قال عز و جل : ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾
أحكام النظر في الإسلام
أولًا: حكم النظر للنساء الأجنبيات:
يحرمُ على الرجل تعمُّدُ النظر إلى المرأة الأجنبية، ولو بدون شهوةٍ؛ لقول الله تعالى:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].
أما النظرُ إلى المرأة بشهوةٍ، فهو الزنا الأصغر، فإن لكل جارحة زنا؛ فمَن نظر إلى امرأة بشهوة فقد زنَتْ عيناه، ومَن صافح امرأةً بشهوة فقد زنت يداه، ومَن استمع إلى امرأة بشهوةٍ فقد زنتْ أذناه.
فقد روى مسلمٌ في صحيحه مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((كُتِب على ابن آدم نصيبَه من الزنا، مُدرِكٌ ذلك لا محالة؛ فالعينانِ زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْل زناها الخُطى، والقلبُ يهوى ويتمنَّى، والفرج يصدقُ ذلك ويُكذِّبه)).
أما إذا وقع بصره على امرأة دون قصد، فليصرف بصره، ولا إثم عليه؛ لِمَا رواه مسلمٌ في صحيحه عن جَرير بن عبدالله، قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرفَ بصري.
ثانيًا: حكمُ النظر إلى المرأة المحجبة:
لا ينبغي للرجل أن يتأمل قَوامَ المرأة ولو مُحجَّبة لا يظهر منها شيءٌ؛ لأن ذلك ذريعةٌ إلى الافتتان بها.
ولأن الشيطانَ يُزيِّنها حتى لو كانت مُحجَّبة؛ لما رواه الترمذي - بسند صحيح - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المرأة عورةٌ، إذا خرجت استشرفها الشيطان)).
وفي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال مِن النساء))، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمعٌ)، اللهم قنا الفتن ما ظَهَر منها وما بَطَن.
ثالثًا: حكمُ النظر إلى صورة المرأة الأجنبية:
يحرُمُ النظر إلى صورة المرأة الأجنبية، سواء أكانتْ صورةً فوتوغرافية، أو في مجلة، أو على شاشة التلفاز، أو نحو ذلك؛ لأنه سببٌ في الافتتان بها، وسببٌ أيضًا لانطباعِ تلك الصورة الآثمةِ في قلب الناظر، فيفسد القلب بذلك.
ولقد صدق القائل:
كل الحوادثِ مَبْداها مِن النظرِ
ومعظمُ النارِ مِن مُستصغرِ الشررِ
كم نظرةٍ فتكتْ في قلبِ صاحبِها
فَتْكَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وترِ!
وسئل شيخُنا ابن باز رحمه الله عن حكم النظر إلى صور النساء في المجلات، فقال: يحرُمُ ذلك؛ لِما يترتب عليه مِن الفتنة، ولأن الآية عَمَّتْ كل النساء؛ مُصورات وحقيقيات؛ ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ... ﴾ [النور: 30].
رابعًا: هل يجوز للطبيب أن ينظرَ إلى شيء مِن بدن المرأة، أو يمسَّه للعلاج؟
لا يجوز للطبيب أن ينظرَ إلى شيء مِن بدن المرأة ولا مسه، ولو بغرض العلاج إلا بشروط:
1 - ألا توجد طبيبةٌ تقوم بذلك، فإن وُجِدتْ حرُم عليه علاجُها، ووجب أن يدلَّهم عليها.
2 - ألا يخلوَ بها، بل يدخل مع المريضةِ زوجُها أو مَحْرَمُها؛ ففي الصحيحين عن ابن عباس مرفوعًا: ((لا يخلونَّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو مَحْرم)).
3 - ألا يرى مِن جسمها إلا مقدار الحاجة، فإن زاد عنها حَرُم.
4 - أن يُخشَى على المرأة الهلاك أو الضرر الذي لا يُحتمل.
5 - أن يأمَن الطبيبُ الافتتانَ بها عند مداواتها، فإن خشي الافتتان بها حَرُمَ عليه مداواتها؛ وذلك لأن دَرْء المفاسد مُقدَّمٌ على جَلْب المصالح.
خامسًا: حكمُ وصف المرأة امرأةً أُخرى لزوجها:
لا يجوز للمرأة أن تصفَ امرأةً أخرى لزوجها، فتقول مثلًا: زوجة فلانٍ شعرُها أملس، أو مجعدٌ، أو عيناها خضراوان، أو نحيفةٌ، أو بدينةٌ، أو طويلة، أو قصيرة، ونحو ذلك؛ لِمَا رواه البخاريُّ وغيرُه عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُباشِر المرأة المرأة فتنعَتها لزوجِها كأنه ينظر إليها)).
سادسًا: حكم نظر الخاطب إلى مَن يريد خطبتَها:
يجوزُ لمَن يُريد أن يخطبَ امرأةً أن ينظُر منها إلى الوجه والكفين؛ لِما رواه مسلمٌ عن أبي هريرة قال: كنتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجلٌ، فأخبَرَه أنه تزوَّج امرأةً مِن الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنظرتَ إليها؟))، قال: لا، قال: ((فاذهَبْ، فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا)).
وروى أحمد والترمذي - وهو حسَنٌ بشواهده - عن المغيرة أنه خطب امرأة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظُرْ إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤْدَمَ بينكما)).
روى أحمد - بسند حسَن - عن جابر بن عبدالله قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا خطب أحدُكم المرأة، فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إليها؛ فليفعل)).
ماذا يرى منها؟
ذهب جمهورُ العلماء إلى أن الخاطب لا ينظرُ إلا إلى الوجه والكفَّينِ فقط؛ فبالوجه يستدلُّ على الجمال مِن عدمه، وبالكفين يستدل على خصوبة البدن مِن عدمه.
هل يجوز أن يُوكِّلَ امرأةً تنظر إليها ثم تصفها له؟
نعم، يجوز له ذلك بشرط أن تكونَ امرأةً أمينةً حتى لا تصفَها لغيره ممن لا يريد خطبتها، كمَن كان مسافرًا فكلَّف أخته ترى له امرأة بعينها وتصفها له.
سابعًا: حكم النظر للصبية الصغيرة:
(يجوز النظر للصبية الصغيرة حتى تبلغ تسع سنين، فإذا بلغتْ تسعًا جاز النظر إليها أيضًا ما لم تُشْتَهَ، فإذا اشتهاها حرم عليه أن ينظر إليها، فإذا بلغت حرُم النظر إليها ولو بغير شهوةٍ).
ثامنًا: حكمُ نظر الصبي إلى المرأة:
يجوز للصبي المُميِّز أن ينظرَ إلى المرأة إلى أن يبلغ عشر سنين، فإذا بلغ عشرًا لا تُبْدي له إلا الوجه والكفين، وتغطي ما دون ذلك، فإذا بلغ اثنَي عشرًا عامًا - أي: قارب البلوغ - تحجَّبتْ عنه تمامًا؛ لأن حكمه كالبالغ حينئذٍ
عورة الرجل على الرجل:
يجوز أن ينظر الرجل إلى الرجل ما عدا من السرة إلى الركبة؛ لحديث: ((الفَخِذُ عورة))، فبعض من يلعب الكرة يُظهِر فخذه، وهذا لا ينبغي، وبعض العمال والفلاحين يظهرون أفخاذهم أثناء العمل، وهذا لا ينبغي.
المواضع التي يجوزُ للرجل أن يراها من محارمه:
لا يجوز أن يرى الرجلُ مِن محارمه كابنته، وأخته، وأمه، وعمته، وخالته، ونحوهن - إلا الوجه، والرأس، والعنق، والذراعين، ونصف الساقين؛ لأنها مواضع الزينة مِن المرأة،
ولذلك لا ينبغي للمرأة أن تُظهر ثديها، وترضع ولدها أمام محارمها؛ كأخيها وأبيها ونحوهما.
*********************************************************************************************
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
زينة المرأة و محارمها
الزينة أمام الزوج.
أباح الله للمرأة أن تظهر زينتها أمام زوجها، وجمهور الفقهاء على جواز نظر كل من الزوجين للآخر، وإذا أبيح النظر أبيح للمرأة أن تبدي زينتها، بل رغب الإسلام المرأة في حسن التبعل لزوجها عَنْ أَبِي أُمَامَةَ-رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: )مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ.(سرَّته) أي: لحسنها ظاهرا أو لحسن أخلاقها باطنا أو لدوام اشتغالها بطاعة الله والتقوى.
الزينة أمام المحارم.
المرأة تبدي زينتها أمام محارمها ،وقد اختلفت آراء الفقهاء فيما تظهره المرأة من زينتها الباطنة لمحارمها –ماعدا الزوج- بناء على خلافهم في تحديد عورة المرأة أمام محارمها وسنعرض الأقوال حسب المذاهب الأربعة المشهورة:
المذهب الحنفي : عورة المرأة أمام محارمها الظهر والبطن وما بين السرة والركبة، وعلى هذا يباح لها أن تبدي جميع زينتها الباطنة أمامهم من شعرها أو صدرها أو عضدها أو قدمها أو ساقها ماعدا ما بين السرة والركبة والبطن والظهر.
المذهب المالكي والحنبلي والشافعي في وجه: عورة المرأة أمام محارمها ما عدا الوجه وأطراف القدمين والكوعين والشعر من الرأس وما أشبه ذلك، وعلى هذا يباح لها أن تبدي ما يظهر غالبا من بدنها عند المهنة كالتاج في الرأس، والسوار في الذراع، والخاتم و الخضاب في الكف ونحوه.
المذهب الشافعي: عورة المرأة أمام محارمها ما بين السرة والركبة، وعلى هذا تبدي جميع زينتها الباطنة أمامهم ما عدا ما بين السرة والركبة.
الأدلة في المسألة:
دليل المذهب الحنفي: قوله تبارك وتعالى: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ...﴾.
وجه الدلالة: نهاهن سبحانه وتعالى عن إبداء الزينة مطلقا، واستثنى سبحانه إبداءها للمذكورين في الآية الكريمة منهم ذو الرحم المحرَّم والاستثناء من الحظر إباحة في الظاهر، والزينة نوعان: ظاهرة وهو الكحل في العين والخاتم في الأصبع والفَتَخَة للرِّجل.
وباطنة: وهو العصابة للرأس والعقاص للشعر والقرط للأذن والحمائل للصدر والدملوج للعضد والخلخال للساق، وقد ذكر سبحانه وتعالى الزينة مطلقة فيتناول النوعين جميعا فيحل النظر إليها بظاهر النص .
ويجاب عنه: أنه استدلال بمحل النزاع.
أدلة المذهب المالكي والحنبلي والشافعي في وجه عندهم:
1-قال تعالى: ﴿لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ..﴾ .
وجه الدلالة: دلت الآية على رفع الإثم عن المرأة في وضع حجابها أمام محارمها وعليه سيبدو من بدنها ما يظهر غالبا كالرأس واليدين والقدم ،وعلى ذلك يجوز إبداء زينتها فيما يظهر غالبا من بدنها.
2-عن سهلة بنت سهيل–رضي الله عنها- قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، فكانَ يَأْوِي مَعِي وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ، فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَيَرَانِي فُضْلًا، وَقَدْ أَنْزَلَ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «أَرْضِعِيهِ» الحديث.
وجه الدلالة: دليل على أنه كان ينظر منها إلى ما يظهر غالبا، فإنها قالت: يراني فُضْلا ومعناه: في ثياب الْبِذْلَةِ التي لا تستر أطرافها.
دليل المذهب الشافعي:
قال تعالى: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ...﴾ الآية.
وجه الدلالة: أن الزينة مُفَسَّرَة فيما عدا ما بين السرة والركبة.
يجاب عنه: أن هذا الدليل محل النزاع.
الترجيح:
بعد النظر في أقوال المذاهب وأدلتهم يتبين –والله أعلم- أن قول المذهب المالكي والحنبلي والشافعي في وجه عندهم هو الراجح لقوة أدلتهم، والرد على أدلة المذاهب الأخرى، ثم الحاجة تدعو إلى النظر إلى ما يظهر غالبا من المرأة خلاف ما لا يظهر غالبا – ما بين السرة والركبة- والفتنة بظهوره متوقعة وقد جاء الشرع بسد الذرائع ودرء المفاسد.
الزينة أمام النساء المسلمات.
اختلف العلماء –رحمهم الله– في ما تظهره المرأة من زينتها الباطنة أمام المسلمات:
القول الأول: جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة قالوا: أنه يباح للمرأة أن تبدي جميع زينتها الباطنة ما عدا ما كان بين السرة والركبة.
توجيه أصحاب هذا القول:
لأنه ليس في نظر المرأة إلى المرأة خوف الشهوة والوقوع في الفتنة ، لوجود المجانسة لأن المرأة لا تشتهي المرأة كما لا يشتهي الرجل الرجل، ولأن الضرورة داعية إلى الانكشاف فيما بينهن . لأن عورة المرأة أمام المرأة من السرة إلى الركبة.
القول الثاني: وجه في المذهب الشافعي شاذ ضعيف ، ورواية في المذهب الحنفي أنه يباح للمرأة النظر إلى المرأة كما ينظر المحرم إليها، وعلى هذا تبدي من زينتها الباطنة ما يظهر منها غالبا.
ويوجه هذا القول بما يأتي:
1- أن التحرز من إبداء زينة هذه المواضع لا يمكن أمام النساء، لكثرة المخالطة.
2- أن ما لا يظهر غالبا لا تدعو الحاجة إلى كشفه، فضلا عن الضرورة، وإذا كان كذلك فلا تبدي زينة هذه المواضع.
الترجيح:
من خلال عرض الأقوال وأدلتها يتبين –والله أعلم بالصواب- رجحان القول الأول القائل: بأن عورة المرأة أمام المرأة ما بين السرة والركبة، ولكن ليس معنى هذا إطلاق العنان للمرأة في التعري وإظهار مفاتنها، فإن أحكام اللباس غير أحكام العورة يظهر ذلك من خلال فتاوى العلماء " يجب أن يكون عليها ثياب ساترة حتى لا تدخل في الحديث الصحيح (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات لا يدخلون الجنة ولا يجدن ريحها) قال أهل العلم:كاسيات عاريات يعني عليها كسوة لكنها خفيفة لا تستر أو عليها كسوة لكنها قصيرة أو عليها كسوة لكنها ضيقة فعورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل هذا المعروف عند أهل العلم فلا يحل للمرأة أن تنظر من المرأة الأخرى ما بين السرة والركبة؛ لكن على الثانية المنظورة أن تلبس الثياب التي يشرع لها لبسها وهي الثياب الساترة لأن ترك النساء يستعملن من الثياب ما شئن ويقلن إن عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل غير صحيح. " .
" وليس يعنى ذلك أن المرأة ليس عليها من الثياب إلا ما بين السرة والركبة فإن هذا لم يفهمه أحد، وأي واحد يستطيع أن يقول إن نساء المسلمين كن يقتصرن على لبس السروال أو إزار يستر ما بين السرة والركبة والباقي يكون خارجاً من يقول هذا؟ بل نساء الصحابة كما أسلفت عن شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله يلبسن من القمص ما يستر ما بين الكف والكعب لكن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة اللابسة إذا بدا شيء من عورتها عند قضاء الحاجة أو غير ذلك فإنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورتها" .
الزينة أمام الكافرات أو الكتابيات.
اختلف الفقهاء فيما تبديه المرأة من زينتها أمام الكافرات وسنعرض أقوال الفقهاء حسب المذاهب الأربعة:
المذهب الحنفي: الذمِّية كالرجل الأجنبي في النظر إلى بدن المسلمة ، وسيأتي ذكر العورة أمام الرجل الأجنبي في المسألة التالية.
المذهب المالكي: عورة المسلمة مع المرأة الكافرة جميع جسدها إلا وجهها وكفيها، إلا أن تكون تلك المرأة أمَتَها فعورتها ما بين السرة والركبة.
المذهب الشافعي: تحتجب مسلمة عن كافرة وجوبا فيحرم نظر الكافرة إليها لقوله تعالى: ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾، والكافرة ليست من نساء المؤمنات ولأنها ربما تحكيها للكافر، وفي وجه عندهم يجوز أن ترى منها ما يبدو عند المهنة.
المذهب الحنبلي: المرأة مع الكافرة تنظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة لأن النساء الكوافر كن يدخلن على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يحتجبن ولا أمرن بحجاب.
الأدلة في المسألة:
خلاف الفقهاء في ما تظهره المرأة أمام الكافرات بناء على خلافهم في تفسير قوله تعالى: ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾، فمن قال: أن المقصود بالنساء هن المسلمات فقط، فلا يُجَوِزون للمرأة أن تظهر زينتها أمام غير المسلمة، ومن قال: أن المقصود به جنس النساء عموما فإنه يجوز لغير المسلمة أن ترى من المسلمة ما تراه المسلمة منها، ويظهر -والله أعلم- أن المرأة تظهر من زينتها الباطنة ما يظهر منها غالبا أمام الكافرات وهذا ما تدعو إليه الحاجة بدون تضييق عليها، والقول بهذا لا يمنع المرأة من الاحتياط إن خشيت الفتنة؛ لأن المرأة مع المرأة إن خشيت الفتنة لا يميز بين مسلمة أو غيرها، أو خشيت أن تصفها للرجال فتمنع من كشف شيء من جسدها، والله تعالى أعلم.
الزينة أمام الأجانب.
المذهب الحنفي والمالكي والشافعي: لا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه والكفين.
دليلهم:
1- قوله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ إلا أن النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة وهي الوجه والكفان رخص بقوله تعالى: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ والمراد من الزينة مواضعها ومواضع الزينة الظاهرة الوجه والكفان فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف.
2- روت عائشة أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: (يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه).
المذهب الحنبلي في ظاهر كلام أحمد:
يحرم النظر إلى جميعها.
استدلوا بعدة أدلة:
قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ) .وفي إباحة النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها دليل على التحريم عند عدم ذلك، إذ لو كان مباحا على الإطلاق، فما وجه التخصيص لهذه؟!، وأما حديث أسماء إن صح فيحتمل أنه كان قبل نزول الحجاب، فنحمله عليه.
الراجح:
المذهب الحنبلي القائل بأن المرأة تستتر أمام الأجانب عنها لقوة أدلتهم –والله تعالى أعلم-.
الزينة في نظر الشرع، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الترغيب في الزينة.
أباح الإسلام للمرأة التزين والتجمل، بل ورغب فيها إذا كان أمام زوجها؛ لكنه ضبط هذه الزينة بضوابط بحيث تكون مقبولة في نظر الشرع، ومن هذه الضوابط:
1/أن لا تتعارض هذه الزينة مع نص شرعي:
الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم ، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ﴾ فإذا ورد نص على تحريم شيء ما مما يُستخدم في الزينة فعلى المرأة أن تتجنبه.
2/ أن لا يكون فيها تشبه بالرجال:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) هذا الحديث أصل في تحريم تشبه النساء بالرجال فيما هو من خصائص الرجال والعكس، وقد لعن صلى الله عليه وسلم فاعله
3/أن لا تتشبه بالكافرات:
حذر الإسلام من التشبه بغير المسلمين قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم).
4/أن لا تتزين بما فيه ضرر:
إذا تبين أن ما تستخدمه المرأة لزينتها فيه ضرر عليها فإنه لا يجوز لها استخدامه لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا ضرر ولا إضرار).
الزينة المستحبة.
الإسلام دين النظافة والجمال، اعتنى بالنظافة وحث عليها، وهناك خصال خصّها الإسلام، وحث عليها، لأنها متضمنة لكمال النزاهة والطهارة، وجمال المنظر وهي خصال الفطرة التي قال فيها النبي-صلى الله عليه وسلم-: (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان، و الاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب).
وسيكون الحديث عن ما يخص المرأة من هذه الخصال:
1- الختان: هو إزالة ما على فرج الأنثى كعُرْف الديك، وهو مَكْرمة في حق الإناث ليس بواجب عليهن، وقد استحسنه الأطباء المعاصرون إذا كان وفق التعاليم النبوية.
2- الاستحداد: وهو حلق العانة، وهي الشعر الخشن الذي ينبت حول القبل، سمي بذلك لاستعمال الحديدة فيه وهي الموسى، وإزالته كمال للنظافة والطهارة، ووقاية من الأمراض والالتهابات.
3- نتف الإبط: وهو إزالة الشعر النابت في الإبط بهدف النظافة وإزالة الرائحة الكريهة، والنتف أفضل من الحلق لنص الحديث عليه.
4- تقليم الأظفار: والمراد به قطع ما طال عن اللحم منها، وينبغي الاستقصاء في إزالتها إلى حد لا يدخل فيه ضرر على الإصبع، والحكمة من حث الشرع على قص الأظافر لأن الوسخ يجتمع تحت الظفر فيستقذر، وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارتين، وللبعد من مشابهة الحيوان ذي المخالب.
********************************************************************************************
اللباس وأحكامه في الشرع
اللباس المباح، والمستحب، والواجب
اللباس في الإسلام يحقق غرضين أساسيين هما: ستر العورة، والتجمل، ويختلف حكمه من حين لآخر باختلاف الأحوال.
اللباس المباح: هو الثوب الجميل للتزين به لا سيما في الجمع والأعياد، ومجامع الناس، يستدل لذلك بقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، سِوَى ثَوْبِ مِهْنَتِهِ).
اللباس المستحب: هو ما يحدث به أصل الزينة وإظهار النعمة، يستدل لذلك بقول الله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.
اللباس الواجب: هو ما يستر العورة، ويدفع الحر والبرد، وستر العورة هو المقصود في قول الله عز وجل: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً﴾ ، فالآية تدل على وجوب ستر العورة.
كما أن الإنسان مأمور بأن يدفع عن نفسه الحر والبرد، إذ لولا دفعهما لهلك، فيأخذ من اللباس ما يقي به نفسه من ضررهما.
اللباس المكروه، والمحرم.
اللباس المكروه: اللباس المكروه ما خالف زي العرب وأشبه زي العجم ، وذكر بعض العلماء أن اللباس المكروه لباس الشهرة، ويُقصد به بشكل عام المترفع الخارج عن العادة، وقد كان السلف يكرهونه.
اللباس المحرم: وهو قسمان: فمنه ما يحرم على الرجال فقط دون النساء كلبس الحرير، ومنه ما يحرم عليهما معا كلباس الشهرة عند البعض، والتشبه لكل من الجنسين بالآخر، والتشبه بالكفار.
شروط اللباس الشرعي
الشرط الأول: أن يستوعب اللباس جميع البدن
وذلك ليكون ساتراً للعورة، وللزينة التي نهيت المرأة عن إبدائها، فإن القصد الأول من اللباس هو الستر ثم الزينة، ولباس المرأة لابد أن يكون ساتراً لوجهها وكفيها وقدميها وسائر جسمها – إذا كانت خارج الصلاة وبحضرتها أجانب.
الشرط الثاني: ألا يكون اللباس ضيقاً يصف جسمها
وذلك أن الغرض من اللباس – كما سبق – ستر العورة، ومواضع الزينة، وهذا إنما يكون بالثوب الواسع، أما الثوب الضيق فإنه – وإن كان يستر لون البشرة – فإنه يصف جسم المرأة أو بعضه، فالواجب على المرأة أن تهتم بستر بدنها وتقاطيع جسمها، والتساهل في ذلك من أعظم أسباب الفساد ودواعي الفتنة.
الشرط الثالث: ألا يشبه لباس الرجال
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) ، فإن لثوب الرجل صفات أهمها أن يكون فوق الكعبين أو إلى أنصاف الساقين، ولا شك أن قصر ثوب المرأة يؤدي إلى ظهور عورتها من القدم والساق ونحوهما وظهور زينتها إذا قامت، أو انحنت، أو جلست، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية الضابط في تشبه الرجل بالمرأة، وتشبه المرأة بالرجل، وبيَّن أن ذلك يرجع إلى الأغلب، فما كان من اللباس غالبه للرجال نُهيت عنه المرأة، وما كان غالبه للمرأة نُهي عنه الرجل، مع اعتبار أن النساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور، والرجل بضد ذلك، وليس الأمر راجعاً على مجرد ما يختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه، فالفارق بين لباس الرجال ولباس النساء هو ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء.
الشرط الرابع: ألا يشبه لباس الكافرات:
وذلك بأن تفصِّل المرأة المسلمة لباسها تفصيلاً يتنافى مع حكم الشرع وقواعده في موضوع اللباس مما ظهر في هذا العصر وانتشر باسم "الموديلات" التي تتغير كل يوم من سيء إلى أسوأ! والشريعة إذا نهت عن التشبه بالكفار دخل في النهي ما عليه الكفار قديماً وحديثاً وبهذا نعلم أن ما عليه الكفار في هذا الزمان من الأخلاق والعادات التي تختص بهم مما لم يكن معروفاً من قبل فنحن منهيين عنه.
الشرط الخامس: ألا يكون زينة في نفسه: كما يحدث الآن من بعض الفتيات هداهن الله ـ باسم الموضة التي حلقت حتى بالحجاب الشرعي، وذلك بتزيينه بالقصب، والجلد، والفصوص، والخرز، وغير ذلك مما يغص به المجتمع المسلم، والمسلمة منهية عن الثبات اللافتة للأنظار وخصوصًا أنظار الرجال، لقوله تعالى: { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } [النور:31] وحيث إنها منهية عن إبداء الزينة فكيف تلبس ما هو زينة؟! وهذا داخل في التبرج، ومن أكبر أسباب الفتنة، وعوامل الفساد والله سبحانه يقول: { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [الأحزاب:33]، وقد ذكر العلماء أن كلمة التبرج إذا استعملت فلها ثلاثة معان:
1ـ أن تظهر للأجانب مفاتنها.
2ـ أن تظهر لهم محاسن ثيابها وحليها.
3ـ أن تظهر للأجانب نفسها في مشيتها وتمايلها.
وكون الزي زينة في نفسه فهو داخل في النوع الثاني من التبرج وهنا يجب الإشارة إلى أمر هام وهو أن يكون لبس المرأة ضافيًا على جميع بدنها يستره جميعًا، وأن تكون العباءة غليظة لا تكشف ما تحتها من شكل الثوب ولونه وأن تكون مضمومة، بحيث لا تترك للهواء أن يعبث بها.
حكم لبس الذهب، والفضة، وغيرها من الحلي.
يباح للمرأة أن تتزين بالحلي مهما كان نوعه في حدود المشروع بلا إسراف ولا مباهاة، سواء من الذهب أو الفضة أو غيرهما من اللؤلؤ والياقوت والزمرد والألماس ونحوها، ولا فرق في الذهب بين المحَلَّق كالسوار والخاتم، وغير المحَلَّق كالقلادة والقرط، لعموم الأدلة الشرعية، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾.
قال مجاهد في تفسير هذه الآية: رخص للنساء في الذهب والحرير وقرأ: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ يعني: المرأة ، "أجمع المسلمون على أنه يجوز للنساء لبس أنواع الحلي من الفضة والذهب جميعاً كالطوق والعقد والخاتم والسوار والخلخال، وغيره وكل ما يعتدن لبسه ولا خلاف في شيء من هذا".
و لكن مع العمل بقوله عز و جل "وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ"
حكم لبس الحلي التي فيها ذكر الله عز وجل.
لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً نقش عليه: ( محمد رسول الله )، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة، ونقش فيه محمد رسول الله، وقال للناس: (إني اتخذت خاتما من فضة، ونقشت فيه محمد رسول الله، فلا ينقش أحد على نقشه). "وأما قوله: (نقشه محمد رسول الله) ففيه جواز نقش الخاتم ونقش اسم صاحب الخاتم وجواز نقش اسم الله تعالى هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وعن بعضهم كراهة نقش اسم الله تعالى وهذا ضعيف.
قال العلماء: وله أن ينقش عليه اسم نفسه أو ينقش عليه كلمة حكمة وأن ينقش ذلك مع ذكر الله تعالى". لكن يجب على المرأة إذا لبست الحلي المكتوب عليه لا إله إلا الله، أو غير ذلك من ذكر الله تعالى أن تقوم بصيانته من الامتهان، وعدم تعريضه للمَواطن التي لا تليق به كأن تنام عليه، أو تدخل به في أماكن يُكره دخولها بشيء فيه كلام الله أو كُتب عليه اسم الله، كمواطن الخلاء ونحوها.
حكم لبس الحلي التي فيها صور وأشكال الكائنات الحية وغيرها.
جمهور العلماء على تحريم صور ذوات الأرواح سواء كانت في حلي أو لباس أو غيره لورود الوعيد الشديد فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها اشترت نُمْرُقَةً فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فَعَرَفْتُ، أَوْ فَعُرِفَتْ في وجهه الكراهية، فقالت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال هذه النُّمْرُقَةِ؟) فقالت: اشتريتها لك، تقعد عليها وتَوَسَّدُهَا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم) ثم قال: (إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة).
**********************************************************************************************
الزينة المتعلقة بالشعر، والأظافر، وأحكامها
القصات.
شعر المرأة هو زينتها وعنوان جمالها. فعليها أن تُعْنى به إبقاء وتنظيفاً وترجيلاً، وقد وقع الخلاف بين أهل العلم في حكم قص المرأة شعرها فيرى بعضهم أنه يجوز للمرأة أن تخفف شعر رأسها استدلالاً بما ورد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رءوسهن حتى تكون كالوَفْرَة".
"الوَفْرَة أشبع وأكثر من اللُّمَّةِ، وَاللُّمَّةُ مَا يَلِمُّ بالمنكبين من الشعر، وقيل: الوَفْرَة أقل من اللُّمَّةِ وهي ما لا يجاوز الأذنين، وقيل: الوَفْرَة ما على الأذنين من الشعر، وفيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء".
وذهب فريق من علماء الحنابلة إلى أن قص المرأة شعرها مكروه من غير عذر. قال في الإقناع: (ويُكره حلق رأسها وقصه من غير عذر).
والأظهر في هذه المسألة – والله أعلم – أنه يجوز للمرأة أن تخفف من شعرها بدلالة حديث أبي سلمة، على وجه لا يكون فيه تشبه بالكافرات ولا بالرجال.
صبغة الشعر.
الصبغ ليس من الأمور الحادثة، بل قد عُرف منذ القدم لمعنى جمالي أيضا، غيرَ أنه لم يُعرف تغيير اللون الأسود إلى ألوان أخرى، بل عُرف لتغيير الشيب وبياض الشعر إلى غير اللون الأسود، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، قال: أُتِيَ بأبي قُحَافَة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثُّغَامَة بياضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد).
الحديث يدل على مشروعية صبغ شيبة الرأس لتغيير لونها، "ويحرم خضابه بالسواد على الأصح وقيل: يكره كراهة تنزيه، والمختار التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم: (واجتنبوا السواد) هذا مذهبنا".
استعمال الصبغات الحديثة.
الأصل في الصبغات المستعملة لتزيين شعر المرأة الجواز، لكن يخرج بعض هذه الصبغات عن هذا الأصل لما استجد عليها من أشياء تخالف الشرع، وعلى ذلك جواز استعمالها يخضع للقيود الآتية:
1/عدم وجود الضرر في هذه الصبغات، فإن وجد الضرر كانت الحُرمة.
2/أن لا يكون في هذه الصبغات ما يظهر التشبه بأهل الكفر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم).
3/أن لا يكون في اتخاذ هذه الصبغات نوع من التدليس والخداع، كأن تكون امرأة لم تتزوج، وأثَّر في جمال شعرها تقدم السن، أو عوامل أخرى فتتخذ هذه الصبغات حِيلة حتى يرغب فيها الأزواج، ويظهر حسنها ولمعان شعرها.
4/ أن لا تكون هذه الصبغات مشتملة على مواد عازلة تمنع وصول الماء إلى الشعر، فإن كانت مشتملة على ذلك فإنه لا بد من إزالتها حال الوضوء أو الغسل
أحكام تزيين الشعر.
1) وصل الشعر بشعر:
اعتنت المرأة منذ القدم بشعرها وتسريحه، ولطول الشعر ميزة خاصة للمرأة جعلها تحرص على أن يكون شعرها طويلا جميلا؛ لذلك قد تعمد بعض النساء إلى وصل شعرها، والوصل معناه: أن تصل المرأة شعرها بشعر آخر، وإليك أختاه الحكم في هذه المسألة.
عن عائشة أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت فتَمَرَّطَ شعرها فأرادوا أن يَصِلُوا، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ (فلعن الواصلة والمستوصِلة).
قال في المنهاج : " الواصلة فهي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر، والمستوصِلة التي تطلب من يفعل بها ذلك، ويقال لها موصولة، وهذه الأحاديث صريحة في تحريم الوصل ولعن الواصلة والمستوصِلة مطلقا " فلا يجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر آخر بقصد التزيين، سواء كان من شعرها أو من شعر غيرها، وسواء كان شعر أدمي أو غيره.
لبس "الباروكة":
"الباروكة" لفظة أجنبية معناها: الشعر المستعار، والحديث السابق دليل على أنه لا يجوز لبسها بجميع أنواعها، لأنها وإن لم تكن وصلاً لكنها تظهر شعر المرأة على وجه أطول من حقيقته، فهي أشد من الوصل.
أضف إلى ذلك أن فيها تشبهاً؛ لأن ظهورها كان في أوروبا، ثم انتقلت على المسلمين عن طريق التقليد والإعجاب بما عليه الغربيون من خير أو شر! ولا فرق بين كون "الباروكة" شعراً صناعياً، أو شعر امرأة أخرى، أو شعر المرأة الأصلي الذي سبق قصه؛ لأن هذه الفروق لا تؤثر في تغيير الحكم ما دام أن العلة موجودة، وهي تغيير خلق الله تعالى، والتشبه باليهود، والتزوير والتدليس.
ويرى بعض العلماء أن المرأة إذا لم يكن على رأسها شعر أصلاً وهي "القرعاء" جاز لها لبس "الباروكة" لستر هذا العيب؛ لأن إزالة العيوب جائزة ، والممنوع إنما هو قصد التجميل.
تعلية الشعر فوق الرأس:
من الأمور التي استحدثت ولم تعرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم في حديث هو من معجزات النبوة عن صنفين لم يرهما، فقال صلى الله عليه وسلم: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا).
وورود هذين الصنفين في الحديث كان في معرض الذم لهما، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (مِنْ أَهْلِ النَّارِ)، وورد فيه العقوبة (لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا).
جاء في شرح قوله: (مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ)
" مَائِلَاتٌ يتمشطن المشطة الميلاء وهي مشطة البغايا معروفة لهن، واختار القاضي أن المائلات تمشطن الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءِ قال: وهي ضَفْرُ الْغَدَائِرِ وشدها إلى فوق وجمعها في وسط الرأس فتصير كأسنمة البخت، مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة، رؤوسهن كأسنمة البخت فمعناه يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس حتى تشبه أسنمة الإبل البُخْت. وهذا يدل على أن المراد بالتشبيه بأسنمة البخت إنما هو لارتفاع الغدائر فوق رؤوسهن وجمع عقائصها هناك وتكثرها بما يضفرنه حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس كما يميل السنام ".
صبغة الأظافر.
طلاء الظافر يسمى لدى العامة "موناكير"، والكلمة كما يبدو من نطقها ليست عربية، وتطلق على مادة سائلة ملونة لزِجة، تصبغ بها المرأة أظفارها، فتجف بعد فترة مكونة طبقة عازلة للظفر.
ولأنه نوع مستحدث من الزينة، فإنا لا نجد له حكما في عبارات الفقهاء، فإن كان هذا الطلاء مضراً فإنه يمنع لضرره، وإن لم يكن كذلك فإنه يباح لأن الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد دليل على النهي.
وإليك فتوى من المشايخ المعاصرين في هذا:
" المناكير ينبغي تركها لأنها تغطى الأظفار وتمنع الماء فينبغي تركها، لكن إذا استعملتها المرأة وأزالتها عند الوضوء فالأمر في هذا واسع، ولكن لا ينبغي أن تبقى وقت الوضوء؛ لأنها تمنع الماء ".
******************************************************************************************
الزينة المتعلقة بالوجه
حكم النمص.
تعريف النَّمَص: رقة الشعر ودقته حتى تراه كالزَّغَب، والنمص: نتف الشعر. النامصة التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمصة: هي التي تفعل ذلك بنفسها.
وفي الحديث: عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه– قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله".
" وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل يستحب عندنا ".
وهذه فتوى العلماء المعاصرين حول النمص:
"شعر الحاجبين لا يجوز أخذه، ولا قصه، ولا نتفه؛ لأن الرسول-صلى الله عليه وسلم- (لعن النامصات والمتنمصات)، ذكر أهل العلم، أن النمص أخذ شعر الحاجبين بمنقاش، أو غيره، فإذا قصه، أو حلقه، صار أقبح وأشد في الإثم، والنمص منكر ومعصية للرسول -صلى الله عليه وسلم-، فلا يجوز فعله ".
"أخذ الزائد من الحواجب ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون منكر عن طريق النتف فهذا لا يجوز، لأنه من النمص الذي لعن النبي -صلى الله عليه وسلم-فاعلته، وإذا كان بطريق القص فقد قال بعض العلماء: إنه من النمص أيضاً فيدخل في اللعنة أيضاً، وقال آخرون: ليس من النمص فلا يدخل في اللعنة ولكنه مع هذا لا ينبغي إلا إذا كانت الحواجب كثيرة الشعر بحيث إنها تضفي على العين ظلمة وقصراً في النظر فهذا لا بأس أن تزيل ما يخشى منه هذا المحظور".
حكم التزين بأدوات التجميل (المكياج).
يباح للمرأة أن تتزين بما ظهر في هذا العصر من وسائل التجميل من الأصباغ والمساحيق، هذا هو الأصل لعموم الأدلة الدالة على أن المرأة تتزين بما ليس فيه محذور شرعي كالحناء والخضاب ونحوهما، لكن على المرأة مراعاة ما يلي:
الأول: ألا تكون بقصد التشبه بالكافرات، إذ لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتشبه بالكافرة فيما يختص بها من أمور الزينة.
الثاني: ألا يكون هناك ضرر من استعمالها على الجسم، لأن جسم الإنسان ليس ملكاً له.
الثالث: ألا تصل على حد المبالغة، لأن الإكثار فيها يضر بالبشرة. أو يدخل في دائرة الإسراف المذموم.
وهذه فتوى كبار العلماء المعاصرين في المسألة:
" المكياج إذا كان لا يضر الوجه فلا حرج، من باب الزينة، إذا كان لا يضر الوجه ولا يسبب ضرراً فلا حرج في ذلك، أما إذا كان يسبب ضرر فلا يُفعل".
حكم تقشير الوجه.
تعريف التقشير: القاف والشين والراء أصل صحيح واحد، يدل على تنحية الشيء. والقِشْرَة: الجلدة المقشورة.
وفي السابق كان النساء يستخدمن الورس لتقشير الوجه، أما اليوم فقد ظهرت مستحضرات ومركبات لتقشير الوجه وإزالة الطبقة الخارجية من الجلد.
الحكم الشرعي لتقشير الوجه:
حرّم فريق من العلماء تقشير الوجه؛ لما فيه من تغيير لخلق الله تعالى، ولما يترتب عليه من أضرار يتأذى بها الجلد فيما بعد، واستدل هؤلاء العلماء على تحريمه بحديث هو:
عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:" كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلعن القاشرة والمقشورة، والواشمة والمستوشمة، والواصلة والمُتَّصِلَة).
وجه الدلالة:
نستدل من الحديث الشريف أن القشر فعل محرم، بدليل اللعن الذي لا يكون إلا على فعل محرم.
وذهب بعض العلماء إلى عدم إطلاق القول بالتحريم وذلك لما يلي:
1. الحديث الذي استدل به العلماء على حرمة التقشير ضعيف كما في تخريجه.
2. ليس في التقشير تغيير لخلق الله تعالى؛ لأن المسحوق الذي تضعه المرأة على وجهها يؤدي إلى إزالة الطبقة الخارجية للوجه، وبروز الطبقة التالية لها، فليس هذا من باب تغيير خلق الله تعالى، لأن كلا من الطبقتين من خلق الله تعالى، وهذا العمل يصدق عليه اسم " تجديد الخلايا".
3. أما الضرر والإيلام الذي قد يسببه التقشير يمكن تلافيه من خلال إجراء التقشير تحت إشراف طبي؛ للتحقق من المادة المقشِّرة - والله أعلم بالصواب-.
وإليك فتوى من العلماء المعاصرين: "هذه الظاهرة من المنكرات التي أحدثها التقليد الغربي أو الابتداع الجديد وقد ورد النهي عن تغيير خلق الله عمومًا وعن بعض العمليات خصوصًا كقوله صلى الله عليه وسلم: ) لعن الله الواشمات والمستوشمات والواشرات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) وهو حديث ثابت عن ابن مسعود وغيره ومعلوم أن إزالة جلدة الوجه تغيير لخلق الله فهو أشد من النمص الذي -هو-إزالة بعض شعر الحاجب ومن التفلج الذي هو حك ما بين الأسنان حتى يكون بينها فتحات، ومن الوشر الذي -هو- توشير الأسنان ليكون لها رؤوس كحد المنجل".
" ما كان من هذه المواد يشبه في أثره الماكياج و مواد التجميل فيجوز، وأما ما كان يترتب عليه تغيير مستمر، كتقشير البشرة، وإزالة الطبقة العلوية من الجلد، فالذي عليه أكثر أهل العلم أنه لا يجوز؛ لكونه من تغيير خلق الله،... وذهب طائفة من أهل العلم إلى إباحة التقشير؛ لكون الحديث الوارد فيه ضعيفاً، وأما التعليل بتغيير خلق الله فإنه غير مطرد؛ إذ مقتضى طرده ما ذهب إليه الطبري من أنه لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله تعالى عليها، بزيادة أو نقص؛... فدل هذا على أن تعليل المنع بتغيير خلق الله تعالى غير مطرد، كما أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة، حتى يقوم دليل المنع.
فالذي يظهر أنه يجوز استعمال المواد الطبيعية وغيرها لتفتيح البشرة، والتفريق بين ما طالت مدة أثره، وغيره ليس بظاهر، والله أعلم".
حكم التفليج والتقويم.
أولا: حكم التفليج
التفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه، وهو مختص عادة بالثنايا والرباعيات. والتفليج محرم بدليل حديث النبي- صلى الله عليه وسلم- (لعن الله الواشمات و المستوشمات، والنامصات والمتنمصات، و المتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله).
"وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث ولأنه تغيير لخلق الله تعالى ولأنه تزوير ولأنه تدليس".
"(والمتفلجات للحسن) يفهم منه أن المذمومة من فعلت ذلك لأجل الحسن، فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلا جاز".
ثانياً: حكم التقويم
التقويم هو ذلك الفرع من طب الأسنان الذي يُعَدِّل من أوضاع الأسنان غير المنظمة، ويعمل على تصحيحها. فهو وسيلة إلى إعادة الأسنان إلى وضعها الطبيعي، واستقامتها وانتظامها في الفم.
والهدف من تقويم الأسنان بالدرجة الأولى هو علاج الأسنان، وأما الهدف التحسيني و التجميلي فيدخل تبعا تحت الهدف العلاجي.
ومن هنا يمكن القول بأنه يجوز إجراء عملية تقويم الأسنان، ويمكن أن يستدل له بما يلي:
عن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: (نعم، يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، أو قال: دواء إلا داء واحد) قالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال: (الهرم).
وجه الدلالة:
1. إن إجراء عملية تقويم الأسنان تدخل ضمن الأمر بالمعالجة و التداوي فيكون جائزًا.
2. إزالة الضرر البدني والنفسي الذي يترتب على عدم تقويم الأسنان، فمن الأمثلة على الضرر البدني: فساد السن والتهاب اللثة، وظهور رائحة كريهة للفم؛ بسبب تجمع فضلات الطعام بين الأسنان، ونمو البكتيريا، كذلك عدم إتمام عملية المضغ جيدًا وبالتالي يؤثر على صحة الجسم بشكل عام، وأما الضرر النفسي ينتج عن عدم انتظام الأسنان وشذوذها، مما يعطي منظرًا قبيحًا لوجه ذلك الشخص، فيؤثر ذلك على نفسيته. لذلك يجوز إجراء عملية تقويم الأسنان لإزالة هذا الضرر، والقاعدة الفقهية تقول: "الضرر يزال".
3. هناك فرق بين عملية تقويم الأسنان و الوشر والتفليج، فالهدف من تقويم الأسنان إعادة الأسنان إلى الخلقة الأصلية، أو إصلاح الخلل الذي وقع على الأسنان. بينما الهدف من الوشر أو التفليج عمل فرجة بين الأسنان ببردها وتحديدها والتقصير من طولها، وهذا العمل فيه إخراج للأسنان عن الخلقة الأصلية.
بعد هذا يتبين جواز عملية تقويم الأسنان؛ لأن هذه العملية لا تدخل ضمن تفليج الأسنان ووشرها.
الوشم.
الوشم: أن يُغْرَز الجلد بإبرة، ثم يحشى بكحل أو نِيل، فيَزْرَقّ أثره أو يَخْضَرّ.
ذكر في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- "لعن الله الواشمات و المستوشِمات".
"الواشمة فاعلة الوشم، والمفعول بها موشومة فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة. وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها باختيارها والطالبة له، وقد يفعل بالبنت وهي طفلة فتأثم الفاعلة ولا تأثم البنت لعدم تكليفها. فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت إزالته وإن لم يمكن إلا بالجرح فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شيئا فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته".
الصور الحديثة للوشم:
يُعد الوشم في بعض الأنحاء من وسائل تجميل العروس أو غيرها، وقد تستخدمه بعض النسوة كنوع من الزينة الدائمة لرسم الحاجبين وحول الشفاه والرموش، كما إن بعض الرجال قد يلجئون إلى الوشم لإظهار بعض القوة والفخر أو الانتماء إلى جهة ما، ويتم ذلك عن طريق متخصصين، حيث يعد ذلك عملا فنيًا كالرسم على اللوحة.
يقول الدكتور محمد عثمان شبير: يتفنن الناس في استعمالهم للوشم، فبعضهم ينقش على جسمه صورة حيوان: كأسد أو عصفور، وبعضهم ينقش على يده قلبًا أو اسم المحبوب، وبعض النساء يصبغن الشفاه صبغًا دائمًا بالخضرة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعدى ذلك إلى أن أصبح الوشم في هذا العصر وسيلة لتزيين جميع الجسد، وهذا داخل في ما تتناوله النصوص الدالة على تحريم الوشم ولعن فاعله.
حكم الرموش الصناعية.
الرموش الصناعية: هي عبارة عن شعيرات رقيقة تصنع من بعض المواد البلاستيكية، وتلصق على الجفن بواسطة مادة لاصقة لمن كانت رموش عينيها قصيرة، ويتم إزالتها بعد انتهاء المناسبة.
ولنعرف حكم الرموش الصناعية، فهذه فتوى للعلماء المعاصرين في هذه المسألة:
" الرموش الصناعية لا تجوز لأنها تشبه الوصل أي وصل شعر الرأس وقد:(لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة) وهذه الرموش إذا كانت مما أتصوره الآن أن يُوضع خيوط سوداء كالشعر على الرموش حتى تبدو وكأنها كثيرة تتجمل بها العين فإذا كان هكذا فهي من الوصل الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعلته في رأسها، أما إذا كانت الرموش بمعنى تلوين الشعر شعر الأجفان فإنه ليس بحرام".
" أخاف أن تكون من الوصل المحرم الذي لعن الله فاعله، كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الواصلة والمستوصلة) عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، ... ومما لا يخفي أن في هذا العمل كذباً، وقد يكون معه تدليس أو غش، فالذي أنصح به الأخوات أن يجتنبن مثل هذه الوسائل التجميلية، والاكتفاء بالمباح، ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾.
يتبين بهذا أن الرموش الصناعية محرمة لدخولها في الوصل، ولما فيها من التدليس والخداع، –والله تعالى أعلم-.
حكم العدسات اللاصقة الملونة:
تباينت آراء العلماء المعاصرين في العدسات الملونة، وهذه فتاواهم:
" إن كانت تقوي البصر يستفيد منها البصر فلا بأس، كالمراية كالمناظر، أما إن كانت لمجرد الزينة تركها أولى وأحوط، إذا كانت لمجرد الزينة فتركها أولى وأحوط، والاكتفاء ببصرها الذي خلقه الله لها".
" لا ينبغي للمرأة أن تستعمل هذه العدسات من حيث هي هي، فإذا كان في استعمالها ضرر على العين كانت حراماً لأن كل ما يكون فيه ضرر على البدن محرم، فإن بدن الإنسان عنده أمانة لا يجوز أن يعرضه إلى شيء يضره فيه وقد قال الله عز وجل: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ وقال الله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ وأوجب الله على المريض إذا كان يضره استعمال الماء أن يتيمم فلا يحل للمرأة أن تلبس هذه العدسات إذا قرر الأطباء أنها مضرة لعينها أما مع عدم الضرر فنصيحتي ألا تلبسها المرأة".
"العدسات إذا كان فيها مصلحة لتقوية البصر، بصرها ضعيف تحتاج للعدسات تلبسها مثل ما تلبس النظارات إذا كان البصر ضعيفًا، وكذلك إذا كان في عينيها عيب، في عينيها عيب تلبس العدسات من أجل إزالة هذا العيب فلا بأس بذلك، أما إذا كانت العينان سليمتين ولا فيهما عيب فلا نرى لبس العدسات؛ لأن هذا من العبث، وبعض النساء تلبس عدسات تشبه أعين الكافرات تكون زرق، أو تكون .. ، وبعضهن تلبس عدسات على شكل الثياب التي تلبسها؛ هذا من العبث كله الحاصل أنه لبس العدسات إن كان لتقوية البصر فلا بأس بذلك، وإن كان لإزالة عيبٍ في العيون فلا بأس بذلك، إذا كان من أجل الموضة، أو من أجل العبث، هذا الذي نرى أنه لا يجوز".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق