السبت، 2 مارس 2019

الجزء الخامس عشر - الربع الثاني - الأحكام الفقهية



الآية الأولى
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء 23-24].

إن حق الوالدين عظيم، وفضائلهما لا تعد ولا تحد. وحبهما لولدهما ـ وخاصة الأم ـ هو أصدق الحب وأخلصه، فإنك أيها الإنسان قد تحظى بحب زوجتك وأولادك وأصدقائك، ولكن حب هؤلاء مهما بلغ، فإنه يتضاءل أمام حب الوالدين لك، وإخلاصهما معك، وصدقهما في نصحك ومودتك وإرادة الخير بك. ولذلك كان حقهما عليك عظيمًا، وواجبك نحوهما كبيرًا جليلاً. جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال: يا أمير المؤمنين، أمي عجوز كبيرة، أنا مطيتها أجعلها على ظهري، وأُنحي عليها بيدي، وألي منها مثل ما كانت تلي مني، أوَ أديت شكرها؟ قال: لا. قال: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: إنك تفعل ذلك بها وأنت تدعو الله عز وجل أن يميتها، وكانت تفعل ذلك بك وهي تدعو الله عز وجل أن يطيل عمرك. وفي هذا البحث أتحدث عن حقوق الوالدين في الشريعة وفق المحاور التالية:
- الإحسان إلى الوالدين.
- الإنفاق على الوالدين.
- طاعة الوالدين.
- الدعاء للوالدين.



الإحسان إلى الوالدين
لقد أمر الله تعالى في آيات كثيرة ببر الوالدين والإحسان إليهما وشكرهما بالقول والفعل، وبين كيفية ذلك في آيتين جامعتين بليغتين، فقال ـ عز من قائل ـ{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء 23-24].

فأمر بالإحسان إلى الوالدين، وحذف المعمول، ليعم جميع أنواع الإحسان بالأقوال والأفعال، والبدن والمال.
ثم أكد على أهمية ذلك في حال كبرهما، لأنهما حينذاك أحوج إلى البر والإحسان، واللطف والرفق، والاحترام والتوقير.
ثم نهى عن إساءة الأدب معهما، وإظهار التبرم والتأفف لهما، فضلاً عن رفع الصوت عليهما، أو سبهما وشتمهما، أو احتقارهما والتعالي عليهما، فقال ـ سبحانه ـ: {فلا تقل لهما أف} أي: لا تؤذهما أدنى أذية، ولا يصدر منك أدنى شيء يدل على التضجر منهما أو الاستثقال لهما، ووطن نفسك على احتمال ما قد يصدر عنهما من جهل أو خطأ. ثم قال: {ولا تنهرهما} أي: لا ترفع صوتك عليهما، ولا تكلمهما ضجِراً صائحاً في وجهيهما، ولا تنظر إليهما شزرًا وتُحدّ الطرف إليهما، ولا تنفض يدك عليهما زاجرًا لهما ومعترضًا عليهما.

ولما نهى عن القول القبيح والفعل القبيح أمر بمعاملتهما بالحسنى قولاً وفعلاً، فقال: {وقل لهما قولا كريما} أي: لينًا طيبًا لطيفًا، بتأدب واحترام وإكرام، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان.
ثم قال: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} أي: تواضع لهما بفعلك، رحمةً بهما، وتذللاً لهما، وعرفاناً بفضلهما، وعاملهما معاملة الخادم الذي ذل أمام سيده، فتطيعهما في المعروف، وتجيب دعوتهما، وتخدمهما وتقضي حاجاتهما، وتغض الطرف عن أخطائهما، وتحرص على كل ما يسعدهما ويريحهما، وتبتعد عن كل ما يؤذيهما ويسخطهما.[1]

رأى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ رجلاً يمشي خلف رجل، فقال: "من هذا؟ قال: أبي، قال: لا تدعُه باسمه، ولا تجلس قبله، ولا تمش أمامه"[2]
فيجب عليك التلطف معهما، والتودد إليهما بالقول والفعل، وأن تبدأهما بالسلام، وتدعوهما بأحب الأسماء إليهما، وتتأدب معهما في كلامك ومشيك وطعامك وجميع أحوالك.


الإنفاق على الوالدين
من حق الوالدين على ولدهما: أن ينفق عليهما إذا احتاجا إلى النفقة وهو قادر غني.[3]
وقد دل على وجوب النفقة على الولد إذا كان غنياً لوالده إذا كان فقيرًا: الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما الكتاب، فالآيات السابقة التي تأمر ببر الوالدين وشكرهما والإحسان إليهما. ومن أعظم برهما، وأفضل شكرهما، وأحسن الإحسان إليهما: الإنفاق عليهما عند حاجتهما.
وأما السنة، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه " وزاد في رواية أبي داود والحاكم: "فكلوا من أموالهم "وفي رواية للنسائي: " إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم"[4].

قال الكاساني[5]: " والحديث حجة بأوله وآخره، أما بآخره فظاهر، لأنه صلى الله عليه وسلم أطلق للأب الأكل من كسب ولده إذا احتاج إليه، مطلقًا عن شرط الإذن والعوض، فوجب القول به.
وأما بأوله، فلأن معنى قوله " وإن ولده من كسبه " أي: كسب ولده من كسبه، لأنه جعل كسب الرجل أطيب المأكول، والمأكول كسبه لا نفسه، وإذا كان كسب ولده كسبَه، كانت نفقته فيه "

وأما الإجماع، فقد قال ابن قدامة: "حكى ابن المنذر، قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة في مال الولد"[6]
وأما المعقول، فلأن الإنسان بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله، فكذلك على أصله.[7]

ولأن إنفاقه على والده، مجازاة له على بعض إحسانه إليه في صغره من تربيته وإعداده، وبره والعطف عليه. فكان إنفاقه عليه عند حاجته واجبًا، لأنه من باب شكر النعمة.[8]


طاعة الوالدين
بر الوالدين يقتضي طاعتهما بالمعروف، فإذا أمر الوالد ولده بأن يقضي له حاجة، أو يحقق له مصلحة ً، أو أن يفعل شيئاً أو يتركه، وجب عليه المبادرة إلى ذلك من غير تلكؤ ولا تردد، ولا تبرم ولا تأفف، فإن كان ثمة مانع شرعي أو حسي يمنعه من الاستجابة لأمره اجتهد في الاعتذار إليه، وتلطف في استرضائه وبيان السبب الذي يحول بينه وبين ما أراده منه، قال الله تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً} [الإسراء: 23]

فنهى عن مجرد التأفف معهما، فما بالك بمعاندتهما وعصيان أمرهما؟ وقال تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك} [لقمان: 14] وقال: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} [النساء: 36]، وليس من شكرهما والإحسان إليهما: معصيتهما، ومخالفة رغبتهما.

وقال عز وجل: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15]
وقد دلت الآية على وجوب طاعة الوالدين بالمعروف من وجهين:

الأول: أنه نهى عن طاعتهما فيما يأمران به ولدهما من معصية الله تعالى والإشراك به. فدل ذلك على أنهما إذا أمراه بشئ لا معصية فيه من مباح أو مشروع، وجب عليه طاعتهما.

الثاني: أنه أمر الولد بمصاحبة والديه بالمعروف ولو كانا يجاهدانه على الشرك، وليس من المصاحبة بالمعروف عصيان أمرهما، والخروج عن طاعتهما.
ويدل على وجوب طاعة الوالدين كذلك: أن الجهاد في سبيل الله إذا لم يكن فرض عين لا يصح إلا بإذن الوالدين المسلمين.[9]

لأن طاعة الوالدين واجبة، والجهاد في هذه الحال مستحب، فلا يترك الواجب لأجل أمر مستحب.
قال ابن قدامة[10]: " ومن كان أحد أبويه مسلمًا لم يجز له الجهاد تطوعًا إلا بإذنه. روي نحو ذلك عن عمر، وعثمان. وبه قال مالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وسائر أهل العلم " واحتج بالأحاديث المشهورة في ذلك، وقد سبق ذكر بعضها[11]، ثم قال: " ولأن بر الوالدين فرض عين، والجهاد فرض كفاية وفرض العين يقدم "
وقال في حج التطوع[12]: للوالد منع الولد من الخروج إليه، لأن له منعه من الغزو، وهو من فروض الكفايات، والتطوع أولى.

وذكر الكاساني[13] نحوًا مما ذكره ابن قدامة، ثم قال: " والأصل أن كل سفر لا يؤمن فيه الهلاك، ويشتد فيه الخطر، لا يحل للولد أن يخرج إليه بغير إذن والديه، لأنهما يشفقان على ولدهما فيتضرران بذلك.
وكل سفر لا يشتد فيه الخطر يحل له أن يخرج إليه بغير إذنهما إذا لم يضيعهما، لانعدام الضرر ".
وهذا إذا لم يكن الجهاد فرض عين، فإن كان كذلك فلا يعتبر إذنهما كبقية فروض الأعيان من صلاة الجمعة، والجماعة، وصوم رمضان، والزكاة الواجبة، والحج الواجب، وطلب العلم الواجب، وغيرها. بل ليس لهما منعه من أداء ما افترضه الله عليه، فإن فعلا  فلا  طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال الإمام أحمد في الرجل ينهاه أبوه عن الصلاة جماعة؟ قال: ليس له طاعته في الفرض.[14]

ومن عجائب القصص في هذا الباب: قصة جريج العابد مع أمه، التي أخبر بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناصحًا لأمته، ومحذراً من تجاهل أمر الوالدين والتشاغل عنهما، ومبينًا خطورة دعوة الوالد على ولده.

عن حميد بن هلال عن أبي رافع عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: " كان جريج يتعبد في صومعة، فجاءت أمه، قال حميد: فوصف لنا أبو رافع صفة أبي هريرة لصفة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمَّه حين دعته، كيف جعلت كفها فوق حاجبها ثم رفعت رأسها إليه تدعوه، فقالت: يا جريج، أنا أمك كلمني. فصادفته يصلي، فقال: اللهم أمي وصلاتي. فاختار صلاته. فرجعت ثم عادت في الثانية فقالت: يا جريج، أنا أمك فكلمني. قال: اللهم أمي وصلاتي، فاختار صلاته. فقالت: اللهم إن هذا جريج وهو ابني وإني كلمته فأبى أن يكلمني، اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات. قال: ولو دعت عليه أن يفتن لفتن. قال: وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره. قال فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الراعي، فحملت فولدت غلامًا، فقيل لها: ما هذا؟ قالت: من صاحب هذا الدَّير[15]. قال فجاؤوا بفؤوسهم ومساحيهم فنادوه، فصادفوه يصلي فلم يكلمهم. قال: فأخذوا يهدمون ديره، فلما رأى ذلك نزل إليهم، فقالوا له: سل هذه. قال: فتبسم، ثم مسح رأس الصبي فقال: من أبوك؟ قال: أبي راعي الضأن. فلما سمعوا ذلك منه قالوا: نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة. قال: لا، ولكن أعيدوه ترابًا كما كان، ثم علاه "[16].


فتأمل كيف استجاب الله دعوة أمه عليه، مع أن الذي منعه من إجابتها ليس اللهو واللعب، أو النوم والكسل، أو الاشتغال بأمور الدنيا، أو قصد معاندتها وتجاهلها، وإنما الذي منعه: اشتغاله بعبادة عظيمة كره أن يقطعها !!
ثم تأمل كذلك قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " ولو دعت عليه أن يفتن لفتن "، أي: أنها مع غضبها عليه عذرته ورفقت به، فقصرت الدعاء عليه بمجرد رؤية وجوه المومسات، ولو دعت عليه بفعل الفاحشة، لابتلي بها.
وقد دل الحديث كذلك على أن من شرع في صلاة نافلة ثم دعاه أحد والديه، وهو يعلم أ نه يتأذى بانتظاره، أو يغضب عليه لتأخره عن إجابته، فإنه يقطع صلاته ولا حرج عليه، لأن إجابة الوالد واجبة، وإتمام النافلة مستحب. لكنه إن كان يغلب على ظنه أن والده لن يتأذى بذلك، أو أنه لو علم أنه في صلاة لعذره، فيتمها خفيفة ثم يجيبه.
ودل الحديث كذلك على أن والده لو منعه من الشروع في نافلة من صلاة أو صيام أو اعتكاف أو قراءة أو غيرها، فإنه لا يجوز له معاندة والده ومراغمته، لأن فعلها مستحب، وطاعة الوالد فرض، فلا يترك الفرض من أجل المستحب. لكنه إن استطاع أن يفعلها من دون علمه، وهو لا يتضرر بذلك، ولا يفوت عليه مصلحة كلفه بفعلها، فله أن يفعلها.
سئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: إذا أمره أبواه أن لا يصلي إلا المكتوبة؟ قال: يداريهما ويصلي.
وقال أيضًا في رجل يصوم تطوعًا، فسأله أبواه أو أحدهما أن يفطر: يروى عن الحسن أنه قال: يفطر وله أجر البر وأجر الصوم إذا أفطر.
وقال في غلام يصوم وأبواه ينهيانه عن صوم التطوع: ما يعجبني أن يصوم إذا نهياه، ولا أحب أن ينهياه. يعني عن التطوع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ففي الصوم، كَرِه الابتداء فيه إذا نهياه واستَحَب الخروج منه، وأما الصلاة، فقال: يداريهما ويصلي ".
وقال ابن مفلح: " وقد نص أحمد على خروجه من صلاة النفل إذا سأله أحد والديه. ذكره غير واحد " [17].
وقال ابن حجر[18]: " والأصح عند الشافعية أن الصلاة إن كانت نفلاً وعلم تأذي الوالد بالترك وجبت الإجابة وإلا فلا... وعند المالكية أن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها ".

الدعاء للوالدين
حق الوالدين عظيم، ومهما اجتهد الولد في برهما والإحسان إليهما، فلن يوفيهما حقهما، ويشكر فضلهما، وإن من شكرهما أن يكثر من الدعاء لهما في حياتهما وبعد موتهما كما قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء 24].
فهكذا علم الله عباده، وبهذا أمرهم أن يدعوا لوالديهم بالرحمة أحياءً وأمواتًا، جزاء رعايتهم لهم وإحسانهم إليهم.
قال ابن جرير[19]: " ادع الله لوالديك بالرحمة، وقل رب ارحمهما وتعطف عليهما بمغفرتك ورحمتك كما تعطفا علي في صغري، فرحماني وربياني صغيرًا، حتى استقللت بنفسي واستغنيت عنهما ".

وكما دعا نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ لوالديه فقال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات} [نوح: 28]

فدعا لوالديه بعد دعائه لنفسه، ولم يقدم عليهما أحداً، لا زوجاً، ولا قريباً، ولا صديقاً.
وحكى الله عن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ قوله: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41]

فدعا لوالديه بالمغفرة بعد دعائه لنفسه مباشرة، وكان هذا قبل أن يتبرأ من أبيه، لما تبين له أنه عدو لله عز وجل . [20]

ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له "[21].

فجعل من علامات صلاح الولد دعاءه لوالديه بعد موتهما، حيث تكون حاجتهما إلى الدعاء حينذاك أشد من حاجتهما إليه في حال الحياة.
______________
[1] انظر: تفسير القرطبي: 10/243، وتفسير ابن كثير: 3/35، وتفسير الشوكاني: 3/303، وتفسير السعدي ص: 407.
[2]  رواه البخاري في الأدب المفرد: 44. وذكره ابن عبد البر في بهجة المجالس 2/762، والسيوطي في الدر المنثور 5/263.
[3] انظر: بدائع الصنائع 4/34-35، والتفريع 2/113، والمهذب 2/ 166، والمغني 11/ 374.
[4] رواه أبوداود: 3529، والنسائي: 4450، 4452، والترمذي: 1358، وابن ماجه: 2137، 2290، والحاكم: 2294، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال ابن حجر في " تلخيص الحبير " 4/9: وصححه أبو حاتم وأبو زرعة.
[5] بدائع الصنائع 4/30. وانظر نحوه في: سنن الترمذي 3/640، ومعالم السنن للخطابي 5/183.
[6] المغني 11/373. وانظر: بدائع الصنائع 4/30.
[7] انظر: المغني 11/373.
[8] انظر: بدائع الصنائع 4/30.
[9] فأما إن كان أبواه غير مسلمين فلا إذن لهما، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجاهدون وفيهم من له أبوان كافران، من غير استئذانهما، بل ربما قاتل أحدهم أباه المشرك، كما فعل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأبوه من رؤوس المشركين يومئذ، وقد قتل هناك، وقاتل أبو عبيدة أباه فقتله. ولأن طاعتهما حينئذ فيها معونة للكفار، وهما متهمان في الدين، فلا يعتبر إذنهما.
انظر: المغني 9/171، والكافي 4/254، وغذاء الألباب 1/386.
[10] المغني 9/170، والكافي 4/254، والآداب الشرعية 1/434.
[11] ص: 9.
[12] الآداب الشرعية 1/434.
[13] بدائع الصنائع 7/98.
[14] الآداب الشرعية 1/434، وغذاء الألباب 1/385.
[15] الدير: هو الصومعة.
[16] رواه البخاري: 1148، ومسلم: 2550.
[17] الآداب الشرعية 1/433، وغذاء الألباب 1/384ـ385.
[18] فتح الباري: 6/483.
[19] تفسير الطبري 15/50.
[20] انظر: تفسير ابن كثير 2/542.
[21] رواه مسلم: 1631.

*************************************************************

الآية الثانية
{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31]
من القضايا التي برزت بقوة على الساحة في المجتمعات الإسلامية في السنوات الأخيرة دعاوى الجمعيات النسوية العالمية منها، والمحلية، والتي تدعو إلى إباحة الإجهاض، خاصة إجهاض الحمل الناتج من زنا محارم أو اغتصاب، وبالأخص الفتيات والنساء المغتصبات أثناء الحروب. ومنه بدأ الفقهاء يبحثون في المسألة من جانبها الفقهي، معتمدين في ذلك على الدراسات الطبية التي تركزت حول ماهية الجنين والمراحل التي يمر بها، ثم الاستفادة من خبراتهم في مجال مخاطر وسلبيات الإجهاض عموما، بطريقة مفصلة، شأنها شأن الكثير من النوازل.

أولا: تعريف الجنين لغة
الجنين من فعل جنّ: استتر، والجنين: هو الولد مادام في الرحم. فكلمة الجنين تعد وصفا للولد المستتر في الرحم[9]؛ أي أنه مستتر، أو" المستور في رحم أمه بين ظلمات ثلاث"[10]، لقوله تعالى :{...يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ...} (الزمر: 6).

ثانيا: تعريفه في اصطلاح الفقهاء
يطلق مصطلح الجنين على ما في الرحم، من بدء التكوين بحدوث التلقيح والاستقرار فيه إلى غاية خروجه من بطن أمه[11].

مراحل تكون الجنين في بطن أمه:
يمر الجنين وهو في بطن أمه بمراحل متعددة، ورد ذكرها صراحة في قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون :12-14).

وفي قوله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى...} (الحج: 5).

هذه المراحل نفسها هي التي وردت في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا يؤمر بأربع كلمات ويقال له: اكتب عمله ورزقه، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح"[12].

قال الحافظ بن رجب في شرح الحديث: "فهذا الحديث يدل على أنه يتقلب في مئة وعشرين (120) يوما، في ثلاثة أطوار، في كل أربعين منها يكون في طور، فيكون في الأربعين الأولى نطفة، ثم في الأربعين الثانية علقة، ثم في الأربعين الثالثة مضغة، ثم بعد المئة والعشرين يوما ينفخ الملك فيه الروح، ويكتب له هذه الأربع كلمات"[13].

ومن الآيات والأحاديث يتبين أن أطوار الجنين أربعة، هي:
1-النطفة:
وهي النطفة الأمشاج الخليط بين الحيوان المنوي وبويضة المرأة[14]. وهي ما تسمى "البييضة الملقحة" بتطوراتها العديدة، والتي لاتزال تأخذ شكل قطرة الماء، بالرغم من تضاعف خلاياها أضعافا مضاعفة، ثم تعلق بسماكة بطانة الرحم[15]، لينتهي هذا الدور ويبدأ دور العلقة.

2-العلقة:
في هذه المرحلة يكون الجنين على شكل العلقة[16]، وتكون عالقة في جدار الرحم. والمدة الزمنية لهذا الطور تكون من بداية الأسبوع الثاني حتى نهاية الأسبوع الثالث من التلقيح، وفي هذه المرحلة يبدأ القلب في خفقانه [17].

3-المضغة:
في هذا الطور تظهر الكتل البدنية على هيئة أثر أسنان، وذلك في أواخر الشهر الأول. وداخل المضغة تبدأ الأجهزة الداخلية مثل القلب والرئتين بالظهور، ويتشكل الجهاز العصبي والحويصلان السمعي والبصري، وتظهر مولدات الغضروف والعضلات ووحدات الجهاز البولي التناسلي، حتى يصل الجنين عمر الأربعين يوما، حيث تظهر جميع الأجهزة وقد تخلقت؛ إلا أن أجزاءً لم تتخلق في سطحها مع تكون جميع الأجهزة الداخلية، وهنا تمر المضغة بطورين؛ أولهما المضغة غير المخلقة حيث تتصور الأعضاء دون أن تظهر؛ أي تتمايز مجموعات خلوية مختلفة، وتتخلق معطية الأجهزة والأعضاء، وتلك هي المضغة المخلقة، كما تقدم في قوله تعالى :{...مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ...}[18].
وينتهي هذا الطور قبيل نهاية الأسبوع السادس، حيث يبدأ الطور التالي في التخليق. وخلال هذا الشهر الأول، يزداد وزن الجنين مليون مرة، في كل ثانية 74 مرة.
وأما الطول فإنه يكبر من 5ملم إلى 3سم[19].

1-طور العظام واللحم:
وفي هذا الطور تبدأ الكتل البدنية في تكوين العظام، "فخلق المضغة عظاما هو تكوين العظام في داخل تلك المضغة، وذلك ابتداء تكوين الهيكل الإنساني من عظم ولحم"[20].
وينتهي كساء اللحم في الأسبوع الثامن، "فاللحم كالكسوة للعظام"[21]. وبهذا تنتهي مرحلة ما يسمى "الجنين"، وتبدأ مرحلة "الحميل".

2-النشأة الأخرى:
وهي آخر طور من الأطوار التي يمر بها الجنين، وتبدأ بعد تكّون اللحم على العظم. ففي الشهر السادس يصبح الإنسان؛ أي الجنين قادرا على الاستقلال عن أمه، لأن الأسناخ الرئوية تكونت، فيكون بعد ذلك دور الرحم دور الحضانة فقط[22]. كما تتميز هذه المرحلة بخصائص منها: تطور أعضاء الجنين وأجهزته ونموها، كما تختص بنفخ الروح فيها[23]؛ وهنا تكمن النشأة الأخرى، فهي مرحلة مغايرة تماما للمراحل الأربع الأولى التي كان فيها الجنين في طور التخلق والتشكل في الصورة الآدمية، يقول الألوسي: "فأنشأناه خلقاً آخر: مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها، حيث جعل حيوانا ناطقا سميعا بصيرا، وقيل الخلق الآخر الروح"[24]؛ فهو هنا قد اكتمل تصويره وتخلقه بأمر المولى تبارك وتعالى، لتأتي مرحلة نفخ الروح فيه، وتبدأ حياته كإنسان كامل، وقد كتب له قدره، كما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم -:"ثم يرسل الله إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وعمله وأجله، وشقي أو سعيد".

ثالثاً تعريف الإجهاض وأقسامه عند الفقهاء والأطباء.

أولا: تعريف الإجهاض:
مصطلح الإجهاض ليس لفظا غريبا في اللغة، فإن أهل اللغة بينوا معناه الذي عرف عند العرب في قولهم: أجهضت الناقة: إذا ألقت الولد لغير تمام[25]. أو إسقاطه ناقص الخلق[26].
والإطلاق اللغوي يصدق سواء كان الإلقاء بفعل فاعل أم تلقائيا[27].
ومنه إجهاض الجنين الآدمي ومعناه: إنزال الجنين قبل أن تكتمل مدة الحمل[28]؛ إما بفعل أمه، أو بفعل غيرها كالطبيب[29].

ويعرف الإجهاض Abortion من الوجهة الطبية بأنه : "سقط الحمل من داخل الرحم قبل أن يصبح قادرا على الحياة بذاته أي قبل الأسبوع الـ 22 أو بلوغه وزن 500 جم أو أكثر"[30].
وعرفه الطبيب محمد علي البار بأنه:" خروج محتويات الحمل قبل 28 أسبوعا تحسب من آخر حيضة حاضتها المرأة"[31].
وعرفه الدكتور اليوت فيليب بأنه:" نهاية الحمل قبل الأسبوع الثامن والعشرين من بداية الحمل"[32].
ويتضح مما سبق أن هناك عدة أنواع من الإجهاض نعرفها في العنصر الموالي:

ثانيا: أنواع الإجهاض:
قبل معرفة موقف الفقهاء من الإجهاض، ينبغي في البداية معرفة أنواعه المنتشرة بين عامة الناس وبين الأطباء ثم الفقهاء، حيث قسّمه كل فريق إلى تقسيمات متعددة بحسب معايير مختلفة؛ والتي تتنوع من تقسيمه لدوافعه ومبرراته أو مسوغاته، وتقسيمه للمراحل التي يتم فيها، أي في أي مرحلة يكون الجنين بحسب الأطوار التي مرت بنا.

◄  تقسيم الإجهاض عموما:
لقد قسّم الناس عموما الإجهاض إلى ثلاثة أصناف هي: العفوي، والعلاجي، والاجتماعي (الجنائي)، وهذا التقسيم بحسب دوافعه ومبرراته التي يلجأ إليها الناس، فقالوا:

1-الإجهاض العفوي (التلقائي- الذاتي): وهو الذي يحصل بغير إرادة المرأة، حيث يعمل الرحم على طرد جنين لا يمكن أن تكتمل له عناصر الحياة، وقد يحدث بسبب خلل في جهاز المرأة التناسلي، أو بسبب خطأ ارتكبته كحمل شيء ثقيل، أو توتر نفسي، أو شربها لدواء مضر بالحمل والجنين ...الخ
 أي أنه إجهاض طبيعي حدث تلقائيا بدون أي تدخل خارجي بأي صورة من صوره، ومسبباته داخليه محضة تتعلق بأمراض تصيب الأم الحامل أوالجنين[33].

2-الإجهاض الاجتماعي (الإنساني، الجنائي، الإجرامي): وهو الذي يُتعمد فيه إنهاء الحمل بطريقة غير شرعية، والذي يجريه أشخاص غير متخصصين، عن طريق شرب دواء معين، أو إدخال أدوات صلبة في المهبل؛ لهدف واحد وهو التخلص من الجنين لسبب من الأسباب التي يراها أصحابها أنها مبررات إنسانية، كالتستر على الفاحشة (حمل من سفاح، أو زنا، أو زنا محارم، أو اغتصاب)، ومن هنا سمي إجهاضا اجتماعيا على اعتبار أن إجهاض الجنين المتكون من زنا أو اغتصاب أو زنا محارم يعد حلا لمعضلة اجتماعية حساسة، وقد يجرى كذلك في عيادات طبية بإشراف أطباء متخصصين؛ تحت ذريعة إنقاذ فتيات قُصر أو نساء من حمل غير مرغوب فيه، مقابل مبالغ مالية خيالية!

3- الإجهاض العلاجي: وهذا النوع من الإجهاض الذي يستدعي اللجوء إليه ضرورة طبية؛ "فهو الذي يقوم به الطبيب الموثوق في دينه وعلمه، أو يأمر به إنقاذا لحياة الأم عندما تتعرض للخطر بسبب الحمل"[34]. وسيأتي تفصيله لاحقا



تقسيم الإجهاض عند الأطباء:
أما أنواع الإجهاض عند الأطباء فهي أقسام كثيرة، وذلك راجع إلى مرحلة الحمل، إضافة إلى الدافع لذلك.
فقُسم باعتبار المرحلة التي تم فيها والأسباب الطبية لوقوعه إلى:
1-الإجهاض المهدد أو المنذر: ومعناه حدوث نزيف في الرحم خلال مدة الحمل، وبالذات في بدايته (20 أسبوع الأولى)؛ حيث يكون الجنين حيا؛ إلا أن خطرا كبيرا يتهدده بفعل النزيف، فيكون قابلا للسقوط.
2-الإجهاض الحتمي: ومعناه موت الجنين، وخروجه بفعل انقباض الرحم.
3-الإجهاض المفقود: والمقصود به موت الجنين، وبقائه داخل الرحم.
4-الإجهاض المعتاد: وهو الذي يحدث لوجود تشوهات بالرحم، أو أن عنق الرحم فاقد القدرة على بقائه منغلقا.
5-الإجهاض العفن: وهو الناتج بعد حدوث التهابات في الرحم[35].




أما أقسامه باعتبار الكيفية التي يمر بها فهي:
1-التلقائي
2- والجنائي
3- والعلاجي[36]. وهي التي تقدم ذكرها.
والذي يهمنا من تقسيمات الأطباء للإجهاض هي التقسيمات الثلاث الأخيرة؛ لأن تقسيمات الأطباء الأولى هي باعتبار الأسباب الطبية لوقوعه، أما الذي يهمنا فهو الكيفيةالتي يتم بها، من أجل معرفة متى يجوز ومتى لا يجوز.



◄    أنواع الإجهاض عند الفقهاء:
يعتمد الفقهاء المسلمون في نظرتهم وحكمهم على الإجهاض على استقراء الآيات والأحاديث النبوية التي تطرقت للجنين ومراحل تكونه في بطن أمه، وقد سبق التطرق لبعض من هذه الآيات والأحاديث.
وكما رأينا في مبحث مراحل تكون الجنين فإن الفقهاء أعطوا اهتماما بالغا للمراحل والأطوار التي وردت، والتي ميزت بين أدوار (النطفة والعلقة والمضغة وتكوُّن اللحم)، وبين مرحلة (النشأة الأخرى)، والتي أثبتت أن النشأة الأخرى تختلف وتتميز عن سابقاتها من المراحل والأطوار؛ وأما مستند هذا الاعتماد فهو أن " العلماء المسلمين يرون أن حقيقة الإنسان لم تتحدد بهيكله المخصوص بما يحتوي عليه من عناصر مادية، وما يتكون منها من أعضاء وأجزاء. وإنما تحددت بروحه التي نفخت فيه"[37]. ومن هنا قسم الفقهاء الإجهاض، أو بالأحرى التعدي على الجنين، إلى قسمين:

1-الإجهاض قبل نفخ الروح
2-الإجهاض بعد نفخ الروح

فأصبح" نفخ الروح" هو الاعتبار والأساس في التقسيم، ومنه تحريم أو إباحة الإجهاض في الشريعة الإسلامية؛ إضافة إلى مجموعة من القواعد المكملة، سنعرفها لاحقا، والتي تختلف من مذهب لآخر.

والذي يجدر التنبيه إليه أيضا أن المواضع التي تم التطرق فيها لموضوع الإجهاض عند فقهائنا، هي مباحث الديات والجنايات، (فصل "غرة الجنين")، وكل المسائل دارت حول تعرض الحامل للضرب أو أية جناية مشابهة أدت إلى قتلها وموت الجنين، ففي هذه الحال تثبت الغرة على عاقلة الجاني لا الدية كاملة؛ لأنه لا يمكن تحقق العمد المحض كما قال الفقهاء؛ إذ قال ابن جزي:" ولا يقتل قاتل الجنين في العمد لأن حياته غير معلومة"[38].

وقال النووي : "فالجناية على الجنين قد تكون خطأ محضا بأن يقصد غير الحامل فيصيبها، وقد تكون شبه عمد، بأن يقصد ضربها بما يؤدي إلى الإجهاض غالبا، فتجهض، ولا تكون عمدا محضا؛ لأنه لا يتحقق وجوده وحياته حتى يقصد، هذا هو الصحيح"[39].

وقد نص على وجوب الغرة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه - أن "امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو أمة"[40]. من دون التفريق بين كون الجنين ذكرا أو أنثى، " لأن السنة لم تفرق بينهما"[41]، كما قال ابن قدامة.

ومن دون التفريق بين كون الجنين تام الخلقة أو ناقصا كما قال المالكية؛ إذ قال ابن جزي:" ودية الجنين عبد أو وليدة، وسواء كان ذكرا أو أنثى، وسواء تم خلقه أو لم يتم إذا خرج من بطن أمه ميتا"[42]. وقال الزرقاني:" حكم في الجنين حال كونه قتل في بطن أمه ذكر أو أنثى، ولو مضغة أو علقة، أو ما يعلم أنه ولد عند مالك بغرة"[43].

وهذا حال حدوث جناية على الأم، أما لو كانت الجناية مقصودا بها الجنين نفسه كما نريد أن نبحثه، فماهو الحكم؟ وهل يختلف الحال لو كانت الجناية من الأم نفسها؟


رابعاً: آراء فقهاء المذاهب الأربعة في حكم الإجهاض

أولا:  آراء الفقهاء في حكم الإجهاض بعد نفخ الروح
أجمع الفقهاء على أن نفخ الروح في الجنين يكون بعد المئة والعشرين يوما من الحمل.
ودليلهم في هذا الرأي:
قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:{إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع: برزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح}[44].
 فإذا وجدت به الحياة بوجود الروح، وإيجاب الرسول صلى الله عليه وسلم الغرة بقتله؛ فإن ذلك مؤداه اعتبار الجنين بعد الشهر الرابع إنسانا تثبت له كل الحقوق التي تثبت للذي انفصل عن أمه حيا .

وإذا ثبتت الغرة بالجناية على الجنين في بطن أمه على الذي قصد قتلها؛ فمن باب أولى على الأم كذلك إذا قصدت إسقاطه للتخلص منه. إذًا الأصل في الإجهاض بعد نفخ الروح الحظر والتحريم إلا للضرورة الطبية؛ أي أن استمرار الحمل يضر بصحة الأم ويهدد حياتها كما جاء في آراء الفقهاء القدامى والمعاصرين.

 قال أحمد في امرأة شربت دواء فأسقطت، إن كانت تعمدت فأحب إلي أن تعتق رقبة، وإن سقط حيا ثم مات فالدية على عاقلتها لأبيه… قيل له: فإن شربت عمدا، قال هو شبيه بالعمد، شربت لا تدري يسقط أم لا . عسى لا يسقط. الدية على العاقلة"[45].
وبمثله قال أبو الحسن الماوردي بقوله: "وهكذا لو شربت الحامل دواء فأسقطت جنيناميتا، روعي حال الدواء. فإن زعم علماء الطب أن مثله قد يسقط الأجنة، ضمنت جنينها، وإن قالوا: مثله لا يسقط الأجنة لم تضمنه، وإن أشكل وجوزوه ضمنته؛ لأن الظاهر من سقوطه أنه من حدوث شربه… كذا لو امتنعت الحامل من الطعام والشراب حتى ألقت جنينها…"[46].

ثانيا: آراء الفقهاء في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح
وأما الجناية على الجنين قبل نفخ الروح فيه؛ أي في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل؛ ففي وجوب الغرة (وهي العقاب الدنيوي)، وإثم الجاني (وهو العقاب الأخروي)، سواء أكانت  الجناية من الأم أو غيرها، اختلاف بين الفقهاء، ومرد اختلافهم راجع إلى رأيهم في المراد بـ"تصور الجنين وتخلقه"؛ أي في أي مرحلة يكون الجنين، ثم قول البعض أن الغرة بدل الحياة؛ فحيث لا حياة لا غرة.

وهذه أراء أئمة المذاهب الأربعة وبعض تلاميذتهم، والتي انقسم فيها الفقهاء إلى محرم ومانع للإجهاض في أي مرحلة من مراحل تخلق الجنين، وبين مجيز لذلك في مرحلة المضغة غير المخلقة، وبين مبيح للإسقاط في مرحلة الأربعين يوما، وبين مبيح بإطلاق كما سيأتي:

◄              رأي الإمام الغزالي والمالكية:
ومذهب الإمام الغزالي -وهو من الشافعية- التحريم مطلقا، فلا يجوز الجناية على الجنين في أي مرحلة من مراحل نموه، وقد قال" وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية، فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا"[47].

وإليه ذهب المالكية في قول الدسوقي: "ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا"[48]، والرأي نفسه يذهب إليه كلٌّ من ابن العربي، والشيخ محمد عليش[49]، ويذهب الإمام ابن العربي إلى أن للولد ثلاثة أحوال "حال قبل الوجود ينقطع فيها بالعزل، وحال بعد قبض الرحم على المني فلا يجوز حينئذ لأحد التعرض له بالقطع من التولد. والحالة الثالثة بعد انخلاقه قبل أن تنفخ فيه الروح وهو أشد من الأولين في المنع والتحريم. فأما إذا نفخ فيه الروح فهو نفس بلا خلاف"[50].

" ومعنى ذلك أن المالكية (ومعهم بعض الشافعية) لا يجيزون الإسقاط قبل مضي أربعين يوما على الحمل، ولم يستثنوا حالة العذر"[51].
ويتضح من الأقوال السابقة أن اعتبارات تحريم إسقاط الجنين في أية مرحلة من مراحل نموه هي: إنسانيته وحقه في الحياة، وتحصل له هذه الانسانية باختلاط بويضة المرأة مع نطفة الرجل (النطفة الأمشاج) ثم نفخ الروح.

◄              رأي الحنابلة:
وبالتحريم قال الحنابلة أيضا، والتحريم عندهم لا يكون من مرحلة النطفة أو العلقة، بل من مرحلة المضغة، إذا ظهر فيها تخلق. جاء في المغني: "وإن أسقطت ما ليس فيه صورة آدمي فلا شيء فيه؛ لأنا  لا نعلم أنه جنين… وإن ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة، وإن شهدت أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور، فيه وجهان، أصحها: لا شيء فيه لأنه لم يتصور فلم يجب فيه كالعلقة"[52]. كذلك جاء في الإنصاف عن الحنابلة[53]. فهنا الحنابلة قد فصلوا القول في مراحل الجنين.
فالراجح عند الحنابلة جواز الإسقاط قبل مرحلة المضغة، وهي المرحلة التي يبدأ فيها تخلق الجنين، استنادا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الآتي ذكره، فإن الإجهاض مباح قبل 42 يوما الأولى؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا مرّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال أي ربِّ أذكر أم أنثى}[54]. فاجتمع عند الحنابلة اعتباران لحرمة الإجهاضوإسقاط الجنين لأي عذر أو سبب، هما: تخلق الجنين، ونفخ الروح فيه.

◄              رأي الشافعية:
وتفصيل الشافعية للمسألة جاء موافقا لمذهب الحنابلة. فعن الإمام النووي أنه قال: "أن الغرة تجب إذا سقطت بالجناية ما ظهر فيه صورة آدمي، كعين أو أذن أو يد ونحوها، ويكفي الظهور في طرف، ولا يشترط في كلها… وإن قلن (القوابل): ليس فيه صورة خفية لكنه أصل آدمي ولو بقي لتصور، لم تجب الغرة على المذهب"[55].  وقال أيضا "فلو جنت الحامل على نفسها بشرب دواء أو غيره، فلا شيء لها من الغرة المأخوذة من عاقلتها، لأنها قاتلة"[56].

ووافقهما الإمام الماوردي فيما يخص المضغة، حيث قال: "وإن المضغة لا يتعلق بها[57] ما سوى الغرة"[58]، ثم قال: "ومحصول هذه الأحوال التي جاءت في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: 12-14). يرجع إلى ثلاثة أقسام: مضغة، وما قبلها، وما بعدها"[59]. ومؤدى كلامه أن لتصور الجنين اعتبارًا في جناية الإسقاط، وهو مذهب الحنابلة -كما رأينا- في جواز إسقاط الجنين قبل الاثنين والأربعين (42) يوما الأولى.

◄    رأي الأحناف:
وبمثل القول الأخير للشافعية قال الإمام السرخسي من الأحناف  في قوله: "ثم الماء في الرحم ما لم يفسد فهو معد للحياة، فيجعل كالحي في إيجاب الضمان بإتلافه… وجناية الأب أغلظ من جناية الأجنبي لأنه انضم إلى تعمده القتل بغير حق وارتكابه ما هو محظور مع قطيعة الرحم"[60].

وإليه كذلك ذهب صاحب بدائع الصنائع في تعليل وجوب الغرة للجنين بقوله: "ولأن الجنين إذا كان حيا فقد فوت الضارب حياته، وتفويت الحياة قتل؛ وإن لم يكن حيّا فقد منع من حدوث الحياة فيه فيضمن… وسواء استبان خلقه أو بعض خلقه… وإن لم يستبن شيء من خلقه فلا شيء فيه لأنه ليس بجنين إنما هو مضغة"[61]. وهو المنقول عن الإمام المرغيناني الحنفي، فقد قال: "والجنين الذي استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام في جميع الأحكام؛ لأن بهذا القدر يتميز عن العلقة والدم، فكان نفسا، والله أعلم"[62].
إلا أن صاحب تكملة شرح فتح القدير يعارضه في كلامه الأول بقوله: "وليس بسديد؛ فإن تيقن كونه معدا للحياة ممنوع لجواز أن يفسد الماء في الرحم فحينئذ ينتفي استعداده للحياة"[63]. ومقتضى قول صاحب "تكملة شرح فتح القدير" هو جواز الإسقاط قبل نفخ الروح، ما لم يتخلق. وإليه كذلك ذهب ابن عابدين بعد إيراده أقوال الكثير من علماء الأحناف، قال ابن عابدين: "ولا يخفى أنها تأثم لو استبان خلقه ومات بفعلها"[64].


ومما نستخلصه من أقوال فقهاء المذاهب الأربعة أن:
الإجهاض بعد نفخ الروح لأي عذر من الأعذار محرم تحريم قاطع،  سوى عذر علاج الحامل للحفاظ على صحتها.
وأما قبل نفخ الروح فالمسألة فيها تفصيل وأراء بحسب المرحلة التي بها الجنين؛ فإن الإمام الغزالي وأئمة المذهب المالكي متفقون على تحريم الإجهاض مطلقا، أي منذ أن يكون نطفة إلى إلى مرحلة ماقبل نفخ الروح فيه، على أساس أن النطفة مستعدة لقبول الحياة، والجناية عليها  ممنوعة بأي حال من الأحوال؛ ففي أجهاض الجنين في مراحله الأولى تعدٍ على إنسانيته وحقه في الحياة، حتى أن الإمام الغزالي وصف إفساد إلتقاء النطفة مع البويضة بالجناية، وإفساد المضغة والعلقة جناية أفحش من سابقتها، وهكذا... وهو القول الذي ذهب إليه بعض أئمة الأحناف، مثل الإمام السرخسي.

أما الحنابلة والشافعية وبعض الفقهاء الحنفية فإنهم ذهبوا إلى أن منع التعدي على الجنين يكون من مرحلة المضغة فقط لا قبلها؛ لأنه لم يتصور بعد، وأما في المرحلة الثانية من المضغة، وإن ظهر تصور قليل فإن الراجح أنه لا يعد تعديا أو جناية، فأساس التعدي هو بدأ تخلق الجنين، وأما قبلها فإن المسألة مباحة، أي جواز إسقاط الجنين قبل الاثني والأربعين يوما، وهي " المرحلة التي يكون فيها الجنين وسطا بين الوجود الإنساني وخلافه"[65].

والحاصل من مناقشتنا لمختلف الأقوال هو اتفاق المذاهب الثلاثة خلافا للمذهب المالكي والإمام الغزالي في جواز إسقاط الجنين، وعدم وجوب الغرة على الجاني في المرحلة الأولى من مراحل تكون الجنين، حتى مرحلة المضغة، لأنها بداية التخلق، وتَكوُّن صورة الجنين؛ فعندها تحرم الجناية عليه بأي طريق، ولأي عذر؛ فالاعتبار في حرمة الإسقاط يعود إلى ظهور بعض معالم التخلق في الجنين غير الكامل، ثم نفخ الروح في الجنين كامل الخلقة، خلافا للمالكية والإمام الغزالي الذين ذهبوا إلى حرمة فعل الإسقاطبدءا من استقرار الماء في الرحم.


خامساً: آراء الفقهاء المعاصرين والأطباء في حكم الإجهاض

أولا:  آراء الفقهاء المعاصرين:
انقسم الفقهاء المعاصرون إلى فريقين : فريق يذهب إلى جواز الإسقاط في أي مرحلة قبل الـ (120) يوما (قبل نفخ الروح)، وفريق آخر يذهب إلى حرمة الإسقاط حين دخول النطفة الرحم واستقرارها فيه.

ومن أجل مناقشة آراء الفقهاء المعاصرين فإني سأورد أقوال من وجدت لهم كتبا في الموضوع، وإلا فإن آراء الفقهاء المعاصرين كثيرا ما ترد في المؤتمرات والندوات التي تعقد في هذا المجال، ومثال ذلك ندوة "الإنجاب في ضوء الإسلام" التي انعقدت بالكويت، 24/ مارس/ 1983، والتي جاء في توصيتها السابعة في "الإجهاض" قولها: "استعرضت الندوة آراء الفقهاء السابقين وما دلت عليه من فكر ثاقب ونظر سديد…وقد استأنست الندوة بمعطيات الحقائق العلمية الطبية المعاصرة، فخلصت إلى أن الجنين حي من بداية الحمل، وأن حياته محترمة في كافة أدوارها خاصة بعد نفخ الروح، وأنه لا يجوز العدوان عليها إلا للضرورة الطبية القصوى، وخالف بعض المشاركين فرأوا جوازه قبل تمام الأربعين يوما، وخاصة عند وجود الأعذار…"[66].

ومن الفريق غير المجيز للإجهاض قبل الأربعين، الدكتور محمد سلام مدكور الذي قال: "وقد أوردنا وجهة نظرنا من ترجيح القول بمنع الإجهاض قبل نفخ الروح وبعده ما لم يكن هناك عذر يقتضي ذلك"[67]، وإليه ذهب الدكتور وهبة الزحيلي في قوله: "وأرجح أيضا عدم جواز الإجهاض بمجرد بدء الحمل، لثبوت الحياة، وبدء تكون الجنين؛ إلا لضرورة كمرض عضال أو سارٍ؛ كالسل أو السرطان"[68].

وإلى الرأي نفسه ذهب الدكتور جميل بن مبارك، حيث قال: "والذي ينبغي المصير إليه في مسألة الإجهاض - والله أعلم- هو أنه إذا كانت هناك ضرورة تدعو إليه فيرخص فيه وإلا فلا. وهذا الحكم ينبغي أن يسري على المرحلتين معا قبل التخلق وبعده؛ لأن إسقاطه ولو في مرحلة ما قبل التخلق يعتبر تلاعبا وقطعا للطريق أمام الحمل مادام العزل ووسائل منع الحمل الأخرى مباحة"[69].

ومن الذين يجيزون الإجهاض قبل الأربعين، ما يفهم من قرار هيئة كبار علماء المملكة العربية السعودية في تجويزهم تنظيم النسل "تمشيا مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين"[70]. وما صرح به د/ البوطي " أن الحكم الراجح في مسألة الإجهاض هو جواز إسقاط المرأة حملها إذا لم يكن قد مضى على الحمل أربعون يوما"[71].

وما ورد عن عبد الكريم زيدان تعليقا على آراء فقهاء المذهب الحنفي قوله" وواضح من هذا أن الإجهاض قبل مضي أربعة أشهر على الحمل لضرورات العلاج يعتبر إجهاضا بعذر مشروع"[72]؛ أي أنه قرن بين إباحة الإجهاض وبين حالة العلاج للمرأة الحامل المريضة، فيعتبر المرض من الأعذار المبيحة للإجهاض قبل نفخ الروح.

ثانيا: آراء بعض الأطباء المسلمين في الإجهاض:
الذي يفهم من أقوال بعض الفقهاء عموما أن الإجهاض يجوز قبل تخلق الجنين؛ أي ما قبل مرحلة المضغة، وتفهم هذه الإباحة من عدم إيجاب الغرة على الجاني أو الحامل التي تعمدت إسقاط جنينها. إلا أن الأطباء المسلمين ورغم هذه الإباحة، لا يرون أي مسوغ يدعو الحامل للتخلص من جنينها لأي سبب تراه، بحجة أن الروح لم تنفخ فيه بعد، أو أن خلقه لم يظهر.

وفي هذا يقول الطبيب زياد التميمي: "يحمل عدد غير قليل من العامة وعدد لا بأس به من المثقفين فكرة لا أصل لها ولا يؤيدها منطق، وهي أن الجنين لا روح له ولا أهمية لحياته قبل ثلاثة أو أربعة أشهر، وقد يشتط البعض في فكرته إلى درجة الاعتقاد أن لا إثم ولا بأس من إسقاط الجنين خلال هذه الفترة أو قبلها! ونقول عن هذا الفهم أنه خاطئ لأسباب؛ منها أن الروح التي هي أساس الحياة موجودة في هذا المخلوق منذ تكونت النطفة الأمشاج…فإذا حرم من حق الحياة وأُنهيت حياته التي منحه الله إياها، فإن ذلك اعتداء على حياة، واعتداء على حق الخالق الذي يعطي ويأخذ"[73].

وفي المسألة نفسها نقل د/ القرضاوي رأيا لأحد الأطباء تعليقا على أقوال من أجاز من الفقهاء إسقاط الجنين قبل نفخ الروح: إن هذا الحكم من هؤلاء العلماء مبني على معارف زمانهم. ولو عرف هؤلاء ما عرفنا من حقائق علم الأجنة اليوم عن هذا الكائن الحي المتميز، الذي يحمل خصائص أبويه وأسرته وفصيلته ونوعه، لغيروا حكمهم وفتواهم، تبعا لتغير العلة، فإن الحكم يدور علته وجودا وعدما"[74].

ويذهب د/ محمد علي البار إلى أنه " ينبغي على من يعملون بالمهنة الطبية أن ينتبهوا إلى هذه النقطة وعليهم إذا اضطروا لإجراء الإجهاض أن يحرصوا على أن يكون في الفترة التي تسبق نفخ الروح (120 يوما ) إلا في حالة واحدة وهي تعرض حياة الأم للخطر"[75]، وهو ما سنناقشه بالتفصيل لاحقا.



سادساً: مسوغات إباحة الإجهاض وحكم إجهاض الجنين المشوه أوالناتج عن الاغتصاب أو زنا المحارم

أولا: مسوغات الإجهاض عند الفقهاء والأطباء والناس عموما:

1-مسوغات الإباحة قبل نفخ الروح:
بعد التطرق سابقا لآراء الفقهاء القدامى والمعاصرين، وجدنا أن رأي الفريق المبيح للإجهاض قبل الأربعين يوما، تسوغه أعذار ومبررات، مثل :
◄    الخوف على صحة الأم.
◄    ضيق ذات اليد عن النفقات التي تستتبعها الولادة وتربية الولد.
◄    الحاجة إلى سفر ضروري يكون فيه نمو الحمل ثم الولادة عائقا، كما لو كان لأجل دراسة أو لأعمال تستدعي تنقل الزوجين[76].  كما يذهب لذلك الشيخ الزرقا- رحمه الله-

◄    الأم الحامل المصابة بعدوى الإيدز[77].كما ترى الندوة الفقهية الطبية السابعة.
غير أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاوى ترى أنه :" لا يجوز إسقاط الحمل للخشية من الإصابة بالإيدز؛ لأن احتمال إصابته بعدوى فيروس الإيدز لايسوغ إسقاطه"[78].
وهو الرأي نفسه الذي يذهب إليه الطبيب: أحمدكنعان استشاري طب الأسرة والمجتمع ، إذ يقول:" بما أن احتمال إصابة الجنين بالعدوى من أمه المصابة بالأيدز لا يزيد عن 30% ؛لأن تعاطي الحامل لبعض الأدوية المضادة يقلل من احتمال إصابة جنينها،ولأن بعض الأطفال الذين كانوا إيجابيين يتحولون إلى سلبيين فيما بعد، فإننا لا نرى مبررا شرعيا لإجهاض الطفل الذي لديه إيجابية للايدز"[79].

◄    أما فتاوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، رقم 140 وتاريخ 20/6/1407هـ فإنها فصّلت ضوابط هذه المبررات بما يأتي:" إن كان الحمل في الطور الأول وهي مدة الأربعين، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر متوقع، جاز إسقاطه، أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية أولاد أو خوفا من العجز عن تكاليف معيشتهم أو تعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء بما لدى الزوجين من أولاد فغير جائز"[80].


ومما تقدم يطرح سؤال مفاده :ماحكم إجهاض الجنين المشوه في وقتنا الحاضر؟
وهل يجوز الإجهاض قبل الأربعين أيضا للفتيات الحوامل من زنا المحارم أو المغتصبات  خاصة في أوقات الحروب ؟  وهل يجوز للزانية أن تستفيد من الرخصة في إجهاض حملها قبل مرور أربعين يوما؟ وهل لمسألة الإباحة قبل الأربعين يوما شروطٌ معتبرة مضبوطة، أو أنها إباحة مطلقة تكون حجة للزانيات اللواتي يحملن من سفاح، أو النساء المتزوجات اللاتي لا يرغبن في الحمل الذي ظهر، فتكون أقوال الفقهاء حجة لهن، في إسقاط الحمل في الشهر الأول بعد ظهور بوادر الحمل؟‍‍
أليس الأولى أن يغلق هذا الباب سدا لذريعة انتشار الفساد والسفاح والزنا، وسهولة قتل وإجهاض الجنين الذي نسل من طريق الفاحشة؟ "فإن إباحة الإجهاض سوف تكون ذريعة لنشر الفساد، وما أكثر ما يستغل غير أصحاب المروءات والدين هذه الثغرة"[81].

أولا: حكم إجهاض الجنين المشوه:
 اختلف الفقهاء وقبلهم الأطباء في إباحة إسقاط حمل شابه الاحتمال في أنه يحمل تشوها خلقيا ، أو إصابة بمرض وراثي قاتل، وهذه بعض آرائهم:

◄    في هذا الأمر يؤكد الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق، عليه رحمة الله، أنه "بهذا الاعتبار، ومتى أخذ الجنين خصائص الإنسان وصار نفسا من الأنفس التي حرم الله قتلها، حرم قتله بالإجهاض بأية وسيلة من الوسائل المؤدية إلى نزوله من بطن أمه، فلم تكن العيوب التي تكتشف بالجنين مبررا شرعيا لإجهاضه أيا كانت درجة هذه العيوب"[82] .

◄    غير أن الأمر فيه تفصيل من قبل باحثين وفقهاء آخرين؛ حيث إن "الإجهاض قبل استكمال الجنين مئة وعشرين يوما رحميا يجوز عند الضرورة التي عبر عنها الفقهاء بالعذر… والمعيار هنا أن يثبت علميا وواقعيا خطورة ما بالجنين من عيوب وراثية، وأن هذه العيوب تدخل في النطاق المرضي الذي لا شفاء منه، وأنها تنتقل منه إلى الذرية.. أما العيوب الجسدية والتي من الممكن أن تتلاءم معها الحياة العادية، فلا تعتبر عذرا شرعيا مبيحا للإجهاض"[83].

◄    فيجوز الإجهاض قبل الأربعين عند ثبوت أن الجنين مصاب بتشوهات خلقية، إذ أفتى المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته (12) سنة1410هـ/ 1990م، بجواز إجهاض الجنين المشوه تشويها شديدا، بشرط أن يكون ذلك بقرار لجنة من الأطباء المختصين، وأن يكون قبل مرور(120) يوما، وهو أيضا رأي الشيخ القرضاوي[84].

◄    في حين أن الدكتور شبير، واستنادا لآراء الأطباء الذين استشارهم، يرى أن الأمراض الوراثية في الجنين لا تعتبر عذرا شرعيا للإجهاض قبل نفخ الروح؛ لأنه لا يمكن اكتشافها، والتعرف عليها لا يكون قبل الأسبوع الثامن من العلوق[85].

◄    كما يؤكد البعض الآخر من الأطباء أن الجنين إذا كان به شذوذ صبغي (كروموزومي) فإنه سيسقط من تلقاء نفسه، إذ يقول الدكتور حسن حسن أن :" 30% من حالات الحمل تنتهي بالإسقاط، والأسباب متعددة، وأهمها وأكثرها شيوعا الشذوذ لدى الجنين، يليه العلوق غير المناسب"[86]. ويقول في موضع آخر" ففي بعض الحالات يعود السبب إلى حادث صبغي (جيني، موروثي) يسبب خللا لدى الجنين"[87].

◄    وتروي الطبيبة سامية محمد عبد الرحمن العمودي، استشارية نساء وتوليد وعقم وأطفال أنابيب قصة تقول فيها :" أورد مثالا حقيقيا لقصة عايشنا أحداثها مع أحد الأساتذة الأفاضل.. لسيدة حامل سبق وأن حملت مرتين، وفي كل مرة ينتهي الحمل بولادة طفل مصاب بتشوه خلقي "استسقاء بالدماغ" أو Hydrocephalus وتتطلب ولادتها إجراء عملية قيصرية نظرا لوضع الجنين وكبر حجم الرأس... ومعروف طبيا أن ولادة طفل سابق بهذا التشوه تزيد احتمالات ولادة جنين مصاب بنفس التشوه مرة أخرى.. السيدة هذه فكرت في الإجهاض كحل لمشكلتها...لكن حديث الطبيب إليها عن الاحتساب وعظم الأجر والثواب مقابل هذا الابتلاء أثار في قلبها وقلب زوجها نوازع إيمانية لطلب الأجر عنده تعالى فعدلت عن قرارها، ورفضت حتى أن تقوم بمتابعة تطورات حالة الجنين بجهاز الأمواج الفوق الصوتيه حتى لا تمر بالمعاناة ذاتها كما سبق...وعند قيامهم بإجراء القيصرية في هذه المرة فوجيء الطبيب وكل من حضر العملية بولادة طفل سليم مكتمل خال من أي تشوهات.. مما يجعلنا نرى قبسا من رحمة الله وسعة فضله.. {...إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}...وهل هناك أعظم من زوج وزوجة أخذا أجر الاحتساب في الآخرة وزادهما الله من فضله بنعمة البنين في الحياة الدنيا!"[88].

ثانيا: حكم الإجهاض في حالة الزنا
الحقيقة أن الفقهاء لم يهتموا بالتفاصيل المتعلقة بالحمل أثناء تطرقهم للمسألة، فلم يفرقوا بين الحمل الناشئ من زواج صحيح، والحمل الناشئ من زنا، إلا أن كثيرا من الدلائل التي أوردتها تحرم الإجهاض الناشئ من زنا، سواء نفخت فيه الروح أو لم تنفخ؛ وذلك لاعتبارات كثيرة أهمها:

أن الزنا عموما، هو علاقة تجمع بين الرجل والمرأة يتحقق بها قضاء الشهوة من دون اللجوء إلى عقد أو إشهاد أو وجوب حضور ولي. فيُلجأ إليه قضاء للشهوة، ورغبة في الابتعاد عن إنجاب نسل وولد يبحث عمن ينتسب له، وهو الأمر الذي حرمّه الشارع الحكيم، ناهيك عما قد تبادر الزانية إلى فعله بحملها، وهو ثمرة جريمة الزنا؛ فقد تجهضه وتسقطه وهو جنين، وقد لا تتوانى بعد أن تركته يخرج للحياة  بقتله أمام ناظريها، وهو وليد، أو خاتمة المخارج إلقاؤها به في العراء خوف الفضيحة، وهربا من تهمة الفاحشة.
وفي كل الأحوال، فإن كل مخرج هو قتل بعينه. فليس القتل الأول بأهون من الثاني ، ولا القتل الثالث أيسر على الجنين من الثاني وهكذا. وهذا هو القتل المادي، وهو الغالب الحدوث مع الزانية؛ حيث لا تراعي مطلقا حق الوليد في الحياة، بل إن في محاولتها قتله رغبة في التخلص من جريمة الزنا وثمرتها، ولكن هذا الاعتقاد تبطله الشريعة الإسلامية بقوله تعالى :{...وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى...} (الإسراء: 16).

كما أن الشريعة الإسلامية قضت بأمر آخر، في حرصها على حياة الوليد الذي لم يجن أية جناية حتى نبيح قتله أو إجهاضه؛ بل إن أمه هي الجانية وعليها يقام الحد، ولكن ترجأ إقامة الحد على الأم وهي الزانية، لا لأجلها بل لأجل حملها، إذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للغامدية بعد أن ثبت في حقها الحد:"اذهبي حتى تضعي، فلما وضعته جاءته، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اذهبي حتى ترضعيه، فلما أرضعته جاءته فقال اذهبي فاستودعيه، فاستودعته ثم جاءت فأمر بها فرُجمت"[89].

والإسلام في تحريمه للزنا، وتشديده العقوبة فيها بين حدّ وتعزير[90]، يبتغي تهذيب النفس الإنسانية بأن يسير بها في طريق الفضيلة والعفة، مراعيا في الوقت نفسه الفطرة البشرية في قضاء شهواتها؛ بأن نظمها داخل إطار الزواج، فإذا كان الزوجان لا يريدان الولد فبإمكانهما استعمال موانع الحمل لا الإجهاض وسيلة للتخلص من الحمل، فما بالك إذا كان لإجهاض جنين متخلق من واقعة زنا!

ثالثا: حكم الإجهاض في حالة الاغتصاب وزنا المحارم
يختلف الاغتصاب عن الزنا في أنه مواقعة رجل لامرأة دون رضاها خارج إطار الزواج، باستعمال القوة والعنف ووسائل التهديد، والخداع، وكل ما لا يمكن مقاومته من طرف المرأة[91].
كما أن زنا المحارم في حقيقته اغتصاب لأنه يقع دون رضا البنت أو تحت إكراه أحد أقربائها من المحارم، وبالتالي فإن حكمه من حكم الاغتصاب.
ونقطة الخلاف بين الزنا وزنا المحارم أوالاغتصاب تكمن في عدم إقامة الحد على المرأة أو البنت المكرهة،كما يرى عامة الفقهاء؛ حيث أنهم فصلوا القول في عدم إيقاع الحد على المرأة المكرهة بخلاف موُقع الإكراه (الزاني)، وإيجاب المهر عليه على خلاف بين الفقهاء[92].

أما الولد أو الحمل الذي تحمله المكرهة فهو ابن سفاح مثله مثل ابن الزنا، كما ورد عند ابن قدامة في قوله: "ولا يلحق نسبه بالواطئ، لأنه من زنا"[93].

 وفي الحقيقة إن مسألتي الاغتصاب وزنا المحارم من المسائل النادرة في ظل المجتمع الإسلامي، أما في العصر الحاضر وفي ظل تعسر طرق الزواج، فإنهما أصبحتا منتشرتين، وقلما تخلو منهما صفحات الجرائم والأحداث في الجرائد اليومية، وهذا أيضا يمكن التسليم به على مضض.

 وأما الذي يحدث في الدول المسلمة المحتلة فإن الخطب فيها أعظم؛ حيث إن اغتصاب النساء المسلمات في البوسنة مثلا، والشيشان، وكوسوفا، والعراق، وأفغانستان، وغيرها من هذه البلاد، يكون جماعيا؛ "فقد أشارت التقارير الواردة عن الأمم المتحدة أنه ينتظر خلال الفترة المقبلة ولادة ما يقارب عشرة آلاف طفل سفاح في كوسوفا"[94]، ومعنى هذا أن العدد يمكن مضاعفته عشرات المرات للحالات غير المسجلة.

وهنا تطرح مجموعة من الأسئلة نفسها بقوة، وهي:
 من سيقوم برعاية كل هؤلاء اللقطاء؟ وكيف يمكن لدول أن تقوم مستقبلا على جيل سفاح؟
وهل الأولى إباحة إسقاط وإجهاض الجنين الناشئ من الاغتصاب وزنا المحارم حتى لا يكثر اللقطاء، ولا تبقى ثمرة الجناية تؤرق أمه المغتصبة طوال حياتها لذنب لم تجنه هي أو هو ؟!
وهل يمكن لامرأة أن تربي ابنها من أخيها أو أبيها أو عمها؟!
وكيف سيكون الوضع الأسري تجاه هذه الحادثة التي تبقى ثمرتها شاهدا عليها طوال الحياة؟
وهل يمكن الاستفادة من نقطة الخلاف أيضا في إباحة إجهاض المرأة المغتصبة للجنين التي تحمله ثمرة اغتصاب أو زنا محرم ، وثمرة جريمة لم ترتكبها هي؟ وهي المسألة التي لم يناقشها فقهاؤنا الأجلاء .

 أفتى المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر[95]، والدكتور رواس قلعة جي[96]، بأنه :" يترجح أن إباحة إجهاض جنين الاغتصاب أو زنا محرم في مرحلة ما قبل نفخ الروح يعد من المسوغات المعتبرة، بشرط أن يتم التحقق من حالة الاغتصاب، وذلك بتسجيلها لدى الشرطة أو أية جهة معنية؛ وحتى لا تتخذ الزانية هذه الإباحة عذرا وتدعي أنها مغتصبة".

وإلى الرأي نفسه ذهب الدكتور يوسف القرضاوي في قوله:
" كلما كان العذر أقوى كانت الرخصة أظهر، وكلما كان ذلك قبل الأربعين الأولى كان أقرب إلى الرخصة. ولا ريب أن الاغتصاب من عدو كافر فاجر، معتد أثيم لمسلمة عذراء طاهرة، عذر قوي لدى المسلمة ولدى أهلها، وهي تكره هذا الجنين - ثمرة الاعتداء الغشوم - وتريد التخلص منه.فهذه رخصة يفتى بها للضرورة التي تقدر بقدرها.
ومن ثم تكون الرخصة مقيدة بحالة العذر المعتبر الذي يقدره أهل الرأي من الشرعيين والأطباء، والعقلاء من الناس، وما عدا ذلك يبقى على أصل المنع.
على أن من حق المسلمة التي ابتليت بهذه المصيبة في نفسها، أن تحتفظ بهذا الجنين، ولا حرج عليها شرعًا، كما ذكرت، ولا تجبر على إسقاطه"[97].

مسوغات إباحة الإجهاض بعد نفخ الروح:
اختلف الفقهاء والأطباء في مسألة تجويز الإجهاض بعد نفخ الروح بين فريق مانع بإطلاق وبين فريق مجيز عند توفر دواعٍ ومبررات، استنادا لقواعد وشروط " الضرورة"، فحقيقة أن "الضرورات تبيح المحظورات"، ولكن في الوقت نفسه"الضرورة تقدر بقدرها"، ومنه كذلك إعمال قواعد" الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف"، و"يختار أهون الشرين"؛ و"يدفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما". وأيضا قاعدة: "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما".

وأما شروط اعتبار أمر ما ضرورة فهي :
 المسائل التي يجب التأكد من تحققها ووقوعها، لا التوهم بذلك فقط، فلا عبرة للتوهم في الفقه الإسلامي، والتي تظهر في الآتي:
1-أن تكون أسباب الضرورة قائمة أو على وشك الوقوع، أي أن غالب الظن وقوعها.
2-أن تكون نتائج الضرورة أيضا يقينية.
3-أن تكون المصلحة المستفادة من إباحة المحظور بسبب هذه الضرورة أعظم أهمية في ميزان الشرع من المصلحة المستفادة من تجنب المحظور.
4-أن يتعين أن هذا المحظور هو الوسيلة الوحيدة التي يندفع بها الضرر[98].
وأغلب الباحثين رأوا أن الضرورة القصوى هنا هي علاج الأم الحامل، أو الحفاظ على حياة الأم من الحمل لأنه يسبب لها خطرا، ومنهم من أضاف لها إصابة الجنين بتشوهات خطيرة، لا يمكن معها أن يعيش المولود حياة طبيعية بل حياة عذاب!؟

فهل حقيقة تتحقق عناصر الضرورة وشروطها المشار إليها؟  وللإجابة عن هذا السؤال نستعرض  آراء بعض الفقهاء في المسألة ونوضح المقصود:
1-     قال شيخ الأزهر السابق شلتوت:" إذا ثبت من طريق موثوق به أن بقاء الجنين بعد تحقق حياته يؤدي لا محالة إلى موت الأم، فإن الشريعة بقواعدها العامة تأمرنا بارتكاب أخف الضررين، فإن في بقائه موت الأم، وكان لا منقذ لها سوى إسقاطه في تلك الحالة متعينا، ولا يضحى بها في سبيل إنقاذه؛ لأنها أصله وقد استقرت حياتها".

2-     وفي مسألة الجنين المتوقع أن يكون مشوها، يقول الشيخ القرضاوي:" والراجح أن الجنين بعد استكمال أربعة أشهر إنسان حي كامل، فالجناية عليه كالجناية على طفل مولود. ومن لطف الله أن الجنين المصاب بتشوهات خطيرة لا يعيش بعد الولادة، في العادة، كما هو مشاهد، وكما قال أهل الاختصاص أنفسهم"[99].

3-     ويقول الشيخ شبير:" فلا يجوز الإجهاض بعد الأربعين إلا في حالة الضرورة القصوى: ومثل الفقهاء لذلك بأن تتعرض حياة الأم للخطر بسبب استمرار الحمل، كما في حالة تسمم الجنين"[100]؛ وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار[101].

4-     وترى اللجنة العلمية للموسوعة الفقهية التي أصدرتها وزارة الأوقاف في الكويت أن " الحفاظ على حياة الأم إذا كان في بقاء الجنين في بطنها خطر عليها أولى بالاعتبار؛ لأنها الأصل وحياتها ثابتة بيقين"[102].

وأما في رأي الأطباء ومع واحد منهم وهو الدكتور محمد علي البار يضربالذي مثالا لهذه الحالة، رغم أنه ينفي وبشدة الضرورة العلاجية التي تبيح الإجهاض بعد نفخ الروح؛ لأنها حالات نادرة في ظل التقدم الطبي، فيقول:" ولا أعلم أن هناك من الأمراض ما يجعل هلاك الأم محققا إذا استمرت في الحمل... إلا حالة واحدة هي تسمم الحمل... ونتيجة للتقدم الطبي الهائل فإن قتل الجنين لإنقاذ الأم يصبح لغوا لا حاجة له في أغلب الحالات المرضية"[103].

وهنا يجب التنبه إلى نقطة خطيرة ومهمة، وهي أن الحالات المرضية المعنية أصبحت قليلة جدا.. ففي السنوات الماضية تطور الطب العلاجي وأصبح بالإمكان علاج كثير من الأمراض المستعصية، والتي كانت تؤدي إلى الوفاة...ومثال على ذلك إصابة المرأة الحامل بداء القلب ...وكانت أمراض القلب من أسباب وفيات الأمهات، وبتقدم العلم و الطب أصبح بالإمكان إجراء بعض التدخلات الجراحية أثناء فترة الحمل مثل جراحات القلب المفتوح وتوسيع الصمامات، إلا أن هناك حالات معينه يصعب علاجها، ومعروف أنها تحمل معدل وفيات عالٍ بين الأمهات؛ وعلى سبيل المثال، ارتفاع الضغط الرئوي الأولي Primary Pulmonary Hypertension[104].

كما أن الدكتور البار قد نقل أيضا الرأي نفسه لباحثين غربيين هما: Hawkins & Elders في كتابهما" Human Fertility Medicine " قولهما:" إن إنقاذ حياة الحامل بواسطة الإجهاض أمر شديد الندرة.. وإذا كانت الأم راغبة في إتمام الحمل فلا يكاد يوجد مرض واحد يوجب الإجهاض من أجل إنقاذ حياتها"[105].


سابعاً: الحكم العام للإجهاض في المنظورالمقاصدي:
 يتردد حكم الإجهاض عند الفقهاء – كما سبق تفصيله- بين التحريم المطلق، وبين الإباحة حتى مرحلة نفخ الروح، آخذين بعين الاعتبار مسألتي : بدء التخلق، ونفخ الروح. وهنا يوجه سؤال للفريق المبيح: أي مقصد يحققه الإجهاض؟ وما الداعي لذلك؟ وباستثناء الضرورة العلاجية، ألا يعد الإجهاض ذريعة لهدم إحدى مقاصد الشريعة الخمس، ألا وهي كلية النسل، هذه الكلية ذات الصلة الوثقى بالحفاظ على الجنس البشري وبقاء نوعه بالتناسل والتكاثر، وهو أمر لامناص منه لاستمرار النوع البشري وبقاء الإنسان وذريته، وقيامهم بالوظيفة المنوطة بهم في تحقيق الاستخلاف، فلا ينقطع لهم نسل ولا ينقرض لهم نوع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وينقطع التكليف.

وهل الإجهاض وسيلة يُحفظ بها النسل في حال كون الحمل غير مرغوب فيه؟ أم أنه وسيلة لحفظ النسل حال التيقن من تشوه الجنين فقط؟ وهل يمكن أن نعده أحد وسائل حفظ كلية النسل عموما؟
وبين هذا وذاك، أليس الإجهاض تعدٍ على حق الجنين في الحياة التي أكرمه بها الخالق البارئ؟ أليس هذا تعدٍ على حق الله تعالى وعلى أوامره ونواهيه؟
أيمكن لمقاصد المكلف أن تطغى على مقاصد الشارع، والأصل أن "قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقا لقصده في التشريع"[106]؟

بين هذا السؤال وذاك يجدر أن يُعالج موضوع" الإجهاض" في الإطار المقاصدي، بغرض معرفة موقع "الإجهاض" بأنواعه، بين حفظ مقاصد الشارع الحكيم وحفظ مقاصد المكلف، وأيهما أولى بالاعتبار:

أولا:  الإجهاض التلقائي بين حفظ مقاصد الشارع ومقاصد المكلف
جاء في حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"[107]؛ أي أن إثم الخطأ والنسيان والإكراه مرفوع عن المكلف في كل الأفعال، والإجهاض التلقائي هو الذي يقع دون إرادة أي فاعل؛ فهو إجهاض عفوي، يحدث للمرأة دون أي تدخل منها كما عرفنا. فلا حرج ولا إثم فيه، لأنه لا نية للمرأة، وهي المكلف، في معارضة قصد الشارع سبحانه وتعالى في منع اكتمال الحمل أو إسقاطه .

ثانيا:  الإجهاض العلاجي بين حفظ مقاصد الشارع ومقاصد المكلف:
رأينا أن الإجهاض العلاجي محكوم بقاعدة الضرورة وتوابعها[108]، عندما نريد إجراء إجهاض لإنقاذ الأم من خطر يهدد حياتها أو صحتها. ومحكوم أيضا بقاعدة الترجيح بين المقاصد الشرعية الضرورية؛ فيدخل في مرتبة الترجيح بين حفظ النفس وحفظ النسل وأيهما يقدم على الآخر. وباعتبار أن الأم هي الأصل والجنين فرع منها؛ فإن الراجح هو اعتبار حياة الأصل، وتهدر حياة الفرع مقابلها. وهو القول الذي ذهب إليه الفقهاء في استنادهم على آراء الأطباء، كما سبق ذكره[109].

وهو الأمر نفسه مع  الإجهاض المراد إيقاعه على الجنين المشوه، أو المريض مرضا وراثيا قاتلا، فهنا تطبق قاعدة الترجيح بين حفظ النفس ، وحفظ النسل، وأيهما يقدم؟
هل يقدم مقصد حفظ نفس ( الجنين ) مهما كان مرضه؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول:{وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ...} ( الإسراء: 33)، "ومفاد ذلك أنه إذا حرم الاعتداء على الإنسان، حرم الاعتداء على أصله وهو الجنين، في كافة مراحل تكوينه"[110]، لحرمة القتل بغير حق عدا حق القصاص وغيره.

أم يقدم مقصد حفظ النسل لأن عدم إجهاضه يحقق إيجاد نسل مشوه لا فائدة ترجى من شفائه، ولا فائدة من وجود هذا النسل الذي لا يتحقق به المقصد الكلي؟
والأصل في هذا الترجيح أنه واقع بين مقصد كلي وهو كلية النسل،ِّ ووسيلة مرسلة هي الإجهاض، فلم يرد في النصوص الشرعية أنه وسيلة يراد بها حفظ النسل من جانب الوجود أو العدم.

والمقصد أيضا هو حفظ النفس من الاعتداء عليها، والوسيلة هي الإجهاض، وهي وسيلة أريد بها حفظ نفس ونسل، غير أن الحفظ بهذه الوسيلة محتمل الإفضاء للمقصد المتعين، ومن ثم فإن القول بأن الإجهاض وسيلة مشروعة لمجرد الاحتمال ليس بالأمر السهل. وإذا كان الإجهاض وسيلة لحفظ النسل عند التيقن من تشوه الجنين وعدم حياته بسبب هذا التشوه، فإنه وفي الوقت نفسه وسيلة هادمة لمقصد حفظ النفس. وبين النفس والنسل تترجح كلية النفس في الحفظ على النسل، وفي حالة ثبوت مرض الجنين، فإنه لا يجوز إسقاطه؛ لأن الإجهاض يأخذ حكم قتل الجنين، وفي قتله يأس من رحمة الله، وذلك يأخذ حكم "قتل الرحمة" أو "تيسير الموت" غير الجائز في الشريعة الإسلامية أصالة (وهذا بحث آخر ليس هنا مجاله).

ثالثا:الإجهاض الجنائي بين حفظ مقاصد الشارع ومقاصد المكلف
وأما الإجهاض الجنائي الذي يقع بدوافع الفقر أو الجاه، فإنه خارج عن نطاقي الخطأ والضرورة. ويضاف له من الأسباب الحادثة  التخلص من ثمرة الزنا أو الاغتصاب، والتخلص من الجنين الأنثى بعدما أمكن للطب تحديد جنس الجنين. ولذلك فهو مخالف لقصد الشارع؛ ذلك بأن قصد المكلف هنا قصد غير شرعي، إضافة إلى أنه يؤدي إلى القضاء على النسل، وهو أحد مقاصد الشريعة المعتبرة.

ولهذا فإن ما يمكن أن نختم به هذه الورقة هو أن الإجهاض أصالةً وسيلة غير شرعية- إلا في حالات الضرورة السابقة الذكر-  ولا يمكن التوسل به لحفظ مقصد شرعي في الحفاظ على كلية النسل، بل هو ذريعة يتوسل بها إلى مقصود محرم وهو قتل نفس بشرية، والتعدي على منحة الحياة التي منحها المولى تبارك وتعالى للجنين، وهذا في حدّ ذاته تعدٍ على المولى تبارك وتعالى .

والنتيجة الأخيرة أنه لا يمكن قبول الإجهاض إلا تحت قاعدتي الخطأ والضرورة، بشروطهما المحققة من قبل الفقهاء والأطباء الموثوق بهم.

الهوامش والمراجع
_____________
[1]- ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص5.
[2] -عبد العال، إسماعيل سالم: البحث الفقهي طبيعته وخصائصه وأصوله، ط1، (مكتبة الزهراء، 1992م)، ص10.
[3] - الشاطبي، الموافقات، ج2/ ص60.
[4] - زوزو، فريدة صادق: البعد المقاصدي في فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأثره في المذهب المالكي، رسالة ماجستير غير منشورة، (الجزائر، المعهد الوطني العالي للعلوم الإسلامية باتنة، 1997)، ص173.
[5]  - زوزو، فريدة صادق، النسل: دارسة مقاصدية في وسائل حفظه على ضوء تحديات الفقه المعاصر، رسالة دكتوراه، الجامعة الإسلامية العالمية، 2002م، ص57.
[6] - ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر: إعلام الموقعين، ترتيب: محمد عبد السلام إبراهيم، ط1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1991م)، ج3/ ص126.
[7]- ابن القيم، إعلام الموقعين، ج3/ ص108، 130.
[8]- القرافي، شهاب الدين: الفروق، (بيروت: عالم الكتب)، ج2/ ص33؛ القرافي، شهاب الدين: شرح تنقيح الفصول، ط2، (مصر: دار عطوة للطباعة، 1992م)، ص439.
[9] - الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير، صيدا: المكتبة العصرية، ط2، 1418هـ/ 1997م، ص62.
[10] - الخولي، محمد عبد الوهاب، المسؤولية الجنائية للأطباء عن استخدام الأساليب المستحدثة في الطب والجراحة،دراسة مقارنة، ط1/ 1997م، ص106.
[11] -  الخولي، ، المسؤولية الجنائية للأطباء، ص106.
[12] - رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب:6، رقم:3208،صحيح الباري مع فتح الباري، ج6/ ص 365.
[13] - ابن رجب، جامع العلوم والحكم، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، إبراهيم باجس، بيروت: مؤسسة الرسالة ناشرون، ط7/ 1422هـ- 2001م، ج1/ ص 156.
[14] - الزنداني، عبد المجيد، أطوار الجنين ونفخ الروح،الإسلام اليوم :19/5/ 2002. ص2http://islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=74&artid=942
[15] - الصاوي ، أطوار الجنين ونفخ الروح، الإسلام اليوم:19/5/ 2002. ص3.http://islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=74&artid=942 ؛ البار، الوجيز في علم الأجنة القرآني، الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط1/ 1985م، ص10.
[16] -  العلقة: دودة تعيش في الماء، وتتغذى على دماء الحيوانات التي ترد البرك للشرب، فتعلق في حلقها.
[17] - البار، الوجيز، ص 29؛ الصاوي ، أطوار الجنين ونفخ الروح، ص3؛ الجاعوني، تاج الدين محمود، الإنسان هذا الكائن العجيب، ط1/ 1993م، ج1/ ص131.
[18] - الصاوي ، أطوار الجنين ونفخ الروح، ص4؛ البار، الوجيز، ص37؛ الجاعوني، الإنسان، ج1/ ص132؛ السباعي، الإجهاض بين الفقه والطب والقانون، ص 37.
[19] Hassan Hathout, Induced Abortion,V2, P313. (Islam & Family Planning)
[20] - ابن عاشور، التحرير والتنوير، 1997م، تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع، ج18/ ص24.
[21] - المصدرنفسه والصفحة نفسها.
[22] - الزنداني، أطوار الجنين ونفخ الروح، ص3؛ البار، الوجيز، ص134.
[23] - الصاوي، أطوار الجنين ونفخ الروح، ص5
[24] - الألولسي، شهاب الدين، روح المعاني، ط4، 1405هـ/ 1985م، بيروت: دار إحياء التراث العربي، ج18/ص14-15.
[25] - إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، استانبول: دار الدعوة ج1/ 143. مادة : جهض.
[26] - الفيومي، المصباح المنير، ص62.
[27] - الموسوعة الفقهية، ص 56، مادة: إجهاض.
[28] - الصمعاني، يوسف بن عبد الله، "الإجهاض حكمه، وعلاقته بنفخ الروح"، الإسلام اليوم، 19-5- 2002م. http://islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=74&artid=1073
[29] - شبير، محمد عثمان، موقف الإسلام من الأمراض الوراثية، بحث في كتاب" دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة"، ط1/ 2001م، عمان: دار النفائس، ج1/ ص341.
[30] - http://www.muslimdoctor.org/article.php?op=Print&sid=31
[31] - خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ط11/ 1420هـ- 1999م، جدة: الدار السعودية للنشر والتوزيع، ص425.
[32] - اليوت فيليب، العقم: أسبابه وطرق علاجه، ترجمة: د/ الفاضل العبيد عمر، ط3، 1403هـ/ 1989م، ص165.
[33] http://www.muslimdoctor.org/article.php?op=Print&sid=31
[34] - التميمي، زياد (رئيس قسم الأطفال بمستشفى الرس- السعودية ): "الأجنة البريئة ... لا روح فيها فكرة خاطئة"، المجتمع، العدد 1150، 23-5-1995، ص 62؛ البار، محمد علي،  مشكلة الإجهاض دراسة طبية فقهية، ط1، (جدة: الدار السعودية للنشر، 1985م)، ص 12 وما بعدها؛ السباعي، الطبيب محمد سيف الدين: الإجهاض بين الفقه والطب والقانون، ط1، ( بيروت/ دمشق: دار الكتب العربية، 1977)، ص 69 وما بعدها؛ اليوت فيليب، العقم، ص 169.
[35] - Marjory Spray Car (Editor): Stedman's Medical Dictionary, 26thEdition, (Baltimore: Williams &Wilkins, 1995), p. 4; Richard J. Wagman: The New Complete Medical and Health Encyclopedia, (Chicago: J. G Ferguson Publishing Company, 1990), V1/pp. 246-249. البار، خلق الإنسان، ص 430-436
[36] - المراجع السابقة نفسها.
[37] - ياسين، محمد نعيم، أبحاث في قضايا طبية معاصرة، عمان: دار النفائس، ط3/ 1421هـ- 2000م، ص 57.
[38]  - ابن جزي، القوانين الفقهية، ط1، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1409هـ/1989م)، ص341 .
[39] - النووي، يحي بن شرف: روضة الطالبين، إشراف: زهير الشاويش، ط3، ( بيروت: المكتب الإسلامي، 1991)، ج9/ص377؛ وبمثله قال الخطيب الشربيني، انظر: الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، تحقيق: علي محمد عوض وعادل أحمد عبد الموجود، ط1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1994م)، ج5/ ص372.
[40] - أخرجه البخاري، في كتاب الديات، باب: جنين المرأة، رقم 6904، انظر: البخاري، صحيح البخاري بشرح فتح الباري، (بيروت: دار المعرفة)، ج12/ص 247؛ وأخرجه مسلم  في كتاب الديات، باب: دية الجنين، رقم 1681، انظر: مسلم، صحيح مسلم مع شرح النووي، ط2، ( بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1392هـ)، ج11/ص 187.
[41] -ابن قدامة، المغني، 1401هـ/1981م، الرياض: مكتبة الرياض الحديثة، ج7/ ص800.
[42]  ابن جزي، قوانين الأحكام الشرعية، ط1،  1405هـ/1985م، القاهرة: عالم الفكر.
[43] - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، 1398هـ/1978م، بيروت: دار المعرفة، ج4/ ص182.
[44] - أخرجه البخاري في كتاب القدر، باب: 1، رقم 6594، انظر: البخاري، صحيح البخاري بشرح فتح الباري، ج11/ص477؛ وأخرجه مسلم في باب:  القدر، رقم: 2643، انظر: مسلم، صحيح مسلم مع شرح النووي، ج16/ ص190.
[45] - ابن  رجب الحنبلي، القواعد، (بيروت: دار الكتب العلمية)، القاعدة: 84، ص 177.
[46] - الماوردي، الحاوي الكبير، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، (بيروت: دار النهضة العربية، 1999م)، ج12/ ص405.
[47] - الغزالي، إحياء علوم الدين، (مصر: المكتبة التجارية الكبرى، د.ت)، ج2/ ص51.
[48] - الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (مكتبة زهران)، ، ج2 / ص266-267؛ عليش،التقريرات علىالشرح الكبير، (مكتبة زهران، د.ت)، ج2/ 267.
[49] - عليش، محمد أحمد: فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، (بيروت: دار المعرفة)، ج1/ ج399.
[50] - ابن العربي، القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، ط1، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1989م)، ، ج2/ص 763.
[51] - زيدان، ص122.
[52] - ابن قدامة، المغني، (بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت)،  ج7/ ص802؛ انظر أيضا: البهوتي، منصور بن يونس: كشاف القناع عن متن الإقناع، (بيروت: دار الفكر، 1982)،ج6/ ص24؛ ابن الجوزي، أحكام النساء، (القاهرة : مكتبة التراث الإسلامي)، ص109.
[53] - المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد، تحقيق: محمد حامد الفقي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي،1957)،ج10/ ص69.
[54] - أخرجه مسلم، في باب: القدر، رقم 2645، انظر: مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج16/ ص193.
[55] - النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين، ج9/ ص370.
[56] - المصدر نفسه، ج9/ ص377.
[57] - فالإمام الماوردي يرى أن الجنين تتعلق به ثلاثة أحكام هي: وجوب الغرة ، وأن تصير به الأمة أم الولد ، وأن تنقضي به العدة". انظر: الماوردي، الحاوي  الكبير، ج12/ص386.
[58] -  الماوردي، الحاوي الكبير، ج12/ ص387.
[59] - المرجع نفسه، ج12/ص 387.
[60] - السرخسي، المبسوط، (كراتشي: إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، 1987م)،  ج2 / ص87-90.
[61] - الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط2، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1982م)، ج7/ ص 326.
[62] - المرغيناني، الهداية ، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ت)، ج 4/ ص472.
[63] -  قاضي زاده، نتائج الأفكار ( تكملة شرح فتح القدير)، (بيروت: دار الفكر، د.ت)،  ج10/ ص300.
[64] - ابن عابدين، حاشية رد المحتار، (دار الفكر، 1399هـ/ 1979م)،  ج6/ ص591؛ أنظر أيضا: المرجع نفسه: في مطلب ( أحوال السِّقط وأحكامه)، ج1/ص302، ج3/ ص176.
[65] - الخولي، المسؤولية الجنائية للأطباء، ص 113.
[66] -  أعمال ندوة "الإنجاب في ضوء الإسلام"، ص351، نقلا عن: محمد عبد الجواد، بحوث في الشريعة الإسلامية والقانون في الطب الإسلامي، (الإسكندرية: منشأة المعارف، د.ت)، ص 58.
[67] - قادري، الإسلام وضرورات الحياة، ط2، (جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع، 1990م)،  ص 83 ، نقلا عن:محمد سلام مدكور، الجنين والأحكام المتعلقة به في الفقه الإسلامي، ص305، وإلى الرأي نفسه ذهب د/ قادري حيث قال " والذي يظهر أن هذا هو الصواب، لأن النطفة بعد أن استقرت في قرارها المكين، لا يجوز الاعتداء عليها بدون عذر شرعي، وبهذا يظهر حرص الإسلام على حفظ النسل وعدم الاعتداء عليه"، ص 83.
[68] -  الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، ط3، (دمشق: دار الفكر، 1989م)، ج3/ ص557.
[69] - ابن مبارك، نظرية الضرورة الشرعية، ط1، (المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر، 1988م)، ص 427.
[70] - هيئة كبار العلماء، أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، ط1، (الرياض: الرئاسة العامة لإدراة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1988م)، ج2/ص443.
[71] - البوطي، مسألة تحديد النسل، ص 89.
[72] - زيدان، عبد الكريم، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1/ 1413هـ - 1993م، ج 3/ ص121.
[73] - التميمي، الأجنة البريئة، ص 62-63.
[74]- http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=108706
[75] - البار، مشكلة الإجهاض، ص 45.
[76] - الزرقا، مصطفى، فتاوى مصطفى الزرقا، دمشق: دار القلم، ط1/ 1420هـ- 1999م، ص 285.
[77] -الأشقر، محمد سليمان، أبحاث اجتهادية في الفقه الطبي، ط1/ 1422هـ-2001م، ص45.
[78] - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدرويشي، ط4، 1424هـ/2003م، القاهرة: أولي النهى للإنتاج الإعلامي، مج19/ ص332.
[79] - http://www.muslimdoctor.org/article.php?op=Print&sid=119د/ أحمد كنعان، الأحكام الفقهية لمرضى الإيدز
[80] -  http: // www. Islamonline.net/
[81] - جاد، الحسيني، وثيقة مؤتمر السكان والتنمية : رؤية شرعية، ط1، (الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1996م)، ص4119.
[82]- جاد الحق، الفتاوى الإسلامية، مج 9/ص 3105- 3107.
[83] - جاد الحق، الفتاوى الإسلامية، مج 9/ص 3105- 3107؛  جمعية العلوم الطبية الإسلامية،قضايا طبية معاصرة، مج1/ص 314؛ البار، الجنين المشوه والأمراض الوراثية، ص 372 وما بعدها- ص432 وما بعدها؛ عارف، "الاختبار الجيني والوقاية من الأمراض الوراثية من منظور إسلامي"، ص 129 .
[84] - http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=7912 . http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=1522
[85] - شبير، موقف الإسلام من الأمراض الوراثية، ص 345.
[86] - حسن حسن، 114 سؤال وجواب عن العقم، ط1، 1421هـ/ 2001م، بيروت: دار المؤلف، ص61.
[87] - 114 سؤال وجواب عن العقم، ص52.
[88] -http://www.muslimdoctor.org/article.php?op=Print&sid=31
[89] - الحديث أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الحدود، باب: ما جاء في الرجم، رقم 5. انظر: مالك،الموطأ، ص 712؛ وفي مسلم رواية قريبة من هذه رواها في كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا، انظر:  مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج11/ 213.
[90] - يكون مجال التعزير في جريمة الزنا إذا كان فعل الزنا غير تام، "فللزنا الموجب للحد شروط يجب توفرها حتى يقام الحد. فإذا انعدم أحدها أو اختل سقط الحد؛ ومن هذه  الشروط ألا تكون هناك شبهة تدرأ الحد، وأن يكون الفعل من رجل… فإذا قامت شبهة درء بسببها الحد، لكن مع ذلك فإن الجاني قد ارتكب معصية تستوجب التعزير". عامر، التعزير في الشريعة الإسلامية،  ص178؛ وانظر أيضا: ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج5/ ص 262؛ السعدي،  العلاقات الجنسية غير المشروعة، ج2/ ص 344.
[91] - المصطلح لم يكن معروفا عند الفقهاء، بل ما عرف عندهم هو الإكراه على الزنا. وشاع استعمال هذا المصطلح في أدبيات القوانين الوضعية. فينص القانون الجنائي المغربي في الفصل 486 على أن "الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها". انظر: فاضل، جريمة الفساد، ص54؛ وجاء التعريف نفسه في قانون العقوبات المصري، في المادة 1/267.انظر: عبد العزيز، جرائم الاعتداء على العرض، ص93.
[92] - للتفصيل في الجزئيات الفقهية انظر: ابن قدامة، المغني، ج8/ ص186؛ ابن جزي، القوانين الفقهية، ص347؛ الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج4/ ص319؛ ابن تيمية، فتاوى ابن تيمية، ج32/ ص114؛ الموسوعة الفقهية، ج6/ ص 98-101 مادة إكراه؛ الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، ج6/ ص37؛ ابن الهمام، فتح القدير، ج5/ ص272.
[93] - ابن قدا مة، المغني، ج5/ ص267.
[94] - "مسلمات كوسوفا...حمل مؤلم...وولادة مخزية"، ص34.
[95] - " لا إجهاض إلا برأي طبيب"، جريدة" الخبر"، 7مايو2001م/ 13صفر1422هـ، ص 12-13.
[96] - الموسوعة الفقهية الميسرة، ط1، بيروت: دار النفائس، 1421هـ/2000م، ج1/ ص62.
[97] http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=1534، القرضاوي، فتاوى معاصرة، بيروت: دار النهى، ج2/ ص 609-612.
[98] - شبير، موقف الإسلام من الأمراض الوراثية، ص344؛ البوطي، مسألة تحديد النسل، ص 93؛
[99] -http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=108706
[100] - شبير، موقف الإسلام من الأمراض الوراثية، ص343؛ زيدان، المفصل في أحكام المرأة، ج3/ ص127.
[101] - أحمد محمد كنعان، بنك الفتاوى: http: www.islamonline
[102]  الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط2، الكويت، 1407هـ/1987م، ج2/ ص57، (الهامش 1). في هذه المسألة يراجع تفصيل مهم وعميق للأستاذين: البوطي، مسألة تحديد النسل، ص91-107؛ ونعيم ياسين، أبحاث فقهية، ص194-197.

[103] - البار، خلق الإنسان، ص 433.
[104] ttp://www.muslimdoctor.org/article.php?op=Print&sid=31  البار، خلق الإنسان، ص 433 (الهامش 1)؛
[105] - البار، خلق الإنسان، ص 433.
[106] - الشاطبي، الموافقات، ج2/ ص331.
[107] - أخرجه ابن ماجه في أبواب الطلاق، باب: طلاق المكره والناسي، رقم 2053. انظر: ابن ماجه، سنن ابن ماجه، ج1/ص377.
[108] - من أمثلة القواعد التي تدخل تحت ( نظرية الضرورة): الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف؛ يختار أهون الشرين؛ الضرورات تبيح المحظورات، وغيرها. انظر: الزرقا، شرح القواعد الفقهية، ط1، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1983م)، ص 179 وما بعدها.
[109] - انظر تفصيلا أكثر في: البوطي، مسألة تحديد النسل، ص 91 وما بعدها؛ ياسين، محمد نعيم، أبحاث فقهية في قضايا طبية، ص 211-223؛  دار الإفتاء المصرية، الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية، (مصر: وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1983م)، مج9/ ج 26/ ص 3099؛ جاد الحق، جاد الحق علي، بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة، ط1، (الأزهر الشريف: الأمانة العامة للجنة العليا  للدعوة الإسلامية، 1994م)، ج2/ ص408؛ وغيرهم مما ورد ذكرهم داخل البحث بالتفصيل.
[110] - جاد، وثيقة مؤتمر السكان، ص 117.
*********************************************************************
الآية الثالثة
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [الإسراء: 32]
الزنا حرام شرعا وهو من الكبائر

وأما حد الزنا في الفقه الإسلامي
قوله: "إذا زنى المحصن رُجم حتى يموت، وإذا زنى الحر غير المحصن جلد مئة جلدة وغرّب عامًا، ولو كان امرأة..." إلى آخره[1].

قال في "المقنع": "إذا زنى الحرُّ المحصن فحدُّه الرجم حتى يموت، وهل يجلد قبل الرجم؟ على روايتين[2]، والمحصن: من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح، وهما بالغان عاقلان حرَّان، فإن اختل شرط من ذلك في أحدهما فلا إحصان لواحد منهما ...
إلى أن قال: وإن زنى الحر غير المحصن جلد مئة جلدة وغرِّب عامًا إلى مسافة القصر.
وعنه[3]: أن المرأة تُنفى إلى دون مسافة القصر، ويخرج معها محرمها، فإن أراد أجرة بذلت من مالها، فإن تعذَّر فمن بيت المال، فإن أبى الخروج معها استؤجرت امرأة ثقة، فإن تعذر نُفيت بغير محرم، ويحتمل أن يسقط النفي"[4].

قال في "الحاشية": "قوله: "وهل يجلد قبل الرجم؟ على روايتين".
إحداهما: لا يجلد وهو المذهب[5].
روي عن عُمر وعثمان أنهما رجما ولم يجلدا.
وعن ابن مسعود، قال: إذا اجتمع حدَّان لله فيهما قتل أحاط القتل بذلك[6].
وبه قال الزهري والنخعي والأوزاعي ومالك[7] والشافعي[8] وأبو ثور وأصحاب الرأي[9]؛ لأن جابرًا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا ولم يجلده[10]، ورجم الغامدية ولم يجلدها[11].

والثانية[12]: يجلد[13]، اختارها أبو بكر والقاضي والخرقي وأبو الخطاب والشريف أبو جعفر في خلافيهما.
وبه قال ابن عباس وأبي بن كعب وأبو ذر والحسن وداود[14] وابن المنذر[15]؛ لقوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾... الآية [النور: 2].
وهذا عام، ثم جاءت السُّنة بالرجم في حق الثيب، والتغريب في حق البكر فوجب الجمع بينهما.
وقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عُبادة: "والثيب بالثيب جلد مئة والرجم"[16]، وهذا الصريح الثابت لا يترك إلا بمثله.

قوله: "والمحصن ..." إلى آخره،
 يشترط للإحصان سبعة شروط:

الأول: الوطء في القُبل، ولا خلاف في اشتراطه، ولا خلاف أن النكاح الخالي عن الوطء لا يحصل به إحصان، سواء حصلت فيه خلوة أو وطء فيهما دون الفرج أو في الدُّبر، أو لم يحصل شيء من ذلك؛ لأن هذا لا تصير به المرأة ثيبًا.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "والثِّيب بالثيب الجلد والرجم"[17]، ولا بُد أن يكون وطئًا حصل به تغييب الحشفة في الفرج.

الثاني: أن يكون في النكاح؛ لأن النكاح يُسمى إحصانًا؛ بدليل قول الله تعالى:
 ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 24] يعني: المتزوجات.
ولا خلاف بين أهل العلم: أن وطء الزنى ووطء الشبهة لا يصير به الواطئ محصنًا، وأن التسري لا يحصل به الإحصان لواحد منهما؛ لأنه ليس بنكاح[18].

الثالث: أن يكون النكاح صحيحًا، وهو قول أكثر أهل العلم[19] منهم: عطاء وقتادة ومالك[20] والشافعي[21] وأصحاب الرأي[22].
وقال أبو ثور: يحصل الإحصان بوطء في نكاح فاسد، وحُكي ذلك عن الليث والأوزاعي: ولنا([23]): أنه وطء في غير ملك فلم يحصُل به الإحصان كوطء الشُّبهة.

الرابع: الحرية، وهي شرط في قول جميع أهل العلم[24] إلا أبا ثور، فقال: العبد والأمة هما محصنان يرجمان إذا زنيا، إلا أن يكون الإجماع يُخالف ذلك.
وحُكي عن الأوزاعي في العبد تحته حُرة وهو محصن: يرجم إذا زنى، وإن كان تحته أمة لم يُرجم.
وهذه أقوال تخالف النص والإجماع؛ فإن الله تعالى قال: ﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ ﴾ [النساء: 25] والرجم لا يتنصف، وقد وافق الأوزاعي على أن العبد إذا وطئ الأمة ثم عتقا لم يصيرا محصنين.

الخامس: البلوغ.
السادس: العقل، فلو وطئ وهو صبي أو مجنون ثم بلغ ، أو عقل لم يكن محصنًا.
هذا قول أكثر أهل العلم[25] منهم الشافعي[26]، ومن أصحابه من قال: يكون محصنًا، وكذلك العبد إذا وطئ ثم عُتق يصير محصنًا.
ولنا[27]: قوله عليه السلام: "والثيِّب بالثيِّب جلد مئة والرجم"[28]، فاعتبر الثيوبة خاصة، ولو كانت تحصل قبل ذلك لكان يجب عليه الرجم قبل بلوغه وعقله، وهو خلاف الإجماع.

السابع: أن يوجد الكمال فيهما جميعًا حال الوطء فيطأ الرجل العاقل الحر امرأة عاقلة حرة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه[29].
ونحوه قول عطاء والحسن وابن سيرين والنخعي وقتادة والثوري وإسحاق، قالوه في الرقيق.
وقال مالك[30]: إذا كان أحدهما كاملًا صار محصنًا، إلا الصبي إذا وطئ الكبيرة لم يحصنها.
ونحوه عن الأوزاعي، واختلف عن الشافعي، فقيل: له قولان أحدهما[31]: كقولنا.
والثاني[32]: أن الكامل يصير محصنًا، وهو قول ابن المنذر.
ولنا[33]: أنه وطء لم يحصن أحد المتواطئين فلم يحصن الآخر كالتسري.
قوله: "فإن تعذر نفيت بغير محرم"، هذا المذهب[34]، وبه قال الشافعي[35] ويحتمل أن يسقط النفي؛ لأن تغريبها على هذا الحال إغراء لها بالفجور"[36].
قال في "الإنصاف": "وهو قوي"[37].
وقال في "الإفصاح": "واتفقوا على أن الزنى يوجب الحد[38]، وأن أحواله تختلف باختلاف أحوال الزناة، والزناة ضربان: ثيِّب وبكر.
وأجمعوا على أن من شرائط الإحصان: الحرية والبلوغ والعقل، وأن يكون تزوج امرأة على مثل حاله تزويجًا صحيحًا ودخل بها وهما على هذه الصفة، فهذه الصفات الخمسة مجمعٌ عليها[39].

واختلفوا في شرائط الإحصان بعد الخمسة المجمع عليها في الإسلام، هل هو من شرائط الإحصان أم لا؟
فقال أبو حنيفة[40] [ومالك[41]]: هو من شرائطه.
وقال الشافعي[42] وأحمد[43]: ليس من شرائطه.
وأجمعوا على أن من كملت فيه شرائط الإحصان فزنى بامرأة مثله في شرائط الإحصان وهي أن تكون حرة، بالغة، عاقلة، مزوجة تزويجًا صحيحًا، مدخولًا بها في التزويج الصحيح بالإجماع، وأن تكون مُسلمة - على الاختلاف المذكور - فهما زانيان محصنان عليهما الرجم حتى يموتا[44].

ثم اختلفوا، هل يجب عليهما قبل الرجم الجلد أم لا؟
فقال أبو حنيفة[45] ومالك[46] والشافعي[47]: لا يجتمع الجلد والرجم عليهما؛ وإنما الواجب الرجم خاصة.
وعن أحمد روايتان: إحداهما[48]: يجمع بينهما، وهي أظهر روايتيه اختارها الخرقي.
والأخرى[49]: لا يجمع بينهما كمذهب الجماعة، واختارها ابن حامد.
واتفقوا على أن البكرين الحُرين إذا زنيا فإنهما يجلدان كل واحد منهما مئة جلدة[50].

واختلفوا، هل يضمُّ إلى البكرين الحرين الزانيين مع الجلد التغريب؟
فقال أبو حنيفة[51]: لا يضم إلى الجلد التغريب، إلا أن يرى الإمام ذلك مصلحة فيغربهما على قدر ما يرى.
وقال مالك[52]: يجب تغريب البكر الحر الزاني خاصة دون المرأة البكر الحرة الزانية فإنها لا تغرب، وتغريبه: أن يُنفى سنة إلى غير بلده [فيحبس فيه].
وقال الشافعي[53] وأحمد[54]: الزانيان البكران الحُران يُجمع في حقهما بين الجلد والتغريب جميعًا، وقد خرج أصحاب الشافعي وجهًا في أن المرأة لا تُغرب، والمذهب: هو الذي أنبأنا به[55]"[56]...

إلى أن قال: "واختلفوا فيما إذا وجدت شرائط الإحصان في جهة أحد الزوجين دون الآخر:
فقال أبو حنيفة[57]: لا يحصُل الإحصان بذلك لواحد منهما.
وقال مالك[58] والشافعي[59]: إذا وجدت شرائط الإحصان في أحدهما ولم توجد في الآخر ثبت الإحصان لمن وجدت فيه، وصورة المسألة: [المسلم] يطأ زوجته الكتابية، والعاقل يطأ زوجته المجنونة، والبالغ يطأ زوجته الصغيرة المطيقة للوطء إلا أنها لم تبلغ، والحر يطأ زوجته الأمة.
فعند أبي حنيفة[60] وأحمد[61]: لا يثبت الإحصان لواحد منهما، وعند مالك[62] والشافعي[63] في أظهر قوليه: يثبت الإحصان لمن وجدت شرائطه فيه، فإن زنيا كان الجلد في حق من لم يثبت له الإحصان، والرجم على من ثبت له...

إلى أن قال: واختلفوا في المرأة العاقلة إذا مكنت من نفسها مجنونًا فوطئها، وكذلك إذا زنى عاقل بمجنونة:
فقال مالك[64] والشافعي[65] وأحمد[66]: يجب الحد على العاقل منهما.
وقال أبو حنيفة[67]: لا حد على العاقلة إذا وطئها المجنون وإن كان بتمكينها، فأما العاقل إذا زنى بمجنونة فعليه الحد.
قال الوزير: وأرى ذلك درءًا للحد بالشبهة؛ وذلك لأن الرجل يتمحض في حقه من الزنى ما لا يتمحض في حقها؛ فلذلك رأى الحد عليه دونها"[68].
وقال ابن رشد: "والزناة الذين تختلف العقوبة باختلافهم أربعة أصناف محصنون: ثيب وأبكار، وأحرار وعبيد، وذكور وإناث، والحدود الإسلامية ثلاثة: رجم وجلد وتغريب.
فأما الثُّيَّب الأحرار المحصنون: فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم[69] إلا فرقة من أهل الأهواء، فإنهم رأوا أن حد كل زان الجلد، وإنما صار الجمهور للرجم لثبوت أحاديث الرجم، فخصصوا الكتاب بالسنة، أعني قوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾... الآية [النور: 2].

ومن خصَّص المرأة من هذا العموم فإنما خصَّصه بالقياس؛ لأنه رأى أن المرأة تُعرض بالغربة لأكثر من الزنى، وهذا من القياس المرسل، أعني المصلحي الذي كثيرًا ما يقول به مالك.
وأما عُمدة الحنفية: فظاهر الكتاب، وهو مبني على رأيهم: أن الزيادة على النص نسخ، وأنه ليس ينسخ الكتاب بأخبار الآحاد، ورووا عن عمر وغيره: أنه حد ولم يغرّب.
وروى الكوفيون، عن أبي بكر وعمر: أنهم غربوا.
وأما حكم العبيد في هذه الفاحشة: فإن العبيد صنفان: ذكور وإناث، أما الإناث: فإن العلماء أجمعوا على أن الأمة إذا تزوجت وزنت أن حدها: خمسون جلدة[91]؛
لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [النساء: 25] [939ب].
واختلفوا إذا لم تتزوج، فقال جمهور فقهاء الأمصار: حدها خمسون جلدة[92].
وقالت طائفة: لا حد عليها، وإنما عليها تعزير فقط، وروي ذلك عن عُمر بن الخطاب.
وقال قوم: لا حد على الأمة أصلًا، والسبب في اختلافهم: الاشتراك الذي في اسم الإحصان في قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ ﴾، فمن فهم من الإحصان التزوج، وقال بدليل الخطاب قال: لا تجلد الغير متزوجة.

ومن فهم من الإحصان الإسلام جعله عامًا في المتزوجة وغيرها.
واحتج من لم ير على غير المتزوجة حدًا بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، فقال: "إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولم بضفير"[93].

وأما الذكر من العبيد: ففقهاء الأمصار على أن حد العبد نصف حد الحر قياسًا على الأمة[94].
وقال أهل الظاهر[95]: بل حده مئة جلدة مصيرًا إلى عموم قوله تعالى: ﴿ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [النور: 2]، ولم يخصص حرًا من عبد.
ومن الناس من درأ الحد عنه قياسًا على الأمة، وهو شاذ، وروي عن ابن عباس، فهذا هو القول في أصناف الحدود وأصناف المحدودين، والشرائط الموجبة للحد في واحد واحد منهم"[96].

وقال البخاري: "باب رجم المحصن".
وقال الحسن: من زنى بأخته حده حد الزاني.
حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا سلمة بن كُهيل قال: سمعت الشعبي يُحدث عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال: قد رجمتها بسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم[97].
حدثني إسحاق، حدثنا خالد، عن الشيباني: سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: قبل سورة النور أم بعد؟ قال: لا أدري[98].
حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رجلًا من أسلم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثه أنه قد زنى فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجم، وكان قد أحصن[99]".

قال الحافظ: "قوله: "باب رجم المحصن"، هو بفتح الصاد المهملة من الإحصان، ويأتي بمعنى العفة والتزويج والإسلام والحرية؛ لأن كلًا منها يمنع المكلف من عمل الفاحشة.
قال ابن القطاع: رجل مُحصن بكسر الصاد على القياس، وبفتحها على غير قياس.
قال الحافظ: يمكن تخريجه على القياس، وهو أن المراد هنا: من له زوجة عقد عليها ودخل بها وأصابها، فكأن الذي زوجها له أو حمله على التزويج بها، ولو كانت نفسه أحصنه، أي: جعله في حصن من العفة، أو منعه من عمل الفاحشة.

وقال الراغب[100]: يقال للمتزوجة: محصنة، أي: أن زوجها أحصنها، ويقال: امرأة محصن بالكسر إذا تصور حصنها من نفسها، وبالفتح: إذا تصور حصنها من غيرها.
قال ابن المنذر[101]: أجمعوا على أنه لا يكون الإحصان بالنكاح الفاسد ولا الشبهة[102]، وخالفهم أبو ثور، فقال: يكون محصنًا، واحتج بأن النكاح الفاسد يعطي أحكام الصحيح في تقدير المهر، ووجوب العدة، ولحوق الولد، وتحريم الربيبة.
وأجيب بعموم: "ادرؤوا الحدود"[103].
قال: وأجمعوا على أنه لا يكون بمجرد العقد محصنًا[104].

واختلفوا إذا دخل بها وادعى أنه لم يصبها، قال: حتى تقوم البينة، أو يوجد منه إقرار، أو يعلم له منها ولد.
وعن بعض المالكية[105]: إذا زنى أحد الزوجين، واختلفا في الوطء لم يصدق الزاني ولو لم يمض لهما إلا ليلة، وأما قبل الزنى فلا يكون محصنًا ولو أقام معها ما أقام.
واختلفوا إذا تزوج الحر أمة، هل تُحصنه؟
فقال الأكثر: نعم، وعن عطاء والحسن وقتادة والثوري والكوفيين[106] وأحمد[107] وإسحاق: لا.

واختلفوا في موضعين:
أحدهما: هل يجلدون مع الرجم أم لا؟
والموضع الثاني: في شروط الإحصان.
أما المسألة الأولى: فإن العلماء اختلفوا، هل يجلد من وجب عليه الرجم قبل الرجم أم لا؟
فقال الجمهور[70]: لا جلد على من وجب عليه الرجم، وقال الحسن البصري وإسحاق وأحمد[71] وداود[72]: الزاني المحصن يجلد ثم يرجم.

عُمدة الجمهور: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا[73]، ورجم امرأة من جهينة[74]، ورجم يهوديين[75] وامرأة من عامر من الأزد[76]، كل ذلك مُخرج في الصحاح، ولم يروا أنه جلد واحدًا منهم.
ومن جهة المعنى: أن الحد الأصغر ينطوي في الحد الأكبر، وذلك أن الحد إنما وُضع للزجر فلا تأثير للزجر بالضرب مع الرجم.
وعُمدة الفريق الثاني: عموم قوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [النور: 2] فلم يخص محصنٌ من غير محصن.

واحتجوا أيضًا بحديث علي رضي الله عنه خرَّجه مسلم وغيره: أن عليًا رضي الله عنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسوله[77].
وحديث عبادة بن الصامت، وفيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "خُذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مئة والرجم بالحجارة"[78].

وأما الإحصان: فإنهم اتفقوا على أنه من شرط الرجم[79].
واختلفوا في شروطه، فقال مالك[80]: البلوغ والإسلام والحرية والوطء في عقد صحيح، وحالة جائز فيها الوطء - والوطء المحظور - هو عنده - الوطء في الحيض أو في الصيام، فإذا زنى بعد الوطء الذي هو بهذه الصفة وهو بهذه الصفات فحدّه عنده الرجم.
ووافق أبو حنيفة[81] مالكًا في هذه الشروط إلا في الوطء المحظور، واشترط في الحرية: أن تكون من الطرفين - أعني: أن يكون الزاني والزانية حرين - ولم يشترط الإسلام الشافعي[82].

وعُمدة الشافعي: ما رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر، وهو حديث متفق عليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهودية واليهودي اللذين زنيا إذ رفع إليه أمرهما اليهود[83]، والله تعالى يقول: ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ﴾ [المائدة: 42].

وعُمدة مالك من طريق المعنى: أن الإحصان عنده فضيلة، ولا فضيلة مع عدم الإسلام، وهذا مبناه على: أن الوطء في نكاح صحيح وهو مندوب إليه، فهذا هو حكم الثيب.
وأما الأبكار: فإن المسلمين أجمعوا على أن حد البكر في الزنى جلد مئة[84]؛
 لقوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [النور: 2].

واختلفوا في التغريب مع الجلد:
فقال أبو حنيفة[85] وأصحابه: لا تغريب أصلًا.
وقال الشافعي[86]: لا بُد من التغريب مع الجلد لكل زان ذكرًا كان أو أنثى، حُرًا كان أو عبدًا.
وقال مالك[87]: يُغرب الرجل ولا تُغرب المرأة، وبه قال الأوزاعي، ولا تغريب عند مالك[88] على العبيد.
فعُمدة من أوجب التغريب على الإطلاق: حديث عبادة بن الصامت المتقدم، وفيه: "البِكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام"[89]، وكذلك ما خرج أهل الصحاح عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني: أنهما قالا: إن رجلًا من الأعراب أتى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله أنشدك الله ألا قضيت لي بكتاب الله؟
فقال الخصم - وهو أفقه منه - : نعم اقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم، فقال له النبي: "قُل".
قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديته بمئة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أنما على ابني جلد مئة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما الوليدة والغنم: فردٌّ عليك، وعلى ابنك جلد مئة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها"، فغدا عليها أُنيس فاعترفت، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بها فرُجمت[90].

واختلفوا إذا تزوج كتابية:
فقال إبراهيم وطاوس والشعبي: لا تُحصنه، وعن الحسن: لا تُحصنه حتى يطأها في الإسلام، أخرجهما ابن أبي شيبة[108].
وعن جابر بن زيد وابن المسيب: تُحصنه، وبه قال عطاء وسعيد بن جبير .
وقال ابن بطال[109]: أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدًا عالمًا مختارًا فعليه الرجم[110]، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة، واعتلوا بأن الرجم لم يُذكر في القرآن، وحكاه ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم، وهم من بقايا الخوارج.

واحتج الجمهور: بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم، وكلك الأئمة بعده؛ ولذلك أشار علي رضي الله عنه بقوله في أول أحاديث الباب: ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت في "صحيح مسلم"، عن عبادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، الثيب بالثيب الرجم"[111].

وسيأتي في باب رجم الحُبلى من الزنى، من حديث عمر: أنه خطب فقال: إن الله بعث محمدًا بالحق، وأنزل عليه القرآن، فكان مما أنزل آية الرجم[112].
قوله: "وقال الحسن هو البصري: من زنى بأخته فحده حد الزاني"، وصله ابن أبي شيبة، عن حفص بن غياث، قال: سألت عمر: ما كان الحسن يقول في من تزوج ذات محرم وهو يعلم؟ قال: عليه الحد[113].
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق جابر بن زيد - وهو أبو الشعثاء التابعي المشهور - في من أتى ذات محرم منه، قال: يُضرب عنقه[114].
ووجه الدلالة من حديث علي أنه قال: "رجمتها بسنة رسول الله"[115]، فإنه لم يفرق بين ما إذا كان الزنى بمحرم أو بغير محرم.

وأشار البخاري إلى ضعف الخبر الذي ورد في قتل من زنى بذات محرم، وهو ما رواه صالح بن راشد قال: أُتي الحجاج برجل قد اغتصب أخته على نفسها، فقال: سلوا من هنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن المطر: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تخطى الحرمتين فخطوا وسطه بالسيف"، فكتبوا إلى ابن عباس، فكتب إليهم بمثله، ذكره ابن أبي حاتم في "العلل"[116]، ونقل عن أبيه: أنه مروي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير من قوله، قال: ولا أدري أهو هذا أو لا؟! ويشير إلى تجويز أن يكون الراوي غلط في قوله: عبد الله بن مطرف، وفي قوله: سمعت، وإنما هو مطرف بن عبد الله، ولا صحبة له.
وقال ابن عبد البر: يقولون: إن الراوي غلط فيه، وأثر مطرف الذي أشار إليه أبو حاتم: أخرجه ابن أبي شيبة من طريق بكر بن عبد الله المزني قال: أُتي الحجاج برجل قد وقع على ابنته، وعنده مطرف بن عبد الله بن الشخير وأبو بردة، فقال أحدهما: اضرب عنقه، فضربت عنقه[117].
قال الحافظ: والراوي عن صالح بن راشد ضعيف، وهو رفدة، ويوضح ضعفه في قوله: فكتبوا إلى ابن عباس، وابن عباس مات قبل أن يلي الحجاج الإمارة بأكثر من خمس سنين، ولكن له طريق أخرى إلى ابن عباس أخرجها الطحاوي[118]، وضعَّف راويها.
وأشهر حديث في الباب: حديث البراء، لقيت خالي ومعه الراية فقال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه: أن اضرب عنقه"، أخرجه أحمد وأصحاب السنن([119]، وفي سنده اختلاف كثير.

وله شاهد من طريق معاوية بن قرة، عن أبيه، أخرجه ابن ماجه والدارقطني[120].
وقد قال بظاهره: أحمد، وحمله الجمهور على من استحل ذلك بعد العلم بتحريمه بقرينة الأمر بأخذ ماله وقسمته.

قوله: "حين رجم المرأة يوم الجمعة"، في رواية علي بن الجعد: "أن عليًا أتي بامرأة زنت، فضربها يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة".
وذكر ابن عبد البر[121]: أن في تفسير سُنيد بن داود من طريق أخرى إلى الشعبي، قال: أتي علي بشراحة فقال لها: لعل رجلًا استكرهك؟ قالت: لا، قال: فلعله أتاك وأنت نائمة؟ قالت: لا، قال: لعل زوجك من عدونا؟ قالت: لا، فأمر بها فحبست، فلما وضعت أخرجها يوم الخميس فجلدها مئة ثم ردها إلى الحبس، فلما كان يوم الجمعة حفر لها ورجمها .
قوله: "رجمتها بسُنة رسول الله"، زاد علي بن الجعد: "وجلدتها بكتاب الله".
زاد إسماعيل بن سالم في أوله: عن الشعبي، قيل لعلي: جمعت حدَّين، فذكره، قال الحازمي[122]: ذهب أحمد وإسحاق وداود[123] وابن المنذر[124] إلى أن الزاني المحصن يجلد ثم يرجم.
وقال الجمهور[125] وهي رواية عن أحمد[126] أيضًا: لا يجمع بينهما.

وذكروا: أن حديث عبادة منسوخ - يعني: الذي أخرجه مسلم بلفظ: "الثيب بالثيب، جلد مئة والرجم، والبكر بالبكر، جلد مئة والنفي[127]" - والناسخ له: ما ثبت في قصة ماعز: أن النبي صلى الله عليه وسلم رجمه، ولم يذكر الجلد[128].
قال الشافعي[129]: فدَّلت السُّنة على أن الجلد ثابت على البكر، وساقط عن الثيب.
والدليل على أن قصة ماعز متراخية عن حديث عبادة: أن حديث عبادة ناسخ لما شرع أولًا من حبس الزاني في البيوت فنسخ الحبس بالجلد، وزيد الثيب الرجم، وذلك صريح في حديث عبادة ثم نسخ الجلد في حق الثيب وذلك مأخوذ من الاقتصار في قصة ماعز على الرجم وذلك في قصة الغامدية والجهنية واليهوديين لم يذكر الجلد مع الرجم.
وقال ابن المنذر[130]: عارض بعضهم الشافعي، فقال: الجلد ثابت في كتاب الله، والرجم ثابت بسُنة رسول الله كما قال علي، وقد ثبت الجمع بينهما في حديث عُبادة، وعمل به علي، ووافقه أبي، وليس في قصة ماعز ومن ذُكر معه: تصريح بسقوط الجلد عن المرجوم؛ لاحتمال أن يكون ترك ذكره لوضوحه، ولكونه الأصل، فلا يُرد ما وقع التصريح به بالاحتمال.

وقد احتج الشافعي بنظير هذا حين عورض إيجابه العمرة: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سأله أن يحج عن أبيه، ولم يذكر العمرة[131]، فأجاب الشافعي: بأن السكوت عن ذلك لا يدل على سقوطه، قال: فكذا ينبغي أن يجاب هنا .

قال الحافظ: وبهذا ألزم الطحاوي أيضًا الشافعية، ولهم أن ينفصلوا، لكن في بعض طُرقه: "حُج عن أبيك واعتمر"[132]، فالتقصير في [ترك] ذِكر العمرة من بعض الرواة.
وأما قصة ماعز: فجاءت من طُرُق متنوعة بأسانيد مختلفة لم يذكر في شيء منها أنه جلد، وكذلك الغامدية والجهنية وغيرهما، وقال في ماعز: "اذهبوا به فارجموه"[133]، وكذا في حق غيره، ولم يذكر الجلد، فدلَّ ترك ذكره: على عدم وقوعه، ودلَّ عدم وقوعه: على عدم وجوبه.

ومن المذاهب المستغربة ما حكاه ابن المنذر[134] وابن حزم عن أبي بن كعب، - زاد ابن حزم[135]: وأبي ذر - وابن عبد البر[136]، عن مسروق: أن الجمع بين الجلد والرجم خاص بالشيخ والشيخة.

وأما الشاب: فيُجلد إن لم يحصن، ويرجم إن أحصن فقط.
وحُجتهم في ذلك: حديث "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة"[137]، كما سيأتي بيانه في الكلام على حديث عمر في باب رجم الحُبلى من الزنى.
وقال عياض[138]: شذَّت فرقة من أهل الحديث فقالت: الجمع على الشيخ الثيب دون الشاب، ولا أصل له.

وقال النووي[139]: هو مذهب باطل، كذا قال، ونفي أصله ووصفه بالبطلان إن كان المراد به طريقه فليس بجيد؛ لأنه ثابت كما سأبينه في باب البكران يجلدان، وإن كان المراد: دليله ففيه نظر أيضًا؛ لأن الآية وردت بلفظ الشيخ، ففهم هؤلاء من تخصيص الشيخ بذلك: أن الشاب أعذر منه في الجملة، فهو معنى مناسب، وفيه جمع بين الأدلة، فكيف يوصف بالبطلان!.

واستدل به على جواز نسخ التلاوة دون الحكم، وخالف في ذلك بعض المعتزلة، واعتل بأن التلاوة مع حكمها كالعلم مع العالمية فلا ينفكان، وأجيب بالمنع؛ فإن العالمية لا تُنافي قيام العلم بالذات، سلمنا لكن التلاوة أمارات الحكم فيدل وجودها على ثبوته، ولا دلالة من مجردها على وجوب الدوام فلا يلزم من انتفاء الأمارة في طرف الدوام انتفاء ما دلَّت عليه، فإذا نسخت التلاوة لم ينتفِ المدلول، وكذلك العكس.

قوله: "سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: قبل سورة النور أم بعد؟ قال: لا أدري".
قال الحافظ: فائدة هذا السؤال: أن الرجم إن كان وقع قبلها فيمكن أن يدعى نسخه بالتنصيص فيها على أن حد الزاني الجلد، وإن كان وقع بعدها فيمكن أن يُستدل به على نسخ الجلد في حق المحصن، لكن يرد عليه: أنه من نسخ الكتاب بالسنة، وفيه خلاف.
وأُجيب: بأن الممنوع نسخ الكتاب بالسُّنة إذا جاءت من طريق الآحاد، وأما السنة المشهورة فلا، وأيضًا فلا نسخ وإنما هو مخصص بغير المحصن، وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور؛ لأن نزولها كان في قصة الإفك، واختلف، هل كان سنة أربع أو خمس أو ست؟ والرجم كان بعد ذلك فقد حضره أبو هريرة، وإنما أسلم سنة سبع، وابن عباس إنما جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع"[140].
وقال البخاري أيضًا: "باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورُفعوا إلى الإمام".
وذكر حديث ابن عمر في قصة اليهوديين الزانيين[141]".
قال الحافظ: "قوله: "باب أحكام أهل الذمة"، أي: اليهود والنصارى، وسائر من تؤخذ منه الجزية.

قوله: "وإحصانهم إذا زنوا"، يعني: خلافًا لمن قال: إن من شروط الإحصان الإسلام.
قوله: "ورفعوا إلى الإمام"، أي: سواء جاؤوا إلى حاكم المسلمين ليحكموه، أو رفعهم إليه غيرهم متعديًا عليهم، خلافًا لمن قيد ذلك بالشق الأول كالحنفية...
إلى أن قال: قال ابن العربي[142]: في الحديث أن الإسلام ليس شرطًا في الإحصان"[143].

وقال البخاري أيضًا: "باب سؤال الإمام المُقر: هل أحصنت؟".
وذكر حديث أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجُل من الناس وهو في المسجد فناداه: يا رسول الله، إني زنيت - يريد نفسه - فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه، فجاء لشق وجه النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أبك جنون؟"، قال: لا يا رسول الله، فقال: "أحصنت؟"، قال: نعم يا رسول الله، فقال: "اذهبوا فارجموه[144]" .
فقال ابن شهاب: أخبرني من سمع جابرًا قال: فكُنت في من رجمه، فرجماه بالمصلَّى، فلما أذلقته الحجارة جمز، حتى أدركناه بالحرة فرجمناه[145]".

قال الحافظ: "قوله: "باب سؤال الإمام المُقر: هل أحصنت؟"، أي: تزوجت ودخلت بها وأصبتها.
قوله: "إني زنيتُ: يريد نفسه"، أي: أنه لم يجيء مُستفتيًا لنفسه ولا لغيره، وإنما جاء مُقرًا بالزنى ليفعل معه ما يجب عليه شرعًا.
قال ابن التين: محل مشروعية سؤال المقر بالزنى عن ذلك: إذا كان لم يعلم أنه تزوج تزويجًا صحيحًا ودخل بها، فأما إذا علم إحصانه فلا يسأل عن ذلك.
ثم حكى عن المالكية[146] تفصيلًا فيما إذا علم أنه تزوج ولم يسمع منه إقرار بالدخول، فقيل: من أقام مع الزوجة ليلة واحدة لم يُقبل إنكاره، وقيل: أكثر من ذلك.

وهل يُحد حدّ الثيب أو البكر؟ الثاني أرجح، وكذا إذا اعترف الزوج بالإصابة، ثم قال: إنما اعترفت بذلك لأملك الرجعة، أو اعترفت المرأة ثم قالت: إنما فعلت ذلك لأستكمل الصداق، فإن كلًا منهما يحد حد البكر.
قال الحافظ: وعند غيرهم يرفع الحد أصلًا، ونقل الطحاوي عن أصحابهم أن من قال لآخر: يا زاني، فصدقه: أنه يجلد القائل ولا يحد المصدق، وقال زفر: بل يُحدُّ.
قال الحافظ: وهو قول الجمهور[147]، ورجح الطحاوي قول زُفر، واستدل بحديث الباب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز: "أحق ما بلغني عنك أنك زنيت؟"، قال: نعم، فحده[148]، قال: وباتفاقهم على أن من قال لآخر: لي عليك ألف، فقال: صدقت: أنه يلزمه المال[149]" .

وقال البخاري أيضًا: "باب: البكران يُجلدان وينفيان".
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2 - 3] قال ابن عُيينة: رأفة: [في] إقامة الحد[150].
حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد العزيز، أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن زيد بن خالد الجُهني، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر في من زنى ولم يُحصن جلد مئة وتغريب عام[151].
قال ابن شهاب: وأخبرني عروة بن الزبير: أن عمر بن الخطاب غرَّب، ثم لم تزل تلك السنة[152].
حدثنا يحيى بن بُكير، حدثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في من زنى ولم يُحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه"[153].

قال الحافظ: "قوله: "باب البكران يُجلدان ويُنفيان"، هذه الترجمة لفظ خبر أخرجه ابن أبي شبة من طريق الشعبي، عن مسروق، عن أبي بن كعب مثله، وزاد: والثيبان يُجلدان ويُرجمان[154].
وأخرج ابن المنذر[155] الزيادة بلفظ: والثيبان يُرجمان واللذان بلغا سنًا يجلدان ثم يرجمان.
وأخرج عبد الرزاق، عن الثوري، عن الأعمش، عن مسروق: البكران يجلدان وينفيان، والثيبان يرجمان ولا يجلدان، والشيخان يجلدان ثم يرجمان[156]، ورجاله رجال الصحيح.
ونقل محمد بن نصر في كتاب "الإجماع": الاتفاق على نفي الزاني[157] إلا عن الكوفيين[158]، ووافق الجمهور منهم: ابن أبي ليلى وأبو يوسف، وادعى الطحاوي أنه منسوخ، وسأذكره في باب: لا تغريب على الأمة ولا تُنفى.

واختلف القائلون بالتغريب:
فقال الشافعي[159] والثوري وداود[160] والطبري بالتعميم .
وفي قول للشافعي[161]: لا يُنفى الرقيق.
وخص الأوزاعي النفي بالذكورية، وبه قال مالك[162] وقيده بالحرية، وبه قال إسحاق.
وعن أحمد روايتان[163]، واحتج بمن شرط الحرية بأن في نفي العبد عقوبة لمالكه لمنعه منفعته مدة نفيه، وتصرف الشرع يقتضي ألا يُعاقب إلا الجاني، ومن ثم سقط فرض الحج والجهاد عن العبد.
وقال ابن المنذر: أقسم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف: أنه يقضي فيه بكتاب الله، ثم قال: "إن عليه جلد مئة وتغريب عام"[164]، وهو المبين لكتاب الله، وخطب بذلك عُمر على رؤوس الناس، وعمل به الخلفاء الراشدون فلم يُنكره أحد، فكان إجماعًا[165].

واختلف في المسافة التي ينفى إليها، فقيل: هو إلى رأي الإمام، وقيل: يشترط مسافة القصر، وقيل: إلى ثلاثة أيام، وقيل: إلى يومين، وقيل: يوم وليلة، وقيل: من عمل إلى عمل، وقيل: إلى ميل، وقيل: إلى ما ينطلق عليه اسم نفي.
وشرط المالكية[166] الحبس في المكان الذي ينفى إليه، وسيأتي البحث فيه في باب: لا تغريب على الأمة ولا نفي.
ومن عجيب الاستدلال: احتجاج الطحاوي[167] لسقوط النفي أصلًا بأن نفي الأمة ساقط بقوله: بيعوها، كما سيأتي تقريره، قال: وإذا سقط عن الأمة سقط عن الحرة؛ لأنها في معناها، ويتأكد بحديث: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"[168].
قال: وإذا انتفى أن يكون على النساء نفي انتفى أن يكون على الرجال، كذا قال، وهو مبني على أن العموم إذا خص سقط الاستدلال به، وهو مذهب ضعيف جدًا.

قوله: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ.. ﴾... الآية [النور: 2].
والمراد بذكر هذه الآية: أن الجلد ثابتٌ بكتاب الله، وقام الإجماع ممن يعتد به على اختصاصه بالبكر، وهو غير المحصن[169].

واختلفوا في كيفية الجلد:
فعن مالك[170] يختص بالظهر؛ لقوله في حديث اللعان: "البينة [944ب] وإلا حد في ظهرك"[171].
وقال غيره: يُفرق على الأعضاء ويتقى الوجه والرأس، ويُجلد في الزنى والشرب والتعزير قائمًا مجردًا، والمرأة قاعدة، وفي القذف وعليه ثيابه.
وقال أحمد[172] وإسحاق وأبو ثور: لا يُجرد أحد في الحد، وليس في الآية للنفي ذكر، فتمسك به الحنفية[173]، فقالوا: لا يُزاد على القرآن بخبر الواحد.
والجواب: أنه مشهور؛ لكثرة طُرقه ومن عمل به من الصحابة، وقد عملوا بمثله، بل بدونه كنقض الوضوء بالقهقهة، وجواز الوضوء بالنبيذ وغير ذلك مما ليس في القرآن.
وقد أخرَج مسلم من حديث عُبادة بن الصامت مرفوعًا: "خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبِكر جلد مئة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مئة والرجم"[174].

وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس، قال: كُن يحبسن في البيوت إن ماتت ماتت، وإن عاشت [عاشت]، لما نزل: ﴿ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 15] حتى نزلت: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾[175].
قوله: "قال ابن عيينة: رأفة في إقامة الحد"، ووقع نظيره عند ابن أبي شيبة، عن مجاهد بسند صحيح إليه، وزاد - بعد قوله: في إقامة الحد - : يقام ولا يُعطل[176].
والمراد بتعطيل الحد: تركه أصلًا أو نقصه عددًا ومعنى.

وقوله تعالى: ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ نقل ابن المنذر[177] عن أحمد[178]: الاجتزاء بواحد، وعن إسحاق: اثنين، وعن الزهري: ثلاثة، وعن مالك[179] والشافعي[180]: أربعة، وعن ربيعة: ما زاد عليها، وعن الحسن: عشرة.
ونقل ابن أبي شيبة بأسانيده عن مجاهد: أدناها رجل، وعن محمد بن كعب في قوله: 
﴿ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ ﴾ [التوبة: 66]، قال: هو رجل واحد، وعن عطاء: اثنان، وعن الزهري: ثلاثة[181].

وسيأتي في أول خبر الواحد ما جاء في قوله: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ [الحجرات: 9].
قوله: "أن عمر بن الخطاب"، هو منقطع؛ لأن عروة لم يسمع من عمر لكنه ثبت عن عمر من وجه آخر أخرجه الترمذي والنسائي، وصححه ابن خزيمة والحاكم من رواية عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرَّب، وأن أبا بكر ضرب وغرَّب، وأن عمر ضرب وغرَّب، أخرجوه من رواية عبد الله بن إدريس عنه[182].

وذكر الترمذي: أن [أكثر] أصحاب عبيد الله بن عمر رووه عنه موقوفًا على أبي بكر وعمر.
قوله: "غرَّب ثم لم تزل تلك السنة"، زاد عبد الرزاق في روايته عن مالك: "حتى غرَّب مروان، ثم ترك الناس ذلك"[183]، يعني: أهل المدينة.

قوله: "قال: إن زنت فاجلدوها"، قيل: أعاد الزِّنى في الجواب غير مقيد بالإحصان للتنبيه على أنه لا أثر له، وأن موجب الحد في الأمة مطلق الزنى، ومعنى "اجلدوها": الحد اللائق بها المبين في الآية، وهو نصف ما على الحرَّة.
وقد وقع في رواية أخرى عن أبي هريرة: "فليجلدها الحدَّ"[198]، والخطاب في "اجلدوها" لمن يملك الأمة، فاستدل به على أن السيد يُقيم الحدَّ على من يملكه من جارية وعبد، أما الجارية فبالنص، وأما العبد فبالإلحاق.

وقد اختلف السلف من يقيم الحدود على الأرقاء:
فقالت طائفة: لا يقيمها إلا الإمام أو من يأذن له وهو قول الحنفية[199].
وعن الأوزاعي والثوري: لا يقيم السيد إلا حدَّ الزنى.
وقال آخرون: يقيمها السيد ولو لم يأذن له الإمام، وهو قول الشافعي[200].

وأخرج عبد الرزاق بسندٍ صحيح عن ابن عمر في الأمة إذا زنت ولا زوج لها: يحدُّها سيدها، فإن كانت ذات زوج فأمرها إلى الإمام[201]، وبه قال مالك[202] إلا إن كان زوجها عبدًا لسيدها فأمرها إلى السيد.
واستثنى مالك[203] القطع في السرقة، وهو وجه للشافعية[204]، وفي آخر: يستثنى حدُّ الشرب.
واحتج للمالكية: بأن في قطعه[205] مثلة، فلا يؤمن السيد أن يريد أن يمثل بعبده فيخشى أن يتصل الأمر بمن يعتقد أنه يعتق بذلك فيدَّعي عليه السرقة لئلا يعتق، فيمنع من مباشرته القطع سدًا للذريعة.

وأخذ بعضُ المالكية من هذا التعليل اختصاص ذلك بما إذا كان مستند السرقة علم السيد أو الإقرار بخلاف ما لو ثبت بالبينة فإنه يجوز للسيد لفقد العلة المذكورة.
وحجة الجمهور: حديث علي المشار إليه قبل، وهو عند مسلم والثلاثة.
وعند الشافعية[206] خلاف في اشتراط أهلية السيد لذلك، وتمسك من لم يشترط بأن سبيله سبيل الاستصلاح فلا يفتقر للأهلية.
وقال ابن حزم[207]: يقيمه السيد إلا إن كان كافرًا، واحتجَّ بأنهم لا يقرون إلا بالصغار، وفي تسليطه على إقامة الحد منافاة لذلك.
وقال ابن العربي[208]: في قول مالك[209] إن كانت الأمة ذات زوج لم يحدها إلا الإمام من أجل أن للزوج تعلقًا بالفرج في حفظه عن النسب الباطل والماء الفاسد، لكن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع.
يعني: حديث عليٍّ المذكور الدال على التعميم في ذات الزوج وغيرها، وقد وقع في بعض طرقه: "من أحصن منهم ومن لم يحصن"[210].
قوله: "ثم بيعوها ولم بضفير"[211]، وفي رواية النسائي: "والضفير الحبل"[212].
وفي رواية أبي داود: قال ابن شهاب: "والضفير: الحبل"[213]، وفي الحديث: أن الزنى عيب يرد به الرقيق للأمر بالحط من قيمة المرقوق إذا وجد منه الزنى، كذا جزم به النووي[214] تبعًا لغيره.

وتوقف فيه ابن دقيق العيد[215]؛ لجواز أن يكون المقصود: الأمر بالبيع ولو انحطت القيمة، فيكون ذلك متعلقًا بأمر وجودي لا إخبارًا عن حكم شرعي؛ إذ ليس في الخبر تصريح بالأمر من حط القيمة، وفيه: أن من زنى فأقيم عليه الحد ثم عاد أعيد عليه، بخلاف من زنى مرارًا فإنه يكتفي فيه بإقامة الحد عليه مرة واحدة على الراجح.

وفيه: الزجر عن مخالطة الفساق ومعاشرتهم، ولو كانوا من الإلزام إذا تكرر زجرهم ولم يرتدعوا، ويقع الزجر بإقامة الحد فيما شرع فيه الحد وبالتعزير فيما لا حد فيه، وفيه: جواز عطف الأمر المقتضي [للندب على الأمر المقتضي] للوجوب؛ لأن الأمر بالجلد واجب، والأمر بالبيع مندوب عند الجمهور[216]، خلافًا لأبي ثور وأهل الظاهر[217].
وادعى بعض الشافعية[218]: أن سبب صرف الأمر عن الوجوب: أنه منسوخ، وممن حكاه ابن الرفعة في "المطلب"، ويحتاج إلى ثبوت[219].

وقال ابن بطال[220]: حمل الفقهاء الأمر بالبيع على الحض على مساعدة من تكرر منه الزنى؛ لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك، ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير أولاد الزنى، قال: وحمله بعضهم على الوجوب، ولا سلف له من الأمة، فلا يستقل به.
وقد ثبت النهي عن إضاعة المال، فكيف يجب بيع الأمة ذات القيمة بحبل من شعر لا قيمة له؟! فدل على أن المراد: الزجر عن معاشرة من تكرر منه ذلك.

وتُعُقِّب: بأنه لا دلالة فيه على بيع الثمين بالحقير، وإن كان بعضهم قد استدل به على جواز بيع المطلق التصرف ماله بدون قيمته ولو كان بما يتغابن بمثله، إلا أن قوله: "ولو بحبل من شعر"[221]، لا يراد به ظاهره، وإنما ذكر للمبالغة، كما وقع في حديث: "من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة"[222] على أحد الأجوبة؛ لأن قدر المفحص لا يسع أن يكون مسجدًا حقيقة، فلو وقع ذلك في عين مملوكة فلا يبيعها وليه إلا بالقيمة، ويحتمل أن يطرد؛ لأن عيب الزنى تنقص به القيمة عند كل أحد، فيكون بيعها بالنقصان بيعًا بثمن المثل، نبَّه عليه القاضي عياض[223] ومن تبعه.

قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه"، وقع في رواية النسائي: أن يُنفي عامًا مع إقامة الحد عليه[184].
والمراد بإقامة الحد: جلد المئة، وأطلق عليها الحد لكونها بنص القرآن، وقد تمسك بهذه الرواية من زعم أن النفي تعزير، وأنه ليس جزءًا من الحدِّ.

وأُجيب: بأن الحديث يفسر بعضه بعضًا، وقد وقع التصريح في قصة العسيف من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم: "أن عليه جلد مئة وتغريب عام"[185]، وهو ظاهر في كون الكل حده.
قال ابن شهاب: وكان عُمر ينفي من المدينة إلى البصرة، وإلى خيبر[186]، وفيه إشارة إلى بعد المسافة وقربها في النفي بحسب ما يراه الإمام، وأن ذلك لا يتقيد.

وفي الحديث: جواز الجمع بين الحد والتعزير خلافًا للحنفية [187]...
إلى أن قال: ولا يلزم من خلو آية النور عن النفي: عدم مشروعيته، كما لم يلزم من خلوها من الرجم ذلك، ومن الحُجج القوية: أن قصة العسيف كانت بعد آية النور؛ لأنها كانت في قصة الإفك وهي متقدمة على قصة العسيف؛ لأن أبا هريرة حضرها، وإنما هاجر بعد قصة الإفك بزمان"[188].

وقال البخاري أيضًا: "باب إذا زنت الأمة".
حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله [بن عتبة]، عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأمة إذا زنت ولم تُحصن، قال: "إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير" .
قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة[189]".

قال الحافظ: "قوله: "باب إذا زنت الأمة"، أي: ما يكون حكمها؟
قوله: "سُئل عن الأمة"، في رواية حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن جاريتي زنت فتبين زناها، قال: "اجلدها"[190].

قوله: "إذا زنت ولم تحصن"، قال الواحدي: قرئ: "المحصنات" في القرآن بكسر الصاد وفتحها إلا في قوله تعالى: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 24] فبالفتح جزمًا.

وقرئ: ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ ﴾ [النساء: 25] بالضم وبالفتح، فبالضم معناه: التزويج، وبالفتح معناه: الإسلام.
وقال غيره: اختلف في إحصان الأمة، فقال الأكثر: إحصانها التزويج، وقيل: العتق.
وعن ابن عباس وطائفة: إحصانها التزويج، ونصره أبو عبيد وإسماعيل القاضي، واحتج له: بأنه تقدم في الآية قوله تعالى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فيبعد أن يقول بعده: فإذا أسلمن، قال: فإن كان المراد بالتزويج كان مفهومه أنها قبل أن تتزوج لا يجب عليها الحد إذا زنت، وقد أخذ به ابن عباس، فقال: لا حدَّ على الأمة إذا زنت قبل أن تتزوج، وبه قال جماعة من التابعين، وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام، وهو وجه للشافعية[191].

واحتجَّ بما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس: ليس على الأمة حد حتى تحصن[192]، وسنده حسن، لكن اختلف في رفعه ووقفه، [والأرجح وقفه] وبذلك جزم ابن خزيمة[193] وغيره، وادعى ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ[194]" أنه منسوخ بحديث الباب.

وتُعقب: بأن النسخ يحتاج إلى التاريخ وهو لم يُعلم، وقد عارضه حديثُ علي: "أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يُحصن"[195].

واختلف أيضًا في رفعه ووقفه، والراجح أنه موقوف، لكن سياقه في مسلم يدل على رفعه، فالتمسك به أقوى، وإذا حمل الإحصان في الحديث على التزويج، وفي الآية على الإسلام حصل الجمع، وقد بيَّنت السنة أنها إذا زنت قبل الإحصان تُجلد.
وقال غيره: التقييد بالإحصان يفيد أن الحكم في حقها الجلد لا الرجم، فأخذ حكم زناها بعد الإحصان من الكتاب، وحكم زناها قبل الإحصان من السُّنة، والحكمة فيه: أن الرجم لا يتنصف، فاستمر حكم الجلد في حقها.

قال البيهقي: ويحتمل أن يكون نصَّ على الجلد في أكمل حاليها ليستدل به على سقوط الرجم عنها، لا على إرادة إسقاط الجلد عنها إذا لم تتزوج، وقد بيَّنت السُّنة أن عليها الجلد وإن لم تحصن[196].

قال ابن بطال[197]: زعم من قال: لا جلد عليها قبل التزويج، بأنه لم يقل في هذا الحديث: "ولم تحصن" غير مالك، وليس كما زعموا.
قال الحافظ: وعلى تقدير أن مالكًا تفرَّد بها فهو من الحفاظ، وزياداته مقبولة، وقد سبق الجواب عن مفهومها.

وقال ابن العربي: المراد من الحديث: الإسراع بالبيع وإمضاؤه، ولا يتربص به طلب الراغب في الزيادة، وليس المراد بيعه بقيمة الحبل حقيقة.
وفيه: أنه يجب على البائع أن يعلم المشتري بعيب السلعة؛ لأن قيمتها إنما تنقص مع العلم بالعيب، حكاه ابن دقيق العيد[224]، وتعقبه: بأن العيب لو لم يعلم لم تنقص القيمة، فلا يتوقف على الإعلام.

واستشكل الأمر ببيع الرقيق إذا زنى مع أن كل مؤمن مأمور أن يرى لأخيه ما يرى لنفسه، ومن لازم البيع أن يوافق أخاه المؤمن على أن يقتني ما لا يرضى اقتنائه لنفسه.
وأُجيب: بأن السبب الذي باعه لأجله ليس محقق الوقوع عند المشتري؛ لجواز أن يرتدع الرقيق إذا علم أنه متى عاد أخرج، فإن الإخراج من الوطن المألوف شاق، ولجواز أن يقع الإعفاف عند المشتري بنفسه أو بغيره.

قال ابن العربي: يُرجى عند تبديل المحل تبديل الحال، ومن المعلوم: أن للمجاورة تأثيرًا في الطاعة وفي المعصية.

قال النووي[225]: وفيه: أن الزاني إذا حُد ثم زنى لزمه حد آخر، ثم كذلك أبدًا، فإذا زنى مرات ولم يُحد فلا يلزمه إلا حد واحد.

قال الحافظ: من قوله: فإذا زنى ابتداء، كلام قاله؛ لتكميل الفائدة وإلا فليس في الحديث ما يدل عليه إثباتًا ولا نفيًا، بخلاف الشق الأول فإنه ظاهر.

وفيه إشارة إلى أن العقوبة في التعزيرات إذا لم يفد مقصودها من الزجر لا تفعل؛ لأن إقامة الحد واجبة، فلما تكرر ذلك ولم يفد عدل إلى ترك شرط إقامته على السيد، وهو الملك؛ ولذلك قال: "بيعوها"، ولم يقل: اجلدوها كلما زنت، ذكره ابن دقيق العيد[226].
وقال: قد تعرَّض إمام الحرمين لشيء من ذلك، فقال: إذا علم المعزر أن التأديب لا يحصل إلا بالضرب المبرح فليتركه؛ لأن المبرح ليهلك وليس له الإهلاك، وغير المبرح لا يفيد.
قال الرافعي: وهو مبنيٌّ على أن الإمام لا يجب عليه تعزير من يستحق التعزير، فإن قلنا: يجب، التحق بالحد فليعزره بغير المبرح وإن لم ينزجر ، وفيه: أن السيد يُقيم الحد على عبده وإن لم يستأذن السلطان"[227].

وقال البخاري أيضًا: "باب لا يُثرب على الأمة إذا زنت ولا تُنفى".
وذكر حديث أبي هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر"[228].

قال الحافظ: "التثريب: التعنيف، وزنه ومعناه، وقد جاء بلفظ: "ولا يعنفها"، وأما النفي فاستنبطوه من قوله: "فليبعها"؛ لأن المقصود من النفي: الإبعاد عن الوطن الذي وقعت فيه المعصية، وهو حاصل بالبيع.

وقال ابن بطال[229]: وجه الدلالة: أنه قال: "فليجلدها"، وقال: "فليبعها"، فدل على سقوط النفي؛ لأن الذي ينفى لا يقدر على تسليمه إلا بعد مدة، فأشبه الآبق.
قال الحافظ: وفيه نظرٌ؛ لجواز أن يتسلمه المشتري مسلوب المنفعة مدة النفي، أو يتفق بيعه لمن يتوجه إلى المكان الذي يصدق عليه وجود النفي.
وقال ابن العربي[230]: تُستثنى الأمة؛ لثبوت حق السيد فيقدم على حق الله، وإنما يسقط الحد؛ لأنه الأصل والنفي فرع.

قال الحافظ: وتمامه أن يقال: رُوعي حق السيد فيه أيضًا بترك الرجم؛ لأنه فوت المنفعة من أصلها بخلاف الجلد، واستمر نفي العبد؛ إذ لا حقَّ للسيد في الاستمتاع به.
واستدلَّ من استثنى نفي الرقيق: بأنه لا وطن له، وفي نفيه قطع حق السيد؛ لأن عموم الأمر بنفي الزاني عارضه عموم نهي المرأة عن السفر بغير المحرم، وهذا خاص بالإماء من الرقيق دون المذكور، وبه احتج من قال: لا يُشرع نفيُ النساء مطلقًا.
واختلف من قال بنفي الرقيق، فالصحيح: نصف سنة، وفي وجه ضعيف عند الشافعية: سنة كاملة[231]. وفي ثالث: لا نفي على رقيق، وهو قول الأئمة الثلاثة[232] والأكثر.

قوله: "إذا زنت الأمة فتبيَّن زناها"، أي: ظهر، وشرط بعضهم أن يظهر بالبيِّنة مراعاة للفظ: تبين.
وقيل: يكتفى في ذلك بعلم السيد.
قوله: "فليجلدها"، أي: الحد الواجب عليها المعروف من صريح الآية: ﴿ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [النساء: 25].
قوله: "ولا يثرب"، أي: لا يجمع عليها العقوبة بالجلد و[بالتعيير][233].
وقيل: المراد لا يقتنع بالتوبيخ دون الجلد، وفي رواية سعيد عن أبي هريرة، عند عبد الرزاق: "ولا يعيرها، ولا يفندها"[234].

قال ابن بطال[235]: يؤخذ منه: أن كل من أُقيم عليه الحد لا يعزر بالتعنيف واللَّوم، وإنما يليق ذلك بمن صدر منه قبل أن يرفع إلى الإمام للتحذير والتخويف، فإذا رُفع وأُقيم عليه الحدُّ كفاه.
قال الحافظ: وقد تقدَّم قريبًا نهيه صلى الله عليه وسلم عن سبِّ الذي أقيم عليه حد الخمر، وقال: "لا تكونوا أعوانًا للشيطان على أخيكم"[236]"[237].
___________
[1] الروض المربع ص 488 و489.
[2] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 26/ 239، وشرح منتهى الإرادات 6/ 182، وكشاف القناع 14/ 39.
[3] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 26/ 257.
[4] المقنع 3/ 452 - 455.
[5] شرح منتهى الإرادات 6/ 182، وكشاف القناع 14/ 39.
[6] أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 479.
[7] الشرح الصغير 2/ 435، وحاشية الدسوقي 4/ 348.
[8] تحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 426.
[9] فتح القدير 4/ 133، وحاشية ابن عابدين 4/ 15.
[10] أخرجه أحمد 5/ 92، وابن أبي شيبة 10/ 82 - 83، والطحاوي 3/ 139، والبيهقي 8/ 212، من طريق حماد بن سلمة، عن سماك، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعز بن مالك ولم يذكر جلدًا.
قلت: سماك هو ابن حرب، قال ابن حجر في التقريب 2639: صدوق ... وقد تغير بأخرة فكان ربما تلقن. وذهب ابن مهدي إلى أن قوله: "ولم يذكر جلدًا" مُدرج من قول حماد بن سلمة، انظر: العلل ومعرفة الرجال 3/ 62.
[11] أخرجه مسلم 1695، من حديث بريدة رضي الله عنه، ولم يذكر فيه الجلد.
[12] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 26/ 239.
[13] في الأصل: "يرجم"؛ والصواب ما أثبت، كما في الحاشية.
[14] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 231.
[15] الإشراف 7/ 252 4701.
[16] أخرجه مسلم 1690.
[17] أخرجه مسلم 1690، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
[18] فتح القدير 4/ 176، وحاشية ابن عابدين 4/ 25، والشرح الصغير 2/ 423، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 427، وشرح منتهى الإرادات 6/ 182 و183، وكشاف القناع 14/ 41.
[19] فتح القدير 4/ 176، وحاشية ابن عابدين 4/ 25، والشرح الصغير 2/ 423، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 427، وشرح منتهى الإرادات 6/ 182 و183، وكشاف القناع 14/ 41.
[20] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 320.
[21] تحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 427.
[22] فتح القدير 4/ 130، وحاشية ابن عابدين 4/ 17.
[23] شرح منتهى الإرادات 6/ 189، وكشاف القناع 14/ 41.
[24] فتح القدير 4/ 130، وحاشية ابن عابدين 4/ 17، والشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 112، ونهاية المحتاج 7/ 429، وشرح منتهى الإرادات 6/ 185، وكشاف القناع 14/ 46.
[25] فتح القدير 4/ 117، وحاشية ابن عابدين 4/ 5، والشرح الصغير 2/ 421، وحاشية الدسوقي 4/ 313، وشرح منتهى الإرادات 6/ 165، وكشاف القناع 14/ 7.
[26] تحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 426.
[27] شرح منتهى الإرادات 6/ 181 و182، وكشاف القناع 14/ 41.
[28] أخرجه مسلم 1690، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
[29] فتح القدير 4/ 130، وحاشية ابن عابدين 4/ 17 و18.
[30] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321.
[31] تحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 427.
[32] المجموع 22/ 44.
[33] شرح منتهى الإرادات 6/ 183، وكشاف القناع 14/ 40 و41.
[34] شرح منتهى الإرادات 6/ 184، وكشاف القناع 14/ 45.
[35] تحفة المحتاج 9/ 111، ونهاية المحتاج 7/ 429.
[36] حاشية المقنع 3/ 453 - 455، وانظر الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 26/ 243 - 247.
[37] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 26/ 261.
[38] فتح القدير 4/ 112 و113، وحاشية ابن عابدين 4/ 4، والشرح الصغير 2/ 421، وحاشية الدسوقي 4/ 313، وتحفة المحتاج 9/ 103، ونهاية المحتاج 7/ 423، وشرح منتهى الإرادات 6/ 181، وكشاف القناع 14/ 39.
[39] فتح القدير 4/ 117، وحاشية ابن عابدين 4/ 5، والشرح الصغير 2/ 421، وحاشية الدسوقي 4/ 313، وتحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 426، وشرح منتهى الإرادات 6/ 165، وكشاف القناع 14/ 7.
[40] فتح القدير 4/ 130، وحاشية ابن عابدين 4/ 17.
[41] الشرح الصغير 3/ 423، وحاشية الدسوقي 4/ 313.
[42] تحفة المحتاج 9/ 108 و109، ونهاية المحتاج 7/ 427.
[43] شرح منتهى الإرادات 6/ 182، وكشاف القناع 14/ 40 و41.
[44] فتح القدير 4/ 130 و131، وحاشية ابن عابدين 4/ 17 و18، والشرح الصغير 2/ 423 وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 108 و109، ونهاية المحتاج 7/ 426 و427، وشرح منتهى الإرادات 6/ 182، وكشاف القناع 14/ 40 و41.
[45] فتح القدير 4/ 133، وحاشية ابن عابدين 4/ 15.
[46] الشرح الصغير 2/ 435، وحاشية الدسوقي 4/ 320.
[47] تحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 426.
[48] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 26/ 239.
[49] شرح منتهى الإرادات 6/ 182، وكشاف القناع 14/ 39.
[50] فتح القدير 4/ 125، وحاشية ابن عابدين 4/ 13، والشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321، وتحفة المحتاج 9/ 109، ونهاية المحتاج 7/ 428، وشرح منتهى الإرادات 6/ 184، وكشاف القناع 14/ 43.
[51] فتح القدير 4/ 134 - 136، وحاشية ابن عابدين 4/ 15.
[52] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321 و322.
[53] تحفة المحتاج 9/ 109، ونهاية المحتاج 7/ 428.
[54] شرح منتهى الإرادات 6/ 184، وكشاف القناع 14/ 43 و44.
[55] انظر: تحفة المحتاج 9/ 109، ونهاية المحتاج 7/ 428.
[56] الإفصاح 4/ 3 - 10.
[57] فتح القدير 4/ 133، وحاشية ابن عابدين 4/ 18.
[58] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321.
[59] تحفة المحتاج 9/ 108 و109، ونهاية المحتاج 7/ 427.
[60] فتح القدير 4/ 133، وحاشية ابن عابدين 4/ 18.
[61] شرح منتهى الإرادات 6/ 183، وكشاف القناع 14/ 40.
[62] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321.
[63] تحفة المحتاج 9/ 108 و109، ونهاية المحتاج 7/ 427.
[64] الشرح الصغير 2/ 421، وحاشية الدسوقي 4/ 313.
[65] تحفة المحتاج 9/ 108 و109، ونهاية المحتاج 7/ 427.
[66] شرح منتهى الإرادات 6/ 191، وكشاف القناع 14/ 60.
[67] فتح القدير 4/ 156، وحاشية ابن عابدين 4/ 31.
[68] الإفصاح 4/ 12 - 14.
[69] فتح القدير 4/ 121، وحاشية ابن عابدين 4/ 11، والشرح الصغير 2/ 423 و424، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 107 و108، ونهاية المحتاج 7/ 426، وشرح منتهى الإرادات 6/ 181، وكشاف القناع 14/ 39.
[70] فتح القدير 133، وحاشية ابن عابدين 4/ 15، والشرح الصغير 2/ 435، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 426، وشرح منتهى الإرادات 6/ 182، وكشاف القناع 14/ 39.
[71] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 26/ 239.
[72] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 231.
[73] أخرجه البخاري 6824، ومسلم 1693، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[74] مسلم 1696، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
[75] البخاري 6819، ومسلم 1699، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[76] مسلم 1695، من حديث بُريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
[77] لم يخرجه مسلم، وأخرجه البخاري 6812، وأحمد 1/ 93 و107 و141 و153، والطحاوي 3/ 140، من طريق سلمة بن كهيل، عن الشعبي، به.
[78] أخرجه مسلم 1690.
[79] فتح القدير 4/ 121، وحاشية ابن عابدين 4/ 11، والشرح الصغير 2/ 423 و424، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 107 و108، وشرح منتهى الإرادات 6/ 181، وكشاف القناع 14/ 39.
[80] الشرح الصغير 2/ 423، وحاشية الدسوقي 4/ 320.
[81] فتح القدير 4/ 130 و131، وحاشية ابن عابدين 4/ 17 و18.
[82] تحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 427.
[83] البخاري 6841، ومسلم 1699.
[84] فتح القدير 4/ 125، وحاشية ابن عابدين 4/ 13، والشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321، وتحفة المحتاج 9/ 109، ونهاية المحتاج 7/ 428، وشرح منتهى الإرادات 6/ 184، وكشاف القناع 14/ 43.
[85] فتح القدير 4/ 134، وحاشية ابن عابدين 4/ 15.
[86] تحفة المحتاج 9/ 109، ونهاية المحتاج 7/ 428.
[87] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321 و322.
[88] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 322.
[89] مسلم 1690.
[90] البخاري 6828، ومسلم 1698.
[91] فتح القدير 4/ 130، وحاشية ابن عابدين 4/ 5، والشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 112، ونهاية المحتاج 7/ 429، وشرح منتهى الإرادات 6/ 185، وكشاف القناع 14/ 46.
[92] فتح القدير 4/ 130، وحاشية ابن عابدين 4/ 5، والشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 112، ونهاية المحتاج 7/ 429، وشرح منتهى الإرادات 6/ 185، وكشاف القناع 14/ 46.
[93] البخاري 6838، مسلم 1704.
[94] فتح القدير 4/ 130، وحاشية ابن عابدين 4/ 5، والشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 112، ونهاية المحتاج 7/ 429، وشرح منتهى الإرادات 6/ 185، وكشاف القناع 14/ 46.
[95] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 239 و240.
[96] بداية المجتهد 2/ 400 - 402.
[97] البخاري 6812.
[98] البخاري 6813.
[99] البخاري 6814.
[100] المفردات ص 121.
[101] الإجماع 632.
[102] فتح القدير 4/ 176، وحاشية ابن عابدين 4/ 25، والشرح الصغير 2/ 423، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 427، وشرح منتهى الإرادات 6/ 182 و183، وكشاف القناع 14/ 41.
[103] تقدم تخريجه 8/ 215.
[104] فتح القدير 4/ 130، وحاشية ابن عابدين 4/ 17، والشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321، وتحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 427، وشرح منتهى الإرادات 6/ 182، وكشاف القناع 14/ 40.
[105] الشرح الصغير 2/ 425، وحاشية الدسوقي 4/ 323.
[106] فتح القدير 4/ 131، وحاشية ابن عابدين 4/ 17.
[107] شرح منتهى الإرادات 6/ 182، وكشاف القناع 14/ 40.
[108] 10/ 67 و68.
[109] شرح صحيح البخاري 8/ 431 و432.
[110] فتح القدير 4/ 121، وحاشية ابن عابدين 4/ 11، والشرح الصغير 2/ 423، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 107 - 108، ونهاية المحتاج 7/ 426، وشرح منتهى الإرادات 6/ 181، وكشاف القناع 14/ 39.
[111] أخرجه مسلم 1690.
[112] البخاري 7323، ومسلم 1691، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[113] مصنف ابن أبي شيبة 10/ 105.
[114] مصنف ابن أبي شيبة 10/ 104.
[115] تقدم تخريجه 9/ 30.
[116] علل ابن أبي حاتم 4/ 456 1369.
[117] ابن أبي شيبة 10/ 105.
[118] شرح مشكل الآثار 9/ 443 3832، وأخرجه أيضًا أحمد 1/ ، وابن ماجه 2564، والترمذي 1462.
[119] أحمد 4/ 292، وأبو داود 4457، والترمذي 1362، والنسائي 6/ 109 - 110، وابن ماجه 2607.
قال الترمذي: حديث حسن غريب.
[120] ابن ماجه 2608، والدارقطني 3/ 200.
[121] الاستذكار 4/ 473 و474.
[122] الاعتبار 2/ 708 334.
[123] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 234.
[124] الإشراف 7/ 252 4701.
[125] فتح القدير 4/ 133، وحاشية ابن عابدين 4/ 15، والشرح الصغير 2/ 423، وحاشية الدسوقي 4/ 320، وتحفة المحتاج 9/ 108، ونهاية المحتاج 7/ 426.
[126] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 26/ 238، وشرح منتهى الإرادات 6/ 182، وكشاف القناع 14/ 39.
[127] مسلم 1690.
[128] البخاري 6824، ومسلم 1695.
[129] الأم 7/ 190.
[130] الأوسط 12/ 430.
[131] أخرجه البخاري 1513، ومسلم 1334، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[132] أخرجه أحمد 4/ 10 - 12، وأبو داود 1810، وابن ماجه 2906 والترمذي 930، والنسائي 5/ 111 2637، من طرق عن شعبة قال: سمعت النعمان بن سالم، قال: سمعت عمرو بن أوس يحدث عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه، به.
قال أحمد: لا أعلم في إيجاب العُمرة حديثًا أجود منه، ولا أصح منه.
قال الدارقطني والبيهقي في خلافياته: رواته ثقات.
انظر: تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج 2/ 127 1044.
[133] البخاري 6815، ومسلم 1691، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[134] الأوسط 12/ 428.
[135] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 234 و235.
[136] التمهيد 4/ 276.
[137] ابن ماجه 2553، من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، به. قال النسائي عقب حديث 7118: لا أعلم أن أحدًا ذكر في هذا الحديث: "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة" غير سفيان، وينبغي أن يكون وهْم، والله أعلم.
قلت: وأصله في الصحيحين: البخاري 6829 و6830 و7323، ومسلم 1691 بلفظ: "إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف".
وللحديث طُرق أخرى انظرها في البدر المنير 8/ 583، والسلسلة الصحيحة 7/ 114 2913.
[138] إكمال المعلم 5/ 505.
[139] شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 189.
[140] فتح الباري 12/ 118 - 120.
[141] البخاري 6841.
[142] أحكام القرآن لابن العربي 2/ 126.
[143] فتح الباري 12/ 166 - 170.
[144] البخاري 6825.
[145] البخاري 6826.
[146] المنتقى شرح الموطأ 3/ 333.
[147] فتح القدير 4/ 191، وبدائع الصنائع 7/ 44. وشرح منتهى الإرادات 6/ 210، وكشاف القناع 14/ 86.
[148] مسلم 1693، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[149] فتح الباري 12/ 136.
[150] في الأصل "الحدود"، والمثبت من صحيح البخاري.
[151] البخاري 6831.
[152] البخاري 6832.
[153] البخاري 6833.
[154] ابن أبي شيبة 10/ 81.
[155] الأوسط 12/ 429 9123.
[156] مصنف عبد الرزاق 7/ 329 13361.
[157] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321، وتحفة المحتاج 9/ 109، ونهاية المحتاج 7/ 428، وشرح منتهى الإرادات 6/ 184، وكشاف القناع 14/ 43 و44.
[158] فتح القدير 4/ 134، وحاشية ابن عابدين 4/ 15.
[159] تحفة المحتاج 9/ 112، ونهاية المحتاج 7/ 429.
[160] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 232 و233.
[161] تحفة المحتاج 9/ 112، ونهاية المحتاج 7/ 429.
[162] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 322.
[163] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 26/ 258 و259، وشرح منتهى الإرادات 6/ 184، وكشاف القناع 14/ 44.
[164] البخاري 3696، ومسلم 1698، من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما.
[165] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321، وتحفة المحتاج 9/ 109، ونهاية المحتاج 7/ 428، وشرح متهى الإرادات 6/ 184، وكشاف القناع 14/ 43 و44.
[166] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 322.
[167] شرح معاني الآثار 3/ 137.
[168] البخاري 1862، ومسلم 1341، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[169] فتح القدير 4/ 125، وحاشية ابن عابدين 4/ 13، والشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321، وتحفة المحتاج 9/ 109، ونهاية المحتاج 7/ 428، وشرح منتهى الإرادات 6/ 184، وكشاف القناع 14/ 43.
[170] الشرح الصغير 3/ 439، وحاشية الدسوقي 4/ 354.
[171] البخاري 2671، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[172] شرح منتهى الإرادات 6/ 169، وكشاف القناع 14/ 18.
[173] فتح القدير 4/ 134، وحاشية ابن عابدين 4/ 15.
[174] مسلم 1690.
[175] أخرجه الطبراني 11/ 178 11134.
قال الهيثمي في المجمع 7/ 2: رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف.
[176] ابن أبي شيبة 10/ 64.
[177] الأوسط 12/ 444.
[178] شرح منتهى الإرادات 6/ 175، وكشاف القناع 14/ 27.
[179] الشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 320.
[180] الأم 6/ 167، ومغني المحتاج 4/ 152.
[181] ابن أبي شيبة 10/ 60 و61.
[182] الترمذي 1438، والنسائي في الكبرى 4/ 323، والحاكم 4/ 410.
قال الترمذي: حديث غريب.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" 4/ 61 1767: صحححه ابن القطان ورجح الدارقطني وقفه.
[183] لم أقف عليه.
[184] النسائي في الكبرى 4/ 298 7237.
[185] البخاري 3696، ومسلم 1698، من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما.
[186] أخرجه البيهقي 8/ 222.
[187] فتح القدير 4/ 134، وحاشية ابن عابدين 4/ 15.
[188] فتح الباري 12/ 157 - 159.
[189] البخاري 6837 - 6838.
[190] رواه النسائي في الكبرى 4/ 301 7254.
[191] الحاوي الكبير 13/ 242 و243.
[192] الطبراني في الأوسط 1/ 153 478.
قال الهيثمي في المجمع 6/ 270: رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح؛ غير عبد الله بن عمران؛ وهو ثقة.
[193] أخرجه عنه البيهقي في معرفة السنن والآثار 12/ 335 16911.
[194] ص 501 673.
[195] أخرجه مسلم 1705.
[196] مصنف عبد الرزاق 7/ 395 13610.
[197] شرح صحيح البخاري 8/ 471.
[198] أخرجه البخاري 2234، ومسلم 1703.
[199] فتح القدير 4/ 129، وحاشية ابن عابدين 4/ 13.
[200] تحفة المحتاج 9/ 116، ونهاية المحتاج 7/ 433.
[201] مصنف عبد الرزاق 7/ 395 13610.
[202] الشرح الصغير 2/ 425، وحاشية الدسوقي 4/ 322.
[203] حاشية الدسوقي 4/ 323، وشرح منح الجليل 4/ 500.
[204] المهذب 2/ 346.
[205] حاشية الدسوقي 4/ 323، وشرح منح الجليل 4/ 500.
[206] تحفة المحتاج 9/ 116، ونهاية المحتاج 7/ 433.
[207] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 164.
[208] أحكام القرآن لابن العربي 1/ 518.
[209] الشرح الصغير 2/ 425، وحاشية الدسوقي 4/ 322.
[210] مسلم 1705.
[211] البخاري 6838.
[212] النسائي في الكبرى 4/ 301 7255، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[213] أبو داود 4469.
[214] شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 212.
[215] إحكام الأحكام 2/ 442.
[216] المنتقى شرح الموطأ 7/ 146، وتحفة المحتاج 9/ 116، ونهاية المحتاج 7/ 433.
[217] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 166 و167.
[218] الأم 8/ 644.
[219] في هامش الأصل: "لعله: ثبوت التاريخ".
[220] شرح صحيح البخاري 8/ 474.
[221] البخاري 6839، مسلم 1703، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[222] أخرجه ابن ماجه 738، وابن خزيمة 1292، من طريق عبد الله بن وهب، عن إبراهيم بن نشيط، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، به.
قال البوصيري في الزوائد 1/ 94: هذا إسناد صحيح.
وأخرجه أحمد 1/ 241 من طريق شعبة، عن جابر، عن عمار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به. = قال الهيثمي في المجمع 2/ 7: فيه جابر الجعفي وهو ضعيف.
[223] إكمال المعلم 5/ 537.
[224] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 2/ 239 و240.
[225] شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 211.
[226] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 2/ 240.
[227] فتح الباري 12/ 163 - 165.
[228] البخاري 6839.
[229] شرح صحيح البخاري 8/ 472.
[230] أحكام القرآن لابن العربي 1/ 463.
[231] تحفة المحتاج 9/ 112، ونهاية المحتاج 7/ 429.
[232] فتح القدير 4/ 134، وحاشية ابن عابدين 4/ 15، والشرح الصغير 2/ 424، وحاشية الدسوقي 4/ 321 و322، وشرح منتهى الإرادات 6/ 185، وكشاف القناع 14/ 46.
[233] في الأصل: "التغريب"، والمثبت من الفتح.
[234] مصنف عبد الرزاق 7/ 392 13597.
[235] شرح صحيح البخاري 8/ 474.
[236] البخاري 6781، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[237] فتح الباري 12/ 165 - 166.
************************************************************************************
الآية الرابعة
{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [الإسراء:35]

يحرم دم المسلم وقتله بغير حق كذلك يحرم مالهُ بغير حق ويحرم عرضه لأن الله سبحانه وتعالى حرَّم المسلم على أخيه المسلم فلا يجوز لمسلم أن يعتدي على أخيه أو ينقص حقهُ أو ينتهك عرضه لأن المسلم له حرمة عند الله وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حرمة المسلم عند الله أعظم من حرمة الكعبةالبيت الحرام، قال الله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ* أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:1-6]، والويل: هو العذاب والخسارة توعد الله بهِ المطففين، ثم بين من هم المطففون، فقال: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} إذا كان لهم حقوق على الناس أخذوها وافية لا ينقص منها شيء وإذا كان للناس عليهم حقوق فإنهم ينقصونها ويبخسونها ولا يعطونهم حقوقهم كاملة سواءً كان هذا في الكيل أو الوزن أو كان في غير ذلك من سائر المعاملات، والله جل وعلا أمر بإيفاء المكاييل والموازين {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [الإسراء:35]، و قد أهلك الله أمةً من الأمم بسبب نقص المكاييل وهم قوم شعيب فإن الله أهلكهم بتطفيف المكاييل والموازين وعاقبهم عقوبة شديدة بسب ذلك مع شركهم بالله عز وجل وهذا مذكور في أكثر من موضع من القرآن الكريم لنعتبر بهِ ونتعض بهِ والله جل وعلا قال لنا: {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ* فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ* وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} الرحمن:10-12]، وقال قبلها سبحانه: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ* أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن:7-9]، فنهى عن الأمرين، نهى عن الزيادة إذا أخذت من الناس شيئاً واستوفيته فلا تأخذ أكثر مما تستحق، وإذا أوفيت الناس فلا تنقصهم بل أعطهم حقهم كاملاً فكما أنك لا ترض أن ينقصوا حقك فكيف تنقصهم حقوقهم : {وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن:9]، يعني لا تنقصوه ولا تبخسوه، ثم توعد من يبخسون المكاييل والموازين بأنهم سيجازون يوم القيامة {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ} [المطففين:4]، الذين يبخسون المكاييل الموازين ألا يعتقدون {أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} [المطففين:4]، {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} [المطففين:4]، من قبورهم بعد موتهم، مبعوثون لأي شيء؟ {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:5]، يوم القيامة، يوم الجزاء والحساب، متى؟ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ} [المطففين:6]، يقومون من قبورهم يقومون في المحشر على أقدامهم، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، حافيةً أقدامهم، عاريةً أجسامهم، شاخصةً أبصارهم إلى السماء من شدة الهول، تدنو منهم الشمس، ويُلجمهم العرق، ويطول عليهم الوقوف أقل ما قيل أنهُ أربعون سنة وهم واقفون على أقدامهم ولا يكلمهم الله من شدة الغضب، لا يكلمهم الله، ولا يدرون ماذا يُصنع بهم، فإذا طال عليهم الوقوف طلبوا من الله بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم أن يفصل بينهم وأن يريحهم من الموقف إما إلى الجنة وإما إلى النار لشدة ما يقاسون، وطول المقام، والزحمة، والضنك الشديد، موقف عظيم وصفه الله بأنه يوم عظيم {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:4-5]، يقومون حفاة عراة عطشى، يعرقون من شدة الهول، ينتظرون ماذا يُفعل بهم، ماذا يكون المجرم في هذا اليوم، ما ذا يكون الذي بخس الناس أموالهم و أكل حقوقهم،

ماذا يكون حالهُ في هذا اليوم والعياذ بالله، فليتذكر هذا اليوم كل من ارتكب هذه الجريمة مع الناس، وليس هذا خاصاً بالكيل والوزن بل هذا يشمل كل من يتنقص أموال الناس إما بأن يعطيهم الأكياس على أنها كاملة وهي مبخوسه مسحوب منها، مع الأسف أن الكفار يملؤونها ويوفونها ثم يأتي المسلم ويبخس منها ويستل منها من هذا ومن هذا حتى يكوِّن منها أكياساً أخرى، أو يقول هذه السلعة أصلية وهي تقليد قد يضع عليها كتابة مزورة أو غلافٌ مزور ويقول هذه أصلية وهي تقليد ناقص ثم يأخذ مال أخيه بغير حق ويعتبر هذا من الحذق في البيع والشراء والذي يبيع على الناس بالوفاء والتمام يقول هذا مغفل ولا يُحسن التصرف ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولذلك أصبح الصدق في المعاملات اليوم غريباً والصدوق لا يسلك مع الناس اليوم، لا يمشي مع الناس الصدوق لأنهم يخونونه ويُفسدون عليه معاملته، وكذلك من البخس لحقوق الناس الذين يستأجرون الأجراء والعمال يستوفون منهم العمل ولا يعطونهم أجرتهم أو ينقصونها أو يؤخرونها،

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة يكون خصمهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وذكر منهم من استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يوفه حقه سيكون النبي صلى الله عليه وسلم خصمه ومن خاصمه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يخصمه، فليتق الله أولئك الذين يتلاعبون في حقوق العمال و يهددنهم بالتسفير، يهددنهم بالطرد، يهددنهم بكل وعيد، لأنهم ضعفاء ليس لهم ناصر إلا الله سبحانه وتعالى، فعلى المسلمين أن يتنبهوا لهذا الأمر المخيف، كذلك من التطفيف والتخسير أن يبيع السلع على أنها سليمة وهي مغشوشة من الداخل يخفي عيبها ولا يذكره للمشتري ويأخذ منه الثمن كاملاً على أن سلعة سليمة وهي معيبة، مر النبي صلى الله عليه وسلم على بائع طعام فأدخل صلى الله عليه وسلم يده في الطعام فوجد في أسفله بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء أي المطر، يا رسول الله، قال: هلاَّ جعلته ظاهراً حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا من غشنا فليس منا،

فيجب على البائع أن يُظهر ما في السلعة من العيوب ليدخل المشتري على بصيرة ويكون الثمن مناسباً لحالتها أما أن يبيعها على أنها سليمة ويأخذ ثمنها وافياً ثمن السليم وهي معيبة فهذا من الغش والخيانة ونقص الناس حقوقهم، بخس الناس حقوقهم، وهذا يأتي في السيارات وما أكثر ما يذكر عن أصحاب معارض السيارات من الخيانات والكذب والتدليس والتحايل يذكر عنهم الشيء الكثير، ماذا يذكر عن أصحاب العقارات العقاريين وكيف يبيعون الأراضي ويبيعون السلع وكيف يغشون ويخدعون، فاتقوا الله عباد الله في إخوانكم احترموا أموالهم، أعطوهم حقهم وافياً كما تأخذون حقكم منهم وافياً، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، ما بالك بمن يبيعون الخضار في صناديق ثم يأتون بالتالف والمعيب فيجعلونه في أسفل الصناديق ويختارون السليم والجيِّد ويجعلونه في أعلى الصناديق أو الأوعية ويشتريه المشتري بناءً على ظاهره و أسفلهُ تالف أو فاسد ثم يأخذ منه الثمن كاملاً ألا يتقي الله هؤلاء، ألا يظن هؤلاء {أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:4-6]،

 وجاء في الحديث الصحيح أن أناسأً يوم القيامة يأتون بأعمال صالحة أمثال الجبال ويأتي وقد ظلم هذا وقد ضرب هذا وأخذ مال هذا فيقتص لهذا من حسناته ولهذا من حسناته ولهذا من حسناته حتى تفنى أعماله التي كأمثال الجبال يأخذها الغرماء يوم القيامة وإذا بقي لهم شيء فإنه تؤخذ من سيئاتهم ثم تطرح على هذا الظالم، تطرح عليه ثم يطرح في النار، فالأمر خطير، والأمر شديد، اتقوا الله في إخوانكم، أيضاً اتقوا الله في أموالكم فإنكم ستحاسبون يوم القيامة من أين اكتسبته وفيما انفقته، ستحاسب عن مالك يوم القيامة كما في الحديث الصحيح يقال لك: من أين اكتسبته وفيما أنفقته ، فما هو جوابك يوم القيامة؟، فاتقوا الله عباد الله، احترموا أموال الناس، تعاملوا مع الناس بالصدق والأمانة وإلا فإنكم ستندمون، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]،

 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق