّة.
*أما بالنسبة للعلاقة بين الصفات الواجبة للَّه تعالى، وبين بعض الصفات التي تطلق على المخلوق كاﻹنسان، مثل: العلم، الحياة، السمع، البصر، الكلام، ...
فهي *علاقة تباين مطلق،* وﻻيوجد بينهما أيّ اشتراك، إﻻ في اللّفظ فقط، لأنها صفات مخلوقة، وطارئة،وغير ذاتية.
قال الله تعالى : *(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).*
[سورة اﻷعراف 180].
******************************************************************************************************************************************
*[21] التوحيد في القرآن الكريم*
*"دعاوى المشركين"*
*قال اللَّه تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا).*
[سورة النساء 48].
وقال رسول اللّه -صلَّى اللّهُ عليه وسلَّم فيما يرويه عنْ ربِّه : *(ومَن أظلم ممَّن ذهب يَخلق كخَلْقي، فلْيَخْلُقُوا حبةً، ولْيخلُقُوا ذرةً، أو لِيَخْلُقُوا شعيرةً).*متَّفق عليه.
واجه القرآن الكريم دعاوى الشرك والمشركين بأسلوب واضح وسهل وبسيط.
* *فافترض جدﻻً*وجود الشريك المزعوم للَّه، تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيرا.
* *وافترض جدلاً*أنَّ هذا الشريك المزعوم، إمّا أن شريكاً محسوساً معلوماً مرئياً بالعين، أو شريكاً مغيباً غير محسوس.
ومن هذا اﻻفتراض الجدلي، انطلق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في مناظرة المشركين، ودحض دعاويهم الباطلة ومعتقداتهم الفاسدة.
قال اللّه تعالى : *(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا).*
[سورة النساء 116].
*أنواع دعاوى المشركين*
*أوﻻ-الشريك المحسوس*:
دعى القرآن الكريم عَبدَة الأصنام والأوثان والأشخاص وغيرهم من المخلوقات، الى *النظر والتَّفكر*بحقيقة ما أشركوا به وأطاعوه، ثم *تحداهم:*
1-بأنْ يُثبتوا أنَّ لِشُركائِهم أيَّة إمكانيّة لخلق أي شيء من أنواع المخلوقات، مهما كان صغيراً أو بسيطاً، حتى لو كان ذبابةً، أو حبةً، أوشعيرة.
*قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).*
[سورة الحج 73].
2-ثمَّ تحدّاهم أيضاً بأن يدعوا شركاءهم ويطلبوا منهم قضاء حاجاتهم، وتلبية طلباتهم، ثم لينظروا هل يستجيبوا لهم... ؟! ...بل هل هم يسمعون... ؟!
*قال اللَّه تعالى : (ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ٍۖ).*
[سورة فاطر 13 - 14].
وفي كلا التَّحدّيين خسر المشركون، وظهر فساد معتقداتهم، وبُطلان دعواتهم، وأنَّ مايزعمونه من وجود الشريك إنما هو *محض وهم ٍ كاذب*وافتراء فاضح.
*قال اللّه تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ).*
[سورة اﻷحقاف 5].
*ثانياً-الشريك المغيب :*
وتوجَّه القرآن الكريم الى الإنسان، الذي يتوهم ويتخيل ويزعم أن للّه شريكاً-تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً-وخاطب فيه الفطرة السليمة المُوَحِّدة لربِّها -رغم ماأصابها من العكر والكدر والأذى- وبيَّن له:
* أنَّ هذة الفطرة، التي فطر اللّه الناس عليها، *تحب الإله الواحد،*الذي خلقها وغرسها وهداها، وتركن إليه، وقد شهدت له بالربوبية وأقرت له بالوحدانية.
*قال اللّه تعالى:(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ).*
[سورة اﻷعراف 172].
* وعرَّفَه أيضاً أن هذه الفطرة السليمة التي جُبِل عليها، تحب أن *تتلقى الأوامر والتكاليف من إلهٍ واحدٍ*يرحمها، وهو مصدر طمأنينتها وأَمْنها ، وليس من آلهةٍ متعددةٍ متشاركةٍ فيه، وإﻻَّ أُصيب الإنسان بالقلق واﻻضطراب والحيرة، حيال الأوامر المتعددة التي يتلقاها، ولوقع أيضاً الخلاف والنزاع بين *الشركاء المفترضين،*ولفسد بالتالي نظام الكون بما فيه.
وهكذا دحض القرآن الكريم ماافْتَرَضه جدﻻ من وجود الشرك المزعوم، تعالى اللَّه عن ذلك علواً كبيراً.
*قال اللَّه تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).*
[سورة الزمر 29].ً
*وقال اللّه تعالى : (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).*
[سورة يوسف 39].
*وقال اللّه تعالى : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).*
[سورة اﻷنبياء 22].
******************************************************************************************************************************************
*[22] التوحيد في القرآن الكريم*
*"الإرادة الإلهية"*
قال اللّه تعالى : *(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ).*
[سورة البقرة 253].
وقال اللّه تعالى : *(وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ).*[سورة الرعد 11].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *( إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ ، وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ ).* رواه البخاري
لقد دلت الآيات المُحْكَمة، والأحاديث الصحيحة، على ثبوت صفة *الإرادة*المطلقة للّه عزّوجل.
وقال الفيروزأبادي، وابن منظور: *(إنَّ المشيئة بمعنى الإرادة).*
ومما عُلِم من الدين بالضرورة أن جميع صفات الكمال المطلق الواجبة للَّه عزّوجل، والثابتة في القرآن الكريم والسنّة الشريفة، هي صفات *أزليّة، أبديّة، واحدة، غنيّة، ليس لها مثيل،* ولا ند، ولاشبيه.
قال اللَّه تعالى : *(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).*
[سورة الحديد 3].
وقال اللّه تعالى : *( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ).*
[سورة الشورى 11].
*الإرادة الإلهية:*
هي صفة واجبة مطلقة، قائمة بالذَّات العليَّة، تتعلق بجميع المخلوقات، *إيجاداً وإمداداً، وإعداماً.*
قال اللّه تعالى : *(وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).*
[سورة يونس 61].
وقد وردت الإرادة الإلهية في القرآن الكريم على معنيين :
*أوﻻ-الإرادة الكونية:*
* هي بمعنى *المشيئة.*
* وهي إرادة قضاء وتقدير، *خصَّص*اللّه تعالى بها *أزﻻ*كل مخلوق، بما شاء سبحانه أن يكون، وذلك *وفق علمه الأزلي، الكاشف، المحيط*بكل شيء، بما فيها الخير والشر، والإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والرضى والسخط...
فلا يتخلف شيء قضاه اللّه تعالى أزﻻ وقدَّره.
وﻻيكون شيء لم يقضه اللّه تعالى أزﻻ ولم يُقدِّره.
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(...،وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَك، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْك؛ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).* رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
* *فالإرادة الكونية*:ﻻيمكن أن تَتَخلَّف، أو أن تتبدَّل، أو أن تُعصى، لأنها وفق علم اللّه تعالى الأزلي، الكاشف، غير المجبر.
قال اللّه تعالى : *(وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).*
[سورة اﻷنعام 59].
وقال اللّه تعالى : *(وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ).*
[سورة الرعد 11].
وقال اللّه تعالى : *(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ).*
[سورة اﻷنعام 125].
*ثانياً-الإرادة الشرعية*:
* هي بمعنى *المحبةوالرضى.*
* وهي إرادة دينية، تشمل جميع الأوامر الشرعيّة التي كلَّف اللّه تعالى بها عباده *اختياراً،*فرضي لهم طريق الهداية وحبَّب إليهم الجزاء والثواب، وكره لهم طريق الغِواية وحذَّرهم سوء الحساب والعقاب.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: *(إِنَّ اللَّهَ تعالى يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالَ).*رواه مسلم.
* *فالإرادة الشرعية:* تختص بكل مايُحبُّه اللّه تعالى ويرضاه لعباده من إيمان وطاعة وخير، ومانَهاهُم عنه من كفر ومعصية وشر.
قال اللّه تعالى : *(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ).*
[سورة الزمر 7].
وقال اللّه تعالى : *(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرََ).*
[سورة البقرة 185].
وقال اللّه تعالى : *( وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ).*
[سورة الحجرات 7].
******************************************************************************************************************************************
*[23[ التوحيد في القرآن الكريم*
*"الإنسان مُخيَّرٌ ومُسيَّر"*
[سورة الكهف 29].
وقال اللّه تعالى : *(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).*
[سورة التكوير 29].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ).*رواه البخاري ومسلم.
خلق اللَّه عزّوجل الإنسان وأقامه على نوعين من الأفعال:
*١-أفعال قسرية:* وهي أفعال اضطرارية ليس فيها للإنسان أي إرادة أو اختيار، كدقات القلب، وحركة الأمعاء، والنُّمُوّ...
*٢-أفعال اختيارية:* يشعر فيها الإنسان بأنه يملك *إرادة خاصَّة به،* تمكنه من اختيار مايشاء من الأمور- بعد مشورة العقل -مع القدرة على التنفيذ، سواء كان هذا الأمر دينياً أودنيوياً، خيراً أو شراً، حِسَّا أو معنى، وهذا هو محور *التكليف* وأساسه.
قال اللّه تعالى: *(وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا).* [آل عمران:145].
وقال اللّه تعالى: *(إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً).*[الإنسان:29].
وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: *(إنَّ اللّه خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده).* رواه البخاري.
*إرادةاللّه واختيارالإنسان:*
* رتَّبَ اللّه عزّوجل الثواب والعقاب وفق اتِّباع أومخالفة أوامر التكليف الشرعي، مع أنه سبحانه *يعلم أزلاً*بما سيكون عليه أمر المُكلَّف من نوع اختياره وحقيقة فعله.
* وأنَّ ماخصَّصَته الإرادة الإلهية *أزلاًوفق العلم،* لايُؤثِّر مطلقاً في اختيار الإنسان ولا يتعارض معه، لأنه لم يطَّلع على ماخصَّصه اللّه تعالى وماأراده في الأمر.
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ).* رواه مسلم.
* فالتوجُّه والاختيار، يكون من الإنسان، وهذه هي حقيقة الإرادة التي *مَلَّكَها اللّه تعالى له،*وأقام عليها التَّكليف والثواب والعقاب.
*أمّاخَلْقُ الفعل، وخَلْقُ أسبابه ومُسَبَّباته، فهو من اللّه عزّوجل خالق كل شيء ومَليكِه.
*إذاً:* عندما يُريد الإنسان أن يقوم بفعل ما، ويتوجَّه لتنفيذه ويُتِمّ فعله، عندها تظهر نتائج اختياره، ومكاسِب إرادته، وهذا مايُعرَف *بِكَسْبِ العبد.*
قال اللّه تعالى : *(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا).*
[سورة الكهف 79].
وقال اللّه تعالى : *( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ).*
[سورة القصص 27].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: *(ما منْكُم من أحدٍ إلاَّ وقد كُتِبَ مقعدة من النّار ومقعده من الجنَّة)،* فقالوا: يا رسول اللّه، أفلا نتَّكل على كتابنا؟ فقال: *(إعملوا فكلٌ مُيسَّرٌ لما خُلَِق له).* متفق عليه.
*فكَسْبُ العبد*:هو اقتران السبب العادي *-الفعل الذي اختاره الإنسان-*بالمُسَبَّب، أي اقتران القدرة المَخلوقَة للَّه تعالى في العبد، بالنتائج التي ظهرت على يديه، وهي مخلوقة للّه تعالى أيضاً.
قال اللّه تعالى : *(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَامَااكْتَسَبَتْ ).*
[سورة البقرة 286].*
*والخلاصة:*أنَّ تعلُّق أفعال العبدالاختيارية بإرادة وقدرة اللّه عزّوجل، لايَسْتَلزِم ولايُوجِب أن يكون هذا الإنسان *مجبوراً أومقهوراً في إرادته*واختياره لأفعاله، فالإنسان:
* *مُخيَّرٌ تكليفاً،*حيث يشهد ذلك في حواسِّه، ويشعر بأنه حُرٌّ في اختياره.
* *مُسَيَّرٌ اعتقاداً،* حيث يشهد ذلك في قلبه، ويوقن بأن اللّه عزّوجل خالق كل شيء، وأنه فَعَّالٌ لِما يُريد، ولايكون في مُلكه إلا مايُريد.
قال اللّه تعالى : *(وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا).*
[سورة النساء 111].
يقول ابن القيِّم: " أهل السُّنة والحديث يقولون: *أفعال العباد مخلوقة حقيقة، ومفعولة للرب،* فالعبد فعلها حقيقة، واللّه خالقه، وخالق مافعل به من القدرة والإرادة، وخالق فاعليَّته." شفاء العليل.
******************************************************************************************************************************************
*[24] التوحيد في القرآن الكريم*
*"القضاء والقدر"*
قال اللّه تعالى : *(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ).*
[سورة القمر 49].
وقال اللّه تعالى : *(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).*
[سورة الحديد 22].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الإيمان : *(أنْ تؤمنَ باللّه، وملائكتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، واليومِ الآخر، وتؤمنَ بالقَدَر خيرِه وشرِّه).*رواه مسلم.
* *القضاء والقدر:*
هو ركن أساسي من أركان الإيمان، وهو مِمّا يجب أن يُعلَم من الدين بالضرورة.
وقد تحدَّث عنه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كثيراً ًوأكَّدَ عليه، حتى تجذَّر في قلوب الصحابة رضي اللّه عنهم، وأيقنوا أن ماأصابهم لم يكن لِيُخْطِئهم، وأن ماأخطأهم لم يكن ليصيبهم.
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمََ : *( إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسًا وَإِنَّ مَجُوسَ أُمَّتِي يَقُولُونَ لا قَدَرَ فَإِنْ مَرِضُوا فَلا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلا تَشْهَدُوهُمْ).* رواه أحمد.
* *تعريف القضاء والقدر:*
* *القضاء:*هو علم اللّه تعالى *أزلاً*بكل مخلوق، وتخصيصه *أزلا*بما سيكون عليه، فالقضاء هو فرع ثبوت *صفةالعلم، وصفةالإرادة،* أي من لوازم الإيمان بقضاء اللّه، الإيمان بصفتي العلم والإرادة الواجبتان للّه عزّوجل.
قال اللّه تعالى : *(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا َ).*
[سورة التوبة 51].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(إنَّ أحــدكم ليعـمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعـمل بعـمل أهــل النار فـيـدخـلها، وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فــيسـبـق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ).* رواه البخاري ومسلم
* *القدر:*هو إيجاد المخلوقات وفق ماخصصته الإرادة *أزلاً*،فهو فرع ثبوت صفة القدرة، أي من لوازم الإيمان بالقدر، الإيمان بصفة القدرة الواجبة للَّه تعالى.
قال اللّه تعالى : *(وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا).*
[سورة اﻷحزاب 38].
وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : *(...اِسْتَعٍن باللَّه ولا تعجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ).*رواه مسلم.
* *والقضاء والقدر*:
كل منهما يُستعمل في معنى الآخر إذا *أُفْرِدَ بالذكر،*كما قال جمهور أهل العلم، فإذا أُطلق التعريف على أحدهما شمل الآخر، فلا فرق بينهما في اللُّغة، كما أنه لادليل على التفريق بينهما في الشّرع، فما قضاه اللّه سبحانه سيظهر بقدرته لامحالة.
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : *(كلُّ شيءٍ بقدَرٍ، حتى الْعَجْزُ والكَيسُ).*رواه مسلم.
* *والقضاء والقدر:*
لاعلاقة لهما البتَّة بالجَبْرِ، أوالاضطرار والإكراه، لأن التعلّق بصفة العلم هو تعلّق انكشاف، والتعلّق بصفة الإرادة هو تعلّق تخصيص، والقدرة الإلهية تُبرِزُ كسب العبد فيما اختاره لنفسه.
*وخلاصة القول في القضاء والقدر:*
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(...،وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).*حسن صحيح/رواه الترمذي.
وقال الحسن البصري: ( من لم يؤمن بقضاء اللّه وقدره خيره وشرِّه فقد كفر، ومن حمَلَ ذنبه على ربِّه فقد فَجَر، وأنَّ اللّه تعالى لايُطاع استكراها ولا يُعصى بغلبة، لأنَّه تعالى مالكٌ لما ملَّكهم، وقادرٌ على ماأقدرهم).البدايةوالنهاية/ابن كثير.
******************************************************************************************************************************************
*[25] التوحيد في القرآن الكريم*
*"القضاء و الدعاء"*
قال اللّه تعالى : *(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).*
[سورة البقرة 186].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(لايَقُل أحدُكم اللَّهمَّ اغفر لي إن شئتَ، ارحمني إن شئتَ، ارزقني إن شئتَ، ولَيعزِمْ مسألتَة، إنَّه يفعلُ مايشاءُ، لا مُكْرِهَ له).*متفق عليه.
* *القضاء و الدعاء*
شرع اللّه عزّوجل الدعاء ونَدَب إليه، وتكفَّل سبحانه بالإجابةــ فضلا مِنْهُ ومِنَّةــ وأثابَ العبد عليه، فهو مِنْ أَجَلِّ العبادات وأكملها، لأنه ثمرتها ومُنتَهاها.
وغفلة العبد عن دعاء ربّه ومولاه، اشارة استغناء واستكبار، وسوء عاقبة ونار.
قال اللّه تعالى : *(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).*
[سورة غافر 60].
* *القضاء وأثر الدعاء*
يعتبر الدعاء من جُملة *الأسباب العادية*التي أُمِرْنا بالأخذ بها في عالَم الحِكْمة، حيث تَقتَرِن الأسباب بالمُسَبَّبات عادة.
وشاءالحق عزّوجل أن علَّق بعض الأمور وربطها بالدعاء، وجعله سبباً لنزول تلك الأمور المعلقة أو سبباً لرفعها، وفق ماقضاه سبحانه وقَدَّره، وهذا مايعرف *بالقضاء المُعلَّق.*
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(مَن سَرَّهُ ان يُبْسطَ له في رِزقِهِ ويُنْسَأَ له في أثرِهِ فليَصِلْ رَحِمَهُ).*رواه الشيخان.
فإذا أ راد اللّه عزّوجل بِعبْدِه خيراً في سَوْق خيرٍ أو دفعِ شرٍ، ألهَمَهُ الدعاء، أو الاستغفار، أو وفَّقَه لصلة رحم، أو...إلى ماهنالك من أنواع الأسباب العادية المشروعة، ليكون الدعاء سبباً *لنزول قضاء اللَّه المُعلَّق* في صرف المكروه وجلب المرغوب.
قيل لرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَاتِّقَاءً نَتَّقِيهِ *هَلْ يَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟* قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : *( إِنَّهُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ).*رواه أحمد والحاكم والترمذي.
* *علاقة القضاء بالدعاء*
إن العلاقة بين ماورد في بعض الأحاديث النَّبوية الشَّريفة مِنْ أنَّ الدعاء وأعمال البِر سبب في زيادة العمر أو زيادة الرزق، ومثال ذلك:
قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم : *(لا يَزيد في العُمْر إلا البِر، ولا يردُّ القدَرَ إلاَّ الدُّعاء، وإنَّ الرجل ليُحرم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه).*
وبين بعض النصوص الشرعية التي بيَّنتْ أن عمل الإنسان إنَّما يكون فيما جَفَّت به الأقلام وجَرَتْ به المقادير، ومثال ذلك:
قال اللّه تعالى : *(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).*
[سورة اﻷعراف 34].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *( كَتَب اللّّهُ مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يخلقَ السماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ).*
هي علاقة جليَّة لاتعارُض ولاتناقُض فيها البتَّةَ، وقد بيَّن علماء أصول الدين ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: " قال ابن التين:وظاهر الحديث *(لايزيد في العمر إلا البر)،*يعارض الآية *(فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)،*والجمع بينهما من وجهين:
*أحدهما:*أنَّ الزيادة هذه كنايةعن البركة في العمر بسبب التوفيق في الطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك...
*ثانيهما:*أنَّ الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى ِْعِلْمِ المَلَك الموكَّل بالعمر، وأمَّا الذي دلَّت عليه الآية فهو بالنِّسبة إلى علم اللّه تعالى، كأن يُقال للمَلَك مثلا: إنَّ عمر فلان مائة عام إنْ وصَلَ رحِمَه، وستون إن قطعها، وقد سَبَق في عِلْم اللّه أنَّه يصل أويقطع، فالذي في عِلْم اللّه لايتقدم ولايتأخر، والذي في علم المَلَك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقصان، وإليه الإشارة بقوله تعالى: *(يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ).*
[سورة الرعد 39].
فالمحو والإثبات بالنسبة لما في عِلْم المَلَك، وما في الكتاب ــ هو الذي في عِلْم اللّه ــ فلا محو فيه البتَّة، ويقال له: *القضاء المُبْرَم،* ويقال للأول ــ الذي في علم الملك ــ *القضاء المُعَلَّق.* " فتح الباري/صحيح البخاري.
*والخلاصة:*فإن إنقسام القضاء إلى:
*١-القضاء المُبْرَم:*وهو القضاء الذي قضاه اللّه تعالى من غير أن يُعلِّقه بسبب من الأسباب، وهو القضاء النافذ لا يتغير.
*٢-القضاء المُعلَّق:*هو القضاءالذي قضى اللّه تعالى، أن يدفع أو يتبدل بأخذ سبب من الاسباب
إنما يكون بالنسبة إلى اللَّوح المحفوظ، حيث يَطَّلع المَلَك: *(يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ).*
أما في عِلْم اللّه تعالى:
*(وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)*فلا يتغيَّر منه شيء.
*والمحو والإثبات الذي يأمر به عزّوجل ليس عبثا،* وإنما لحكم كثيرةجل شأنه وعز سلطانه.
******************************************************************************************************************************************
*[26] التوحيد في القرآن الكريم*
*"القضاءوالأخطاء"*
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(...اسْتَعِنْ باللَّه ولا تعجِزْ، وإن أصابَكَ شيءٌ، فلا تقُل:لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكِن قُل: قدَّرَ اللّه وما شاءَ فعلَ، فإنَّ لو تفتحُ عملَ الشَّيطانِ).*رواه مسلم.
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(إنَّ النَّذر لايقرِّب من ابنِ آدمَ شيئاً لم يكنِ اللّهُ قدَّرهُ له، ولكنَّ النذرَ يوافقُ القدرَ، فيخرجُ بذلك من البخيلِ مالم يكن البخيلُ يريدُ أن يُخرجَ).*متفق عليه.
* *القضاء والأخطاء*
إنَّ الجهل بأمر الدِّين خطر كبير، وأعظم مايكون هذا الخطر، عندما يتعلق الأمر بعقيدة المسلم وإيمانه بربِّه عزّوجل.
ومن الأخطاء العقدية الشائعة مايتعلق بعقيدة القضاء والقدر، وهي على نوعين، أخطاء قوْليّة، وأخطاء فعْليّة.
*أولاً-القضاء والأخطاء القوْليَّة*
يردد بعض المسلمين ــ لجهلم بأمر دينهم وعقيدتهم ــ أ قوالاً وأدعيةً خاطئةً وغير صحيحة، خاصة إذا مانزل بهم بلاء أو حلَّ بهم مُصاب، من هذه الأدعية والأقوال:
*١-اللهم لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللطف فيه.*
مما لاشك فيه أن الدُّعاء هو العبادة، بل هو أصلها ومُخُّها، وهو دليل إيمانٍ قوي ويقينٍ راسخ، ولكن:
حصر الدُّعاء والرَّجاء من اللّه عزّوجل بأن يتلطَّف ويخفِّف من الأمر الذي قضاه وقدره على العبد وحَسْب، دون أن يَطلُب رفعه، أويرجُو محوه بالكلّيَّة، ظنا من الدّاعي أنه لاتبديل لقضاءه تعالى، ولا رفع له ولامحو، فهذا قولٌ خاطىءٌ واعتقادٌ ناقص.
قال اللّه تعالى : *(يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ).*
[سورة الرعد 39].
وقال اللّه تعالى: *(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).*
[سورة الفرقان 70].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(لايقل أحدكم:اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته، إنه يفعل مايشاء لا مكره له).*متفق عليه.
وقال أهل العلم: قول العبد *اللهم لا أسألك رد القضاء...،* هو أشد من قوله *(اللهم ارحمني إن شئت).*
*٢-اللَّهمَّ إنْ كان مانزلَ بي من البلاء مِمّا يُرضيك عنّي فزدني منه.*
وهذا دعاءٌ مخالف لسنَّة ونهج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الطلب والدعاء، وناشئ عن جهل كبير بواسع وعظيم رحمة اللّه عزّوجل، ويدُلُّ على غفلة العبد عن إمكانية مكرِ اللّه تعالى به وامتحانه له.
قال اللّه تعالى : *(رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ).*
[سورة البقرة 286].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *( تعوَّذُوا باللَّه من جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشقاءِ، وسوءِ القضاءِ، وشماتةِ الأعداءِ).*متفق عليه.
*٣-لقد سَخِرَ القَدَر من...فلان.*
إن كل مافي الكون هو من قضاء اللّه تعالى وقدره، بما في ذلك *التوفيق والحرمان،*وهي مظاهر حكمة اللّه عزّوجل في خلقه، فلا عبثيَّةَ البتَّة في القضاء والقَدَر، بل هي أمر مستحيل، تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً.
فقد يُيَسِّرُ اللّه للعبد أسباب مايُحِبُّهُ ويتمنَّاه، فيظهر أنه *موفقاً محظوظاً،* وقد يحول اللّه تعالى بينه وبين مايريد فيظهر أنه *محروماً غير محظوظ.*
قال اللّه تعالى : *(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ).*
[سورة المؤمنون 115].
وقال اللّه تعالى : *(وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا).*
[سورة اﻷحزاب 38].
*٤- مسكين فلان، مايستاهل هذا المصاب*
*٥-اللّه يرزق أقراص لَلّي ماله أضْراس*
هاتين العبارتين فيهما سوء أدبٍ مع الحقّ سبحانه، وفيهما اعتراض على قضاء اللّه تعالى وحكمه في خلقه.
*٦-شاءت الظروف، وشاءت الأيام، وشاء فلان.....*
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(لا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلاَنٌ؛ وَلكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ).* رواه أبو داود بإسناد صحيح.
*ثانياً-القضاء والأخطاء الفعليَّة*
من الأخطاء الفعلية التي يقوم بها البعض نتيجة جهلهم بأمر دينهم وعقيدتهم هي:
*النُّذور المُعلَّقة المشروطة*
كأن يقول: للّه علي إن شُفيت، أو رُزقت، أو...، أن أتصدَّق بكذا، أو أصوم كذا، أو...، وقد نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن النَّذْر المشروط، فحمل بعض أهل العلم *النهي على الكراهة، وحمله آخرون على التحريم*لما فيه من سوء الأدب، والخروج عن مقام العبودية المطلقة للّه عزّوجل.
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم : *( لاتَنْذُروا. فإنَّ النَّذرَ لايُغني من القَدَرِ شيئاً. وإنما يُسْتَخْرَجُ من البخيلِ).*متفق عليه.
******************************************************************************************************************************************
*[27] التوحيد في القرآن الكريم*
*"العلم الإلهي"*
قال اللّه تعالى : *(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).*
[سورة اﻷنعام 59].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *( اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوب،ِ...).*رواه البخاري.
* *العلم الإلهي*
إنَّ ظهور الأفعال المُحْكَمة المُتْقَنة، وهي بأدق ترتيب وأعجب تنظيم، عن هذه المخلوقات المنتشرة في صفحات الكون وطَيَّاته، وقد هُديَتْ جميعها، ليقوم كل مخلوق بوظيفته بإتقان وإحكام، لايمكن أن يكون إلاَّ من اللّه ربّ العالمين، مَنْ له *العلم المطلق،*وهو بكل شيءٍ عليم.
قال اللّه تعالى : *(صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ).*
[سورة النمل 88].
قال اللّه تعالى : *(قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ).*
[سورة طه 49 - 50].
* *العلم الإلهي*
هو صفةٌ واجبةٌ ثابتةٌ بحق اللّه عزّوجل، وهي صفة قديمة *أزلية،* وباقية *أبدية،* وهي *واحدة* ومطلقة، *وغنيَّة وليس لها مثيل،*أونظير، أوشبيه.
قال اللّه تعالى : *( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).*
[سورة الشورى 11].
* *والعلم الإلهي*
عِلْمٌ ذاتي غير مُكتسب، وينكشف به المعلوم على ما هو عليه من دون سَبْقِ جهل أوسبق خفاء، وبلا تأمُّل أو استدلال، ولايطرأ عليه نقص، أو زيادة، أو تجديد، أو فناء، فالمخلوقات جميعها *قديمة في علم اللّه* تعالى الأزلي، *حادثة في خلقها* وظهورها.
وماورد في بعض الآيات، مِمّايُتَوَهَّمُ من ظاهرها ــ جهلاً ــ أن علم اللّه تعالى ظَهَرَ وتَحصَّلَ بعد وقوع الحدث، أي أن علم اللّه حادث ومُكتَسَب، فهذا أمر مستحيل، تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً.
قال اللّه تعالى : *(وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ).*
[سورة البقرة 143].
وقال اللّه تعالى : *(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).*
[سورة آل عمران 142].
*فالعلم الإلهي*
عِلمٌ سابقٌ لاختيار العبد، وكاشف ومظهر لما أراده واختاره، بحيث لايستطيع العبدإنكار مافعل حين تقوم عليه الحُجَّة وتشهد عليه جوارحه يوم القيامة، فهو *علم ظهور واقرار.*
ومن كمال حكمة الحقّ عزَّوجل وتمام عدله، أن رتَّب الثواب والعقاب على ماكَسَبت النَّفْس واكْتَسَبت.
قال اللّه تعالى : *(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ).*
[سورة المسد 1 - 3].
وقد سُئِلَ الحسن البصري عن قوله تعالى: *(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ).*هل كان في أمُّ الكتاب؟ وهل كان أبو لهب يستطيع ألاَّ يصلى النَّار؟ فقال: واللّه ماكان يستطيع ألاَّ يصلاها، وإنَّها لفي كتاب اللّه من قبل أن يُخْلق أبو لهب وأبواه. تفسير القرطبي.
أمّا العِلْم المُكْتَسب فهو: علم يسبقه جهل، ويُتحصل بعد نظر وتأمل واستدلال، وهذه صفات علم المخلوق الذي يعتريه النَّقص والزيادة والتجديد والفناء...
قال اللّه تعالى : *(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).*
[سورة الطلاق 12].
وقَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : *(إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَسُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ، قَالَ مُوسَى : يَا رَبِّ ، فَكَيْفَ لِي بِهِ ؟ قَالَ...، ...،وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ حتَّى انْتَهَيا إلى الصَّخْرَةِ فإذا رَجُلٌ مُسَجَّى بِثَوْبٍ...، فَسَلَّمَ موسى... قَالَ : أَنَا مُوسَى ، قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ، قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا يَا مُوسَى ، إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تعالى لا تَعْلَمُه ، عَلَّمَنِيهِ ،
وأنتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَ لا أَعْلَمُهُ ، ...وَجَاءَ عُصْفُورٌ ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نُقْرَةً ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلا مِثْلُ مَا نَقَرَ هَذَا الْعُصْفُورِ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ...).*رواه البخاري ومسلم.
******************************************************************************************************************************************
*[28] التوحيد في القرآن الكريم*
*" القرآن كُلُّه توحيد"*
قال اللّه تعالى : *(الٓر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).*
[سورة هود 1].
وقال اللّه تعالى : *(إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).*
[سورة اﻹسراء 9].
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : *(خيرُكُم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمَه).*رواه البخاري ومسلم.
* لمَّا كان *التوحيد المطلق للّه* تبارك وتعالى وتسبيحه هو:
*جوهر الكون كلّه* وسِرُّ أنواره، والحكمة من خلقه والعلَّة من وجوده، وقد نطقت به آياته، وأشارت له ذراته.
* ولما كان *التوحيد المطلَق للَّه عزّوجل*هو:
*محور الرسالات* ومنطلق دعوة الأنبياء، ومقصد العبادات ومنتهاها...
*أَنزل اللّه تعالى القرآن الكريم*–وهو كلامُهُ المُعْجِزُ، المُنْزَلُ على سيّدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم– متحدثاً بجميع سوره وآياته عن :
*١- التوحيد* المطلق للَّه تعالى، وعن أحكامه.
*٢-وعن لوازمه* التشريعية، وعن تطبيقاته.
*٢-وعن أحوال* المكلفين، وعن الجزاء يوم الدين.
فالتوحيد في القرآن الكريم ليس موضوعاً مستقلاً قد عُرض في سُوَرٍ محدَّدة وآيات متعددة كباقي موضوعات أركان الدين، بل كانت أول آية في ترتيب آيات القرآن *(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)* إلى آخر آية في آخر سورة فيه *(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ٭ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ)*
تتحدث عن التوحيد المطلق للَّه عزّوجل، وعن وجوب الإيمان به والدعوة إليه، وعن لوازمه وتطبيقاته ومتعلقاته.
فآيات القرآن الكريم تتحدث:
*١-إماعن اللّه عزوجل،* وأسمائه وصفاته، ومايجب له من الكمال المطلق، ومايستحيل في حقه من النقائص، وماهو جائز في حقه، فلا يُسأَل عمل يفعل، ويفعل مايريد.
قال اللّه تعالى: *(ِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).*
[سورة اﻹخلاص 1 - 4].
*٢-وإما عن أحكام التكليف الإلهي*بأقسامها وأنواعها، وهي من لوازم التوحيد المطلَق للَّه عزّوجل.
قال اللّه تعالى: *(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).*
[سورة البينة 5].
*٣-أو عن دعوةالأنبياء لتوحيد الألوهية* ووجوب التوحيد المطلق للَّه تعالى في ألوهيته، وربوبيته، وفي أسمائه وصفاته.
قال اللّه تعالى: *(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).*
[سورة اﻷنبياء 25].
*٤-وإما عن يوم الحساب ومقدماته،*ومايكون فيه، ومايليه من جزاء ونعيم لأهل الإيمان والتوحيد، ومن عقاب وجحيم للمغضوب عليهم والضالين.
قال اللّه تعالى: *(وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ).*
[سورة الشعراء 87 - 91].
فالقرآن الكريم بسوره وآياته كلَّها يتحدث عن التوحيد، وماذلك إلاَّ لعِظَم شأن التوحيد وأهميته، *فالأعمال صور قائمة، وروحها سر توحيد اللّه تعالى فيها.*
ومن حكمة اللَّه عزّوجل أَنْ:
*تعددت مشاهد التوحيد* وصوره وآثاره في الكون.
*وتنوعت أسباب نيله* وسُبل الوصول إليه.
وهذا فضلاً ومحبةً ورضاً من اللّه الرحمن الرحيم، خاصة وأنه تعالى قد جعل التوحيد المطلق سبباً لفلاح الإنسان وسعادته في الدنيا، وطريقاً لفوزه ونجاته في الآخره.
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: *(إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد،* شاهدة به، داعية إليه؛ فإن القرآنَ إما خبَرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو *التوحيد العِلمي الخبري،* وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلعِ كل ما يُعبَد من دونه، فهو *التوحيد الإرادي الطَّلبي،* وإما أمر أو نهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي *حقوقُ التوحيد ومكملاته،* وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعَل بهم في الدنيا، وما يُكرِمهم به في الآخرة، فهو *جزاءُ توحيده،* وإما خبر عن أهل الشِّرك، وما فعَل بهم في الدنيا من النَّكال، وما يحلُّ بهم في العقبى من العذاب، فهو *خبرٌ عمن خرَج عن حُكم التوحيد،* فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقِه وجزائه، وفي شأن الشِّركِ وأهله وجزائهم"؛ مدارج السالكين: (3/450)
******************************************************************************************************************************************
*[29] التوحيد في القرآن الكريم*
*"سورة الفاتحة"*
*(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).*
[سورة الفاتحة 1 - 7].
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: *(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ).*رواه البخاري.
*سورة الفاتحة*
هي *أمُّ الكتاب، وشعار التوحيد،*وأعظم سورة في القرآن الكريم، وقد تضمنت بالمجمل جميع موضوعات القرآن ومحاوره الأساسية، والتي فُصِّلت في بقية السور الكريمة.
وكان محور الفاتحة هو *التوحيد المطلق للَّه* عزّوجل، إذ حُدِّد فيها بشكل واضحٍ وجليٍّ طريق العبودية للَّه تعالى وحده.
*١-(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ).*
هذه الآية الكريمة تشتمل على توحيد الألوهيَّة، وعلى توحيد الأسماء والصفات، فمعنى *"بسم اللّه"*عند قراءة القرآن الكريم هو: أني بدأت القراءة مستعيناً باللَّه، وجازماً وموقناً بأن جميع ما جاء في هذا القرآن الكريم من أحكام، وتشريع، ومواضيع، وغيرها، *هو كلام اللّه تعالى،* ومنه سبحانه وإليه، وليس لأحد سواه فيه شيء.
*فالبسملة*هي عبادة للَّه سبحانه وتعالى، شُرعت لنا في بداية كل قول أو عمل.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : *(كُلُّ كَلَامٍ أَوْ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ - أَوْ قَالَ : أَقْطَعُ -).*رواه أحمد.
ولفظ الجلالة *" اللَّه "*:هو اسم اللَّه الأعظم، وهو علمٌ على ذاتِ واجبِ الوجود، مَنْ له الوجود الحق وحده، وهو أَعْرَفُ المعارف الغني عن التعريف، و *"الرَّحمن الرَّحيم"*من اسماء اللّه الحسنى، ومنها اشتقت الصفات العلى له سبحانه.
*٢-( الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).*
تشتمل هذه الآية على أقسام التوحيد المطلق للَّه تعالى، فقولنا *"الْحَمْدُللّه"ِ* هو توحيد للألوهيَّة، لأن الحمد هو من أَجَلِّ أنواع العبادة، وإضافه الحمد *"للَّه"* هو توحيد لأسمائه تعالى وصفاته، و *"رَبِّ الْعَالَمِين"َ*هو توحيد للربوبيَّة، لأنَّه خالقُ كلّ شيءٍ ومدبّره ومَليكِه.
*٣-( الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ ).*
تشتمل هذه الآية على توحيد الأسماء والصفات ، فالرَّحمن، والرَّحيم، من أسماء اللّه الحسنى، وأسماء اللّه تعالى مُتضمِّنة للصفات الواجبة له سبحانه، فكل اسم من أسمائه يدلُّ على معنى من صفاته، غيرالمعنى الذي دلَّ عليه الاسم الآخر له سبحانه، فمثلاً من أسمائه: الواحد، الأحد، الأول، الآخر، الغني... كانت صفات التنزيه الواجبة للَّه عزّوجل، ومن أسمائه الرحمن، الرحيم، العليم، الحكيم، السميع... كانت صفات الكمال المطلق له سبحانه وتعالى.
*٤-( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ).*
تشير هذه الآية إلى توحيد الربوبيَّة، وتوحيد الأسماء والصفات، لأن *المالك*هو من أسماء اللّه الحسنى، وهذا توحيد للأسماء والصفات ،و *مالك يوم الدين*هو خالق يوم الدين ومدبّره ومليكه، وهذا توحيد للربوبيَّة.
*٥-( إِيَّاكَنَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ).*
تشمل توحيد الألوهيَّة، أي: يااللَّه، ياربَّ العالمين، يامن لك الأسماء الحسنى والصِّفات العلى، نخصُّك وحدك بالعبادة والاستعانه، ولا نشرك معك أحداً.
*٦-(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ).*
تشير هذه الآية إلى توحيد الألوهيَّة، لأن الدعاء واللجوء إلى اللَّه عزّوجل، وطلب الهداية والثبات على الصراط المستقيم، هو أصلُ العبوديَّة ومُخُّ العبادة.
*٧- (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).*
تشير هذه الآية إلى توحيد الألوهيَّة، لأن العبد يؤكد على طلبه من ربِّه، ويرجوه أن يهديه إلى الصِّراط المستقيم، الذي هَدى إليه مِنْ قَبْلُ مَنْ أنعم اللّه تعالى عليهم مِنَ النَّبيِّين والصَّالحين، وأن يجنِّبه تعالى طريق المغضوب عليهم والضَّالين، وهذا هو جوهر العبادة.
قال ابن القيم: " ما تضمنته الفاتحة من:
*إخلاص العبودية* والثناء على الله.
*وتفويض الأمر* كله إليه والاستعانة به.
*والتوكل عليه، وسؤاله* مجامع النعم كلها وهي الهداية التي تجلب النعم وتدفع النقم، هو:
*من أعظم الأدوية الشافية الكافية).* زاد المعاد
وقال رحمه اللّه تعالى: "من تحقق بمعاني الفاتحة *علماً ومعرفةً وعملاً وحالاً* فقد فاز من كماله بأوفر نصيب، وصارت عبوديته *عبودية الخاصة*الذين ارتفعت درجتهم عن عوام المتعبدين" . الفوائد لابن القيم.
******************************************************************************************************************************************
*[30] التوحيد في القرآن الكريم*
*« سورة البقرة»*
«١—٢٠»
قال اللّه تعالى : *(الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِين*َ*......* *يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).*
[سورة البقرة 1 – 20].
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه وسلم: *(يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟)* قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: *( يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟)* قَالَ قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: *(وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِر).*رواه مسلم.
*سورة البقرة*«١–٢٠»
مع بداية تأسيس المجتمع المسلم في المدينة المنوّرة، ومع *انتصار التوحيد على الشرك* في غزوة بدر الكبرى، بدء نزول أول سورة مَدنيَّة بعد الهجرة الشريفة، وجاء في أوائل آياتها الكريمة بيان جٙلِيُّ لأصناف النّٙاس وأوصافهم، وذلك تبعاً لاعتقادهم وإيمانهم *بالوحدانية المطلقة* للّٙه عزّوجل، وجٙعٙلٙهُمْ الحقُّ سبحانه في ثلاثة أقسام:
أولا-ً *المؤمنون الخُلّٙص.*
هم الذين آمنوا باللّٙه عزّوجل ظاهِراً وباطناً، وهم المتّٙقون الذين وصفهم اللّه تعالى بأنّٙهم:
١-( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).
٢-( وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ).
٣-( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
٤-( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ).
٥-( وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).
فكان أولّ وصف وأهمّ وصف *للمؤمنين الخُلّٙص،* أنهم يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، لأن *الإيمان بالغيب* هو:
١- *أصل التّٙوحيد المطلق للّٙه*تعالى.
٢- *وهو اعتقاد جازم عن دليل.*
وأصل هذا الدّٙليل هو مجموع *البراهين والآيات البيِّنات*التي تثبت *صدق النُّبوة والرِّسالة،*وأنها وحي إلهي من ربِّ العالمين.
ثانياً- *الكافرين الخُلّٙص.*
هم الذين كفروا باللّٙه عزّوجل ظاهراً وباطناً، وأصٙرُّوا وعاندوا، وهم الذّٙين وصفهم اللّٙه تعالى بأنّٙهم:
١-( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).
٢-(خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ).
فكان أولّ وصف وأهمّ وصف *للكافرين الخُلّٙص* أنهم مكابرون مستمرون على كفرهم، *ولاتنفعهم دعوة التوحيد إلا لقيام الحُجّٙة* عليهم يوم الحساب.
٣- *المنافقون الخُلّٙص.*
وهم الذين آمنوا باللّٙه عزّوجل ظاهِراً فقط، ولم تؤمن قلوبهم، وهم أهل النِّفاق العٙقٙدي الذِّين وصفهم اللّٙه تعالى بأنّٙهم:
١-( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ).
٢-( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ).
٣-( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ).
٣-( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ).
٤-(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا).
٥-( وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ).
٦-(إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ).
فكان أولّ وصف وأهمّ وصف *للمنافقين الخُلّٙص*أنهم مُذٙبْذٙبين، فظاهراً مؤمنين وباطناً ًكافرين، وهم *أخبث الكفرة وأبغضهم إلى اللّٙه*تعالى، لذلك فصّٙل القرآن الكريم في أوصاف المنافقين في السور المدنيِّة، وبين بعضاً من أفعالهم، لأن *مكة لم يكن فيها نفاق،* بل كان توحيد مطلق، وشرك معلن.
قال ابن كثير في تفسيره: "النفاق هو إِظهار الخير، وإِسرارُ الشّٙر وهو أنواع: *نفاق اعتقادي* وهو الذي يُخَلَّد صاحبه في النار، *ونفاق عملي*وهو من أكبر الذنوب والأوزار، لأن المنافق يخالف قولُه فعلَه، وسرُّه علانيته". تفسير القرآن العظيم.
وقد بيّٙن رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم لأُمّٙته
*خِصال النفاق،*وحذّٙر من فساد النِّية وآفات العمل واللسان.
فقال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم : *( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ).*متفق عليه.
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: "...، معناه أنّٙ هذه الخصال *خصالُ نفاق،* وصاحبها *شبيهٌ بالمنافقين* في هذه الخصال ومُتٙخلّق بأخلاقهم، فإن النفاق إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حقِّ من حدّٙثهُ ووعدهُ وائْتٙمنهُ وخاصمهُ وعاهدهُ مِنٙ النّٙاس *لا أنه منافق في الإسلام* فيظهره وهو يبطن الكفر،.....،وقال الإمام الخطابي رحمه اللّٙه: هذا القول إنما خرج على سبيل *الإنذار للمرء المسلم،* و التحذير له أن يعتاد هذه الخصال، فتفضي به إلى النفاق، *لا أنّٙ من بدرت منه* هذه الخصال، أو فعل شيئاً مِنْ ذلك مِنْ غير اعتياد *أنه منافق.*"
******************************************************************************************************************************************
*[31] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة البقرة»*
«٢١–١٢٤»
[سورة البقرة ٢١–124].
قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم : *(يا معاذ أتدري ما حق اللّٙه على العباد؟ )* قال: اللّٙه ورسوله أعلم. قـال: *( أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ )* قال: اللّٙه ورسـوله أعلم. قال: *( أن لا يعذبهم ).*رواه البخاري
*سورة البقرة* «٢١–١٢٤»
بعد أن بيّٙن اللّٙه عزّوجل أصناف الناس وأوصافهم في بداية السُّورة، وجّٙهٙ سُبحانه خطابه إلى النّٙاس عامّٙة،ً مبيّٙناً لهم *وجوب توحيد ألوهيته،* ولزوم عبادته وحده وطاعته.
قال اللّٙه تعالى: *(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ).*
وتٙضمّٙنٙ الخِطاب الإلهي أيضاً، دعوته عزّٙوجلّٙ المُكلّٙفين إلى *إِعمال العقل وتحريك الفكر،* ليُوقِن النّٙاس بوجوب الوحدانية المطلقة للّٙه المٙلكِ الحقّ المُبين، وقد بٙثّٙ سبحانه آياته في الآفاق من حولهم، وعٙمّٙت نعمه عليهم وفي أنفسهم، ليُبْصرون ويُدْركون أنّٙ أوّٙل هذه النِعٙم هي نعمة خٙلْقهم وإيجادهم.
قال اللّٙه تعالى: *(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ...... الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً...... وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ).*
ومع *إعمال العقل في النظر* والبحث والتأمل– حيث *يزداد يقين المتشككين* والمترددين– تتعرّٙى أيضاً دعاوى الباطل وينكشف زيف الكافرين والمشركين، *وتتلاشى أوهام الآلهة المزعومة* التي سٙمُّوها وعبدوها من دون اللّٙه، واعتقدوا فيها النّٙفع والضُّر ، وجعلوا لها ما لا ينبغي إلاّٙ للّٙه تعالى وحده.
وهكذا انطلقت *دعوة التوحيد المطلق* في القرآن الكريم من
تذكير النّٙاس كافّٙة بما يُؤمنون به أصلاً ولايُنكرونه، مِنْ أنّٙ ربّٙ العالمين هو *خالق كل شيء ومُدٙبِّره ومٙليكه* وهذا هو *توحيد الربوبية،* إلى ماهو *واجبٌ عليهم شرعاً* ولازمٌ عقلاً من وجوب إفْراد اللّٙه عزّوجل بالطاعة والعبادة، وهذا هو *توحيد الألوهية.*
فاللّٙه ربُّ العالمين هو المستحق للعبادة وحده، ولامعبود بحق سواه.
وبعد أن بيّٙن القرآن بالحُجّٙة والبُرهان وجوب الوحدانية المطلقة للّٙه تعالى، وأنه *لا إله إلا اللّٙه.*
انتقل لبيان صدق النبوة والرسالة، وأن *محمد رسول اللّٙه.*
وأنه صلى اللّٙه عليه وسلم هوخاتم الأنبياء للعالمين، أيّٙدهُ ربُّه *بمعجزة دائمة، مستمرة، متجددة، خالدة* إلى يوم الدين، هي *القرآن الكريم.*
*والقرآن الكريم* –اصطلاحاً– *هو:كلامُ اللهِ تعالى وَوَحْيُهُ المُنَزَّلُ على خَاتَمِ أَنْبِيَائـِهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم المَكتُوبُ في المُصْحَفِ ، المِنقُولُ إلينا بالتَّوَاتُرِ ، المُتَعَبَّدُ بتِلاوَتـِهِ ، المُتَحَدَّى بإِعجَازِهِ.*
وزاد اللّٙه عزّٙوجلّٙ فضله وامتنانه على عباده إذ جعل لهذه الدعوة السّٙامية والرِّسالة الخالدة نموذجاً بشرياً وقدوة إنسانية، هو سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام ليكون للناس إماماً.
قال اللّه تعالى : *(وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا).*
قال الإمام الطبري: "إن اللّٙه عزّٙوجلّٙ أخبر عباده أنه اختبر إبراهيم خليله بكلمات أوحاهن إليه، وأمره أن يعمل بهن فأتمهن، كما أخبر الله جل ثناؤه عنه أنه فعل،.....، و"إتمامه إياهن"، إكماله إياهن، بالقيام للّٙه بما أوجب عليه فيهن، وهو الوفاء الذي قال اللّٙه جل ثناؤه: *(وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى).*"
فكان *سيدنا ابراهيم* عليه الصلاة والسلام للناس:
*إماماً للحنيفيّٙة* السمحة، في عقيدته وسلوكه.
*إماماً للتوحيد* المطلق، في دعوته ومنهجه وأسلوبه.
*إماماً للأدِلّٙة* العقلية والتّٙجريبية، في حواره مع الكافربن.
*إماماً للثّٙبات* على الحقِّ، في صدق توكله ورسوخ يقينه.
وواجه عليه الصلاة والسلام الكُفّٙار أفراداً وأمماً وجماعات، ودعاهم جميعاً إلى *التوحيد المطلق للّٙه* عزّوجل.
ولم يترك عليه الصلاة والسلام للكفر والشِّرك مسلكاً إلاّٙ وتصدى له بالأدلة العلمية والبراهين العقلية وأقام الحجة عليه، فأزهق الباطل وأعوانه، وفضح الكفر وأدعياءه.
وقد أعلن الإمام والقدوة عليه الصلاة والسلام أوّٙل ذي بدء *العبودية المطلقة للّٙه* عزّوجل، وإخلاصه الكامل له في القول والعمل، والسِّرِّ والعٙلنْ.
******************************************************************************************************************************************
*[32] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة البقرة»*
«١٢٥–١٦٣»
قال اللّه تعالى : *(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ **ِ..............
*وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ**.............
*وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ).*
*سورة البقرة* «١٢٥ –١٦٣»
بعد أن أمر اللّٙه عزَّوجلّٙ الناس *بوجوب توحيد ألوهيته،* وبيّٙن أنها من لوازم *توحيد ربوبيته.*
وبعد أن أعد اللّٙه عزَّوجلّٙ للمِلّٙة الحنيفية:
*إماما في النبّٙوة والدين.*
*ونموذجاً في التوحيد واليقين.*
*وأسوة في الدعوة للناس أجمعين.*
أمر اللّٙه عزّٙوجلّٙ *إمام المِلّٙة ببناء الكعبة،* فرفع سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام وابنه اسماعيل القواعد من البيت، وأتمّٙا بناءه على أساسه الأوّٙل القديم، وهما يذكُران اللّٙه عزّٙوجلّٙ ويدعوانه أن يتقبل منهما عملهما وذِكْرهما له تعالى، وأن يثبِّتهما على ماامْتنّٙ به عليهما من نعمة *الإسلام،* ومن شرف تبليغ الدين الحنيف، والدعوة إلى التوحيد المطلق والإخلاص لوجه اللّٙه الكريم.
وأن يجعل من ذريتهما أمّٙةً مسلمةً قائمة على *دين الإسلام* الذي ارتضاه للناس أجمعين وأمر بتبليغه للعالمين.
قال اللّه تعالى : *(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).*
ومع بناء البيت تجلّٙت أمانة إمام الحنيفيّٙة في تبليغ رسالة ربّٙه، وحرصه على هداية أمّٙته وذريّٙته من بعده، حين طلب عليه الصلاة والسلام من ربه عزّٙوجلّٙ أن يبعث في الأمّٙة رسولاً من ذريّٙته، فاسْتُجيبتْ دعوته، وأُكْرِمٙتْ أمّٙته، وكان إمام الأنبياء وسيد المرسلين ورحمة اللّٙه للعالمين من ذريّٙته.
قال اللّٙه تعالى : *(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).*
قال الإمام ابن كثير : *" قد وافقت هذه الدعوة المستجابة قدر الله السابق* في تعيين محمد صلوات اللّٙه وسلامه عليه رسولاً في الأميين إليهم ، إلى سائر الأعجمين ، من الإنس والجن ، كما قال الإمام أحمد: حدثنا.......قال : قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم : *(إني عند اللّٙه لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك ، دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى بي ، ورؤيا أمي التي رأت ، وكذلك أمهات النبيين يرين).*
وبارك اللّٙه عزّٙوجلّٙ أوّٙل بيت أقامه في الأرض لعبادته *وتوحيد ألوهيته،* وأمر أنبياءه بالقيام على طهارته ودوام نقاوته.
وزاد البيت شرفاً ورفعةً حين نٙسٙبٙه الحقُّ لذاته، وأراده للمؤمنين قِبلةً، ولتوحيد الألوهية علامةً ومنارة.
قال اللّه تعالى : *( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).*
لقد جعل اللّٙه عزّٙوجلّٙ البيت الحرام سبباً لاشتياق الأرواح لربِّها، ومكاناً تعرج منه لتجديد عهدها، *فتشهد للّٙه بالوحدانية المطلقة* كما شهدت في عالم الذرِّ من قبل وأقرّٙت، حين أشهدها وقالت بلى شهدنا.
قال اللّه تعالى : *(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).*
إذاً: خطاب اللّٙه تعالى للناس هو لأجل *توحيد الألوهية،*وإفراده عزوجل بالعبادة.
قال اللّٙه تعالى : *(وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ).*
وقال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم : *(خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).*رواه الترمذي.
*فالألوهية:*
هي أصل الدّين وعمود الإسلام.
وهي محور التكليف ورسالة الأنبياء.
وهي مطلب الفطرة وغذاء الروح.
وهي نور القلب ورياض العقل.
وهي *التوحيد المطلق* للذّٙات والأسماء والصِّفات.
******************************************************************************************************************************************
*[33] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة البقرة»*
«١٦٤–١٨٥»
قال اللّٙه تعالى: *(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ........... لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ **٠٠٠٠٠٠٠٠٠
*وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ........ وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ **٠٠٠٠٠٠٠
*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ**٠٠٠٠٠٠٠٠٠
*شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).*
*سورة البقرة* «١٦٤–١٨٥»
بعد أن بيّٙن الله عزّٙوجلّٙ للنّٙاس أنه المُتّٙصف بالوحدانية المطلقة، وأوجب على المكلفين توحيد ألوهيته وإفراده بالعبادة.
أراد اللّٙه عزّٙوجلّٙ للعقول السليمة أن تهتدي إلى *أعظم حقيقة مطلقة* ثابتة في القرآن العظيم والسّٙنة المُطهّٙرة، وهي أن اللّٙه تعالى هو:
*واجب الوجود.*
*وله الوجود الذاتي.*
*وهو الوجودالحق وحده.*
قال اللّٙه تعالى : *(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).*
فكلّٙ مافي صفحات هذا الكون من مخلوقات، في الأرض كانت أم في السماوات، إنما هي أفراد *مخلوقة لربّٙها،* تُسبِّح بحمده وتنطق بتمجيده، و هي آيات باهرات ودلائل بيِّنات تُشير إلى *الوجود الحق لواجب الوجود* سبحانه وتعالى.
و جاء الدليل من الآية الكريمة، حيث تعددت وتنوعت النماذج الكونية المذكورة فيها *–السماء، الأرض، الليل، النهار، الفُلك، البحر، الموت، الحياة، الرياح، السحاب–* وتعددت أيضاً المجموعات البشرية المتعايشة معها، لأجل أنْ يوقن كل إنسان عاقل —وكلٌ من زاويته وبما يناسب بيئته ومستوى تفكيره— أنّٙ هذه المخلوقات غير ثابتة في ذواتها، وأنّٙ مجموع الصفات المرافقة لكل مخلوق منها هي صفات متغيرة وغير مستقرة، فهي:
*أعراض متبدلة متناوبة.*
*ومقيدة ببداية ونهاية.*
أي أنّٙها مخلوقة ومفتقرة في وجودها، وفي استمرار بقائها إلى خالقٍ وجوده مِنْ ذاته، وله صفاتُ كمالٍ مطلقٍ ثابتة، وهذا هو *الوجود الحقُّ لواجب الوجود.*
*فواجب الوجود:*
دلّٙ بوجود آياته على:
*وجود أسمائه.*
ودلّٙ بوجود أسمائه على:
*ثبوت صفاته.*
ودلّٙ بثبوت صفاته على:
*وجود ذاته.*
ومع هذا *البيان الإلهي المبين* المُوصل إلى علم اليقن وعين اليقين، بأنّٙ اللّٙه تعالى واجب الوجود في ذاته وأسمائه وصفاته، وأنه المستوجب للحب والطاعة والعبادة وحده.
ذكر اللّٙه عزوجل صنفين من النّٙاس، صنف يجعلون من أمثالهم من *المخلوقات الفقيرة* المحتاجة، *نظراء وبدلاء* للّٙه عزّٙوجلٙ في *الحُبِّ* والطاعة والعبادة، رغم اعتقادهم بأنّٙه تعالى هو *خالقهم ومُدٙبِّر أمورهم،* وهذا كفر بواح يوجب لصاحبه الخلود في النار، لأنه يتنافى مع التوحيد المطلق الواجب للَّه تعالى.
قال اللّٙه تعالى : *(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ).*
والصنف الآخر هم الذين آمنوا بواجب الوجود *وأيقنوا بربوبيته،* وتوجّٙهوا إليه بالحب والطاعة والعبادة *توحيداً لألوهيته،* وهؤلاء أكرمهم اللّٙه عزّٙوجلّٙ وخصّٙهم بما يزداد به إيمانهم ويرقى فيه يقينهم، فأوجب عليهم صوم شهر رمضان.
قال اللّٙه تعالى : *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).*
وزاد الحقُّ عزّٙوجلّٙ عباده مِنّٙةً، أن عرّٙفٙهم مقام الصّٙوم والإخلاص للّٙه تعالى فيه، فكان *شهر رمضان مشهداً للتوحيد المطلق للّٙه* تعالى حيث تتجلى فيه:
*أولا-مظاهر توحيد الربوبية:*
وهي كثيرة، ولكن أعظمها على الناس أجمعين، وأجٙلّٙها هداية ونفعاً لهم في دنياهم وآخرتهم هي *القرآن العظيم،* الذي أنزله الحق تعالى في *ليلة القدر* من هذا الشهر الكريم.
قال اللّٙه تعالى : *(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).*
*ثانياً- مظاهرتوحيد الألوهية*
وهي كثيرة ومتنوعة، ويزداد الناس فيها تنافساً وصفاءً في رمضان، وتشمل الصيام، والصلاة، والقيام، والذكر، والزكاة، وتزكية
النفس،....وغير ذلك من مظاهر توحيد الألوهية.
قال اللّٙه تعالى : *(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرََ).*
*ثالثاً-مظاهرتوحيد الأسماء والصفات*
وهي جٙلّية وعظيمة، وأهمها أن اللّٙه تعالى رضي لعباده اليُسْر في أحكام الدين وأحبّٙه لهم، وكٙرِه لهم العُسْر ولم يرضه لهم، رحمةً بهم وشفقةً عليهم.
ومن رحمته ولطفه أن قرن سبحانه إرادتة الشرعية مع *إسمه الأعظم اللّٙه* الجامع لأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
قال اللّٙه تعالى : *(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).*
******************************************************************************************************************************************
*[34] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة البقرة»*
«١٨٦–٢٠٩»
قال اللّٙه تعالى: *(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ**........
*الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب**ِ.........
*فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا..........**
*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).*
*سورة البقرة*«١٨٦–٢٠٩»
وتتابع المنن الإلهيّٙة والعطايا الربانيّٙة على أهل التوحيد والعبوديّٙة، إذ *خٙصّٙهم اللّٙه بنعمة دُعائه،* وشرّٙفهم بالحضور بين يديه لأجل سُؤاله.
*فالدُّعاء مِعْراج القُرْب من اللّٙه* تعالى بلا واسطة.
*والدعاء باب الوصول إلى اللّٙه* تعالى دون حجاب.
قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم : *( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِبًا ، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا ، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ.).* متفق عليه واللفظ لمسلم.
فاللّٙه عزّٙوجلّٙ سميعٌ مجيبٌ قريب.
قريب *بأسمائه وصفاته.*
قريب *بسمعه وبصره.*
قريب *بعلمه وقدرته.*
قريب *برحمته وإجابته.*
قال اللّٙه تعالى : *(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).*
ولما كان *الدُّعاء يمثل ذروة الإفتقار والإخلاص للّٙه* عزوجل، فإن إمام المِلّٙة الحنيفيّٙة *لم يفتر عن الدُّعاء* وهو يرفع القواعد من البيت، ولمّٙا أتمّٙه جاء الأمر الإلهي *(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)*ليكون البيت مثابة للناس وأمنا، ومنارة للتوحيد وقِبْلة.
وما فُرِضٙ *الرُكن الخامس* من أركان الإسلام إلاّٙ لترسيخ *قِيٙم التوحيد، وإفراد اللّٙه بالدعاء والعبودية،* وذلك في زمان ومكان معلومين مخصوصين بحرمة اللّٙه عزوجل.
قال اللّٙه تعالى : *(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ).*
فالحج لا رفث ولا فسوق ولا جدال فيه، وإنما *عبادة ودعاء وذكر للّٙه وحده،* والتلبية، والتكبير، والتهليل، والإستغفار، يكون مقروناً *باسم اللّٙه الأعظم،* الجامع لأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى.
قال اللّٙه تعالى : *(فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ......* *......ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).*
فالناس في جميع مواقف الحج، ابتداءً من النية والإحرام، ومرورا بجميع المناسك والمشاعر المقدسة، لا تفتر قلوبهم وألسنتهم عن الذكر والتلبية وهم يرددون *«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».*
قال اللّٙه تعالى : *(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).*
وإذا ماانتهت مناسك الحج وأعمال التزود بالتقوى، وعاد الناس إلى الأهل والديار، أصبح لزاماً عليهم أن يٙثْبُتوا على كانوا عليه من *حقائق العبودية،* وماارتقوا إليه من *الذكر والتقوى* ودوام الشكر للمولى.
قال اللّٙه تعالى : *(فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا).*
لقد جاء الخطاب الإلهي إلى كل من حمل أمانة التكليف، وأيقن أنه *لا إله إلا اللّٙه،* بأن يأخذوا بشريعة الإسلام عامة، شريعة *محمد رسول اللّٙه*، فيأتمروا بماأمر به الوحي وينتهوا عما عنه نهى
وبعد بيان طريق الحق والهدى، جاء التحذير مجدداً من عاقبة اتباع مسالك الشيطان والهوى ، فمن ضل بعد ذلك وغوى، فإن *الله عَزِيز* في سُلطانه، *حَكِيم* في جزائه وعقابه، ولايترك الناس سُدٙى.
قال اللّٙه تعالى : *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).*
******************************************************************************************************************************************
[35] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة البقرة»*
«٢١٠–٢٥٥»
قال اللّٙه تعالى : *(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ**........
*كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ*.........*
*تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ*........*
*اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).*
*سورة البقرة*«٢١٠–٢٥٥»
أخبر اللّٙه عزّٙوجلّٙ عن *اليوم الآخر،* وهو رُكْنٌ أصيلٌ *من أركان الإيمان،* وأوجٙبٙ اليٙقينٙ بكل مافيه، وأمر بالاستعداد له وعدم الغفلة عنه، وتٙوٙعّٙد المكابرين بالذُلِّ والهوان، وماينتظهرهم من أشكال العذاب فيه.
قال اللّٙه تعالى : *(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).*
قال في التحرير والتنوير:
"...ولٙمّا كان *الإتيان* يستلزم التّٙنقل أو التّٙمدد ليكون حالّٙاً في مكان بعد أن لم يكن به، *تعيّٙن صرف اللفظ عن ظاهره* بالدّٙليل العقلي.
*وذهب سلف الأمّٙة* قبل حدوث تشكيكات الملاحدة إلى *إقرار الصفات المتشابهة دون تأويل* فالإتيان ثابت للّٙه تعالى ، *لكن بلا كيف، فهو من المتشابه* كالاستواء والنزول...أي هو إتيان لا كإتيان الحوادث.
*فأما طريقة الخلف لدفع *مطاعن الملاحدة* فتجيء وجوهٌ منها :
*يجوز تأويل إتيان اللّٙه* بأنه مجاز في *التّٙجلي والاعتناء،*... أو هو مجاز في *الاستئصال* يقال أتاهم الملك إذا عاقبهم قاله القرطبي."
و بيّٙن القرآن الكريم أن جميع النّٙاس كانوا على *فطرة الإسلام ومِلّٙةالتوحيد،* ولكنهم بغوا وطغوا، واجتالتهم الشياطين عن دينهم.
قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه عزّٙوجلّٙ : *(إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا).*
فأرسل اللّٙه عزّٙوجلّٙ إليهم *الأنبياء* ومعهم الكتاب لِيُعيدوا الناس إلى *الدّين الحقّ* الذي فُطِروا عليه، ولِيُحٙكِّموا كتاب اللّٙه بينهم فيما اختلفوا عليه.
قال اللّٙه تعالى : *(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ).*
وجميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام *متساوون* فيما خصّٙهم اللّٙه عزوجل به من أمر :
*١–النُّبوّٙة والوحي الإلهي.*
*٢–التعريف بحقيقة لا إله إلا اللّٙه، والإيمان به تعالى.*
*٣–الصفات الواجبة والمستحيلة والجائزة في حقهم.*
قال الإمام القرطبي :"وإنما *التفضيل في زيادة* الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات، وأما *النُّبوّٙة في نفسها فلا تتفاضل* وإنما تتفاضل بأمور أخر زائدة عليها ".
قال اللّٙه تعالى : *(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ).*
قال الحافظ ابن كثير :"وَلَا خِلَافَ أَنَّ الرُّسُلَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَنَّ *أُولِي الْعَزْمِ ضمِنْهُمْ أَفْضَلُهُمْ،* وَهُمُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورُونَ نَصًّا في قوله تعالى : *( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ).*
وَلَا خِلَافَ أَنَّ مُحَمدَّاً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُهُمْ ، ثُمَّ بَعْدَهُ إِبْرَاهِيمُ ، ثُمَّ مُوسَى عَلَى الْمَشْهُورِ ".
ومما فضِّلٙ به سيّدنا رسول اللّٙه* صلى اللّٙه عليه وسلم على سائر الأنبياء والمرسلين من حيث التأييد بالمعجزات هو *القرآن الكريم.*
وأعظم آي القرآن هي *آية الكرسي،* لأنها جاءت بجميع أقسام التوحيد المطلق الواجب للَّه تعالى:
*أولاً–توحيدالأُلوهيّٙة:
*(اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ).*
فاللّٙه عزّٙوجلّٙ هو وحده المعبود بحق، ولامعبود بحق سواه.
ثانياً–توحيدالأسماء والصّٙفات:
*(هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ُ).*
قال الشيخ السعدي :"هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما، *فالْحٙيُّ:* من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات، كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك، *والْقٙيُّومُ:* هو الذي قام بنفسه وقام بغيره."
*(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).*
قال الحافظ ابن كثير: *" فالْعٙلِيُّ:*كل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته، لا إله إلا هو، ولا رب سواه؛ لأنه *الْعٙظيمُ* الذي لا أعظم منه، *الْعٙلِيُّ* الذي لا أعلى منه، *الْكٙبيرُ* الذي لا أكبر منه، تعالى وتقدس وتنزه عز وجل عما يقول الظالمون المعتدون علوّٙاً كبيراً".
ثالثاً–توحيد الربوبيّٙة:
*( لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ).*
*فالخالقُ العظيمُ،* الذي تٙجِبُ له الحياة الذاتيّٙة، الكاملة، الأزلية، الباقية، المُسْتٙلزِمة لجميع صفات الكمال، *والْمُدٙبِّرُالْحٙكيمُ* القائم بنفسه المقيم لمن سواه، *والمالك لكل ما خلق* من شيء من المخلوقات، *هو اللّٙه ربُّ العالمين.*
******************************************************************************************************************************************
*[ 36] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة البقرة»*
«٢٥٦–٢٨١»
قال اللّٙه تعالى : *(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ**........
*أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ**......
*أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا*....... *فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ**.......
*وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.......وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ**.........
*وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).*
*سورة البقرة*«٢٥٦–٢٨١»
خلق اللّٙه عزّٙوجلّٙ الإنسان وأكرمه *بدين الإسلام،* وجعل للإيمان به والقيام بواجباته مُقوِّمات، فكانت أهم أسس *ومُقوِّمات التكليف بالدِّين* هي:
١–أٙنْ مٙلّٙكٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ الإنسان *الإرادة والحرية* في الاختيار.
٢–وعٙرّٙفٙهُ *الوحدانية المطلقة* بالحُجّٙة والبرهان.
٣–وأٙبٙانٙ له *الصراط المستقيم،* وجعل نوره ظاهراً على طرق الظلمات والضلال.
ثم بعد تلك المقومات وغيرها من *العقل والفطرة والشهوة...،* أٙوْجبٙ عليه *اختياراً* حمل الأمانة والقيام بأعبائها، فإن فعل ذلك *حباً واختياراً* فقد نال من الدين *العروة الوثقى*.
قال اللّٙه تعالى : *(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).*
ومن ثٙبٙتٙ على صراط اللّٙه المستقيم، *مخلصاً له الدّين*، مستمسكاً بحبل اللّٙه المتين، كان في زمرة *أولياء اللّٙه* الصالحين، الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون.
قال اللّٙه تعالى : *(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ).*
وفي القرآن الكريم نماذج عملية كثيرة تشهد أن *اللّٙه وليُّ الذين آمنوا،* فمنهم من تولّاه الحقُّ في تبليغ رسالته، ومنهم من تولّاه في نصرة دعوته، ومنهم من تولّى ارتقاء إيمانه ويقينه.
وعلى رأس أولئك الأولياء إمام الحنيفيّٙة السٙمْحاء، فعندما توجّٙه إلى الملك الكافر ليدعوه إلى التّٙوحيد، *تولّاه ربّه،* وجاء الملك بحُجّٙة بٙيِّنة يعجز عنها أي مخلوق، ولايُجادل فيها عاقل *(إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)*، ولما أجابه الملك مكابرةً وسفهاً قائلاً *(أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)،*تولّٙى اللّٙه تعالى خليله *بحُجّٙة ثانية دامغة مشهودة* لامُوارٙبة فيها، فٙصُعِقٙ الذي كفرٙ وعجزٙ وانقطع.
قال اللّٙه تعالى : *(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).*
ومن نماذج ولاية اللّٙه عزّٙوجلّٙ لعباده المؤمنين،
ذلك الرجل الذي كان مظهراً لمعجزة ربانيةٍ باهرةٍ، تدلُّ على *وحدانية اللّٙه تعالى وقدرته المطلقة* في الإحياء والإماتة، وكان آيةً بٙيِّنة تُثْبِتُ *بٙعْثٙ الناس ونشورهم* ليوم القيامة.
وقد شاء اللّٙه عزّٙوجلّٙ أنْ يرتقي هذا *العبد المؤمن*–وغيره ممن شاهد وعاين وسمع من المؤمنين– *من علم اليقين* الذي يجزم به عن دليل، إلى *عين اليقين* الذي عاينه ورآه دون بحث أو تفكير.
قال اللّٙه تعالى : *(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ۖ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).*
ومثل هذه العناية والولاية كانت لسيِّدنا ابراهيم علية الصلاة والسلام حين سأل ربه قائلاً
*( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ)،*
وكان يرجو من مولاه أن ينقله من *العلم اليقيني* الراسخ لديه، *والثابت بالدليل* والحجة والبرهان الذي هداه وأرشده إليه، إلى *عين اليقين،* ليصبح العلم اليقيني لديه حقيقة مشاهدة ، والمعلوم منكشف عنده ضرورة وبداهة.
قال اللّٙه تعالى : *(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).*
وقال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم : *(نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: " رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَىٰ وَلٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).*متفق عليه.
قال الإمام ابن حجر :" خلاصة المعاني هي: *نفي الشك عن إبراهيم* عليه السلام إمام الحنفاء، فالشك لا يقع ممن رسخ الإيمان في قلبه فكيف بمن بلغ رتبة النبوة؟
وطلبه ذلك أراد به زيادة الإيمان والانتقال من علم اليقين إلى عين اليقين، وطمأنينة القلب".
عَنْ ابن عباس رضي الله عنهما قَال:َ آخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن:
*(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه ثُمَّ تُوَفَّى كُلّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).*رواه البخاري.
******************************************************************************************************************************************
*[37] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة البقرة»*
«٢٨٢–٢٨٦»
قال اللّٙه تعالى : *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ..... وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.......**
*لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ........*
*آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ.......*
*لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا.........وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).*
*سورة البقرة*«٢٨٢–٢٨٦»
إنّٙ خطاب اللّٙه عزّٙوجلّٙ المُوٙجّٙه لعباده بقوله: *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)،*إنّٙما يتلقاه ويُصْغي إليه مٙنْ آمن وأدرك *حقيقة الإيمان،* وهي:
*١-تصديق القلب* بكل ماجاء به الوحي الإلهي.
*٢-العمل بمقتضى الشرع* والإلتزام بأحكامه.
هذا الإيمان ومايعنيه من عبادة اللّٙه تعالى وحده، *يزداد ويقوى* بالتقوى، *وينقص ويضعف* بالمعصية.
قال اللّٙه تعالى: *(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ).* [الفتح-٤]
وِقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: *(الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ).* متفق عليه.
قال اللّٙه تعالى : *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ.......وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).*
ويخبر اللّٙه عزّٙوجل،ّٙ وهو العليم بماتُخْفي الصدور وتُكِنُّ القلوب، بأنه سيحاسب العباد على *ماعقدوا عليه نِيّاتهم،* ومااكتسبتْهُ قلوبهم، سواء أأخفوا ذلك أم أظهروه بأعمالهم، وقد قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم: *(إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى...).*
أمّٙا مايرِدُ على النفس من خواطر عارضة، ووساوس لايمكن دفعها، فإن رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم قال: *(إن اللّٙه تجاوز عن أمّٙتي ما حٙدّٙثتْ به نفسها، ما لم تعمل به أو تتكلم).* متفق عليه
قال اللّٙه تعالى: *(لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).*
وقد شهد اللّٙه عزّٙوجلّٙ في خطابه على *صدق إيمان رسوله سيّدنا محمّٙد* صلى اللّٙه عليه وسلم، وأثنى على *كمال يقينه* بجميع ماأوحي إليه من أركان الدين، *الإيمان والإسلام والإحسان،* وشهد اللّٙه عزّٙوجلّٙ أيضاً على *صدق إيمان من كان معه وآمن برسالته* ولم يفرق بين أنبيائه ورسله، وأثنى سبحانه على امتثالهم وطاعتهم لأمر ربهم.
قال اللّٙه تعالى: *(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).*
لقد جاء *التكليف الإلهي* بحمل أمانة الدين، *تتويجاً لإكرام اللّٙه* عزوجل للإنسان، وإتماماً لفضله تعالى ونعمائه عليه، *وسبباً* لغذاء روحه وحفظ حياته، *وسبيلاً* لنيل السعادة في دنياه وآخرته، وجعل سبحانه التكليف الشرعي *ضمن حدود طاقة الإنسان وقدراته،* رحمةً منه تعالى بجميع خلقه وعموم عباده،
وهو القائل سبحانه: *(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ).*
وتضمّٙن الوحي الإلهي بيان *شروط هذا التكليف الشرعي،* على أن تتحقق مجتمعة في كل إنسان، لأنها سبب معرفة اللّٙه عزّٙوجلّٙ وفهم خطابه، وهي:
*١-البلوغ.*
*٢-العقل.*
قال اللّٙه تعالى: *(وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).*[النساء-٦].
وقال رسول اللّٙه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: *(رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ).*رواه الإمام أحمد.
*٣-سلامة الحواس.*
*٤-بلوغ الدعوة.*
قال اللّٙه تعالى: *(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا).*
وقال اللّه تعالى: *(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا).*[الإسراء-١٥].
قال اللّٙه تعالى: *(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).*
******************************************************************************************************************************************
*[38] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة آل عمران»*
*«١–١٨»*
قال اللّٙه تعالى: *(الٓمٓ * اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيل......*
*هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ.....*
*رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.....*
*شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).*
*سورة آل عمران*«١–١٨»
*اللّٙه:* هو الاسم الجليل الجامع لكل *الأسماء الحُسنى والصفات العُلا* الواجبة لواجب الوجود.
*واللّٙه:* عزّٙوجلّٙ هو الإله *المعبود بحقٍّ وحده،* ولامعبود بحقٍّ سواه.
*واللّٙه:* عزّٙوجلّٙ وهو الربُّ الرّٙحيم ماكان ليترك ماخلق هملاً أو سدىً، بل *تفضّٙل وامْتٙنّٙ على عباده* بالرُّسل وأنزل معهم كُتبٙ الهدى.
*واللّٙه* عزّٙوجلّٙ أنزل القرآن الكريم بالحقِّ المُبين، *تصديقاً* لِما في كتب الرُّسل أجمعين، من *وجوب الإيمان بالدِّين،* والتّٙوحيد المطلق للّٙه رب العالمين.
قال اللّٙه تعالى: *(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ).*
والقرآن الكريم: *(كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)،*
فلا خلل ولا نقص ولا اختلاف ولا تناقض فيه، بل *جميع آياته مُحْكمٙة* وكل كلماته ومفرداته متقنة.
وقد شاء اللّٙه العليم الحكيم أن يكون *أصل آيات القرآن* وأساسها وجُلّها *آيات مُحْكٙمة* من حيث وضوح المعنى وبيان الدلالة، ومنها *آيات متشابهة* يحتمل المعنى فيها أوجهاً عديدة، وتختلف الدلالة فيها–لكونها مجملة–على كثير من النّٙاس.
فأمّٙا أهل الإيمان والسعادة، *فيعملون بالمُحْكٙم، ويؤمنون بالمتشابه* ويرُدُّونٙه إلى الأصل وهو المُحْكٙم، وأما أهل الضلال والشقاوة، *فيتركون المُحْكٙم ويٙرتابون بالمتشابه،* يريدون تحريف القرآن وإضلال أتباعهم.
قال اللّٙه تعالى: *(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).*
وقد أجمع علماء السلف والخلف على وجوب إثبات النصوص المتشابهة في القرآن والسُنّٙة والإيمان بها، مع صرف المعنى عن *ظاهرها اللفظي* المستحيل في حق اللّٙه عزّٙوجلّٙ، وقد جاءت الآيات المُحْكٙمة والأدلّٙة القاطعة لِتُبيِّن أن اللّٙه عزّٙوجلّٙ:
*واحد في ذاته.*
*واحد في أسمائه وصفاته.*
*واحد في أفعاله.*
قال اللّٙه تعالى: *(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).*
قال الإمام أبو حنيفة في "الفقه الأكبر": « وصفات اللّٙه تعالى كلها *بخلاف صفات المخلوقين،* يعلم لا كعِلْمنا، يقدِر لا كقدرتنا، يرى لاكرؤيتنا، يتكلّٙم لا ككلامنا، ويسمع لا كسمعنا،....، نحن نتكلّٙم بالآلات والحروف، واللّٙه تعالى *يتكلم بلا حروفٍ ولا آلةٍ،* والحروف مخلوقة، *وكلام الله غير مخلوق،* وهو شيءٌ لا كالأشياء، ومعنى الشيء: *إثباته بلا جسمٍ، ولا جوهرٍ، ولا عٙرٙضٍ، ولاحدّٙ له،* ولاضِدّٙ له، ولا نِدّٙ له، ولامِثْلٙ له، وله يدٌ ووجهٌ ونٙفْسٌ كما ذكره اللّٙه تعالى في القرآن، فماذكره اللّٙه تعالى في القرآن من ذِكْرِ *الوجه واليد والنفْس، فهو له صفةٌ بلا كيف*».
ويقول الإمام أبو حنيفة: « وليسٙ قربُ اللّٙه تعالى ولا بُعدُهُ من طريق طولِ المسافةِ وقِصٙرِها، ولكن على معنى الكرامةِ والهوانِ، *فالمطيعُ قريبٌ من اللّٙه بلا كيفٍ،* والعاصي بعيدٌ عنه بلا كيفٍ، والقُربُ والبُعدُ والإقبالُ يقعُ على المُناجي».
*مذهب أهل السنة في النصوص المتشابهة*
أولاً- مذهب علماء السلف
*١-إثباتها والإيمان بها* على الوجه الذي قاله وأراده اللّٙه عزّٙوجلّٙ دون تعطيل.
*٢-تنزيه اللّٙه* عزّٙوجل ّٙ عن مشابهة المخلوق بأي شيء.
*٣-إمرارها كم جاءت،* وتفويض الأمر في معرفة المُراد منها إلى اللّٙه عزّٙوجلّٙ.
*٤-السكوت عن معناها،* أو الخوض فيه، أو السؤال عنه.
ثانياً-مذهب علماء الخلف
*١-إثباتها والإيمان بها* على الوجه الذي قاله وأراده اللّٙه عزوجل دون تعطيل.
*٢-تنزيه اللّٙه* عزّٙوجلّٙ عن مشابهة المخلوق بأي شيء.
*٣-التّٙأويل اضطراراً،* بما يوافق القطعي والمُحْكم من النصوص، مع التزام الدِّلالة اللغوية للمُتشابه، *وذلك لضرورة دفع بِدٙع المُعٙطِّلة، والمُشبِّهة، والوساوس* والأوهام عند ضُعفاء الإيمان.
٤-ثبوت وجوب تأويل بعض نصوص المتشابه كقول اللّٙه تعالى: *( فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا)،*
وقول اللّٙه تعالى: *(نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ).*
واللّٙه تعالى قال في محكم آياته: *(وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).*
والرّاسخون في العلم، ومعهم المؤمنون الصادقون، يدعون ويرجون ربّٙهم الذي *هداهم للإيمان، أن يٙهٙبٙهُم* الثّٙبات عليه.
قال اللّٙه تعالى: *(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).*
*وشهادة اللّٙه* عزّٙوجلّٙ على وحدانيّٙته المطلقة، *وانفراده بالألوهيّٙة* الواجبة، هي أعظم مايكون من شهادة وأيقن مايكون من برهان.
قال اللّٙه تعالى: *(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).*
******************************************************************************************************************************************
*[39] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة آل عمران»*
«١٩–٥١»
قال اللّٙه تعالى: *(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ.......*
*لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ.......*
*قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.......*
*قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ.......*
*إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ).*
*سورة آل عمران*«١٩–٥١»
*الإسلام:* هو الدّين الذي *فٙطٙرٙ اللّٙه* عزّٙوجلّٙ عليه آدم وكل نسمة هو خالقها من ذُرّيته إلى يوم القيامة.
*الإسلام:*هو الدّين الذي *ارتضاه اللّٙه* عزّٙوجلّٙ لعباده من الثّٙقلين الإنسن والجن.
*الإسلام:* هو الدّين الذي *أوحاه اللّٙه* عزّٙوجلّٙ لآدم، ونوح، وابراهيم، وموسى، وعيسى، عليهم الصّٙلاة والسّٙلام.
*الإسلام:* هو الدّين الذي أُنْزِل على رسول اللّٙه سيدنا مُحمّٙد صلى اللّٙه عليه وسلم، وبه خُتِمٙ الوحي الإلهي، وكان واحداً في أركانه وأصوله ومقاصده في جميع الرِّسالات والكُتب المُنْزلة.
قال اللّٙه تعالى: *(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).*
*إذاً الإسلام:*
*هو عِلّٙة خلق الإنسان، والحكمة من وجوده وتكليفه.
* وهو سبب سعادته في دنياه، وفوزه في آخرته.
*وعليه سٙيُحاسٙب العبد يوم القيامة، ليلقى وعْدٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ أو وعيده.
لذلك جاء الأمر الإلهي بضرورة *حفظ دين الإسلام في الفرد والأمّٙة،* ووقايته وصٙوْنه من كل مايؤذيه أو يضرّٙه، وجاء أمر *نهي المؤمنين عن موالاة الكافرين* صارماً وشديداً، سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعة أو الأمّٙة.
قال اللّٙه تعالى: *(لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ).*
قال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان:؟ "هذه الآية الكريمة فيها بيانٌ لكل الآيات القاضية *بمنع موالاة الكفار مطلقا*ً وإيضاحٌ أن محل ذلك في *حالة الاختيار،* وأما عند الخوف والتقية *فٙيُرخّٙص في موالاتهم،* بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم ، *ويشترط في ذلك سلامة الباطن* من تلك الموالاة ، ومن يأتي الأمور على اضطرار فليس كمثل آتيها اختياراً .
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن *من تولى الكفار عمداً* اختياراً رغبة فيهم أنه *كافر مثلهم*".انتهى
*والحقيقة:* أن التكليف الإلهي *بدين الإسلام،* هو تشريف للإنسان، وهو نعمة عظيمة *تستوجب الشكر والحُبّٙ المطلق للّٙه* عزّٙوجلّٙ، وقد أقام اللّٙه عزّٙوجلّٙ هذا الدّين على الصراط المستقيم، *وجعل له باباً واحداً هو باب رسول اللّٙه* صلى اللّٙه عليه وسلم *حباً واتباعاً،* واقتداءً به قولاً وعملاً، ظاهراً وباطناً، *فرسول اللّٙه* صلى اللّٙه عليه وسلم هو *باب الوصول الأٙوْحد* إلى مقام الحُبِّ المطلق للّٙه عزّٙوجلّٙ، والتّٙسبيح بحمده وشكره سبحانه.
قال اللّٙه تعالى: *(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).*
ولمّٙا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم دُعاة الحقِّ وهداة الخلق لتوحيد اللّٙه ربِّ العالمين، فقد *أوجب اللّٙه عزّٙوجلّٙ على المكلّٙفين طاعته وطاعة رُسُله ولازم بينهما،* لذلك قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: *(كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى،* قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى، قَال:َ *مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى).*رواه البخاري.
قال اللّٙه تعالى: *(قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ).*
*وأُمِرٙ* إمام الأنبياء والمرسلين *سيدنا محمد* صلى الله عليه وسلم *بالإقتداء بمن سبقه من الرُّسل* عليهم الصلاة والسلام بقوله تعالى: *(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)،* لأن جميع الرُّسل *وإن تعدّٙدتْ شرائعهم* وتميّٙزتْ خِصالهم، إلا أن دعوتهم للتوحيد المطلق واحدة، وعبوديتهم لربِّهم عزّٙوجلّٙ واحدة.
وهذا ماقام به سيدنا عيسى عليه الصلاة السلام حينما بُعِثٙ إلى بني اسرائيل رسولاً، إذ بٙلّٙغهم بأنه رسول اللّٙه إليهم، وأنه مؤمن برسالة موسى وما أنزل عليه.
قال اللّٙه تعالى: *(وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ).*
ثم تابع سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام *دعوة الحقِّ ذاتها* كما بٙلّٙغها أخيه موسى والأنبياء من قبل– *مع تعدد أساليب عرضها، وتنوع آيات الإعجاز فيها*–وأقام الحُجّٙة عليهم بأنه عبد اللّٙه ورسوله، مستدلاً –بما لا خلاف عليه– من حقيقة ربوبية اللّٙه عزّٙوجلّٙ وانفراده بالخٙلْقِ والمُلْكِ والتّٙدبير، لبيان وجوب توحيد الألوهية وإفراد اللّٙه عزّٙوجلّٙ بالعبادة.
قال اللّٙه تعالى: *(إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ).*
******************************************************************************************************************************************
*[40] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة آل عمران»*
*«٥٢–٨٥»*
قال اللّٙه تعالى: *(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.......*
*إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةَِ.......*
*إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.......*
*مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونٙ.......*
*وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).*
*سورة آل عمران*«٥٢–٨٥»
لٙمْ تنفع الآيات البٙيِّنات *والمُعْجزات الباهرات* مع بني اسرائيل في تصديق سيّدنا عيسى عليه الصلاة والسلام *والإيمان برسالته،* بل قالوا *هذا سحرٌ مُبين.*
ولمّٙا تيقّٙن عليه الصلاة والسلام من عِنادِهم وإِصْرارهم على كُفرهم، *طلب مِمّٙن آمن به* وصٙدّٙق بدعوته أن *يٙنْصُروه لتبليغ رسالة ربِّه* عزّٙوجلّٙ وإقامة شرعه سبحانه، فأجابته ثُلّٙة من المؤمنين الصادقين، *واستسلموا لربِّ العالمين،* فآزروا رسوله، ونصروا دعوته، واتّٙبعوا النور الذي أُنزل معه.
قال اللّٙه تعالى: *(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).*
لقد أراد كُفّٙار بني اسرائيل أن *يُطْفِؤا نور التوحيد* الذي جاء لهداية قومهم، بعد إن بٙدّٙلوا دينهم وبان انحرافهم، فمكروا برسول اللّٙه إليهم وتآمروا عليه، *وعزموا على قتله وطمس دعوته،* ولكنّٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ لهم بالمِرْصاد، فأبطل مكرهم وجعل كيدهم في نحرهم، وأكرم رسوله ورفعه إليه.
قال اللّٙه تعالى: *(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ).*
وبعد أن رُفِعٙ سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام إلى السماء، انقسم اتباعه *فرقاً وشيعاً،* فمنهم:
١–فرقة ثبتت على الحق وأيقنت وقالت: *أن عيسى ابن مريم عبد اللّٙه* ورسوله وابن أٙمٙتِه.
٢-وفرقة كفرت بالحقِّ وقالت: *المسيح ابن اللّٙه،* تعالى اللّٙه عن ذلك علواً كبيراً.
٣-وفرقة كفرت بالحقِّ وقالت: *المسيح هو ثالث ثلاثة،* تعالى اللّٙه عن ذلك علواً كبيراً.
٤-فرقة كفرت بالحقِّ وقالت: *المسيح هو اللّٙه،* تعالى اللّٙه عن ذلك علواً كبيراً.
وجاء القرآن الكريم لِيُبيِّن للعالمين:
*أولاً–*أن اللّٙه عزوجل يخلق مايشاء *عند الأسباب عادةً،* ويخلق مايشاء *بدون الأسباب وبخلاف الأسباب خرقاً للعادة،* فالذي خلق آدم عليه السلام من غير أب ولا أم *بقول كُنْ،* هو ذاته الذي خلق المسيح عيسى من أم دون أب *بقول كُنْ.*
*ثانياً–*لاينبغي شرعاً، ويستحيل عقلاً أن يكون المخلوق شريكاً *للخالق في ربوبيته* فضلاً عن أن يكون *شريكاً في ألوهيته،* قال اللّٙه تعالى: *(مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).*
قال اللّٙه تعالى: *(إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).*
وسيّدنا *عيسى وجميع الأنبياء والرُسل* عليهم الصلاة والسلام قد تولى اللّٙه عزوجل تربيتهم واعدادهم للنبوّٙة والرسالة بنفسه:
*فاصطفى *نسبهم وأصلهم.*
*وأزكى فِطْرٙتهم وكٙمّٙل شخصيّٙتهم.*
*وعٙصٙمٙهم وحٙفِظٙ جوارحهم وبواطنهم* مِمّٙا لاينبغي قبل البِعْثٙة وبعد النُبوّٙة.
*وأجرى لهم خوارق العادات،* تهيأةً لهم قبل نزول الوحي الإلهيّ وقبل المُعْجزات.
وأخبر اللّٙه عزّٙوجلّٙ عن أنبيائه ورسله بأنّٙهم:
*أكمل الناس خٙلْقاً وخُلُقا.* *وأصدقهم قولاً وفعلاً*.
*وأعظمهم أمانةً ورشداً،* *وأشدهم ذكاءً وفطنةً.*
فوجب شرعاً في حقهم *–وهوالأصل–*وكذلك عقلاً:
*١-الصِّدْقُ.*
*٢-الأٙمٙانٙةُ.*
*٣-التّٙبْليغُ.*
*٤-الفٙطٙانٙةُ.*
ويستحيل في حقهم عليهم الصلاة والسلام
: *الكٙذِبُ، والخِيانٙةُ، والكِتْمانُ، والبٙلادٙةُ.*
قال اللّٙه تعالى: *(مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ).*
قال الإمام ابن كثير: "من أراد ديناً سوى *دين اللّه، الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله،* وهو عبادة اللّه وحده لا شريك له، الذي له أسلم من في السموات والأرض، أي *استسلم له من فيهما طوعاً وكرهاً،* فالمؤمن *مستسلم بقلبه وقالبه للّه،* والكافر *مستسلم للّه كرهاً،* فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولايمانع،.....أي *من سلك طريقاً سوى ما شرعه اللّه فلن يقبل منه،* كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم في الحديث الصحيح: *(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).*انتهى
قال اللّٙه تعالى: *(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).*
******************************************************************************************************************************************
*[41] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة آل عمران»*
*«٨٦–١٤٤»*
قال اللّٙه تعالى: *(كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.......*
*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.......*
*وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.......*
*وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.......*
*سورة آل عمران*«٨٦–١٤٤»
لقد تفضّٙل اللّٙه عزّٙوجلّٙ على على الإنسان بنوعين من الهداية:
*أولاً–هداية الدّلالة والبيان:
* وهي هداية شرعيّٙة تكليفيّٙة، تتعلّٙق بالإرادة الإلهيّٙة *الدّينيّٙة،* أي إرادة المحبّٙة والرِّضا التي يمكن أنْ تُعْصى وأنْ تٙتٙخلّٙف.
وتتجلّٙى هذه الهداية ببعثة الأنبياء والرُسل عليهم الصلاة والسلام إلى النّٙاس مُؤٙيّٙدين بالوحي والكتاب، وهي هداية عامّٙة يمكن أنْ يقوم بها كلّ إنسان مسلم.
قال اللّٙه تعالى: *(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا).*
*ثانياً–هداية التوفيق:
* وهي هداية ربّٙانية، تتعلّٙق بالإرادة الإلهية *الكونيّٙة،* أي هي من *القضاء المُبْرم* الذي لايتخلّٙف أبداً.
وتتجلّٙى هذه الهداية في تهيئة الأسباب وتوفيق العبد ليقوم بما يُحبُّه اللّٙه عزّٙوجلّٙ ويرضاه، وهي هداية خاصّٙة باللّٙه عزّٙوجلّٙ، لايملكها مٙلٙكٌ مقربٌ ولا نبيٌ مُرسلٌ.
قال اللّٙه تعالى: *(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).*
فاللّٙه عزّٙوجلّٙ لايهدي من ظلم نفسه، وكفر بعد أن وٙفّٙقٙه وهداه، وعٙلِمٙ أنّٙ اللّٙه حقٌّ وأن ّٙ رسوله حقّ، سيما وأنه عاين الآيات البٙيّنات والمُعجزات الباهرات.
قال اللّٙه تعالى: *(كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).*
وبعد إكرام اللّٙه عزّٙوجلّٙ لهذا الإنسان *بالهداية،* وقد عٙلِمٙ يقيناً أنه لا إله إلاّٙ اللّٙه مؤمناً بها، *وٙجٙبٙ عليه* أن يٙلْزٙم *الصِّراط المستقيم،* وأن يتمسّٙك *بحبل اللّٙه المتين،* وأن يٙحْرص أن يكون حيث أمٙرٙه اللّٙه ورسوله، وأن يُفْتٙقٙد حيث نهاه اللّٙه ورسوله.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: *(إِنَّ اللَّهَ تعالى يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالَ).*
ومن الأسباب التي تُثٙبِّت الإنسان على *دين الإسلام* إلى أن يلقى المٙلِكٙ الديّٙان:
*١– دوام الإخلاص للّٙه* عزّٙوجلّٙ، ومراقبة صفاء فؤاده ونقاء سريرته، ليلقى ربّٙه بقلبٍ سليم.
*٢– متابعة رسول اللّٙه* صلى اللّٙه عليه وسلم في الأقوال والأفعال والأحوال.
*٣–التواصي بالحق،* وهو القرآن الكريم، *والتواصي بالصبر* وهو الالتزام بأحكامه.
قال اللّٙه تعالى: *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).*
*والهداية الإلهية* وماتتضمّٙنُه من ارشاد وبيان وتوفيق، هي *مٙحْض فٙضْلٍ ومنّٙةٍ من اللّٙه* عزوجل، إذ:
*لايجب على اللّٙه فعل أي شيء أو تركه.*
*وجائز في حق اللّٙه فعل أي شيء أوتركه.*
فاللّٙه عزّٙوجلّٙ *(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)،*
لأنّٙه هو الخالق، المالك، المُدبِّر، ربُّ العالمين، وهو المُتصرِّف في مُلْكه، ولايخرج عن مُلكه شيء ولامُعقِّب لِحُكْمه، وهذا مما:
*« يجب أنْ يُعْلٙم من الدّين بالضّٙرورة».*
قال اللّٙه تعالى: *(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).*
ومما *يجب أن يُعْلٙم من الدّين* أيضاً ويتعلّٙق في *حقِّ الأنبياء والرسل* عليهم الصلاة والسلام، بالإضافة إلى وجوب اتصافهم *بالصدق، والأمانة، والتبليغ والفطانة،* واستحالة اتصافهم *بالكذب، والخيانة، والكتمان، والبلادة،* هو:
*جواز سائر الأعراض البشرية في حقِّهم، والتي لاتؤدي إلى نقص في مراتبهم العٙليّٙة،* كالأكل، والشُرب، والنِكاح، والمرض غير المُنٙفِّر، والنّٙوم، وأذيّٙة الخٙلْق لهم، والموت...
..، أما *بواطنهم الشريفة فمعصومة عن النقائص،* لِتعلُّقِها باللّٙه عزّٙوجلّٙ، وشهودها لأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
*وظهور الأعراض البشرية في حياة الأنبياء والرُسل* عليهم الصلاة والسلام أمام أقوامهم فيه *حكم إلهيّٙة جليلة، ودلالات إيمانيّٙة هامّٙة،* تحدّٙدت على أثرها مواقف الناس من تصديق دعوة الأنبياء ، وظهرت حقيقة إيمان الصّٙادقين من أتباعهم، ورُسوخ التوحيد المطلق للّٙه عزّٙوجلّٙ في قلوبهم.
قال اللّٙه تعالى: *(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ).*
******************************************************************************************************************************************
[42] التوحيد في القرآن الكريم
«سورة آل عمران»
«١٤٥–٢٠٠»
قال اللّٙه تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا.......
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.......
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ.......
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ.......
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.......
سورة آل عمران«١٤٥–٢٠٠»
مِمّٙا عُلِمٙ من الدّين بالضّٙرورة، أنّٙ عِلْمٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ مُحيط أزلاً بِكُلِّ شيء، وأنّٙ كل شيءٍ سٙيظْهٙر إلى الوجود إنما سيكون على النّٙحو الذي خٙصّٙصٙهُ اللّٙه به، ووفق الأجل الذي أراده له ، ثم خٙلٙقٙ اللّٙه عزوجل القلم، وأمره أن يٙكْتُب في اللوح كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة، ومن ذلك كُلّ نٙفْسٍ ونٙسْمٙةٍ هو خالقها سبحانه وتعالى.
قٙالٙ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أنّ نَفْساً لنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَكْمِلَ أجَلَها وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَها).
قال اللّٙه تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ۗ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ).
هذه النّٙفْس الإنسانيّٙة والروح البشريّٙة التي ستموت وستُحاسٙب على كل ماكٙسٙبٙتْه ومااكْتٙسٙبتْه، كان قد أرسل اللّٙه عزوجل إليها –تفضُّلاً وكرماً– رسلاً مُبشِّرين ومُنذرين، لأجل هدايتها والعناية بها، ثم ليكونوا عليهم الصلاة والسلام حُجّٙة لها أو عليها يوم القيامة، وذلك عند محاسبتها ومجازاتها، مع أن اللّٙه عزّٙوجلّٙ يعلم أزلاً بما سيكون من أمْرها طيلة حياتها.
فإرسال الرُّسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومنهم إمامهم وخاتمهم سيدنا مُحمّٙد صلى اللّٙه عليه وسلم هو مِنّٙةٌ إلهيّٙةٌ وعطيّٙةٌ ربّٙانيّٙةٌ، إذْ ليس لأٙحدٍ مِنٙ الخٙلْق حقٌّ أو واجبٌ على اللّٙه عزّٙوجلّٙ في هداية خاصٌّة أو عامّٙة، أو في أي مصلحة دينيّٙة أو دنيويّٙة، وإنما الواجب علينا شرعاًاعتقاده والإيمان به هو:
أن اللّٙه جائزٌ في حقِّه فِعْلُ أي شيءٍ وتركه.
وأنّٙ مِنْ بين أفراد هذا الجائز هو بعثة الأنبياء والرُسل عليهم الصلاة والسلام.
وكذلك فأن جميع ما ظهر في هذا الكون من المصالح والمنافعالدينيّٙة والدنيويّٙة – والتي لاعد لها ولاحصر– بسبب فعلٍ من أفعاله تعالى أو حكمٍ من أحكامه، إنما هو مِنّٙةٌ إلهية وحكمة ربّٙانيّٙة، من دون أن تكون هذه الحكمة الربّٙانيّٙة، أو المصلحة –التي يعود نفعها على المخلوقات وحٙسْبْ– هي الباعثة على أي فعلٍ من أفعال اللّٙه عزّٙوجلّٙ أو حكمٍ من أحكامه سبحانه وتعالى.
قال اللّٙه تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
ومن مظاهر الحكمة الإلهيّٙة والسُّنٙن الربّٙانيّٙة التي يعود نفعها على الإنسان، أن اللّٙه عزّٙوجلّٙ قٙدّٙر أن يٙمْتٙحِنه ويٙخْتٙبِره بأنواع من البلاء،
لِيٙميزٙ المؤمن الصادق عن المنافق الكاذب، وليظهر علم اللّٙه الأزلي فيه.
ومن حِكْمٙته تبارك وتعالى أيضاً، أنه لٙمْ يُطْلِع على عِلْم الغيب أحداً، إلاّٙ من اصطفاه من عباده، ومن خٙصّٙه بالوحي والنبوة، وأٙطْلٙعٙه مِنٙ الغيب على ماأٙرادٙه وقٙدّٙره له.
قال اللّٙه تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
ومن أفراد الجائز في حقِّ اللّٙه عزّٙوجلّٙ، خٙلْقُ السماوات والأرض، وهما آيتان عظيمتان، وخٙلْقهما أكبر من خٙلْقِ الإنسان، وفيهما من الآيات البٙيِّنات والأدِلّٙة السّٙاطعات على وجوب الوحدانيّٙة المُطْلٙقة للّٙه عزّٙوجلّٙ، مالا يُحْصيه أصحاب العقول السليمة والقلوب النٙيِّرة.
كما دٙلّٙت الظواهر العلميّٙة المُتكٙرِّرة في أرجاء السماوات والأرض، وكذلك التغيُّرات والتّٙبدُّلات المُتناوبة فيهما، على وجوب افتقار الكون بما فيه، إلى الخالق الذي أوجده، والحكيم الذي دبّٙره، والرّٙب الذي يُمِدُّه ويرعاه.
قال اللّٙه تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ).
ثم أٙمٙرٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ عباده المؤمنين الصّٙادقين بالثبات على أصول الدّين، لأنها سفينة نجاتهم ونجاحهم، ومركب فوزهم وفلاحهم وهي:
١-اصْبِرُواعن المُحرّٙمات.
٢-وٙصٙابِرُواعلى الطّٙاعات.
٣-وٙرٙابِطُواعلى الخٙيرات.
٤-وٙاتّٙقُوا اللّٙهوأٙخْلِصواله.
قال اللّٙه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
******************************************************************************************************************************************
[43
] التوحيد في القرآن الكريم
« سورة النساء »
«١–٦٤»
قال اللّٙه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا.......
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا.......
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا.......
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا).
سورة النساء«١–٦٤»
بٙدٙأٙت سُورة النِّساء بخطابٍ إلهيٍّ ونِداءٍ ربّٙانيٍّ إلى النّٙاس جميعاً، فقد أٙمٙرٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ في أٙوّٙل آيةٍ فيها جٙميع المُكٙلّٙفين بوجوب عبادته وٙحْده وتٙقْواه.
وجاء التّٙنْبيه لأمر التّٙقوى في نفس الآية لأٙهميّٙتها مرتين:
١- (اتّٙقُوا رٙبّٙكُمُ الّٙذِي خٙلٙقٙكُمْ).
وهو أٙمْرٌ إلهيٌّ بوجوب توحيد الأُلوهيّٙة، وإفراد اللّٙه عزّٙوجلّٙ بالتّٙقوى والعُبوديّٙة، مع دوام الإِخْلاص الكامِل لٙهُ سبحانه وتعالى بالسِّر والعٙلٙنْ، لأنّٙ الّٙذي يٙأمُركُم بالتّٙقوى هو الذي خٙلٙقٙكُم جميعاً من نٙفْسٍ واحدة، وٙهْوٙ الذي أمٙدّٙكم وأعْطاكُم مِنْ كُلُّ ماسٙألتُمُوه.
٢-(واتّٙقُوا اللّٙهٙ الّٙذِي تٙسٙاءٙلُونٙ بِهِ).
وهو أٙمْرٌ إلهيٌّ بوجوب توحيد الألوهية، وإفراد اللّٙه عزّٙوجلّٙ بالتّٙقوى والعُبوديّٙة، مع دوام الإخلاص الكامل لٙهُ سبحانه وتعالى في السِّر والعٙلٙن، لأن الذي يٙأمُركُم بالتّٙقوى هو الذي تُعظِّمُونٙه وتٙسٙاءٙلونٙ بِه، وهو وحده المُسْتوجب للعُبوديّٙة والأولى بالتّٙقوى.
قال اللّٙه تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
ونٙبّٙه اللّٙه عزّٙوجلّٙ إلى أٙنّٙ الشِّرْك به هو جُحُود بالوحدانيّٙة المُطْلقة، سواء كان الشِّرك في:
توحيد الألوهيّٙة.
أو في:
توحيد الربوبيّٙة.
أو في:
توحيد الأسماء والصِّفات.
فالشِّرْكُ إِثْمٌ عظيمٌ وافتراءٌ كبيرٌ، ولٙيسٙ كٙمِثْله ذٙنْبٌ في حقِّ اللّٙه عزّٙوجلّٙ، وبٙيّٙن سبحانه وتعالى أنّٙهُ لايٙغْفِرُ لعبدٍ يٙلْقى حٙتْفٙه وهو مُشْرك به، وأنّٙه يٙغْفِرُ لأٙهل الإيمان والتّٙوحيد مِنْ عباده ماشاء من الذُّنُوب دون الشِّرك به سبحانه وتعالى.
ولِذٙلِكٙ لٙمّٙا سُئِلٙ رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ: (أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ،قَال:َ ثُمَّ أَي،ْ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ،قَالَ ثُمَّ أَيْ،قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ).متفق عليه.
قال اللّٙه تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا).
وأٙمٙر اللّٙه عزوجل عباده من أهل التوحيد والإيمان، أن يٙمْتثِلوا لِكُلِّ ماأٙمٙرٙ به سبحانه وتعالى في كِتٙابه، وماأٙمٙرٙ به رسوله صلى اللّٙه عليه وسلم في سُنّٙته، لأن الكِتابٙ والسُنّٙة وحيٌ إلهيٌ واحد، فطاعة اللّٙه وطاعة رٙسُوله طاعتان مُتلازمتان لاتٙنفكّٙان أبداً.
وأٙمٙرٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ المُكلّٙفين أيضاً بطاعة أُولي الأٙمْرِ من المُسْلِمين ماأطاعوا اللّٙه ورسوله.
قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم: (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه،َ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّه،َ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي).متفق عليه.
قال اللّٙه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
وطٙاعة الرُّسُل التي أوجبها اللّٙه عزّٙوجلّٙ على المُكلّٙفين هي طاعة مُطلقة، لأن الرُسُل عليهم الصلاة والسلام لايٙنْطِقون عن الهوى إِنْ هُو إلاّٙ وحْيٌ يُوحٙى، فٙأقْوالهم وأٙفْعالهم وأٙحْوالهم وٙحْيٌ من اللّٙه عزّٙوجلّٙ، وهذا دليل على أن العِصْمٙة واجبة في حٙقِّهم.
ووجوب العِصْمٙة أو الأمٙانٙةفي حقِّ الأٙنبياء والرُّسل عليهم الصلاة والسلام ثابتة لهم قٙبْلٙ النُبُوّٙة وبعدها، وقد وُصِفٙ رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم قبل بِعْثٙتِه الشّٙريفة بالأٙمٙانٙة، وٙلُقِّبٙ في مٙكّٙة بالصّٙادِق الأٙمين.
والعصمة أو الأمانة في حق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام تعني: حِفْظٙ جوارحهم الظاهرة ومٙدارِكهم الباطنة مِنٙ الوقوع في مُحٙرّٙم، أو في مٙكروه، أو حتى في خِلاف الأٙوْلى.
ولهذا الفٙضْل الكبير والشّٙرف العظيم الذي خُصّٙ بِه الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وإجْلالاً لرسُول اللّٙه سٙيّدنا مُحٙمّٙد صلى اللّٙه عليه وسلم، أٙرْشٙدٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ من أٙذْنٙبٙ، أو أٙخْطأٙ، أو عٙصى من عباده، بأن يأتوا رٙسُوله، فٙيسْتٙغْفِروا اللّٙه عنده ويٙسأٙلوه أن يٙستٙغفِر لهم، فإن هم امْتٙثٙلوا فٙلْيٙتٙيقّٙنوا أن اللّٙه عزّٙوجلّٙ قد غٙفٙرٙ لهُم، وتٙابٙ عليهم، ورٙحم ضعفهُم وذلّٙهُم.
قال اللّٙه تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا).
******************************************************************************************************************************************
[44] التوحيد في القرآن الكريم
«سورة النساء»
«٦٥–١٣٦»
قال اللّٙه تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.......
مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا.......
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.......
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا).
سورة النساء«٦٥–١٣٦»
لقد أقسم اللّٙه عزّٙوجلّٙ بِذاته العٙلِيّٙة، أٙنّٙ كُلّ إنسان أٙعْلٙن الإسلام وادّٙعٙى الإيمان، لايكون إيمانه صادقاً إلاّٙ إذا حٙكّٙمٙ رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم في جميع أمور حياته، ظاهراً وباطناً، حِسّٙاً ومٙعْنى، على أن يكون ذلك مترافقاً مع تٙمام الرِّضى والتّٙسليم لِمٙا جاء به حُكْمُ النّٙبيِّ صلى اللّٙه عليه وسلم.
فٙتحكيمُ النّٙبيّ صلى اللّٙه عليه وسلم في كُلِّ مايطرأ، يجعل الإنسان مستقيماً في مقام الإسلام.
وانْتِفاء الحٙرٙج مما حٙكٙمٙ به النّٙبيُّ صلى اللّٙه عليه وسلم، يجعل الإنسان راسخاً في مقام الإيمان.
والتّٙسليم الكامل لِحُكْمِ النّٙبيّ صلى اللّٙه عليه وسلم، يجعل الإنسان حاضراً في مقام الإحسان.
قال اللّٙه تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
وأمّٙا الإنسان إذا ما تٙكٙبّٙر على منهج النّٙبي صلى اللّٙه عليه وسلم، وتركٙ شٙرْعه وخالفٙ سُنّٙٙته، وقد علم يقيناً أنه رسول اللّٙه بالحقّٙ والنُّور والهدى.
وفارق جماعة المؤمنين الصّٙادقين وماهم عليه من الاستقامة والتُّقٙى.
فإن اللّٙه عزّٙوجلّٙ سٙيسْتٙدْرِجه، وسيبقى على ضٙلاله وكُفره حتى يلقى حٙتْفه، ثُمّٙ يكون إلى النّٙار مصيره.
قال اللّٙه تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
والحقيقة أنّٙ كل مايجري على الإنسان في حياته، ومايلاقيه فيها من تفاصيل، إنّٙما هي في كتابٍ، مِنٓ قبل أنْ يُبْرِزها اللّٙه رٙبُّ العالمين.
فما من شيءٍ يُصيب الإنسان، من حٙسنةٍ أو نعمةٍ، في دِينه كانت أو في دُنْياه، إنما يكون بتوفيق اللّٙه عزّٙوجلّٙ لٙهُ، وبِتيسير أٙسباب تِلك الحٙسٙنة والنِّعْمٙة إليه.
وما من شيءٍ يُصيب هذا الإنسان، من سُوءٍ أو شرٍّ، إنما يكون باختياره لأسباب ذلك السوء أو الشّٙر، ومِنْ ثُمّٙ اقْتِرافه له.
فاللّٙه عزّٙوجلّٙ مٙلّٙكٙ الإنسان إرادة خاصّٙة بِه، ليٙخْتار ماشاء من أٙمْري الدُّنيا والآخرة بِملء إرادته، فإذا ماقام بالأمر، تٙظْهرُ نتيجة اختياره وثٙمرة فِعْلِه، وهذا مايعْرٙف بكٙسْبِ العبد، الذي يُمٙثِّل أٙساس التّٙكليف وعِلّٙته.
فكٙسْبُ العبد: هو اقتران الأٙسْباب التي اختارها العبد–وهي مخلوقة للّٙه عزّٙوجلّٙ– بالمُسٙبّٙبات، وهي نتيجة اختياره وثمرة أفعاله، وهي مخلوقة للّٙه عزّٙوجلّٙ أيضاً.
قال اللّٙه تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا).
وأمّٙا الرّٙبْط والتّٙوفيق بين قول اللّٙه تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)، وبين قوله تعالى: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ).
فهو أمر بائنٌ وجليٌ، لأٙنّٙهما آيتان مُحْكٙمٙتان واضِحٙتيّ المعنى والدلالة.
فموضوع الآية الكريمة:(قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)،
هو لِبٙيان أٙنّٙ القضاء والقدر يشمل جميع أفعال العبد، الحٙسٙن منها والسّٙيء، ويكون ذلك وفق ماأراده اللّٙه تعالى وخٙصّٙصٙه أزلاً وِفْقٙ علمه.
وأما قوله تعالى:(وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)،
فهو لِبٙيان أٙنّٙ اتِّخاذ الأسباب المُنْجية من السُّوء واجبٌ شرعي، فإِنْ تٙرٙكها الإنسان أو خٙالفها، سٙيٙتٙسٙبّٙب لنفسه بما يٙسوؤها ويٙضرّها.
ويؤكِّد اللّٙه عزّٙوجلّٙ أٙمْرٙه لِكُلِّ إنسان مُؤمِن، بوجوب:
أن يٙثْبُت على التّٙوحيد المطلق للّٙه عزّٙوجلّٙ.
وأٙنْ يزداد يقيناً برسوله والقرآن الذي أُنْزِلٙ عليه.
وأن يُصٙدِّق بالكتاب الذي أُنْزِلٙ على الأنبياء مِنْ قٙبْلِه.
أٙمّٙا مٙنْ كفر باللّٙه عزّٙوجلّٙ، أو أٙشرك بألوهيّٙته، أو بربوبيّٙته، أو بأسمائه وصفاته.
أو كفر بالملائكة الكرام.
أو كفر بأحد أنْبيائِه أو أحد كُتُبِه التي أنزلها على رُسُلِه.
أو كفر بيوم القيامة وبماسيكون فيه.
فقد خرج من النُّور إلى الظُلُمات، ومن الهُدى إلى الضّٙلال، ومن النّٙعيم إلى الجّٙحيم.
قال اللّٙه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا).
******************************************************************************************************************************************
[45] التوحيد في القرآن الكريم
«سورة النساء»
«١٣٦–١٧٦»
قال اللّٙه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا.......
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ٭ أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا.......
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا.......
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا.......
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ ... يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
سورة النساء«١٣٧–١٧٦»
يُخْبِرُ اللّٙه عزّٙوجلّٙ أن مٙنْ كٙفٙرٙ بدين الإسلام بعد أن آمن به، وتٙكٙرّٙر ارْتِداده عن الدِّين الحقِّ مرات ومرات، بٙلْ وازداد في كفره واستمرّٙ على ضلاله، فإنّٙه لٙنْ يٙجد للهداية طريقاً ولا إلى الحقِّ سبيلاً، لأنه لٙمْ يكنْ في إيمانه مُخلِصاً، ولا في دِينه أصلاً صادقاً.
قال اللّٙه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا).
ولأجل التّٙعريف بالدِّين الحقِّ الإسلام، وتبليغ رسالة التّوحيد المُطلق للأنام، اصطفى اللّٙه عزّٙوجلّٙ أفراداً مِنٙ النّٙاس، اختارهم بحكمته، وخٙصّٙهم بعنايته، ثُمّٙ بعثهم بالوحي الإلهيّ إلى أقوامهم، لأجل إيقاظ الفِطرة السليمة وتربية الإيمان في قلوبهم، ولتحقيق معاني العبودية في جميع شؤون حياتهم.
فالإيمان بجميع الأنبياء والرُّسل عليهم الصّلاة والسّلام رُكنٌ أساسيّ من أركان الإيمان، وإنكار نُبوة أٙيٍّ منهم، أو التّٙكذيب برسالة أحدهم، هو تفريقٌ بين الإيمان باللّٙه والإيمان برُسِله، وهذا كُفْر باللّٙه عزّٙوجلّٙ وكُفْر بالأنبياء جميعاً.
قال اللّٙه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا * أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا).
والأنبياء والرُّسل عليهم الصّٙلاة والسّٙلام جميعهم سواء فيما خٙصّٙهم اللّٙه عزّٙوجلّٙ به من النُّبوّٙة والوحي، فهم كما قال النّٙبيّ صلى اللّٙه عليه وسلم فيما رواه الشيخان: (الأنبياءُ إخوةٌ لِعَلَّات، أمهاتُهم شتَّى، ودينُهم واحدٌ)، أي إخْوٙة في النُّبوّٙة والوحي، وشرائعهم شتّٙى.
والفرق الجوهريّ بين الرّٙسول والنّٙبيّ–كما جاء في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم للآلوسي– هو: "أنَّ الرّسول من أُوحِيَ إليه بشرعٍ جديد -أي ديانةٍ وشريعةٍ جديدةٍ كاليهوديّة والنصرانيّة والإسلام-، أمَّا النّٙبيّ فلم يُوحَى له بشرعٍ جديدٍ، وإنَّما بُعِث لتقرير شٙرْعِ مٙنْ قٙبْله من الرّسل، فكلُّ رسولٍ نبيّ، وليس كلُّ نبيّ رسول، حيث يُوحَى للرّسول بشرعٍ جديدٍ علاوةً على تقرير ما جاء به مٙنْ قٙبْلٙه مِنٙ الرُّسل والأنبياء."
والوحي الإلهيّ الذي خٙصّٙ به ربُّ العزّٙة سبحانه وتعالى جميع الأنبياء والرُّسل–وإن تعددت مظاهره وأنواعه–هو ناموس ربّٙانيّ واحد لجميعهم عليهم الصلاة والسلام.
ويُعٙرّٙف الوحي الإلهي–في الإصطلاح الشرعي–بأنه:
إعلام اللّٙه رسولاً من رُسُله أو نبياً من أنبيائه مايشاء من كلام أومعنى، بطريقة تفيد النّٙبيّ أو الرّٙسول العِلْمٙ اليقينيّ القاطع بما أٙعْلٙمه اللّٙه به.
قال اللّٙه تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا).
وقد تتابع الوحي الإلهيّ والفضل الرّٙبّٙانيّ إلى البشرية ببعثة إمام الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمّد صلى اللّٙه عليه وسلم، الذي جاء بالحُجّٙة والدّٙليل والبُرهان، لِيُبيّن للنّٙاس كافّٙة حقيقة التّوحيد المطلق للّٙه عزّٙوجلّٙ، ويٙبعث من جديد قواعد الإيمان الصّٙحيح بالدّين الحنيف، بعد أنْ حٙرّٙف وبٙدّٙل أهل الكتاب، وعٙمّٙ الشرك وٙعُبِدٙت الأصنام والأوثان.
فكان رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم بسيرته الشّٙريفة في قومه قبل بعثته، وبما أيده اللّٙه عزّٙوجلّٙ به من آيات وعلامات، تدل على نُبُوّٙته عند أهل الكتاب من حوله، هو نفسه صلى الله عليه وسلم السِّراج المُنير، والبُرهان السّٙاطع، والحجّٙة الدّامغة، على صدق نُبُوّٙتة وصحّٙة رسالته.
وكان رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم بما أُنْزِل عليه من الوحيين القرآن والسُّنة، ومافيهما من التّٙشريع الكامل، وأنواع الإعجاز المُطلق، هو دليلاً قاطعا، وبرهاناً ساطعاً أيضاً على أنه خاتم الانبياء والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين.
قال اللّٙه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا).
لقد أنزل اللّٙه عزّٙوجلّٙ القرآن الكريم منهجاً كاملاً إلى يوم الدّين، (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)،
وجعله الحقُّ سبحانه نوراً مبيناً على صراط مستقيم، ليهتدي الناس إليه، وليجدوا ضالّٙتهم فيه.
قال اللّٙه تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
******************************************************************************************************************************************
*[46] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة المائدة»*
*«١–٧١»*
ِ قال اللّٙه تعالى: *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.......*
*الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.......*
*يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ .......وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.......*
*يٙاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.......*
*وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).*
*سورة المائدة*«١–٧١»
لقد جاء النِّداء الإلهيّ والأمر الربّٙانيّ للمؤمنين أفراداً وجماعات *بوجوب حِفظ جميع العهود والعقود والمواثيق،* سواءً منها *الدِينيّٙة* المأخوذة من اللّٙه عزّٙوجلّٙ على عباده، أو *الدُنيويّٙة* المُبرٙمة بين العباد أنفسهم، ووجوب الوفاء بتلك العهود بإتمامها والإعتناء بها، والعمل بمُقتضاها وعدم نقضها.
قال اللّٙه تعالى: *( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).*
هذه *العقود والعهود والمواثيق* التي جاءت بها الرِّسالة المُحمّٙدية، كانت من *أعظم المنن الإلهيّٙة* والعطايا الربّٙانيّٙة التي خصّٙ الله عزّٙوجلّٙ بها خير أمة أخرجت للناس، فقد *أكتمل الدين الحنيف باكتمال الشّٙريعة التي ارتضاها لها،* وبيّٙن لها أصولها وفروعها واصطفاها.
*فالدّين الإسلامي* بشريعته السمحة الغرّٙاء، هو *الدّين الكامل،* والمنهج الصّٙالح والمُصلح لكل زمان ومكان، وهو الدّين الخاتم الذي انقطع بعده الوحي الإلهي، وانتهت بدورها النُّبوّٙة والرسالات.
قال الشاطبي: *«القرآن، مع اختصاره، جامع،* ولا يكون جامعاً إلاّ والمجموع فيه أمور كلّية، لأنّ *الشريعة تمّت* بتمام نزوله لقوله تعالى: *(الْيٙومٙ أٙكْمٙلْتُ لٙكُمْ دِينٙكُمْ)*، وأنت تعلم: أنّ الصلاة، والزكاة، والجهاد، وأشباه ذلك، لم تبيّن جميع أحكامها في القرآن، *إنَّما بيّنتها السُنَّة».*
قال اللّٙه تعالى: *(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).*
ولم يكن رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم حريصاً على *تبليغ دين الإسلام* إلى النّٙاس كافّٙة وحسب، وإنما كان شديد الحرص على *تمكين الإيمان وترسيخ التوحيد* في قلوب المؤمنين، وكان *كثيراً مايٙحْزٙن* صلى اللّٙه عليه وسلم عندما يُعْرِضُ بعض النّٙاس عن دعوته ويكفروا برسالته، ولكن *حُزْنه يٙعظُم ويشتد* إذا ماعاد أحد من الناس إلى الكفر والضّٙلال بعد أن أعلن الإسلام وادّٙعى الإيمان.
ولهذا خاطبه ربّه عزّٙوجلّٙ *–رأفةً ورحمةً به–* بأنْ لايحزن على مٙنِ ارْتدّٙ وانتكس مِنٙ *المنافقين،* الذين لم يدخل الإيمان إلى قلوبهم أصلاً وإن أظهروا الإسلام، ولا على أمثالهم من *أهل الكتاب* المُستكبرين، لأن كلا الفريقٙيْن الكافرٙيْن من: *(الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونٙ)،* وقضاء اللّٙه عزّٙوجل وقٙدٙرُه فيهم هو *قضاء أزلي ثابت لا يتغيّٙر ولايتبدّٙل،* ولابد أن يٙبين ويظهر وِفْق علمه الأزلي القديم.
قال اللّٙه تعالى: *(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ....... وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).*
وأٙمٙرٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ المؤمنين أفراداً وجماعات بأن *لايتّٙخذوا أيّٙاً من الكفار* من أهل الكتاب والمشركين *حلفاء أو أولياء أو أصدقاء،* وأن يكونوا على حذرٍ منهم فلا يُصافُوهُم ولا يٙطمئِنّوا لهم، *لأنهم أعداء الإسلام والمسلمين،* وقد اتّٙخٙذوا من الشريعة السمحة مادةً لسخريتهم وعبثهم واسهزائهم، ومازالوا يمكرون بالمؤمنين ويتربّٙصون بهم الدوائر.
*فمن تحالف معهم أو والاهم، رِضاً بدينهم وقبولاً بنهجم،* فقد كفر بالإسلام وخرج من دائرة الإيمان.
قال اللّٙه تعالى: *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).*
وظنّٙ أهل الكتاب *–لغرورهم وفساد قلوبهم واستكبارهم–* أن اللّٙه عزّٙوجلّٙ لٙنْ يُعاقبهم في هذه الدنيا ولن يبتليهم، رغم كل مافعلوه من:
*نقضهم للعهود والمواثيق.*
*وتكذيبهم وقتلهم للأنبياء.*
*وتحريفهم وتبديلهم للكتاب.*
بل وتمادوا أكثر من ذلك، إذ كان كثير منهم ينقضون عهد اللّٙه تعالى، ويعودوا إلى ضلالهم وأهوائهم بعد كل مرة تُقْبل فيها توبتهم، وما ذلك إلاّٙ لعمىً في بصيرتهم وصمم ٍ في آذانهم.
قال اللّٙه تعالى: *(وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).*
******************************************************************************************************************************************
*[47] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة المائدة»*
*«٧٢–٧٦»*
قال اللّٙه تعالى: *(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار....*
*لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ......*
*مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ......*
*قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).*
*سورة المائدة*«٧٢–٧٦»
بعد أن رفع اللّٙه عزّٙوجلّٙ المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إلى السماء، *تٙفرّٙقت أتباعه وانْقٙسٙمٙت أنصاره،* فمنهم من ثبت على الدِّين الحقّ الذي أُرسل به، ومنهم من تحوّٙل إلى *شيع ومذاهب عقدية وشركية متباينة،* يجمعها الكُفر والضّٙلال، ويوحدها عدواة الحقِّ وكُرْه الإسلام، وأهم هذه الطوائف:
أولاً– *طائفة قالت: إِنّٙ اللّٙه هُوٙ الْمٙسِيحُ ابْنُ مٙرْيٙمٙ،*
وهؤلاء هم من قالوا باتّحاد الإله الحقّ المعلوم، بناسوت عيسى، أي *اعتقدوا أنّٙ اللّٙه اتّحد بعيسى، وامتزج وجود اللّٙه بوجود عيسى،* وهذا مُنْتهى الغلوّ في معتقد الحلول والإتِّحاد.
وقد أقسم اللّٙه عزّٙوجلّٙ بكفر هذه الطائفة لقولهم –كذباً وزوراً– *أٙنّٙ المُستحقّ للعبادة والخُضوع هو المسيح ابن مريم لأنه هو اللّٙه،* تعالى اللّٙه عن ذلك علواً كبيراً، مع أنه قال لهم وهو في المهد *(إِنِّي عٙبْدُ اللّٙه)،* وقال لهم حين أُرسل نبياً *(اُعْبُدُوا اللّٙهٙ رٙبِّي وٙرٙبكُمْ).*
قال اللّٙه تعالى: *(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).*
ثانياً– *طائفة قالت: إِنّٙ اللّٙه ثٙالِثُ ثٙلٙاثٙةٍ،*
وهؤلاء هم من قالوا إِنّٙ اللّٙه سبحانه وتعالى هو مجموع ثلاثة أشياء، وهذه هي *عقيدة التّٙثْليث* التي عليها مُعظم النّٙصارى وغالبيّٙتهم، ولهم في طريق الضّٙلال هذا وجهتان:
*الأولى:* منهم من اعتقد: *أن اللّٙه ومريم وعيسى آلهة ثلاثة،* والذي يؤكد ذلك، قول الله تعالى لعيسى ابن مريم: *(أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ).*
*الثانية:* قالوا أنّٙ الإله جوهر واحد مركب *من أب وابن وروح القدس.*
وقد عبّروا عنها بالأقانِيم أو الأصول الثلاثة وهي:
*١–أقنوم الوجود،* وهو الذّٙات المسمّى اللّٙه ، وسمّوه أيضاً الأبَ.
*٢–أقنوم العِلم أو الكلمة،* وسمَّوه أيضاً الابنَ، وهو الّذي اتّحد بعيسى وصار بذلك عيسى إلهاً.
*٣–أقنوم الحياة* وسَمَّوه الرّوحَ القُدُس .
وقالوا أن هذه الثلاثة هي إلهٌ واحدٌ، كما أنّٙ الشمس اسم يتناول القرص، والشعاع، والحرارة.
وقد توعّٙد اللّٙه عزّٙوجلّٙ هؤلاء الكافرين المشركين لكذبهم وافترائهم بالعذاب الأليم.
قال اللّٙه تعالى: *(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).*
ثم بيّٙن اللّٙه عزّٙوجلّٙ حقيقة رسوله المسيح ابن مريم، وحقيقة جميع أنبيائه عليهم الصلاة والسلام بأنهم *بٙشٙرٌ كسائر النّٙاس،* وكذلك حال أُمّه الصِّديقة والأٙمٙةُ المُؤْمنة.
وظهور *الأعراض البشرية في حياة الأنبياء* عليهم الصلاة والسلام، ومايحملونه من الصِّفات والطِّباع والغرائِز الإنسانية نفسها، كالأكل، والشرب، والنّٙكاح، والمرض غير المُنٙفِّر، وأذيّٙة الخلق لهم، والنوم، والموت...، *مع ما خصّٙهم به اللّٙه* عزّٙوجلّٙ من صفات الكمال البشري *كالصّٙدق، والفطانة، والتبليغ، والعصمة* من الوقوع في الأعراض البشرية الشائنة الظاهرة كالزنا والغش والسرقة...، والباطنة كالحقد والحسد والكبر...
*كان له دلالات وحكم إلهية* جليلة وكثيرة، فقد عاش الأنبياء كما يعيش الناس وخالطوهم وأٙلِفُوهم، ليكونوا عليهم الصلاة والسلام *قُدوة وأُسوة للنّٙاس* في استقامتهم ورُقيّ أخلاقهم وطهارة نفوسهم *قبل بعثتهم وبعدها،* وكان صٙبْرُ الأنبياء على البلاء وتحمُّل الأذى دليلاً ظاهراً لِمٙنْ حولهم على *فقرهم واحتياجهم لربِّهم،* وكان أيضاً *تٙسْلية* للمؤمنين أتباعهم، *وترقية* لمقام الأنبياء عند ربهم.
قال اللّٙه تعالى: *(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ).*
وبعد هذا البيان لحقيقة المسيح ابن مريم عليه الصّٙلاة والسلام، وأٙنّٙه *لايملك حتى رفع الضُّر عن نفسه أو نفعها،* بل هو عبد مملوك، فقير في وجوده، وفي تدبير أٙمْرِه للّٙه ربِّ العالمين، *أنكر سبحانه وتعالى أٙنْ يُعْبٙد من دونه من هذه حقيقته،* وكذلك حقيقة ماسواه من المخلوقات التي تعبد من دونه سبحانه.
قال اللّٙه تعالى: *(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).*
******************************************************************************************************************************************
*[48] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة المائدة»*
*«٧٧–١٢٠»*
*إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي.......*
*وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ.......*
*إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.......*
*لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).*
*سورة المائدة*«٧٢–١٢٠»
نٙهٙى اللّٙه عزَّوجلّٙ في كتابه الكريم عن *الغُلُوِّ وتجاوز الحدِّ في الدِّين،* وحذّٙر رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم أُمّٙته من التّٙشدُّد والتّٙطرف فيه، فقال: *( إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ).* صحيح النسائي.
وأشار صلى اللّٙه عليه وسلم إلى غُلُوِّ النّٙصارى وتنطُّعهم في اِطراء وتبجيل سيدنا عيس ابن مريم عبداللّٙه ورسوله إليهم، إذ *أخرجوه من حد النُّبوة إلى مقام الألوهيّٙة،* فكفروا بذلك وهلكوا، مع أنّهم مأمورون بتعظيمه وتوقيره، ولهذا الأمر نبّٙه رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم أُمّٙته فقال: *(لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ).* رواه البخاري.
قال اللّٙه تعالى: *(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ).*
ومِمّٙا امْتٙنّٙ به اللّٙه عزّٙوجلّٙ على عبده ورسوله عيسى ابن مريم مِنْ *إرهاصات ومِنْ مُعجزات بيِّنات*، إضافة لتأييده عليه الصلاة والسلام *برُوح القُدُس تعليماً وتثبيتاً*
هي:
١-خٙلٙقٙه مِنْ أم دون أب.
٢-تٙكٙلّٙمٙ في المهد بدعوة الحقِّ بِمِثْل ماتكلّٙم به نبيّٙاً.
٣-نٙفٙخٙ في الطّٙير من الطِّين فكانتْ طيراً بإذن اللّٙه.
٤-مٙسٙحٙ على الأكْمٙه فٙأٙبْصر بإذنه اللّٙه.
٥-مٙسٙحٙ على الأٙبْرٙص فٙبٙرأٙ بإذنه اللّٙه.
٦-أحيا الموتى بإذن اللّٙه.
٧-أنبئ الناس بما يأكلون ومايدخرون في بيوتهم.
٨-رفعه اللّٙه عزّٙوجلّٙ إليه حينما أرادوا قتله.
٩-دعى ربّٙه بمائدة من السماء فأجابه اللّٙه تعالى: *( إِنِّي مُنٙزِّلُهٙا عٙلٙيْكُمْ).*
قال اللّٙه تعالى: *(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).*
ومِنْ نِعٙمِ اللّٙه عزّٙوجلّٙ على رسوله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، أٙنْ أوحى إلى حوارييه وأنصاره أٙنْ *آمنوا باللّٙه وبرسوله،* فوصل الوحي والأمر الإلهي إليهم *بطريق الإلهام،* كما وصل من قبل إلى أم موسى ومريم، ويمكن أن يكون قد وصل الأمر إليهم عن *طريق الرسول نفسه،* فسارعوا لتلبية دعوة الحقِّ، واٙشْهٙدُوا اللّٙه تعالى ورسوله على *إيمانهم واستسلامهم للّٙه* الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد.
قال اللّٙه تعالى: *(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ).*
ورٙغِبٙ الحواريون أن يرتقوا بإيمانهم ويزدادوا يقيناً واطمئناناً، وأن *يأْنٙسُوا بدليل حسِّي* يكون بين أيديهم، فتوجّٙهوا إلى نبيِّهم وسألوه *مائدة من الطعام، تكون آية ومعجزة من ربِّهم*–لاعن شك في ربوبيّٙة اللّٙه تعالى أو في قُدرتة– وإنما كان مجرد عرض واقتراح على عبد اللّٙه ورسوله.
ولكن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام نهاهم عن ذلك السؤال وحذرهم منه، لأن سُؤال الآيات والمُعجزات *يتنافى مع الإيمان الصّٙادق باللّٙه* تعالى، ولاينبغي أن يكون ممن أٙسْلٙم واسْتسلٙم للّٙه ربِّ العالمين.
قال اللّٙه تعالى: *(إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).*
*والحقيقة الأعظم والأسطع* في هذا الوجود، والتي يُسٙبِّح فيها كلّ كائن ومخلوق، هي *أن اللّٙه عزّٙوجلّٙ:*
*هو الخالق المالك المُدٙبِّر ربّ العالمين.
*وهو المُتصرِّف الأٙوْحٙد الفعّٙال لِمٙا يُريد.
*وكلّ مخلوق هو في قضائه وتحت قهره وسُلطانه.
فلا مثيل له سبحانه ولا ندّٙ ولانظير، ولا والد ولا ولد ولا صاحبة، فلا إله يُعْبٙد بحقٍ غٙيْره، ولاربّ يُسأل سواه.
قال اللّٙه تعالى: *(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).*
******************************************************************************************************************************************
*[49] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة الأنعام»*
*«١–٣٨»*
قال اللّٙه تعالى: *(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ.......*
*وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ.......*
*قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.......*
*وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.......*
*وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).*
*سورة الأنعام*«١–٣٨»
أخبر اللّٙه عزّٙوجلّٙ أنّٙ *الحمد والثناء والشكر كله للّٙه وحده،* ولايستحقه على الحقيقة أحد سواه، لأنه هو *الرّٙب الخالق المالك المُدبُّر،* الذي أبدع السموات والأرض، وخلق الظلمات والنور، واعطى كل شيءٍ حٙقّٙه، فاستوجب سبحانه *التوحيد المُطلق مع الإخلاص فيه*، ولكن الذين كفروا ماقٙدٙرُوا اللّٙه حٙقّٙ قٙدْرِهِ *إذ عٙدٙلُوه وساووه بالمخلوق،* وجعلوا ممّٙا خٙلٙقٙ سبحانه شريكاً له في الطّٙاعة والعبادة.
قال اللّٙه تعالى: *(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).*
فربُّ السموات والأرض، ورٙبُّ كلّ شيءٍ ومٙليكه، *هو اللّٙه العليم الحكيم* الذي:
*وٙسِعٙ كلّ شيءٍ علماً وأحاط به.
*ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.
*وكلّ شيءٍ عنده في كتاب من قبل أن يبرأها.
*والسِّر عنده علانية والغيب عنده شهادة.
*ويرى دبيب النّٙملة السوداء على الصخرة الصّٙماء في الليلة الظلماء.
*وهو الإله الذي يجب أٙنْ يُعبد وحده ويُطاع،* إِذْ لا رٙبّٙ بحقٍّ غيره، ولا يُعبد بحقٍّ سواه.
قال اللّٙه تعالى: *(وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ).*
لذلك جاءت رسالة الإسلام، لإيقاظ وإحياء *حقيقة التوحيد،* التي فٙطٙرٙ اللّٙه تعالى عليها الإنسان قبل خٙلْقه، وأشهده أٙنّٙه هو *الرّٙبُّ المُستوجِب للولاية المُطلقة،* والمُتّٙصف بالكمال المُطلق وحده.
وبهذه الحقيقة الساطعة بُعث رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم وجميع الأنبياء من قبله، وكان إمامهم وخاتمهم صلى اللّٙه عليه وسلم هو *أٙوّٙل من اسلم واستسلم لأمر رٙبِّه العظيم.*
ولمّٙا واجه المشركين بهذه الحقيقة هدّٙدُوه بأوثانهم وأصنامهم، فتحدّٙاهم صلى اللّٙه عليه وسلم *بالولاية الإلهية المُطلقة* قائلاً لهم: *(إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).*
وثبت عليه الصلاة والسلام على دعوة الحقِّ أمام المشركين، متبرأً ممّٙااتخذوه من دون اللّٙه أولياء، وممّٙا توجّٙهوا إليه بالطّٙلب والدعاء.
قال اللّٙه تعالى: *(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).*
إذاً من له:
*الولاية المُطلقة.*
*والكمال المُطلق.*
*ولايُسأٙل عما يفعل.*
*ويفعل مايريد.*
*هو اللّٙه، القاهر، الغالب، الظاهر فوق عباده.*
قال الإمام الطبري: "ويعني بقوله: *"القاهر"*؛ المُذٙلِّل المُسْتٙعْبِد خٙلْقٙه، العالي عليهم. وإنما قال: *"فوق عباده"*؛ لأنه وصف نٙفْسٙه-تعالى ذكره- بقٙهرِهِ إيّٙاهُم، *وٙمِنْ صِفٙة كلّ قاهر شيئاً أن يكون مُستعلياً عليه.*
فمعنى الكلام إذًا: واللّٙه الغالب عبادَه، المذلِّ لهم، *العالي عليهم بتذليله لهم،* وخٙلْقِه إيّاهم، *فهو فوقهم بقهره إيّاهم،* وهم دُونه، وهو اللّٙه *الحكيم* في علِّوه على عباده، *وقهره إياهم بقدرته،* وفي سائر تدبيره، وهو *الخبير* بمصالح الأشياء ومضارِّها، الذي لا يخفي عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبيره خلل، ولا يدخل حكمه دَخَل.
قال اللّٙه تعالى: *(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).*
ثم أشار *اللّٙه القاهر فوق عباده،* إلى واسع نعمه وعظيم آلائه، وحٙثّٙ الإنسان الخصيم المُبين لينظر إلى آيات خٙلْقِهِ ومظاهر حِكْمٙته، *إذ جعل مِنٙ الطّٙير أُمّٙة، ومن الدّٙواب أُمّٙة،* كما جعل الإِنْس أُمّٙة، والجِنّ أُمّٙة.
قال الإمام الطبري: «يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْك الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه: *أَيّهَا الْقَوْم، لَا تَحْسَبُنَّ اللَّه غَافِلًا عَمَّا تَعْمَلُونَ،* أَوْ أَنَّهُ غَيْر مُجَازِيكُمْ عَلَى مَا تَكْسِبُونَ،..... *فَالرَّبّ الَّذِي لَمْ يُضَيِّع حِفْظ أَعْمَال الْبَهَائِم* وَالدَّوَابّ فِي الْأَرْض وَالطَّيْر فِي الْهَوَاء حَتَّى حَفِظَ عَلَيْهَا حَرَكَاتهَا وَأَفْعَالهَا *وَأَثْبَتَ ذَلِكَ مِنْهَا فِي أُمّ الْكِتَاب وَحَشَرَهَا ثُمَّ جَازَاهَا* عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهَا فِي دَار الْبَلَاء , أَحْرَى أَنْ *لَا يُضَيِّعَ أَعْمَالَكُمْ وَلَا يُفَرِّطَ فِي حِفْظ أَفْعَالِكُمْ* الَّتِي تَجْتَرِحُونَهَا أَيُّهَا النَّاس حَتَّى يَحْشُرَكُمْ فَيُجَازِيَكُمْ عَلَى جَمِيعِهَا , إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا».
قال اللّٙه تعالى: *(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).*
******************************************************************************************************************************************
*[50] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة الأنعام»*
*«٣٩–٧٣»*
قال اللّٙه تعالى: *(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.......*
*قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٭ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ.......*
*قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ.......*
*وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.......*
*وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).*
*سورة الأنعام*«٣٩–٧٣»
لقد امْتنّٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ على عباده بالآيات الكونية *الدّٙالة على وحدانيّٙته.*
وأرسل الأنبياء فعرّٙفوا الناس *بحقوق أُلوهيّٙته.*
وبيّٙنوا لهم أنّٙهم لم يُخلقوا عبثاً *ولم يُتركوا هملاً.*
*فالذين كذّٙبوا الرُّسل،* وصٙمُّوا آذانهم عن سماع الحقِّ ولم ينطقوا بآياته، *اختاروا طُرق الضّٙلال بملء إرادتهم،* وساروا حائرين في ظُلماته.
*والذين صدّٙقوا الرُّسل* وآمنوا بما جاءهم مِنٙ الحقّ، *اهتدوا إلى الصِّراط المستقيم بتوفيق اللّه* تعالى وإفضاله.
وفي كلا الفريقين ظهر *علم اللّٙه الكاشف أزلاً* لما هو كائن وسيكون منهما، وتجلّٙت *مشيئته الأزليّٙة وقضاؤه المُحْكم* وفقاً لعلمه تعالى فيهما، وهكذا قضاء اللّٙه وقدره في جميع مخلوقاته.
قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم: *(كٙتٙبٙ اللّٙه مقادير الخلائق قبل أنْ يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).*رواه مسلم.
وسٙألٙ رجل رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم، أيُعْرٙفُ أهل الجنّٙة من أهل النّٙار؟ قال: *(نعم).* قال: فلِمٙ يعملُ العاملون؟ قال: *(كلٌّ يعملُ لما خُلِقٙ له، أو لما يُسِّرٙ له).*رواه البخاري.
قال اللّٙه تعالى: *(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).*
ونٙبّٙه اللّٙه عزّٙوجل محذراًّ المشركين الضالين، الذين يعادلون آلهتهم المزعومة باللّٙه ربّ العالمين، إلى أن *حقيقة التوحيد المطلق للّٙه* عزّٙوجلّٙ، التي أصٙمُّوا عنها آذانهم، وأقفلوا دونها قلوبهم، *سٙتُفْصِح عنها فِطْرتهم* رغماً عنهم، وستنطق ألسنتهم بالدُّعاء والتوحيد للّٙه من غير شعور منهم، هذا إذا ماأصابهم عذاب شديد أو قام الناس ليوم الوعيد، وعندها سينسون آلهتهم التي كانوا يزعمون ويعبدون.
قال اللّٙه تعالى: *(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٭ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ).*
وأمر اللّٙه عزّٙوجلّٙ رسوله صلى اللّٙه عليه وسلم بأن يُعرِّف الناس *بحقيقة النُّبوة والرِّسالة،* وأن يقول للذين أنكروا نبوته وكذّٙبوا برسالته– إلاّٙ أن يأتيهم بالآيات التي يشتهون والمعجزات التي يريدون– بأنّٙه وجميع *الأنبياء والرُّسل هم بشر ولهم نفس الخواص البشرية،* فليس لهم من المُلْكِ أو التدبير أو علم الغيب شيء ولايٙدّٙعُونه، إنّٙما هم *رجال اختصّٙهم اللّٙه تعالى بالوحي، وأمرهم بحمل وتبليغ رسالة الدين الحنيف،* فما لأٙحد من العالمين أنْ يطلب من الأنبياء ممّٙا هو من صفات وأفعال اللّٙه ربِّ العالمين.
قال اللّٙه تعالى: *(قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ).*
وبين رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم *صفة العلم الإلهي،* وأنّٙه علم *أزلي، كاشف، مُحيط، مُطلق، لايسبقه جهل، ولايعتريه تغيير، أو تبديل، أو تجديد، أو زيادة، أو نقصان، وأٙنّٙ عِلٙم الغيب محصور في علم اللّٙه* عزوجل ولايٙطّٙلع عليه أحد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *(خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله،* ثم قرأ *(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)).*
وبٙيّٙنٙ الوحي الإلهيّ أنّٙ *ماكُتِب في اللوح المحفوظ المخلوق للّٙه* تعالى، من مقادير الخلائق دقيقها وكبيرها، كالخٙلْق، والإيجاد، والتدبير، والإمداد، إلى قيام الساعة دون استثناء، هو *داخل في علم اللّٙه* تعالى المُطلق.
قال اللّٙه تعالى: *(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).*
فاللّٙه عزّٙوجلّٙ لم يخلق السموات والأرض ومافيهما عبثاً أو باطلاً، إنما *خلقهما بالحقّ ولحكمةٍ بالغةٍ،* فالآيات البيّنات هُما مٙحٙطّ أنظار المؤمنين *لزيادة معرفتهم بربِّهم وقُربهم من الله* عالِم الغيب والشّٙهادة، *فتصفوا قلوبهم للّٙه* الحكيم الخبير وحده، بالحب والطاعة والعبادة.
قال اللّٙه تعالى: *(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).*
******************************************************************************************************************************************
*[51] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة الأنعام»*
*«٧٤–١٠١»*
*وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.......*
*فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.......*
*إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.......*
*وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.......*
*وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ.......*
*بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).*
*سورة الأنعام*«٧٤–١٠١»
يعتبر سيِّدنا إبراهيم عليه الصّٙلاة والسّٙلام:
*إمام المِلّٙة الحنيفيّٙة* في مواجهة أنواع الشرك والأوثان.
*وإمام التوحيد المُطلق،* والاستسلام للّٙه تعالى التام.
*وإمام الأنبياء* في دحض دعاوى الكفر بالحُجّٙة والبرهان.
فكان أٙوْلٙى الناس بدعوته إلى *التوحيد والإيمان، ونبذ الشِّرك وترك الضلال،* هم أبوه وأهله وقومه.
قال اللّٙه تعالى: *(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).*
وقد أُوتِيٙ سيِّدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام رُشْده *وأُلْهِمٙ الحُجّٙة على قومه* وهو صغير، وأٙطْلٙعه رٙبّه على الآيات الكونية والنواميس العلميّٙة، ليبصر فيها *وحدانية اللّٙه المُطلقة،* ليزداد اطمئنانا، ويرتقي إيمانا، وليكون من الموقنين.
قال اللّٙه تعالى: *(وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ).*
*واستدرج سيّدنا ابراهيم* عليه الصّٙلاة والسّٙلام عٙبدٙةٙ الكواكب والنُّجوم *لمناظرتهم على أرض الواقع،* وهناك أظهر بالحُجّٙة والبرهان *فساد معتقداتهم* وعباداتهم، *وانحراف فطرتهم* وسلوكهم، وأن مايعبدونه إنما هي *أجرام متغيِّرة* بتغير منازلها وتبدل أوصافها وأعراضها، شأنها كشأن المخلوقات جميعها، وهي *أجرام فقيرة في وجودها* وفي تٙبدُّل أوصافها وأحوالها، فهي *مٙرْبوبة لِمن أوجدها ويُدبِّر أمورها* وليست ربّٙاً بذاتها، *ولايليق أبداً أن يُعْبٙدٙ المٙرْبُوبُ* الضعيف المُحتاج، *ويترك الرُّب العظيم* خالق كلّ شيءٍ ومليكه.
ولمّٙا أقام الحُجّٙة على قومه وأٙبٙان لهم ضلالهم تبرّٙأ من شِرْكهم وأفعالهم وممايعبدون.
قال اللّٙه تعالى: *(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).*
وبعد أن *تبرّٙأ إمام المِلّٙة الحنيفيّٙة من الشرك* والمشركين، أعلن أمام قومه عٙبٙدٙة الكواكب والنجوم *توحيده الكامل للّٙه*بديع السموات والأرض، وإخلاصه واستسلامه التّٙام لأوامر سيِّده ومولاه ربِّ العالمين.
قال اللّٙه تعالى: *(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).*
لقد تٙميّٙزت دعوة سيّدنا ابراهيم عليه الصّٙلاة والسّٙلام:
*بالحُجّٙة العلميةالبالغة.
*والمُناظرة العقلية الغالبة.
*والمشاهدالكونيةالمتكررة.
*فأثبت بالحقِّ وحدانية اللّٙه المُطلقة،* وأزهق بالحُجّٙة دعاوى المشركين الباطلة، *فرفعه اللّٙه* عزوجل بها مراتب عالية ودرجات راقية.
قال اللّٙه تعالى: *(وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).*
ولمّٙا بُعِثٙ رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم في مكّٙة، كان فيها *أنواعاً متعددة من الشرك والمشركين* ، منها ماهو *شرك في الألوهية* كعبادة الأصنام والأوثان، ومنها ماهو *شرك في الربوبيّٙة والألوهيّٙة معاً* كعبادة الجِنّ، إذْ جعلوا للجِنّ مع اللّٙه تعالى نسباً، فخافوهم وأطاعوهم وامتثلوا لأمرهم.
ومن المشركين من افترى على اللّٙه عزّٙوجلّٙ *واخْتٙلٙق له بنين وبنات،* وجعلوهم شركاء للّٙه في عبادتهم إيّٙاه، تٙنزّٙه اللّٙه أنْ يكون له شريكاً، أو مثيلاً، أو بنيناً، أو بنات.
قال اللّٙه تعالى: *(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ).*
وأنكررسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم على المشركين قُبح فعالهم وشدّة جهلهم، *إذْ جعلوا للّٙه*–الذي ما من شيءٍ إلاّٙ وهو خالقه وعالم به– *ولداً شريكاً له،* وهو الرّٙبُّ الصّٙمدُ الغنيُّ عن كل شيء، والولد إنما يطلبه *المُحتاج إليه، ومن عنده زوجة من جنسه.*
وهكذا فٙنّٙدٙ رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم أنواع الشرك، وأزهق بُنيانه، *وأثبت الألوهيّٙة والربوبيّٙة للّٙه* تعالى وحده، ونشر دينه واسلامه.
قال اللّٙه تعالى: *(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).*
******************************************************************************************************************************************
*[52] التوحيد في القرآن الكريم*
*«سورة الأنعام»*
*«١٠٢–١٦٥»*
قال اللّٙه تعالى: *(ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ.......*
*لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.......*
*فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ.......*
*هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ.......*
*وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).*
*سورة الأنعام*«١٠٢–١٦٥»
*إنّٙ الذي أٙبْدٙعٙ السموات والأرض،* وخلق كل شيءٍ وهو بكل شيءٍ عليم.
*والذي قام على تدبير كُلّ مخلوق* وشأنه، وهو عليه رقيب.
*والذي تٙكٙفّٙل للأمم جميعاً ببيان دينها* ومٙنْهٙج سعادتها، وحٙفِظٙ لهذه الأمة إِسْلامٙها وقُرآنها.
*هو اللّٙه رٙبُّ العالمين، المُستوجب للعبادة* وحده، ولاربّ ولامعبود بحق سواه.
قال اللّٙه تعالى: *(ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).*
هذا الإله العظيم، *المُحيط بعلْمِه، وسٙمْعِه، وبٙصٙرِه،* ولُطفه، وسُلطانه بكلّ مخلوق، *لايعلم حقيقة ذاته وكُنْهٙ صفاته* أٙيّ مخلوق، ولا يُحيط مخلوق *بشيءٍ من علمه* إلاّٙ بما شاء.
*وأٙنّٙا للمُقيّٙد المحدود* العاجز عن إدراك أمثاله من المخلوقات، *أٙنْ يُدْرِك حقيقة الذّٙات الإلهيّٙة والأسماء والصفات العليّٙة.* ؟؟؟
أمّٙا *رُؤية المؤمنين للّٙه* عزّٙوجلّٙ في عٙرٙصٙات *يوم القيامة، وفي مُسْتقرِّ الجنّٙات،* فقد تواترت الأحاديث النَّبوية الشَّريفة فيها، ومنها قٙوْلٙ رٙسُوُلُ اللّٙه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : *(إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القمر، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ).*متفق عليه.
قال اللّٙه تعالى: *(لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).*
فاللّٙه عزّٙوجلّٙ الذي *يعلم أزلاً* بكل صغيرة وكبيرة، *وينكشف له كُلّ مخلوق* على ماهو عليه في الوقت، هو أيضاً عليمٌ خبيرٌ باستعدادات كُلّ فرد من عباده.
*فالإنسان المُستعد لقبول دعوة الحقّ والهُدى،* يوفقه سبحانه وتعالى إلى دعوته ويُيٙسرها له، ويُوٙسِّع صدره لأنوار التوحيد، ويُحٙبِّبُ إليه الإيمان ويُزيّنه في قلبه، وهذه هي علامة السعادة.
*والإنسان غير المُستعد لقبول دعوة الحقّٙ والهُدى،* يُضٙيِّقُ اللّٙه تعالى عليه صدره حتى يصبح في غاية الضيق، فلا تنفذ إلى قلبه أنوار التوحيد والهداية، ويُؤْثِر عليها طرق الضّٙلال والغواية، فهو يتخبّٙط في الظُلمات ليس بخارج منها، وهذه علامة الشقاوة.
*فالّٙذين تكبّٙروا وٙحٙجٙبوا أنفسهم* عن الأنوار الإلهيّٙة والعطايا الربانيّٙة *باختيارهم،* فقد *استوجبوا عدلاً من اللّٙه* تعالى ضيقاً لصدورهم، وخبثاً لنفوسهم، وفساداً لدنياهم وآخرتهم.
قال الإمام الطبري: « إن السَّبب الذي به آمن المؤمنون باللّٙه ورُسله، وأطاعه المُطيعون، غير السبب الذي كفر به الكافرون باللّٙه وعصاه العاصون، وأن *كِلا السّٙببين من عند اللّٙه وبيده،* لأنه أخبر جلّٙ ثناؤه أنه *هو الذي يشرح صدرَ هذا المؤمن* به للإيمان إذا أراد هدايته، *ويضيِّق صدر هذا الكافر* عنه إذا أراد إضلالَه.».
قال اللّٙه تعالى: *(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).*
وبعد أن أقام اللّٙه عزّٙوجلّٙ الحُجّٙة على عباده *ببعثة الأنبياء ومعهم الكتاب،* فهل ينتظر الكافرون المُستكبرون إلاّٙ واحدة من ثلاث:
*١-إما أن تأتي الملائكة* لقبض أرواحهم لانتهاء آجالهم، وهم على الكفر مُصِرُّون.
*٢-أو تأتي أشراط الساعة* الكبرى، وتظهر علامات يوم القيامة، وحينئذ يُغلق باب التّٙوبة ولا ينفع نفس إيمانها لم تكن قد آمنت من قبل.
*٣-أو يأتي اللّٙه* عزّٙوجلّٙ يوم القيامة لفصل القضاء والجزاء، *من غير تكييف، ولاتشبيه، ولاحركة، ولا انتقال،* لأنه تعالى: *(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).*
قال اللّٙه تعالى: *(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ).*
إذاً الحكمة الإلهيّٙة مِنْ *خٙلْقِ الإنسان واستخلافه* في الأرض.
وكذلك *تفاوت الناس في أرزاقهم،* وتبايُن أحوالهم وأخلاقهم.
إنما *لِيبْلُوهم اللّٙه* عزّٙوجلّٙ فيما أعطاهم، *ولِيختبرهم* فيما أولاهم.
قٙالٙ رٙسُوُلُ اللّٙه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: *(إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟)*
قال اللّٙه تعالى: *(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).*
******************************************************************************************************************************************
[53] التوحيد في القرآن الكريم
سورة الأعراف
«١–٥١»
قال اللّٙه تعالى: (الٓمٓصٓ *كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ.......
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ ۖ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ.......
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ.......
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ.......
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ).
سورة الأعراف«١–٥١»
القرآن الكريم هو كتاب اللّٙه تعالى وكلامه، أُنْزِلٙ على رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم معجزةً مُصدِّقةً ومُؤٙيِّدةًله، لِيٙصْدع عليه الصلاة والسلام برسالة الإسلام–وكل من آمن بها– وهو مُنْشرح الصّٙدر مُطْمئن البال، وليُبلِّغ النّٙاس أٙنّٙ القرآن الكريم كما هو كتاب هدايةٍ ورشدٍ للمؤمنين، هو نذيرٌ مبينٌ للكافرين، دون أن يتحرّٙج صلى اللّٙه عليه وسلم، أو يخشى كٙيْد الكائدين ومكر المُكذبين.
قال اللّٙه تعالى: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ).
وٙجٙرٙت سُنّٙة اللّٙه عزّٙوجلّٙ بأخذ المُكذبين بالدِّين والمُعاندين بالعذاب فجأٙةً في الحياة الدنيا، وعندها يٙتحٙسّٙرُوا ويٙندٙموا ويعترفوا بأنّٙهم كانوا ظالمين.
وفي الآخرة يوم العٙرْض الأكبر على اللّٙه عزّٙوجلّٙ وقد حُشِرٙ الخٙلْق وٙوضِعٙ الكتاب– وفيه احصاء شامل ودقيق–وجيء بالنّٙبيين والشهداء، فإنّٙ اللّٙه تعالى يسأٙل المُكلّٙفين فرداً فرداً – وهو أعلم بهم– عمّٙا كانوا به يٙدينون ولأيِّ رسول يٙتْبٙعُون، وحينئذٍ وعلى رؤوس الأشهاد يُفْتٙضٙحُ أمر المجرمين المكذِّبين، وتقام الحُجُّة عليهم بشهادة رُسُلهم أمام ربِّ العالمين.
قال اللّٙه تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ ۖ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ).
ولأجل هذا الموقف العظيم، حذّٙر اللّٙه عزّٙوجلّٙ عباده مِنْ وساوس الشيطان ومِنْ مٙداخِله وشٙرٙكِه، لئلّٙا يفتنهم ويصرفهم عن طاعته تعالى وكمال توحيده، وقد أقسم الرّٙجيم لربّٙه لٙيٙفْتِنٙنّٙهم كما فتن أبويهم منْ قبل: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).
والحقيقة الثّٙابتة أنّٙ إبليس وجنوده من شياطين الجِنِّ يٙرٙوْن الإنسان ويراقبوه، ويُوسْوسون له ويُزيِّنون منْ غير أنْ يٙراهم أو يٙشْعُرٙ بهم أو يُحْدِثون، فإذا استسلم الإنسان لوساوس الشيطان، وانقاد لأوامره وداوم على طاعته، حينئذ يصبح بينهما ولايةٌ وتآلفٌ ووفاق.
فجميع البشر محجوبون عن رؤية ذوات الشياطين والجِنِّ لامحالة، إلاّٙ ما يتٙشٙكّٙل منها بأجسام بإذنه تعالى، وقد ثبت ذلك في أمرين:
١–معجزة لنبي كريم، كما قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم: (إن عفريتا من الجن تفلّٙت علي البارحة ليقطع علي الصلاة، فأمكنني اللّٙه منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} فرددته خاسئا). متفق عليه.
٢– كرامة لولي صالح، كما جاء في حديث رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم حين أخبر عن حقيقة من جاء يسرق زكاة الفطر عند أبي هريرة، إذ قال عليه الصلاة والسلام: ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال ياأبا هريرة؟ ). قال: لا، قال: ( ذاك شيطان ). متفق عليه.
قال اللّٙه تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).
وكما حذّٙر اللّٙه تعالى عباده من الشيطان وشِرْكِه، أمرهم سبحانه بالقِسْطِ والعدل في كُلِّ شيء.
وأول القِسْطِ وعمود العدل، هو قيام المُكلّٙف بواجب التوحيد المطلَق للّٙه تعالى ظاهراً وباطناً.
١- ظاهراً: بإقامة الشرع الحنيف والثّٙبات عليه ضمن الرُّكن الاسلامي.
٢- باطناً: بصدق التّٙوجه وتمام الإخلاص للّٙه تعالى في القول والعمل ضمن الرُّكن الإيماني.
قال اللّٙه تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ).
فالّٙذينْ لٙمْ يأْتٙمِروا بإقامة القِسْط في أنفسهم ظاهراً وباطناً، ولمْ يحذروا وساوس الشيطان مُتّٙخذين الإسلام سُخرية ولهواً، ومُؤْثِرين الحياة الدنيا على الآخرة، فإن اللّٙه تعالى – الذي لا يٙضِلُّ، ولايغيب عن علمه شيء، ولاينسى–يتركهم في عذاب جهنم كمن ينسى، لأنه اعرضوا وكذّٙبوا وتٙناسوا لقاء يومهم هذا.
قال اللّٙه تعالى: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ).
******************************************************************************************************************************************
[54] التوحيد في القرآن الكريم
سورة الأعراف
«٥٢–٩٩»
قال اللّٙه تعالى: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.......
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ.......
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.......
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ.......
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.......
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
سورة الأعراف«٥٢–٩٩»
لقد أقسم اللّٙه عزّٙوجلّٙ بأن القرآن الكريم هو كتابه المُبين، وصراطه المستقيم، أنزله وهو العليم الخبير منهجاً مفصلاً للعالمين، فهو: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).
قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم: (أَلَيْسَ نَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ؟). قُلْنَا : بَلَى ، قَالَ: (فَأَبْشِرُوا هَذَا الْقُرْآنُ طَرَفٌ بِيَدِ اللَّهِ وَطَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ فَلا تَهْلِكُوا وَلا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً.). صحيح الجامع.
قال اللّٙه تعالى: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
وكما أن الأرض تتفاوت في نُمُوِّ زُروعها وجودة ثمارها، تبعاً لاستعداد تُرْبتها لقبول الغيث من ربِّها، وذلك طبقاً لقضائه تعالى فيها.
كذلك فإن القلوب تتفاوتفي قبولها لدعوة التوحيد وفي إيمانها، وتتباين في درجات يقينها، تبعاً لسلامة فطرتها واستعدادها لقبول منهج القرآن والسُّنّٙة والتسليم لهما، وذلك طبقاً لقضائه تعالى فيها.
قٙالٙ رٙسُولُ اللّٙه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتْ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتْ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ، لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ.).
قال اللّٙه تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ).
والوحي الإلهي هو مظهرُ الرّٙحمة الربّٙانيّٙة والمِنّٙة الإلهيّٙة، وبه بُعِثٙ سيدنا نوح عليه السلام إلى قومه بعد أن ضٙلُّوا طريقهم وأشركوا بربِّهم، فكانوا أوّٙل من عبد الأصنام على الأرض، وأوُّل من أشرك باللّٙه الخالق العظيم.
قال ابن كثير: قال عبد اللّٙه بن عباس : «وكان أول ما عُبدت الأصنام، أن قوما صالحين ماتوا، فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صور أولئك فيها، ليتذكروا حالهم وعبادتهم، فيتشبهوا بهم . فلٙمّا طال الزمان، جعلوا تلك الصور أجسادا على تلك الصور . فلٙمّا تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين (وداً وسواعاً ويغوثٙ ويعوقٙ ونسرا).»
فدعى سيدنا نوح عليه السلام قومه لنبذ الأصنام والأوثان، وٙنٙصٙحٙهم بوجوب عبادة اللّٙه تعالى والإنابة إليه وحده، ولكنّٙ أسياد القوم وأشرافهم قابلوه باستكبار واستهزاء وعناد، بل ونعتوه بالضلال وأشنع الصفات.
قال اللّٙه تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
والحقيقة أنّٙ محاربة دعوة الحقِّ والاستهزاء بأنبيائها ورُسلها، هي حالة مُتكررة ومُتشابهة تماماً عند جميع الأمم الكافرة، بدأً من قوم نوح ومن بعدهم قوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم موسى وعيسى، وانتهاءً بمشركي مكة ومن حولها.
وجرت سُنّٙة اللّٙه عزّٙوجلّٙ أٙنّٙ مامِنْ قوم كذّٙبوا نبيّٙهم وخذلوا رسولهم إلاّٙ وأُنْزِلٙ عليهم ألواناً من الشِّدة وأنواعاً من العذاب، لعلهم يعودوا إلى رُشدهم ويتوبوا ويُنيبوا إلى ربِّهم.
قال اللّٙه تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ).
ولو أٙنّٙ تلك الأمم المُكذِّبة المُعاندة وٙعٙتْ حكمة اللّٙه تعالى فيما ابتلاها وٙلِمٙا أُنْزِلٙ عليها العذاب، ومن ثُمّٙ عادت إلى فِطرتها ورُشدها لأغدق سبحانه وتعالى عليها نِعٙمٙه، ولأوسع عليها رزقه.
قال اللّٙه تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
ولكن الكافربن أٙمِنُوا وٙعِيدٙه تعالى وشديد عذابه، واستهزؤا بجزائه وعقابه، لأنهم أنكروا الحياة بعد الموت وكذبوا باليوم الآخر فكانوا من الخاسرين.
قال اللّٙه تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
******************************************************************************************************************************************
[55] التوحيد في القرآن الكريم
«سورة الأعراف»
«١٠٠–١٤٧»
قال اللّٙه تعالى: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ.......
وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.......
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.......
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.......
قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ.......
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
سورة الأعراف«١٠٠–١٤٧»
أٙمٙرٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ الإنسان بأنْ يتّٙعظ بالآيات من حوله، وبمن هٙلٙكٙ من الطغاة السابقين في أرضه، فٙسُنّٙته تعالى جرت عادةً، بازدياد إيمان العبد وارتقائه إذا ابتغى فيما آتاه وجه ربِّه، وشكره على نعمائه وفضله.
وأمّٙا إذا مااغْترّٙ بما أُكرمه به وامْتٙنٙع عن أداء حقّ ربِّه وشكره، فٙسيُخْتٙم على قلبه ولا يهتدي إلى النور، بل سيزداد في ظُلُماته وكفره، وسيكون مصيره الهلاك، كمصير من كان مثله من قبله.
قال اللّٙه تعالى: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ).
ومن آيات اللّٙه عزّٙوجلّٙ وسُنٙنه في هلاك الذين سبقوا من المُغْترِّين الطغاة، فرعون مصر.
إذ خاطبه سيّدنا موسى عليه السلام مُعرِّفاً برسالته قائلاً له: إنّٙ الذي خلق الوجود واعتنى به ودبّٙر أُموره، هو من خٙصّٙني وأختارني رسولاً إليك، فجديرٌ بي أٙنْ لاأكذب على اللّٙه عزّٙوجلّٙ، ولا أقول إلى الحقّ الذي أمرني به، وحُجّٙتي بذلك ودليلي آيات رٙبّي ومعجزاته.
قال اللّٙه تعالى: (وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينٙ * حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ).
وفي موقفٍ عظيمٍ وجولة حاسمة، أزهق اللّٙه عزّٙوجلّٙ الباطل وأزال بنيانه وآثاره، وأظهر صدق نُبُوّٙة رسوله وصحّٙة رسالته وآياته، وأيقن دُعاة الباطل وأٙئِمّٙة الكفر واتباعهم، بأنّٙ الأمر كُلّه للّٙه ربِّ العالمين، فخروا له ساجدين مؤمنين شاكرين.
قال اللّٙه تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
ولما حٙضٙرٙ سيّدنا موسى عليه السلام لمناجاة ربِّه، وسمع مباشرةً من غير واسطةٍ كلام اللّٙه عزّٙوجلّٙ ووحيه، تٙشٙوّٙق لرؤية اللّٙه تعالى، فطلب منه أن ينظر إلى ذاته الجليلة ليراه، وليزداد من أنواره تعالى وقُربه.
فأجابه بأنّٙك لنْ تراني، ولاينبغي لمؤمن ولايستطيع في هذه الحياة الدنيا وعلى هذه الخِلْقٙة، أن ينظر إليّٙ ويراني.
قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم: ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، .....حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ). رواه مسلم.
وأمّٙا رؤية المؤمنين للّٙه عزّٙوجلّٙ على مايليق بجلاله وكماله سبحانه في جنّٙة الخُلد، فهو ثابتٌ في الكتاب والسُّنة، ويجب الإيمان والاعتقاد به يوم القيامة.
قٙالٙ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ.). رواه البخاري.
قال اللّٙه تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ).
والكلام الذي سمعه سيّدنا موسى عليه السلام عند مناجاة ربّٙه، هو كلام اللّٙه عزّٙوجلّٙ المُنزّٙه عن التمثيل، أو التشبيه، أو التكييف، أو التعطيل، فاللّٙه سبحانه وتعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
إذاً كلام اللّٙه عزّٙوجلّٙ هو صفةٌ مطلقةٌ واجبةٌ له، ثابتة في الكتاب والسنة، وهي صفة أزليةٌ، أبديةٌ، غنيةٌ، واحدةٌ، لايماثلها أيُّ كلام لأيٍّ من مخلوقاته.
قال اللّٙه تعالى: (قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
وأخبر اللّٙه عزّٙوجلّٙ كليمه وجميع أنبيائه ورسله، بأنّٙ قبول أعمال العباد يوم القيامة مرهون بتصديق أنبيائهم بما جاؤوا به، مع تمام إخلاصهم للّٙه وحده، فمن كٙذّٙبهم وكفر باليوم الاخر فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.
قال اللّٙه تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
******************************************************************************************************************************************
[56]التوحيد في القرآن الكريم
«سورة الأعراف»
«١٤٨–٢٠٦»
قال اللّٙه تعالى:
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ.......
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ.......
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.......
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.......
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِنْ رَبِّي ۚ هَٰذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.......
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩).
سورة الأعراف«١٤٨–٢٠٦»
لقد بيّٙنٙ اللّٙه عزّٙوجلّٙ في كتابه وجوب صفة الكلام المُنٙزّٙه في حقِّ ذاته، وأخبر سبحانه أن انتفاء صفة الكلام عن أيٍّ من مخلوقاته، هو نقصٌ فيه وعيبٌ في حقه، لذلك أنكر على بني اسرائيل سخافة عقولهم إذ تركوا عبادة اللّٙه، وعبدوا عجلا صنماً لايُكلِّمهم ولايرشدهم سبيلاً.
قال اللّٙه تعالى:
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ).
ومما أنعم اللّٙه عزّٙوجلّٙ به على الإنسان أيضاً، أن بٙثّٙ في الكون أدلّٙة ربوبيته وآيات وحدانيته، وخٙصّٙه بالعقل والرسالة لإيقاظ أنوار التوحيد المركوزة في فِطْرته.
فقد استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم وأشهدهم على وحدانيته المُطلقة، فشهدوا أنه لا إله إلاّٙ اللّٙه وحده، هو ربّهم ومليكهم ومُدبِّر أمورهم.
قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ).رواه البخاري.
قال اللّٙه تعالى:
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ).
فاللّٙه عزّٙوجلّٙ خلق الكون وفي كل آية من آياته مايُشير إلى وجود أسمائه، فجميع مافي العوالم إنما هو مظهرٌ لأسمائه الحسنى تعالى، وأثر لتجليات صفاته.
وسُمِّيت أسماء اللّه تعالى بالحُسنى لأنها تدل على ثبوت صفات الكمال المُطلق في حقِّه، والتي لاتنبغي إلا لذاته.
قٙالٙ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ).
وحقيقة الإلحاد والكفر بأسماء اللّٙه الحُسنى تكون:
١-بأنْ يُسمى بها من لايستحقها، ولايستحقها إلاّٙ اللّٙه تعالى وحده.
٢-وإما بإنكارها، أو بتعطيل معناها ومضمونها.
٣-أو بتشبيه وتحريف ماينافي وصفها بالحُسنى.
قال اللّٙه تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
وبين اللّٙه عزّٙوجلّٙ حقيقة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وحدود وظائفهم ومُهماتهم، لِيٙعِي كل عاقل حقيقة توحيد الألوهية، ووجوب إفراد الذّٙات الإلهيِّة بصفات الكمال المطلقة التي لا يشاركها فيها أحد، حتى ولا إمام الأنبياء والمرسلين سيّدنا مُحّٙمد صلى اللّٙه عليه وسلم وهو القائل: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد اللّٙه ورسوله).
والإطراء الممنوع هو إطراء كإطراء النصارى، إذ قالوا: المسيح ابن اللّٙه، وقالوا: إن اللّٙه هو المسيح، وقالوا: إن اللّٙه ثالث ثلاثة تعالى اللّٙه عن ذلك علواً كبيراً.
لذلك قال صلى اللّٙه عليه وسلم: فإنما أنا عبد، أي لست بإله.
وقد أُمِرٙ جميع الأنبياء بتبليغ الناس حقيقة عبوديتهم وافتقارهم لربهم، وبيان أنهم لايملكون لأنفسهم—من ذاتهم—ضراً ولانفعاً، ولايعلمون من عِلْم الغيب شيئاً إلا بماشاءه اللّٙه عزّٙوجلّٙ لهم ، فكل ماسواه فقير محتاج إلى هداه.
قال اللّٙه تعالى:
(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونٙ).
وكذلك فإن جميع الأنبياء ومعهم إمامهم رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم لايملكون من أٙمْرِ الآيات والمعجزات الدّٙالة على صدق نبوّٙتهم وصحة رسالتهم شيء، لافي توقيتها ولافي ماهيّٙتها، وإنما أمرها لمشيئة اللّٙه عزّٙوجلّٙ وحكمته.
وحتى أنهم في أمر الوحي الإلهي الذي بعثوا فيه إلى أقوامهم مبشرين ومنذرين، لايسعهم إلاّٙ انتظار مايُوحٙى إليهم فعله وتبليغه.
قال اللّٙه تعالى:
(وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِنْ رَبِّي ۚ هَٰذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
والحقيقة الثّٙابتة، أن اللّٙه عزّٙوجلّٙ ما كٙلّٙفٙ الثقلين وأرسل الأنبياء إلاّٙ لينتفعوا ويربحوا عليه، فهو الغنيُّ عن كلُّ ماسواه، والمفتقر إليه كلُّ ما عداه.
قال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِـيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ).رواه مسلم.
قال اللّٙه تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩).
******************************************************************************************************************************************
[57] التوحيد في القرآن الكريم
«سورة الأنفال»
«١–٧٥»
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ.......
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ......
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.......
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.......
...إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
سورة الأنفال«١–٧٥»
وصف اللّٙه عزّٙوجلّٙ أصحاب الإيمان الكامل في القرآن بأكثر من مكان، وفي هذه السورة وصفهم بأنهم:
١-عند ذكر أسماء اللّٙه الحُسنى وصفاته، تخشع قلوبهم لجلاله وسُلطانه، ويتهيّٙبوا ليوم لقائه وحسابه.
٢-وعند ذكر آيات اللّٙه، يرتقي يقينهم باللّٙه، ويزداد حُبُّهم والتزامهم بشرعه.
٣-وعند الأخذ بالأسباب، يتوجهون لربهم وله يرجون، ومنه يطلبون وبه يلوذون.
٤-وعند وجوب الصلاة، يستوفون شروطها وأركانها، وهم فيها خاشعون.
٥-وعند حلول الزكاة، في أموالهم حق معلوم، يبذلونها وهم راضون للسائل والمحروم.
قال اللّٙه تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
ثُمّٙ بيّٙن اللّٙه عزّٙوجلّٙ لعباده المؤمنين أصل هام من أصول التوحيد الحنيف بشكل عملي، وعٙرّٙفهم على أرض الواقع بمبدأ أساسي من مبادئ توازن نواميس الكون ومتغيراته، وانتظام شؤون الحياة في سمائه وأرضه، ألا وهو مبدأ اقتران الأٙسْباب بمُسٙبّٙباتها أو مايُعْرف بمبدأ السَبَبيّٙة.
ففي يوم بدر لمّٙا أخٙذٙ رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم حفنة من تراب ورماها في وجوه المشركين، وقال شاهت الوجوه، أوصلها اللّٙه تعالى إلى وجوههم جميعاً، فلم يبقى منهم أحد إلاّٙ وقد أصاب وجهه وفمه وعينيه شيء منها.
* فكان الفاعل للرمية على الحقيقة هو اللّٙه تعالى.
* وكان المؤثر والمُسٙبِّب للنتيجة هو اللّٙه تعالى.
* وكانت مباشرة الفعل وكٙسْبُه لرسوله صلى اللّٙه عليه وسلم،
فكٙسْبُ العبد هو اقتران السّٙبٙب بالمُسٙبّٙب عادةً، وكلاهما مخلوقان للّٙه، أي: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ).
قال اللّٙه تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وأمر اللّٙه عزّٙوجلّٙ أصحاب الإيمان الكامل بوجوب المبادرة والإسراع إلى امتثال أمر رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم وتطبيق شرعه، لأنّٙ رسالته ودعوته لأُمّٙته لم تكن إلاّٙ لإحياء القلوب واسعادها، وإنارة العقول وارشادها.
وحٙذّٙر سبحانه وتعالى عباده من التراخي أو الغفلة عن تلبية دعوة رسوله صلى اللّٙه عليه وسلم، أو التّٙأخر والتّٙنصل من تنفيذ أمره، لأن اللّٙه تعالى كما يحول بين المرء وقلبه، فيُقلِّبه كيف يشاء ويصرفه أٙنّٙى يشاء، فإنِّه يحول بين المرء وبين مايأمله ويتمنّٙاه في مستقبله.
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللّٙه عليه وسلم: (مَا مِنْ قَلْبٍ إِلاَّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ). رواه أحمد.
وقال رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟).
رواه الترمذي
قال اللّٙه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
ولما دٙعٙى رسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم أهل مشورته من أصحابه يوم بدر واستشارهم بشأن الأسرى لديه، وقد اجتهد حينها ورجّٙح رأي أهل الفداء على من أشار بالقتل وأخذ به، نزل قول اللّٙه تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) موٙجّٙهاً لأصحاب رأي الفداء معاتباً لهم ومنبِّهاً، ومُبيِّناً للمسلمين عامةأن مصلحة الدين وتقوية شوكته، مقدمة على أي أمر دنيوي وحاجته.
ولم يكن العتاب الإلهي موجهاً لرسول اللّٙه صلى اللّٙه عليه وسلم، لأنه مافعل إلاّٙ ماأُمِرٙ به من أخذ مشورة أصحابه في أمر لم ينزل فيه وحي وتشريع بعد.
وتٙلطّٙف اللّٙه عزوجل بعباده المؤمنين، وتٙرأّٙف بحال النبي صلى اللّٙه عليه وسلم وحالة أصحابه البدريين فأخبرهم سبحانه، أنه لولا أن تشريعاً قُضِيٙ أزلاً وكُتِبٙ في اللوح المحفوظ، ومفاده أنّٙ الله تعالى:
١- لايعذب أحداً لأمر أخطأ فيه بعد اجتهاده.
٢- ولايعذب أحداً لأمر قبل بيان حكم الشرع فيه.
٣- وأنه لايعذب أحداً شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم.
لمسكم فيما أخذتم من الغنائم عذاب عظيم.
قال اللّٙه تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* .......* ....... إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
******************************************************************************************************************************************
[58] التوحيد في القرآن الكريم
«سورة التوبة»
«١–١١٤»
قال اللَّه تعالى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.......
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.......
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.......
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.......
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ.......
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ).
سورة التوبة أو براءة«١–١١٤»
البراء: هو بُغْضُ المسلم للطواغيت التي تُعبَدُ من دون اللَّه عزَّوجلَّ وتبرُّؤه منها وتنزُّهه عنها، وبُغْضُ الكفر بجميع أنواعه وأتباعِه الكافرين ، ومعاداة ذلك كُلِّه.
قال اللَّه تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ).
والولاء:هو حُبُّ اللَّه تعالى ورسوله ودين الإسلام وأتباعِه المسلمين ، ونُصْرةُ اللَّه تعالى ورسولِه ودينِ الإسلام وأتباعِه المسلمين.
قال اللَّه تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).
والولاءُ المطلق للَّه عزَّوجلَّ: هو التوحيد الذي فُطِر عليه الإنسان، وأشهده اللَّه عليه.
والولاءُ المطلق للَّهعزَّوجلَّ: هو دين الإسلام الذي كُلِّف به الإنسان، وأوجبه عليه.
والولاءُ المطلق للَّهعزَّوجلَّ: هو الإخلاص الكامل للَّه وحده، وهو شرط قبول الأعمال، وسبب رفعها إليه.
قال اللَّه تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
فالولاءُ والبراءُ:هما جوهر الدين، وأصل التوحيد وأوثق عرى الإيمان، ولايتعارضان أبداً مع وسطية وسماحة الإسلام الذي جاء رحمةً للعالمين، فهما براءٌ من الغُلوِّ والإفراط والتفريط.
قال اللَّه تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
وجاء أمر اللَّه عزَّوجلَّ بعدم موالاة حتى الآباء والأشقاء والأصدقاء إنْ هم اختاروا طريق الكفر باللَّه على الإيمان بالإسلام وأصرُّوا على ذلك، لأنهم اتخذوا أعداء اللَّه أولياء، وقدَّموا طاعتهم وحُبَّهم على طاعة وحبُّ اللَّه تعالى ورسوله صلى اللَّه عليه وسلم.
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ( أوثق عرى الإيمان: الموالاة في اللَّه والمعاداة في اللَّه والحب في اللَّه والبغض في اللَّه عزَّوجلَّ ).صحيح الجامع .
قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
فالوَلاية للَّه عزَّوجلَّ ولدينه ولرسوله صلى اللَّه عليه وسلم هي:
١–التي جمعت المؤمنين والمؤمنات تحت راية واحدة.
٢–وجعلت مرجعية الإنتماء والحُبَّ والنُّصْرة عندهم واحدة أيضاً، من دون تَبعيَّة أو تقليد لأحد.
٣–وهي التي صَيَّرت المؤمنين بعضهم أولياء بعض.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى).متفق عليه.
قال اللَّه تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وأوجب اللَّه عزَّوجل على رسوله صلى اللَّه عليه وسلم وعلى المؤمنين إظهار البراءة من الكفر والشرك والنفاق، ومن الكافرين والمشركين والمنافقين، إذا كان الكافر، أو المشرك، أو المنافق –معلوم النفاق العقدي– مصرِّاً على ماهو عليه ومات على ذلك، ولو كان من أشدِّ الناس قرابة وحَميميَّة.
قال اللَّه تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ).
فسيّدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام وهو إمام الحنيفيَّة وقدوة الولاء والبراء، اجتهد على أبيه آزر زمناً طويلاً لأجل أن ينبذ الأصنام ويترك عبادتها، وذكَّره كثيراً بربوبية اللَّه تعالى ووجوب عبادته، ثُمَّ وعده بأن يستغفر له طمعاً بإسلامه وأملاً بتوبته وإجابة دعوته، وخليل اللَّه لا يعلم أبداً بسوء عاقبة أبيه ونهايته.
ولكن لمَّا تبيَّن لسيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام أنَّ أباه مُصرِّاً على الكفر وعلى عدواة دين اللَّه الإسلام، وأنه سيموت على ذلك، أعلن إمام التوحيد براءته من أبيه وولاءه للَّه.
قال اللَّه تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ).
******************************************************************************************************************************************
مقرأة الإتقان, [١٣.٠٧.١٨ ٠٨:٢٥]
[59] التوحيد في القرآن الكريم
«سورة التوبة»
«٤٢–١٢٧»
قال اللَّه تعالى: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.......
وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ.......
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ.......
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.......
وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ.......
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ).
سورة التوبة،أوالفاضحة«٤٢–١٢٧»
ذكر اللَّه عزَّوجلَّ في القرآن الكريم أوصاف المنافقين الخُلَّص وأحوالهم بشكل مُفصَّل ودقيق، واخْتُصَّت السور المدنية بذكر هذا النفاق العقدي أو مايعرف بالنفاق الأكبر، حتى سُمّيَت سورة التوبة لدقة وصفها لهم «الفاضحة».
والنفاق العقدي هو: إظهار الإسلام على الجوارح واللسان، وإخفاء الكفر وكتمانه في الجَنان، أي مخالفة القول للفعل، والسِّر للعلانية، وهذا النفاق هو أخبث الكفر وأبغضه إلى اللَّه تعالى.
ومن أبرز صفات النفاق العقدي في سورة التوبة:
أولاً– الكذب الدائم حُبَّاً في الدنيا وحرصاً عليها، وهذا هو منهج حياة المنافقين، ومقصد أفعالهم، وميزان سلوكهم، ولأجل ذلك يُكْثرون من الحلف باللَّه تعالى لأي أمر من غير داعٍ أو طلب، وقد أخبر اللَّه تعالى نبيَّه أنهم في أَيْمانهم كاذبون.
قال اللَّه تعالى: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).
ثانياً– الكفر باللَّه عزَّوجلَّ وبرسوله صلى اللَّه عليه وسلم وبما أُنْزِل عليه من الوحيين الكريمين، لذلك لايُقْبِلون إلاَّ على العبادات الظاهرة كالصلاة والزكاة وغيرها، ولا يقومون بها إلا وهم كارهون متثاقلون، وهم لها مُقِلُّون وعليها لايحافظون.
قال اللّّه تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ).
ثالثاً- الاستهزاء برسول اللَّه وبالوحي وبالمؤمنين والطعن فيهم، حتى قالوا في حقِّه صلى اللَّه عليه وسلم «هو أُذُنٌ»، ووصفوا المؤمنين وأعمالهم بكل شائنة ونقيصة.
قال اللَّه تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ).
رابعاً- النَّهي عن المعروف، والأمر بالمنكر، والإفساد في الأرض، فهم ينهون عن أعمال البِرِّ والتقوى ويشككون بها، ويأمرون بالمحرمات من أنواع الخبائث والمنكرات ويدعون إليها، ويعملون على تشويه عقيدة الدين الحنيف ونشرها بعد تحريفها، وهم في شرورهم مُتشابهون ولبعضهم مُقلِّدون.
قال اللَّه تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
مقرأة الإتقان, [١٣.٠٧.١٨ ٠٨:٢٥]
خامساً- التهرب من لوازم الإيمان، والتقاعس عن واجب الجهاد، باختلاق أنواع من الأعذار الواهية، والاستئذان للقعود والتكاسل رغم مالديهم من السَّعة وتملك أسباب الجهاد والظروف المناسبة.
قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ).
سادساً- لايفقهون خطاب اللَّه تعالى، ولايتمنون ادراكه وفهمه ولايريدون، لأنهم عند نزول الوحي يندهشون ويهربون، خشية أن تفضح آيات القرآن ماتكن قلوبهم من حقد ومكر بالمؤمنين ومايكتمون.
قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ).
أمَّا أبرز صفات النفاق العملي كما جاء في الحديث الشريف:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: (أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ). متفق عليه.
وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ، إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ). متفق عليه.
وأهم الفروق الأساسية بين النفاق العقدي «الأكبر» الذي تحدث عنه القرآن الكريم، والنفاق العملي «الأصغر» هي:
1- النفاق الأكبر يخرج من المِلَّة، والنفاق الأصغر لا يخرج من المِلَّة.
2- النفاق الأكبر يُخلَّد صاحبه في النار، والنفاق الأصغر لا يُخلَّد صاحبه في النار.
3- النفاق الأكبر لايكون من مؤمن، والنفاق الأصغر قد يكون من المؤمن.
4- النفاق الأكبر فيه اختلاف في القصد والنية بين السِرِّ والعلانية، والنفاق الأصغر فيه اختلاف في العمل والسلوك بين السر والعلانية.
5- النفاق الأكبر غالباً لا يتوب صاحبه ويموت عليه، والنفاق الأصغر قد يتوب صاحبه فيتوب الله عليه.
[59] التوحيد في القرآن الكريم
«سورة التوبة»
«٤٢–١٢٧»
قال اللَّه تعالى: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.......
وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ.......
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ.......
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.......
وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ.......
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ).
سورة التوبة،أوالفاضحة«٤٢–١٢٧»
ذكر اللَّه عزَّوجلَّ في القرآن الكريم أوصاف المنافقين الخُلَّص وأحوالهم بشكل مُفصَّل ودقيق، واخْتُصَّت السور المدنية بذكر هذا النفاق العقدي أو مايعرف بالنفاق الأكبر، حتى سُمّيَت سورة التوبة لدقة وصفها لهم «الفاضحة».
والنفاق العقدي هو: إظهار الإسلام على الجوارح واللسان، وإخفاء الكفر وكتمانه في الجَنان، أي مخالفة القول للفعل، والسِّر للعلانية، وهذا النفاق هو أخبث الكفر وأبغضه إلى اللَّه تعالى.
ومن أبرز صفات النفاق العقدي في سورة التوبة:
أولاً– الكذب الدائم حُبَّاً في الدنيا وحرصاً عليها، وهذا هو منهج حياة المنافقين، ومقصد أفعالهم، وميزان سلوكهم، ولأجل ذلك يُكْثرون من الحلف باللَّه تعالى لأي أمر من غير داعٍ أو طلب، وقد أخبر اللَّه تعالى نبيَّه أنهم في أَيْمانهم كاذبون.
قال اللَّه تعالى: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).
ثانياً– الكفر باللَّه عزَّوجلَّ وبرسوله صلى اللَّه عليه وسلم وبما أُنْزِل عليه من الوحيين الكريمين، لذلك لايُقْبِلون إلاَّ على العبادات الظاهرة كالصلاة والزكاة وغيرها، ولا يقومون بها إلا وهم كارهون متثاقلون، وهم لها مُقِلُّون وعليها لايحافظون.
قال اللّّه تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ).
ثالثاً- الاستهزاء برسول اللَّه وبالوحي وبالمؤمنين والطعن فيهم، حتى قالوا في حقِّه صلى اللَّه عليه وسلم «هو أُذُنٌ»، ووصفوا المؤمنين وأعمالهم بكل شائنة ونقيصة.
قال اللَّه تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ).
رابعاً- النَّهي عن المعروف، والأمر بالمنكر، والإفساد في الأرض، فهم ينهون عن أعمال البِرِّ والتقوى ويشككون بها، ويأمرون بالمحرمات من أنواع الخبائث والمنكرات ويدعون إليها، ويعملون على تشويه عقيدة الدين الحنيف ونشرها بعد تحريفها، وهم في شرورهم مُتشابهون ولبعضهم مُقلِّدون.
قال اللَّه تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
مقرأة الإتقان, [١٣.٠٧.١٨ ٠٨:٢٥]
خامساً- التهرب من لوازم الإيمان، والتقاعس عن واجب الجهاد، باختلاق أنواع من الأعذار الواهية، والاستئذان للقعود والتكاسل رغم مالديهم من السَّعة وتملك أسباب الجهاد والظروف المناسبة.
قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ).
سادساً- لايفقهون خطاب اللَّه تعالى، ولايتمنون ادراكه وفهمه ولايريدون، لأنهم عند نزول الوحي يندهشون ويهربون، خشية أن تفضح آيات القرآن ماتكن قلوبهم من حقد ومكر بالمؤمنين ومايكتمون.
قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ).
أمَّا أبرز صفات النفاق العملي كما جاء في الحديث الشريف:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: (أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ). متفق عليه.
وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ، إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ). متفق عليه.
وأهم الفروق الأساسية بين النفاق العقدي «الأكبر» الذي تحدث عنه القرآن الكريم، والنفاق العملي «الأصغر» هي:
1- النفاق الأكبر يخرج من المِلَّة، والنفاق الأصغر لا يخرج من المِلَّة.
2- النفاق الأكبر يُخلَّد صاحبه في النار، والنفاق الأصغر لا يُخلَّد صاحبه في النار.
3- النفاق الأكبر لايكون من مؤمن، والنفاق الأصغر قد يكون من المؤمن.
4- النفاق الأكبر فيه اختلاف في القصد والنية بين السِرِّ والعلانية، والنفاق الأصغر فيه اختلاف في العمل والسلوك بين السر والعلانية.
5- النفاق الأكبر غالباً لا يتوب صاحبه ويموت عليه، والنفاق الأصغر قد يتوب صاحبه فيتوب الله عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق