قال تعالي *( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ )*
الأعراف (11)
ابداع الخالق المصور في خلق الانسان و تصويره في المقال التالي للدكتور حيدر الجدي، بارك الله فيه.
قال تعالى ((ولقد خلقناكم ثم صورناكم )) مقال عن تشابه الاجنة في فترة إنشائها وكيف عدل جنين البشر عنها
***************************
قال تعالى : ((ولقد خلقناكم ثم صورناكم )) .. آية عظيمة فيها معان جمة نناقشها في
مقالنا هذا ونبدؤها بفكرة بديعة من التشابه بين الجنين البشري وأجنة الفقاريات
وتعديله عنها:
ومن أروع الاعجازات التي أثبتها العلم الحديث ما يلي:
فمنذ الاسبوع الرابع وذلك تقريبا قرب نهاية فترة النطفة وطوال فترة العلقة وبتأمل شكل الجنين وتشكل الاعضاء الداخلية له أنه مشابه لاي جنين من أجنة الفقاريات وكأنه ابن لاي منها ولاسيما (الاسماك والطيور والفئران والدجاج ) وغيرها حتى أننا لا نستطيع تحديده بالفحص النسيجي او الوراثي..
نجد الجنين بعمر شهر نلاحظ انه مثلها تماما تبدأ التسوية فنلاحظ بدأ يختلف عنها في الاسبوع السادس تقريبا ثم بعد الاسبوع 12 أي بداية مرحلة المضغة أصبح بشري المظهر تماما ولا يشابها إطلقا وهو مرحلة العدل عنها كما في الآيات (خلقك فسواك فعدلك)
يكون له ذيل وجهاز عظمي وحتى أطرافه تكون كالمجاديف التي عند الاسماك وأطرافه مشابهة لها ولاطراف الزواحف ومنذ حوالي الاسبوع السادس إلى السابع أي بعد دخول الجنين مرحلة العلقة نجد أنه يبدأ يفقد هذه الصفات المشابهة لتلك الاحياء الاخرى ففي اليوم 52 إلى 57 يزول الذيل وبعد نهاية الاسبوع التاسبع تكون البنى الغلصمية قد تحولت إلى بداءات الاعضاء الفموية والبلعومية والصدرية
وهي من الامور التي ستتخلق بها العلقة ليتسوى خلقها وتصبح جاهزة لان تسمى مضغة بصفات محددة لهذه المرحلة الجديدة التي ستتحول إليها فتصبح مخلقة وغير مخلقة ولهذا بحث مفصل في أول باب المضغة سنسميه تحولات العلقة إلى مضغة وهو ما ذكره عز وجل في قوله: ((ثم كان علقة فخلق فسوى )) أي أنه في بداية مرحلة العلقة وهي الاربعين الثانية يحدث التخلق البدئي للاعضاء وهو ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام بقوله في الحديث (( أرسل عليها ملكا فصورها وخلق لها سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها)) وهنا أود التنويه لتساؤل قد يطرح وهو كيف يخلق لها عظمها في
مرحلة العلقة وهو يقول في القرآن الكريم ((فخلقنا المضغة عظاما)) ولهذا جواب شاف إن شاء الله في البحث القادم عن تحقيق فترة الاربعينيات في مراحل خلق الاجنة ولعل ملخصه أن ما يحدث هنا هو تقريري أو كما قال ابن القيم هو تصوير غير مرئي خفي وهو محقق فعليا وطبيا في التخلق كما سنرى في البحث المذكور لاحقا..
وبشكل عام اللوزات وجوف الطبل والاعصاب المختلفة لمنطقة (التيموس –الدرق –وجارات الدرق..الخ كلها تتشكل من الاقواس الاخيرة وهذا ما ثبت علميا الان .
ثم نجد هذه البنى كلها تبدأ بتحولتها المذكورة بالتحول نحو المنحى البشري الظاهري وتبدأ الاعضاء التناسبلية بالتمايز نحو الشكل الظاهري لها بعد التحديد البدئي في مستواها الاول من قبل النطفة ولا توضح بشكل جلي إلا في نهاية الاسبوع الثاني عشر أي قرابة اليوم 80 وهو نهاية فترة العلقة وبداية مرحلة المضغة وهذا تصديقا لحديث النبي عليه الصلاة والسلام نفسه الذي فيه يقول الملك ((يا رب أذكر ام أنثى )) ولهذا باب أوسع للشرح عند حديثنا عن تشكل جنس الجنين ومستوياته..كل هذا ليأخذ الجنين
أخيرا شكل مسوى واضح على أنه جنين بشري بأعضائه ومظهره
لاحظ الاقواس الغلصمية وكيفية تطورها نحو أعضاء الوجه لتصبح واضحة المعالم قرابة اليوم الستين في حوالي منتصف مرحلة العلقة حيث يتم تحولها تدريجيا لاخذ شكل الجنين البشري المتميز ولنلحظ الاختلاف في مظهر الوجه تدريجيا
تختفي الاقواس الغلصمية وأنها تحولت لبنى عضلية وجهية
الذيل لا يزال فيه وكذلك الغلصم
ثم التوزيع العصبي للعصاب التي ستمتد على هذه الاقواس الغلصمية وهي نفسها
ستمتد على العضلات والبنى الناشئة منها :
ثم نشوء اللوزات من الاقوس الثانية الغدد جارات الدرق
من الثالثة والرابعة وكذلك الشق السمعي بين القوس الولى والثانية ..الخ:
من الامور المذهلة والتي نحتج بها على أصحاب نظرية التطور ففعليا هذا التشكل المتشابه بين الاجنة يعلن أن الخالق واحد وأن الامر بيده يصور هذه الاجنة كيف يشاء وهو وحده من قدر هذا الامر بعلمه وبتقريره وتنفيذه البديع لهذا الخلق فتأمل الامروصلي على النبي المختار صلى الله عليه وسلم..
والان وبعد كل هذا الشرح المستفيض إليكم المفاجئة التي أزفها لكم إن في كلامنا هذا وجه إعجازي رائع تكلم عنه ربنا عز وجل وذكره بدقة بالغة في مواضع من القرآن الكريم كانت من أروع الاعجازات التي يمكن أن نقرأ عنها في كتاب ربنا عز وجل ولنتبين هذا دعونا نتأمل في الآية الكريمة التالية قال تعالى في سورة الاعلى : ((الذي خلق فسوى ثم قدر فهدى )) وكما جاء في تفسير العلماء لها أن الخلق هنا يشمل كل ما أوجده ربنا أي أن الله تعالى أوجد بداءات الخلائق بأشكال بدائية غير متمايزة ثم سواها لتأخذ شكلها الذي أراده لها بما يميزها عن غيرها وبالتالي تقوم بوظيفتها المطلوبة
منها حسب دورها في هذا الكون ويتمم هذا قوله عز وجل عندما سأل فرعون سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام عن ربه فقال معرفا به تعريفا موجزا ولكنه دقيق جدا وفيه معا نٍ بديعة : ((فمن ربكما يا موسى* قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى))
وهي أيضا مما يدل على الخلق العام ثم الهدى الذي أراده ربنا لكل مخلوق وكما جاء في تفسير ابن كثير أن الله خلق كل شيء ثم سواه أي صوره ولذلك عندما تحدث عن خلقنا نحن قال عز وجل : ((ولقد خلقناكم ثم صورناكم ))
أي أنه أوجدنا من العدم أولا كخلق أولي ثم سوى خلقه هذا ليصورنا كيف يشاء أي يخطط لكل منا الصورة التي سيكون بها وإتمام الامر والذي فيه الوجه الاعجازي الكبير قوله تعالى مخاطبا الانسان بالتخصيص المباشر له :
((يا أيها الانسان ماغرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك*)) أي أنه خلق الانسان كمراحل خلق الاحياء الاخرى من خلق وتسوية وهذا جلي ولكن قوله (فعدلك) أي جعل في خلقك تعديل لك عنهم مما أدى لتصويرك بصورتك التي كرمك ربك بها ولذا تمم كلمه بقوله : ((في أي صورة ما شاء ركبك ))
وهذه التتمة هي الدليل الاساسي على أن هذه الاية تتكلم عن خلق جنين الانسان بالذات وتخص علم الاجنة أي أن جنين البشر كان خلقه مثل غيره من أجنة الكائنات الاخرى ثم بدأت تسويته كذلك ولكن الله قام بعدله مما سبب أخذه لشكله الخاص الذي كرمه الله به وهذا في قوله: ((لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم )) أي في أحسن هيئة وصورة ولو لم يتم عدل الانسان عن هذه البنى التي انتابت تشكله كما وضحنا من غلاصم وذيل وشكل عام مشابه لغيره لكان من الممكن ان يأخذ أي صورة غير بشرية من تلك الانواع الاخرى وهذا كله يبدأ في مرحلة العلقة كما أوضح ربنا بقوله ((ثم كان علقة فخلق فسوى )) أي الخلق والتسوية تكون فيها ثم يحصل تعديله ليأخذ شكله البشري الذي يمتد تدريجيا حتى مرحلة المضغة أكثره في بدايتها وبعضه حتى نهايتها والله أعلم..
المعنى جميل لقوله تعالى :((ولقد خلقناكم ثم صورناكم))
و قوله تعالى((هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم))
إذا ما قرأنا الآيات ننتبه إلى أنه تعالى يصورنا بعد تخليقه لنا وفي هذا قولين ومعنيين جليلين أذكرهما:
فالأول هو أن الخلق الاولي لنا كان في إيجاد ترابنا الخاص بكل منا والذي سنتصور منه بشرا وهو ما وضحناه سابقا في باب الخلق من لاشيء ثم الخلق من التراب وأننا تحولنا بعد الخلق الأول لسيدنا آدم عليه الصلاة والسلام لسلالة من ماء (أي العراس أو النطاف) ولكن ما زال هذا الماء يتشكل فعليا من التراب وهناك آيات مرتبة في هذا المعنى نجدها في قوله تعالى :
((ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون))
وقوله: ((وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا))
فالمعنى هو إيجاد أصلنا وهو التراب الذي سيتحول في أصلاب بني آدم الى نطاف تتحد لتشكل بداءات جسدنا ثم يتم إعطاؤها الشكل المطلوب وهو المظهر الخارجي للانسان كما أراده ربنا لكل منا وقوله خلقكم يوضح لنا هذا بدقة فكل ابن آدم يخلق من بداية هي التراب ولكنه لا يتصور إلا بإذنه تعالى وذلك بعد التقاء الاب والام وحصول اللقاح الذي سنتصور منه (من النطفة المشاج أو البيضة الملقحة) وفق سلسلة من التحولات الفيزيولوجية الحية والنسيجية التي يتحكم بها ربنا عز وجل ويقرر نفاذها أو توقفها
كما يشاء..
أما المعنى الثاني لهذه الآية فهو التصوير الواقع للنسيج الخلوي البدئي والذي يتشكل في البداية بشكل غير متمايز (أي مجموعة من الخلايا غير المميزة وظيفيا) ثم يتم تخصصها نحو النسيج المطلوب لتصبح أمهات عظام أو عضلات أو بشرة جلد أو غيرها ثم تتمايز فعليا نحوالنسيج الخلوي المطلوب مثلا نسيج غضروفي أو عظمي أوشحمي أو غيره وهذه النسج بدورها تشترك قرب بعضها وبتلاحم مدروس ومنسق بحسب التعليمات الوراثية الخاصة لكل منها لتشكل العضو المتمايز أيضا الذي سيقوم بوظيفة محددة له ومع اجتماع هذه الاعضاء مع بعضها يتشكل جسد الانسان الذي يتم تصويره عندها فتدخله الروح ليجتمع الاثنان الجسد والروح فتبث الحياة الحقيقية فيه ويتحول لانسان كامل تشكليا بما يتلاءم مع الخلق الحسن والتكريم الذي أعطاه إياه ربنا عز وجل ومن هنا نذكر قوله تعالى:
((ولقد كرمنا بني آدم))
وقوله((لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم))
وقوله((خلقك فسواك فعدلك))
ولنعود وننتبه فدوما سنجد الخلق أي إيجاد البداءة قبل التسوية أي التصوير والتمايز..
إن هذا المبدأ محقق جنينيا من خلال التشكل النسيجي الموضح عنه فكل الانسجة لها بداءة ثم تتمايز وهكذا..
لننتبه للاشكال حيث الخليط الخلوي الاولي يتمايز نحو بداءة وريقات الجنين الثلاثة وهي هنا الخلايا وثم يتتابع هذا.
إن هذا بحد ذاته إعجاز علمي كبير جاء على لسان نبينا في قرآن ربنا عز وجل حيث ثبت كمبدأ عام في العلم الحديث هذا الامر كما أوضحنا وهذه التدرجات في الخلق ثم الاقتران بالروح ودخول الجنين لمرحلة جديدة عبر عنها ربنا بقوله ((ثم انشأناه خلقا اخر)) سنبحثها في الباب القادم إن شاء الله مع أهم التغيرات فيها وهنا أوضح أنني لا أريد من كل هذا إلا وجه الله وأدعو أن يكون هذا حجة لي لا علي لاظهار البلاغة والبيان والروعة في كتاب ربنا الذي يجب أن ندافع عنه وننتبه لكلماته بدقة وبالتالي نصل لما يدلنا على أن الاسلام هو أعظم رسالة نزلت على العالمين وعلى البشر وأوضحت لهم أولهم وآخرهم إلى يوم الدين
قال تعالى:
((قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدء الخلق ثم الله ينشئ النشأة الخرة
إن الله على كل شيء قدير))
أخوكم د/ حيدر الجدي
مقتبس من كتابنا (الاعجاز القرآني في الخلق الانساني)
جوال 00966508570515
dr_haideraljady@yahoo.com
23/ ربيع اول/ 1439
11/12/2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق