( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ )
الأعراف (189)
هو الذي خلقكم -أيها الناس- من نفس واحدة، وهي آدم عليه السلام وخَلَق منها زوجها، وهي حواء؛ ليأنس بها ويطمئن، فلما جامعها -والمراد جنس الزوجين من ذرية آدم- حملت ماءً خفيفًا، فقامت به وقعدت وأتمت الحمل، فلما قَرُبت ولادتها وأثقلت دعا الزوجان ربهما: لئن أعطيتنا بشرًا سويًا صالحًا لنكونن ممن يشكرك على ما وهبت لنا من الولد الصالح.
*********************************************************************
( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )
الأعراف (190)
فلما رزق الله الزوجين ولدًا صالحًا، جعلا لله شركاء في ذلك الولد الذي انفرد الله بخلقه فعبَّداه لغير الله، فتعالى الله وتنزه عن كل شرك.
السؤال : اذكر صورتين لكفر نعمة الذرية؟
(فلما آتاهما صالحا): على وفق ما طلبا، وتمت عليهما النعمة فيه،
(جعلا له شركاء فيما آتاهما) أي: جعلا لله شركاء في ذلك الولد الذي انفرد الله بإيجاده والنعمة به، وأقرَّ به أعين والديه، فَعَبَّدَاه لغير الله؛ إما أن يسمياه بعبد غير الله؛ كـ «عبد الحارث» و «عبد العزير» و «عبد الكعبة» ونحو ذلك، أو يشركا بالله في العبادة، بعدما منَّ الله عليهما بما منَّ من النعم التي لا يحصيها أحد من العباد.
(السعدي:311.)
*********************************************************************
الأعراف (191)
أيشرك هؤلاء المشركون في عبادة الله مخلوقاته، وهي لا تقدر على خَلْق شيء، بل هي مخلوقة؟
*********************************************************************
الأعراف (192)
ولا تستطيع أن تنصر عابديها أو تدفع عن نفسها سوءًا، فإذا كانت لا تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة، ولا تستطيع أن تدفع المكروه عمن يعبدها، ولا عن نفسها، فكيف تُتَّخذ مع الله آلهة؟ إنْ هذا إلا أظلم الظلم وأسفه السَّفَه.
*********************************************************************
الأعراف (193)
وإن تدعوا -أيها المشركون- هذه الأصنام التي عبدتموها من دون الله إلى الهدى، لا تسمع دعاءكم ولا تتبعكم؛ يستوي دعاؤكم لها وسكوتكم عنها؛ لأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تَهدِي ولا تُهدى.
*********************************************************************
الأعراف (194)
إن الذين تعبدون من غير الله -أيها المشركون- هم مملوكون لربهم كما أنكم مملوكون لربكم، فإن كنتم كما تزعمون صادقين في أنها تستحق من العبادة شيئًا فادعوهم فليستجيبوا لكم، فإن استجابوا لكم وحصَّلوا مطلوبكم، وإلا تبين أنكم كاذبون مفترون على الله أعظم الفرية.
*********************************************************************
الأعراف (195)
ألهذه الآلهة والأصنام أرجل يسعَوْن بها معكم في حوائجكم؟ أم لهم أيدٍ يدفعون بها عنكم وينصرونكم على من يريد بكم شرًا ومكروهًا؟ أم لهم أعين ينظرون بها فيعرِّفونكم ما عاينوا وأبصروا مما يغيب عنكم فلا ترونه؟ أم لهم آذان يسمعون بها فيخبرونكم بما لم تسمعوه؟ فإذا كانت آلهتكم التي تعبدونها ليس فيها شيء من هذه الآلات، فما وجه عبادتكم إياها، وهي خالية من هذه الأشياء التي بها يتوصل إلى جلب النفع أو دفع الضر؟ قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان: ادعوا آلهتكم الذين جعلتموهم لله شركاء في العبادة، ثم اجتمعوا على إيقاع السوء والمكروه بي، فلا تؤخروني وعجِّلوا بذلك، فإني لا أبالي بآلهتكم؛ لاعتمادي على حفظ الله وحده.
السؤال : لماذا خصت الأرجل والأيدي والأعين والآذان بالذكر في الآية الكريمة؟
وخص الأرجل والأيدي والأعين والآذان؛ لأنها آلات العلم، والسعي، والدفع للنصر.
(ابن عاشور:9/222.)
السؤال : ما علامة بطلان الدعاء والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه؟
المعنى: استنجدوا أصنامكم لمضرتي والكيد عليّ، ولا تؤخروني؛ فإنكم وأصنامكم لا تقدرون على مضرتي. ومقصد الآية الرد عليهم ببيان عجز أصنامهم، وعدم قدرتها على المضرة، وفيها إشارة إلى التوكل على الله، والاعتصام به وحده، وأن غيره لا يقدر على شيء.
(ابن جزي:1/333.)
*********************************************************************
الأعراف (196)
إن وليِّيَ الله، الذي يتولى حفظي ونصري، هو الذي نزَّل عليَّ القرآن بالحق، وهو يتولى الصالحين مِن عباده، وينصرهم على أعدائهم ولا يخذلهم.
السؤال : كيف يدخل الإنسان في زمرة من يتولاه الله -سبحانه وتعالى- بحفظه ورعايته؟
فالمؤمنون الصالحون لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى، ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر، تولاهم الله، ولطف بهم، وأعانهم على ما فيه الخير والمصلحة لهم في دينهم ودنياهم، ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه.
(السعدي:312.)
*********************************************************************
الأعراف (197)
والذين تدعون -أنتم أيها المشركون- مِن غير الله من الآلهة لا يستطيعون نصركم، ولا يقدرون على نصرة أنفسهم.
*********************************************************************
الأعراف (198)
وإن تدعوا -أيها المشركون- آلهتكم إلى الاستقامة والسداد لا يسمعوا دعاءكم، وترى -أيها الرسول- آلهة هؤلاء المشركين مِن عبدة الأوثان يقابلونك كالناظر إليك وهم لا يبصرون؛ لأنهم لا أبصار لهم ولا بصائر.
*********************************************************************
الأعراف (199)
اقْبَلْ -أيها النبي أنت وأمتك- الفضل من أخلاق الناس وأعمالهم، ولا تطلب منهم ما يشق عليهم حتى لا ينفروا، وأْمر بكل قول حسن وفِعْلٍ جميل، وأعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة الأغبياء.
السؤال : لو أن رجلاً شتمك، أو نال منك بغير حق، فماذا تفعل؟
إذا تسفه عليك أحد فلا تقابله بالسفه.
(البغوي:2/184.)
*********************************************************************
الأعراف (200)
وإما يصيبنَّك -أيها النبي- من الشيطان غضب أو تُحِس منه بوسوسة وتثبيط عن الخير أو حث على الشرِّ، فالجأ إلى الله مستعيذًا به، إنه سميع لكل قول، عليم بكل فعل.
السؤال : مثّل لبعض نزغات الشيطان؟
نزغ الشيطان: وسوسته بالتشكيك في الحق، والأمر بالمعاصي، أو تحريك الغضب، فأمر الله بالاستعاذة منه عند ذلك،
كما ورد في الحديث: أن رجلاً اشتد غضبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما به: نعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
(ابن جزي:1/335.)
*********************************************************************
الأعراف (201)
إن الذين اتقوا الله مِن خلقه، فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه، إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكَّروا ما أوجب الله عليهم من طاعته، والتوبة إليه، فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان.
السؤال : كيف يكون حال المؤمن إذا وقع في المعصية؟
أي: يبصرون مواقع خطاياهم بالتذكر والتفكر، قال السدي: إذا زلوا تابوا.
(البغوي:2/185.)
السؤال : من الذين (إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)؟
قال سعيد بن جبير: هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله؛ فيكظم الغيظ، وقال ليث عن مجاهد: هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه.
(ابن تيمية:3/239.)
*********************************************************************
الأعراف (202)
وإخوان الشياطين، وهم الفجَّار من ضلال الإنس تمدهم الشياطين من الجن في الضلالة والغَواية، ولا تدَّخر شياطين الجن وُسْعًا في مدِّهم شياطين الإنس في الغيِّ، ولا تدَّخر شياطين الإنس وُسْعًا في عمل ما توحي به شياطين الجن.
*********************************************************************
الأعراف (203)
وإذا لم تجئ -أيها الرسول- هؤلاء المشركين بآية قالوا: هلا أحدَثْتها واختلقتها من عند نفسك، قل لهم -أيها الرسول-: إن هذا ليس لي، ولا يجوز لي فِعْله؛ لأن الله إنما أمرني باتباع ما يوحى إليَّ من عنده، وهو هذا القرآن الذي أتلوه عليكم حججًا وبراهين من ربكم، وبيانًا يهدي المؤمنين إلى الطريق المستقيم، ورحمة يرحم الله بها عباده المؤمنين.
*********************************************************************
الأعراف (204)
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له أيها الناس وأنصتوا، لتعقلوه رجاء أن يرحمكم الله به.
*********************************************************************
الأعراف (205)
واذكر -أيها الرسول- ربك في نفسك تخشعًا وتواضعًا لله خائفًا وجل القلب منه، وادعه متوسطًا بين الجهر والمخافتة في أول النهار وآخره، ولا تكن من الذين يَغْفُلون عن ذكر الله، ويلهون عنه في سائر أوقاتهم.
السؤال : دلت الآية على سبب مهم من أسباب قبول الدعاء والذكر، فما هو؟
وهذه من الآداب التي ينبغي للعبد أن يراعيها حق رعايتها؛ وهي: الإكثار من ذكر الله آناء الليل والنهار -خصوصا طَرَفَيِ النهار- مخلصا خاشعا متضرعا، متذللا ساكنا، متواطئا عليه قلبه ولسانه، بأدب ووقار، وإقبال على الدعاء والذكر، وإحضار له بقلبه وعدم غفلة؛ فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.
(السعدي:314.)
*********************************************************************
الأعراف (206)
إن الذين عند ربك من الملائكة لا يستكبرون عن عبادة الله، بل ينقادون لأوامره، ويسبحونه بالليل والنهار، وينزهونه عما لا يليق به، وله وحده لا شريك له يسجدون.
*********************************************************************
مع بعض التوجيهات
*********************************************************************
مع التفسير للدكتور / ابراهيم الشربيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق