الاثنين، 19 فبراير 2018

الجزء التاسع - الربع السادس - الاحكام الفقهية




قال تعالي
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)


حُكْمُ النَّذْرِ
وللنذر جانبان في حكمه:
الأول: من جهة نية النذر ابتداءً؛ أي: حكم النذر عمومًا، قبل أن ينذر الناذر شيئًا.
والجانب الآخر: حكم النذر بعد أن يقعَ من الناذر، وفيما يلي تفصيل الأمر...

حكم الإقدام على النذر: قال في "المغني": لا يستحب؛ لأَنَّ ابن عمر روى عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه نَهى عن النذر، وأنَّه قال: ((لا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِن الْبَخِيلِ)) ، وهذا نهي كراهة لا نهي تحريم؛ لأنه لو كان حرامًا، لمَا مَدَح المُوفِين به ؛ لأن ذنبهم في ارتكاب المحرَّم أشد من طاعتهم في وفائه، ولأن النذر لو كان مستحبًّا، لفعله النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأفاضل أصحابه.

حكم النذر بعد وقوعه: وجوب الوفاء به متى كان صحيحًا مستكملاً للشرائط؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ﴾ [الحج: 29]،
وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ))، وهذا الحكم إنَّما هو بعد وقوعه؛ لأن الناذر قد أوجبه على نفسه.

فبذلك يكون الوفاء بالنذر المشروع واجبًا ما توفرت الاستطاعة.
*******************************************************************
كفارة النذر

كفارة النذر كفارة يَمين: في الأحوال التي يجب أو يجوز فيها للناذر أن يكفِّر عن نذره، فإنَّ كفارته حينئذٍ هي نفسها كفارة اليمين.

قال في "المغني": النذر كاليمين، وموجبه موجبها، إلاَّ في لزوم الوفاء به إذا كان قربة ، وأمكنه فعله.

ودليل هذا الأصل: قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأخت عقبة، لما نذرت المشي فلم تطقه: ((ولتكفر عن يمينها))، وفي رواية: ((فلتصم ثلاثة أيام)).
*******************************************************************
كفارة اليمين:

قال تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89].

وكفارة اليمين: هي إطعامُ عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، ولا ترتيبَ بين واحد منها، فهو مخير بين أنْ يفعلَ أيها شاء، فإن عجز عنها، ولم يستطعْ أن يفعلَ واحدًا منها، فإنَّه يصوم ثلاثةَ أيام، ولا يجزي الصيام إلاَّ بعد العجز عن فعل واحد من الأمور الثلاثة.
*******************************************************************
قال عز و جل
(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

حكم الإستماع الى القرآن

قال ابن عباس: (يعني في الصلاة المفروضة).
والصحيح عند أكثر المفسرين أن هذه الآية نزلت في الصلاة خاصة قال الإمام أحمد: (أجمعوا على أن هذا في الصلاة).
 وهذا يدل على أن لزوم الاستماع والإنصات خاص بسماع المأموم لتلاوة الإمام في الصلاة أما خارج الصلاة فقد اختلف الفقهاء في حكم الإنصات للقرآن حال تلاوته فمنهم من أوجب ذلك وحرم الحديث حال سماعه ومنهم من استحب ذلك وكره الحديث عنده والصحيح أن سماعه والإنصات له سنة ليس بلازم شرعا فلا يجب على من سمعه الإنصات ولا يأثم بتركه لأن الآية خاصة بالسماع في الصلاة ولا تتناول خارج الصلاة ولأن الأصل براءة الذمة فلا يلزم حكم إلا بدليل ولأنه لم يرد دليل صحيح صريح يوجب ذلك ولأن إيجاب ذلك يوقع المسلم في حرج ومشقة لما قد يعرض له من حاجة أثناء السماع وهذا اختيار الجمهور قال مجاهد : (لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم).

فعلى هذا يستحب للمسلم أن ينصت للقرآن ويتأكد ذلك لما فيه من الأدب والتوقير لكلام الله ويكره له أن يشتغل عن ذلك بلهو أو حديث أو ضحك وغيره مما يمنع الانتفاع بالقرآن والتدبر لمعانيه. ويحرم عليه أن ينشغل عنه بسماع المعازف والباطل وغير ذلك مما فيه سوء أدب مع كلام الله وتقصير في التعظيم الواجب لله.

وينبغي على القارئ وصاحب المجلس أن يراعي أحوال الناس وأن لا يثقل عليهم بالإكثار من تلاوة القرآن وإلقاء العلم لئلا يحرجهم ويشق عيهم فإن رأى رغبتهم في السماع أسمعهم وإن رأى انشغالهم بأمر آخر لم يسمعهم.

ولا حرج على الإنسان مزاولة الأعمال اليدوية والفكرية من طهي وتنظيف وكتابة وتصفح وغيره لأن ذلك لا يشغل عن سماع القرآن ولا ينافي الإنصات له والمسلم بحاجة إلى سماع القرآن سائر الأوقات فالأمر في ذلك واسع إن شاء الله.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
*******************************************************************
قال تعالي
{إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩}

حكم سجود التلاوة

سُنة مؤكدة لا ينبغي تركها، فإذا مرَّ الإنسان بآية سجدة فليسجد سواء كان يقرأ في المصحف، أو عن ظهر قلب، أو في الصلاة، أو خارج الصلاة.

 وأما السُنة المؤكدة فلا تجب ولا يأثم الإنسان بتركها؛ لأنه ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ السجدة التي في (سورة النحل) على المنبر، فنزل وسجد، ثم قرأها في الجمعة الأخـرى فلم يسجد، ثم قال: "إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء"، وذلك بحضور الصحابة رضي الله عنهم.

ولأنه ثبت أن زيد بن ثابت قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم السجدة التي في سورة النجم فلم يسجد، ولو كان واجباً لأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد.

فهي سُنة مؤكدة والأفضل عدم تركها حتى لو كان في وقت النهي بعد الفجر مثلاً، أو بعد العصر؛ لأن هذا السجود له سبب، وكل صلاة لها سبب فإنها تُفعل ولو في وقت النهي، كسجود التلاوة، وتحية المسجد، وما أشبه ذلك.

إذا مر بها المؤمن في خارج الصلاة سجد ولو كان على غير طهارة على الصحيح، لا يشترط لها طهارة، والأفضل أن يكبر تكبيرة في أولها فقط، ثم يسجد ويقول في السجود مثل ما يقول في سجود الصلاة: سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى، ويدعو بما تيسر، وليس فيها تسليم ولا تكبير ثاني، هذا هو المختار هذا هو الأرجح

وإن كان في الصلاة مر بها في الصلاة شرع له السجود في الصلاة الجهرية كالمغرب والعشاء والفجر والجمعة شرع له السجود، والمأمومون يسجدون خلفه إذا كان إماما، يسجدون معه إذا سجد.

 أما في السرية وهو إمام فلا يشرع له السجود؛ لأن قد يشوش على الناس في السرية إذا قرأها في الصلاة السرية؛ كالظهر والعصر، والثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء، والأفضل ألا يسجد لئلا يشوش على الناس إلا إذا كان يصلي وحده فلا بأس؛ كأن يصلي نافلة أو فاتته الصلاة وكان يصلي وحده فلا بأس في الصلاة السرية لعدم التشويش، وفي الصلاة يكبر في كل خفض ورفع، إذا سجد يكبر، وإذا رفع يكبر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع. يدخل في ذلك سجود التلاوة في الصلاة، وهي سنة غير واجبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق