قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
فيه نواحٍ بلاغيَّة عديدة ففيه تقديمٌ وتأخير؛ حيث قدَّم المفعول به في قوله (إِيَّاكَ)،
أ) وهو يُفيد القصرَ والاختصاص، أي: لا نعبُد غيرَك، ولا نستعين بسواك
ب) وهو أيضًا للتَّعظيم والاهتمام؛ لأنَّ العرب تقدِّم الأهم
ج) قُدِّمت العبادة على الاستعانة؛ لأن العبادة من أسباب حصول الإعانة وإجابة الحاجة، وأيضًا لكون العبادةِ هي المقصودة والغاية من الخلق، والاستعانة وسيلةٌ إليها،
د) فيه التفات من ضمير الغَيبة إلى ضمير الخِطاب، ولو جرى الكلام على الأصل لقال: إياه نعبد، وهذا التفنُّن في الكلام والعدول من أسلوب إلى آخر من عادة العرب؛ لأنَّ فيه تحسينًا للكلام، وتنشيطًا للسامع، وإيقاظًا له؛ فيكون أكثرَ إصغاءً للكلام
ه) أنَّ الخطاب فيه استحضار للقُرب من الله تعالى، فكأنه لَمَّا أثنى على الله عز وجل، اقترب وحضَر بين يديه سبحانه
و) تَكرار إِيَّاكَ، وهذا التَّكرار؛ لأنَّ الفِعلين مختلفان، فاحتاج كلُّ واحدٍ منهما إلى تأكيد واهتمام، فتَكراره للتأكيد على تَخصيصِه تعالى بكلِّ واحدة من العبادة والاستعانة،
5)قوله ( اهِدْنا )فِعل أمر، لكن المقصود به الالتِماس والدُّعاء، لا حقيقةَ الأمر؛ لأنَّه طلبٌ من الأدنى - وهو المخلوق - إلى الأعْلى - وهو الخالِقُ سبحانه
لطائف و فوائد
َ1) إنَّ في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية، وكليات التصور الإسلامي، وكليات المشاعر والتوجهات، ما يشير إلى طرفٍ من حكمة اختيارها للتكرار في كلِّ ركعة، وحكمة بطلان كلِّ صلاة لا تُذكَر فيها
2) أنَّه لما كان أوَّلُ السُّورة مشتملًا على الحمد لله، وتمجيده، والثناء عليه، وآخرُها مشتملًا على الذمِّ للمعرضين عن الإيمان به، والإقرار بطاعته- دلَّ ذلك على أنَّ مَطلع الخيرات، وعُنوان السعادات، هو الإقبالُ على الله عزَّ وجلَّ، ومطلعَ الآفات، ورأس المخالفات، هو الإعراضُ عنه سبحانه، والبعدُ عن طاعته
3) قوله تعالى
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)،
تقديم وصْفِ الله تعالى بالألوهيَّة على وصفه بالربوبية؛ وهذا إمَّا لأنَّ (الله) هو الاسمُ العَلَم الخاصُّ به، والذي تتبعه جميع الأسماء؛ وإمَّا لأنَّ الذين جاءتهم الرُّسُل يُنكرون الألوهيَّة فقط؛
4) إيثار ذِكر إلهيته سبحانه وربوبيته ورحمته وملكه في أوَّل الفاتحة على ذكر سائر الصِّفات؛ لأن هذه الصفات الأربع مستلزمة لجميع صفات كماله عزَّ وجلّ
5) قوله تعالى
(إيَّاكَ نَعبُدُ) تبرؤ من الشرك،
وقوله:
(وإيَّاكَ نَستعينُ) تبرؤ من الحول والقوة، وتفويض إلى الله عز وجل
6) قدَّم المغضوب عليهم على الضالِّين؛ لأنَّهم أشدُّ مخالفةً للحقِّ من الضالِّين؛ فإنَّ المخالف عن علم يصعُب رجوعُه، بخلاف المخالِف عن جهل
............................................. موقع الدرر السنية
*********************************************************************
🍃سورة البقرة 🍃
بسم الله نبدأ
[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
إعداد الأمة لعمارة الأرض والقيام بدين الله، وبيان أقسام الناس، وفيها أصول الإيمان وكليات الشريعة.
اسماء السورة و فضلها
ذكر أهل التفسير وعلوم القرآن لسورة البقرة عدة أسماء، منها:
البقرة: فقد ورد هذا الاسم لها في عدة أحاديث مرفوعة، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم:
لا تجعلوا بيوتكم قبورا، فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان.
رواه مسلم
فياله من أجر عظيم وحفظ من الشياطين
سُمِّيت سورة البقرة بهذا الاسم لورود قصة بقرة بني إسرائيل فيها، وفيها إشارة إلى وجوب المسارعة إلى تطبيق شرع الله، وعدم التلكؤ فيه كما حصل من يهود..
(كتاب المختصر فى تفسير القرآن الكريم)
الزهراء. فقد سميت بذلك هي وسورة آل عمران، كما في صحيح مسلم مرفوعا:
وقال صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما
: سنام القرآن، كما في الترمذي مرفوعا
لكل شيء سنام، وسنام القرآن سورة البقرة، وفيها آية هي سيدة القرآن: آية الكرسي
فسطاط القرآن. كما جاء في الدر المنثور عن أبي سعيد الخدري مرفوعا
*************************************************************
قوله تعالى:
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
- هُدًى:
- هُدًى:
وُضِع المصدر هُدًى موضِعَ اسم الفاعِل (هادٍ)؛ للتأكيد على دَيمومة هِدايتِه واستمرارِها، وجاء منكَّرًا للتعظيم، وللدَّلالة على أنها هداية مُطلَقة لكل متَّقٍ في كلِّ ما يَحتاج إليه الخَلقُ للوصول إلى السعادة في الدَّارين.
- وفي هذه الجُمل الأربع:
الم، ذلِكَ الْكِتابُ، لا رَيْبَ فِيهِ، هُدًى لِلْمُتَّقِينَ:
جمالُ بلاغة؛ حيثُ جِيء بها متناسقةً هكذا من غير حرْف عَطْف؛ وذلك لمجيئها متآخيةً آخذًا بعضها بعُنق بعض؛ مع ما في كلِّ جملة مِن نُكتةٍ ذات جَزالة، ففيها ما يُسمَّى عند البَلاغيِّين بـ(الفصْل)
-وهو عدم عطف الجمل بالواو-؛ لكمال الاتِّصال بينها
******************************************************************************
قوله تعالى:
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
- فيه حُسن ترتيب، وتقديمٌ للأهمِّ فالأهم؛ فالإيمانُ بالغيب لازمٌ للمكلَّف دائمًا، والصَّلاةُ لازمة في أكثرِ الأوقات، والنَّفقة لازمة في بعض الأوقات.
- تقديم المفعول مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ على الفِعل يُنْفِقُونَ:
للاهتمامِ به، وللدلالة على كونه أهمَّ، ولإفادة الاختصاص، ولتناسب رُؤوس الآي.
******************************************************************************
قوله تعالى:
قوله تعالى:
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
- في قوله أُنْزِل:
عبَّر عنه بلفظ الماضي، وإن كان بعضه مترقَّبًا؛ تغليبًا للموجود على ما لم يوجد، أو تنزيلًا للمنتظَر منزلةَ الواقِع؛ ففي هذا التعبير تغليبٌ المحقَّق على المقدَّر، وتنزيل ما في شَرَف الوقوع لتحقُّقه منزلةَ الواقع.
- وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ:
فيه تقديم لشِبه الجملة بِالْآخِرَةِ؛ للاهتمام بأمْرها، والإشعارِ بالحَصْر والاختصاص، كأنَّ ما عدا الإيقانَ بالآخرة ليس بمستأهلٍ للإيقان به، والقطعِ بوقوعِه؛ فهو أساسُ الإيمان ورأسُه.
- التأكيدُ بالجُملة الاسميَّة، مع أنَّها معطوفةٌ على جملة فعليَّة، آكَدُ في الإخبار عن هؤلاء بالإيقان، ومُشعِر بالاهتمام بهم.
وذكر الضَّمير الظاهر (هم) مع أنَّه موجود في الفِعل (يوقنون)؛ زيادةً في التأكيد
***************************************************************************
- فيه الإتيان بحرْف على الذي يُفيد الاستعلاء؛ إشارة إلى تمكُّنهم من الهدى، واستقرارهم عليه، وتمسُّكهم به.
- تنكير هُدًى؛ ليُفيد ضربًا مُبهمًا لا يُبلَغ كُنْهُه، ولا يُقادَر قَدرُه، كأنه قيل: على أي هدًى، كما تقول: لو أبصرتَ فلانًا لأبصرتَ رجلًا.
- تَكرير اسم الإشارة أُوْلَـئِكَ وَأُوْلَـئِكَ؛ للتَّأكيد، والعِناية بشأن المتَّقين، وللإشارة إلى علو مرتبتهم، وفيه دَلالةٌ على أنَّ كُلًّا من الهدى والفلاح مستقلٌّ بتميزهم به عن غيرهم، بحيث لو انفرد أحدُهما لكفى تميزًا على حِياله.
- الإتيان بحَرْف العطف (الواو) في المبتدأ الثاني؛ لاختِلافِ الخَبرين وجودًا ومقصودًا، واستقلالِ كلٍّ من الهُدَى والفَلاح بتميُّزهم به عن غيرهم، ولو كان الخبر الثاني في معنى الأوَّل، لم يدخل العاطف؛ لأنَّ الشيءَ لا يُعطف على نفْسِه، كما في قوله تعالى ( أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]
- ودخول الألف واللام على الخبر الْمُفْلِحُونَ فيه إشعار بالحصْر كذلك، كأنَّهم قد استحقُّوا الوصف الكامل من الفلاح.
وفي هذه الآياتِ حُسن تقسيم؛ حيث استَوعبت جميعَ الأوصاف المحمودة، والعبادات البَدنيَّة والماليَّة التي يعكُف عليها المؤمِنون
*******************************************************************************
قوله
وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ
جاءت غِشَاوَةٌ نكرة؛ للتفخيم والتهويل، وليفيد أنَّ على أبصارهم نوعًا من الأغطية غير ما يتعارفه الناس، وهو غطاءُ التعامي عن آيات الله تعالى
*********************************************************************************
في قوله:
في قوله:
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
تنكير عَذَابٌ؛ للتفخيم والتهويل والمبالغة، وللإشارة إلى أنَّه نوعٌ منه مجهول الكمِّ والكيف.
ووصفُه بـعَظِيمٌ؛ لتأكيد ما يُفيده التنكيرُ في عَذَابٌ، ولدفْع الإيهام بقلَّته ونُدرته، ولتأكيد أنَّه بالغٌ حدَّ العظمة********************************************************************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق