الاثنين، 11 ديسمبر 2017

الجزء الثامن - الربع الرابع - الأحكام الفقهية



الأحكام الفقهية الخاصة بالورد الاسبوعي كثيرة
أولا: الوفاء بالوعد تكلمنا عنها في بداية المائدة.
ثانيا: بر الوالدين تكلمنا عنه في سورة البقرة.
ثالثا: العدل تكلمنا عنه في  النساء.
رابعا : توفية الكيل و الميزان من الممكن أن نتحدث فيه مع سورة المطففين ( بارك الله لنا جميعا في أعمارنا ).
خامسا : الإخلاص و إخلاص العبادة.

إن شاء الله سنتحدث هنا عن النقطة الخامسة

"قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"

من أعظم أعمال القلوب هو إخلاص الأعمال والأقوال لله وحده، والقلب الخالي عن الإخلاص قلبٌ مجرد عن محبة الله مهما أظهر المرء من العبادات، وذلك أن القلب هو محل نظر الله -عز وجل-، قال ابن القيم -رحمه الله-: لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فاقبل على الطمع أولاً فأذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص، وفي الصحيح عنه: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم».

وإخلاص العمل واجبٌ على العبد بنص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الزمر: 11-12].

قال القرطبي -رحمه الله-: "وفي هذا دليلٌ على وجوب النية في العبادات، فإن الإخلاص من عمل القلب وهو الذي يراد به وجه الله-تعالى- لا غيره". ولذلك لم يكن الإخلاص والبعد عن الرياء بالسهل على النفس، إنما هو من أصعب الأعمال وأشقها على النفس، ويحتاج إلى مجاهدة ومحاسبة، يقول ابن تيمية-رحمه الله -: "ولهذا كان الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل" وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتفش إن أعطى رضي وإن منع سخط».فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الدرهم وعبد الدينار وعبد القطيفة وعبد الخميصة

تعريف الإخلاص:
خلص الشيء بالفتح يخلص خُلوصاً وخَلاصاً، إذا كان قد نشب ثم نجا وسلم، وأخلصه وخلَّصه، وأخلص دينه: أمحضه، وأخلص الشيء اختاره، وقُرِىء: ﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: 40],
 قال ثعلب: يعني بالمخلصين الذين أخلصوا العبادة لله تعالى، وبالمخلصين الذين أخلصهم الله -عز وجل-؛ ولذلك قيل لسورة قل هو الله أحد: سورة الإخلاص، قال ابن الأثير: سميت بذلك؛ لأنها خالصةٌ في صفة الله - تعالى وتقدس- أو لأن اللافظ بها قد أخلص التوحيد -عز وجل- وكلمة الإخلاص: كلمة التوحيد، والتخليص: التنجية من كل منشب تقول خلصته من كذا تخليصا: أي نجيته تنجية فتخلص، وتخلصه تخلصاً، كما يتخلص الغزل إذا التبس، والإخلاص في الطاعة: ترك الرياء، وقد أخلصت الدين واستخلص الشيء كأخلصه، والخالصة: الإخلاص، وخلُص إليه الشيء: وصل، وخلَص الشيء بالفتح: يخلص خلوصا أي صار خالصاً وخلص الشيء خلاصا، والخلاص يكون مصدرا للشيء الخالص.

الإخلاص في الشرع:

الإخلاص: هو التوحيد ويقال الإخلاص هو تصفية النية في طاعة الله تعالى.

والمخلص: بالكسر الذي أخلص العبادة عن الشرك والرياء أو أخلص نفسه وأسلم وجهه لله وبالفتح الذي أخلصه الله الرسول الذي معه كتاب من الأنبياء.

إفراد المعبود بالقصد في كل ما أمر بالتقرب به إليه.

وقال النووي -رحمه الله-: "وروينا عن الأستاذ أبي القاسم القشيري- رحمه الله تعالى- قال: الإخلاص إفراد الحق في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله -تعالى- دون شيء آخر، من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة أو مدح من الخلق، أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى، قال: ويصح أن يقال: الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، وعن حذيفة المرعشي -رحمه الله تعالى-: الإخلاص استواء أفعال العبد في الظاهر والباطن، وعن ذي النون -رحمه الله تعالى- قال: ثلاثٌ من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية العمل في الأعمال، واقتضاء ثواب الأعمال في الآخرة، وعن الفضيل بن عياض -رضي الله عنه- قال: "ترك العمل لأجل الناس رياء،والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".

وعن سهل التستري -رحمه الله تعالى- قال: "نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله -تعالى- وحده، لا يمازجه شيء لا نفس ولا هوى ولا دنيا"، وقال ابن القيم -رحمه الله-: "الْإِخْلاصَ هو تَجْرِيدُ الْقَصْدِ طَاعَةً لِلْمَعْبُودِ".

قال الزمخشري: "المخلص بالكسر الذي أخلص العبادة عن الشرك والرياء أو أخلص نفسه وأسلم وجهه لله وبالفتح الذي أخلصه الله الرسول الذي معه كتاب من الأنبياء".

 الفرق بين النية والإخلاص، وبين الإخلاص والصدق:
الإخلاص والنية كلاهما من أعمال القلوب، وهما أساس قبول الأعمال أو ردها، إلا أن هناك فرقاً بينهما يذكره ابن القيم -رحمه الله- قائلاً: "فواجبُ القلب منه متفقٌ على وجوبه ومختلف فيه: فالمتفق على وجوبه كالإخلاص والتوكل والمحبة والصبر والإنابة والخوف والرجاء والتصديق الجازم، والنية في العبادة وهذه قدرٌ زائدٌ على الإخلاص، فإن الإخلاص هو إفراد المعبود عن غيره

ويذكر ابن القيم -رحمه الله- الفرق بين الإخلاص والصدق، فيقول: "وقد تنوعت عبارتهم في الإخلاص و الصدق، والقصد واحد، فقيل: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة، وقيل تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، وقيل التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك، و الصدق التنقي من مطالعة النفس، فالمخلص لا رياء له، والصادق لا إعجاب له، ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق ولا الصدق إلا بالإخلاص ولا يتمان إلا بالصبر، وقيل من شهد في إخلاصه الإخلاص احتاج إخلاصه إلى إخلاص، فنقصان كل مخلص في إخلاصه بقدر رؤية إخلاصه فإذا سقط عن نفسه رؤية الإخلاص صار مخلصاً، وقيل: الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والرياء أن يكون ظاهره خيراً من باطنه، والصدق في الإخلاص أن يكون باطنه أعمر من ظاهره، وقيل الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق، ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله".

فأعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية، وهي كمال الانقياد للرسول مع كمال الإخلاص للمرسل.

أ- الإخلاص سبب قبول الأعمال، ومن لم يكن عمله خالصاً لوجه الله فإنه لا يكون مقبولاً عند الله سبحانه وتعالى: فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله», فالأعمال تبع للنية، وإن كان العمل موافقاً للشرع فإنه لا يكفي حتى يكون مقبولاً، فلا بد مع ذلك من إخلاص العمل لله تعالى،

قال ابن القيم: "قال الفضيل بن عياض: هو أخلصه وأصوبه قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً: لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً والخالص: أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة". ولا يقبل الله العبادات إلا مع الإخلاص

ب- بالإخلاص يؤجر العبد على جميع أعماله الصالحة، والمباحات تتحول إلى عبادات مع النية الحسنة وابتغاء العمل وجه الله، قوله- صلى الله عليه وسلم-: «ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك» قال: قلت يا رسول الله: أخلف بعد أصحابي؟ قال: «إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون».

قال النووي -رحمه الله-: فيه استحباب الإنفاق في وجوه الخير، وفيه أن الأعمال بالنيات وأنه إنما يثاب على عمله بنيته، وفيه أن الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى، وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله -تعالى- صار طاعة ويثاب عليه، وقد نبه -صلى الله عليه وسلم- على هذا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «حتى اللقمة تجعلها في امرأتك»؛ لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة".

ج- في الإخلاص نجاة من النار، وذلك أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف سابقاً، فالعمل الكثير من دون الإخلاص ليس كافياً لإحباط العمل فحسب، بل يؤدي إلى التهلكة، وهو طريق إلى الجحيم، نسأل من الله العلي العظيم، أن يوفقنا لطاعته بمنه وكرمه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق