الأحد، 27 سبتمبر 2020

الجزء الثالث و العشرون - الربع السادس - الأحكام الفقهية

 


وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (24)


بعض آداب القضاء

لا يذهب القاضي إلى ضيافة أحد الخصمين

لا يذهب القاضي إلى ضيافة أحد الخصمين العامة أو الخاصة لأن تلك الضيافة قد أديت للقاضي وليس للقاضي أن ينتفع بأموال الناس بلا بدل كما أن ذهاب القاضي إلى ضيافة أحد الخصمين تؤذي الخصم الآخر وتكون سببا للارتياب في القاضي " الولوالجية والعناية والفتح " ويفهم من منع الضيافة بصورة مطلقة أن المنع عام سواء أكانت ضيافة المتخاصمين عامة أو خاصة وسواء أكان بين القاضي وأحد الخصمين قرابة أو كانت الكلفة مرفوعة بينهما .

ذهاب القاضي إلى ضيافة غير المتخاصمين ، للقاضي أن يذهب إلى ضيافة غير المتخاصمين إذا كانت عامة لأنه ليس فيها تهمة وفي الحديث الشريف { فكوا العاني وأجيبوا الداعي } " البخاري وشرح المجمع " وبذلك يكون قيد المتخاصمين قيدا احترازيا .

أما إذا كانت الضيافة خاصة فلا يذهب القاضي لأنها تكون ضيافة للقاضي وبهذا الاعتبار لا تكون كلمة ( متخاصمين ) قيدا احترازيا إذا كان يعلم أن المضيف لا يترك الضيافة مع علمه بعدم حضور القاضي فتكون الضيافة عامة وإلا فخاصة وهذا هو القول المختار وقد قبله قاضي خان على هذا الوجه ، أما عند بعض الفقهاء فإن ضيافة الوليمة والختان هي عامة وما عداها فخاصة وقد قال ابن الهمام : إن هذا القول حسن مستثنى ، إلا أن للقاضي أن يجيب دعوة اثنين : أولا : له أن يجيب دعوة محرمه ذي الرحم فعليه إذا كانت بين القاضي والمضيف قرابة فللقاضي أن يجيب الدعوة بلا خلاف

لأن في هذه الإجابة صلة رحم ( الزيلعي ومجمع الأنهر والخانية والعناية ) إلا أنه يجب أن لا يكون المضيف أحد المتخاصمين كما بينا آنفا .


ثانيا : للقاضي أن يجيب الضيافة الخاصة لمن اعتاد تضييفه قبل أن يتولى القضاء كما هو الحال في الهدية إلا أنه يشترط أن لا يكون للمضيف قضية عند القاضي أما إذا كان المضيف اعتاد تضييف القاضي قبل توليته القضاء في الشهر مرة فدعاه بعد تولي القضاء في الأسبوع مرة فلا يجيب الدعوة كما أنه لا يجيب الدعوة إذا أحضر طعاما في الضيافة أكثر من معتاده ما لم يكن قد تزايد مال المضيف.

ذهاب القاضي إلى عيادة المريض وشهود الجنازة ، وتعبير الضيافة للاحتراز من شهود الجنازة وعيادة المريض إذ للقاضي شهود الجنازة وعيادة المريض إلا أنه لا يمكث في محل الزيارة وقتا كثيرا ولكن من اللائق إذا كان المريض أحد الخصمين أن لا يذهب إلى عيادته


(يجب على القاضي أن لا يعمل أعمالا تسبب التهمة وسوء الظن كقبوله دخول أحد الطرفين إلى بيته ، والاختلاء مع أحدهما في مجلس الحكم ، والإشارة لأحدهما باليد أو بالعين أو بالرأس ، أو التكلم مع أحدهما كلاما خفيا ، أو تكلمه مع أحدهما بلسان لا يفهمه الآخر).

يجب على القاضي أن لا يعمل أعمالا تسبب التهمة وسوء الظن كقبول دخول أحد الطرفين إلى بيته ، والاختلاء مع أحدهما في مجلس الحكم أو في محل آخر ، والإشارة لأحدهما باليد أو بالعين أو بالرأس أو التكلم مع أحدهما كلاما خفيا ، أو تكلمه مع أحدهما بلسان لا يفهمه الآخر ، أو بالقيام لأحدهما ، أو بالضحك في وجه أحدهما أو بإرشاد أحدهما أثناء المحاكمة لأنه يوجد في كل حال من هذه الأحوال ميل لأحد الطرفين وجور على الطرف الآخر فيجب على القاضي الاحتراز من ذلك لأنه بذلك يسبب انكسار قلب الخصم الآخر إذ أن المدعي إذا رأى ميل القاضي إلى خصمه يحمله ذلك على ترك دعواه ويوجب ذلك ضياع حقه ( شرح المجمع والولوالجية ) .

إلا أنه للقاضي أن يزور الأشخاص الذين ليس لهم عنده قضايا وأن يقبلهم في بيته في شأن مصالحهم الأخرى .


ضيافة القاضي للمتخاصمين : بما أنه ليس للقاضي أن .

يقبل أحدا في بيته بصورة مطلقة فليس له قبول أحد من الخصمين بلا دعوة كما أنه ليس له أن يدعوهما ويضيفهما في بيته أما إذا أضاف القاضي الخصمين معا وقبلهما في بيته في وقت واحد فلا بأس في ذلك .


ليس للقاضي أن يصيح في وجه أحد الخصمين أما إذا تجرأ أحد الخصمين على إساءة الأدب فللقاضي تأديبه وتعزيره حتى أنه إذا تشاتم المتخاصمان في حضور القاضي ولم ينتهيا بنهيه فالقاضي مخير إن شاء حبسهما تعزيرا وإن شاء عفا عنهما .

أما إذا شتم أحد الخصمين الآخر وتكلم بحقه كلاما مخلا بالناموس فليس للقاضي تعزير الشاتم ما لم يطلب المشتوم ويدعي ذلك لأن هذا التعزير هو من حق المشتوم ويشترط في حقوق الناس سبق الدعوى.


تعليم القاضي الدعوى وتلقين الشهادة .

إذا أمر القاضي اثنين بتعليم الطرفين دعواهما وخصومتهما فلا بأس في ذلك على قول الإمام كما أنه لا يجوز تلقين الشاهد في الخصوصات التي يعلم أن زيادة العلم فيها لا تفيد.

إذا استولت الحيرة والهيبة على الشاهد فترك شرطا من شروط الشهادة كعدم ذكره لفظة أشهد فيجوز للقاضي أن يقول له هل تشهد بذلك إلا أن جواز هذا التلقين مشروط بأن لا يكون في موضع تهمة ، والتلقين في موضع تهمة غير جائز بالاتفاق مثلا إذا ادعى المدعي ألفا وخمسمائة درهم وشهد الشاهد بألفي درهم فبما أن شهادته سترد بحكم فللقاضي أن يسأل الشاهد بقول : يحتمل أن المدعي قد أبرأ المدعى عليه من خمسمائة درهم فاستفاد الشاهد من ذلك وقال : نعم إن المدعي قد أبرأ المدعى عليه من خمسمائة درهم وقد بقي للمدعي ألف وخمسمائة درهم فالتلقين على هذا الوجه غير جائز بالاتفاق كما أنه لا يجوز تلقين أحد الخصمين.


تكلم أعوان القاضي مع الطرفين كلاما خفيا : لا يجوز أن يتكلم أعوان القاضي أي كتبته وخدمته مع الطرفين بشأن من شؤون دعواهما وكذلك يجب على القاضي ألا يتكلم مع الطرفين في خصوص دعواهما خارج مجلس المحاكمة.


قبول القاضي الاستدعاء : ليس للقاضي أن يقبل أثناء التداعي والمرافعة استدعاء من أحد وله قبول ذلك بعد المحاكمة ، ولا يأخذ بما فيه إلا إذا أقر صريحا.


( القاضي مأمور بالعدل بين الخصمين بناء عليه يلزم عليه أن يراعي العدل والمساواة في المعاملات المتعلقة بالمحاكمة كإجلاس الطرفين وإحالة النظر وتوجيه الخطاب إليه ما ولو كان أحدهما من الأشراف والآخر من آحاد الناس )

القاضي مأمور بالعدل بين الخصمين : قد بين في كتب اللغة معان كثيرة للعدل إلا أنه في هذا المقام يناسب معنيان من معاني العدل .

الأول : العدل بمعنى المساواة إذ يقال : قسموا بينهم على العدل أي على المساواة .

وبتعبير آخر إن القاضي مأمور بالمساواة بين الخصمين إذ ورد في الحديث الشريف { إذا ابتلي أحدكم بالقضاء فليسو بينهم في الجلوس النظر والإشارة ولا يرفع صوته على أحد الخصمين دون الآخر } وقد ورد في الكتاب الذي أرسله الخليفة عمر بن الخطاب إلى القضاة في زمانه أن آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك.

كما أن عدم المساواة بين الخصمين يوجب كسر قلب أحد الخصمين إذ أن القاضي لو توجه إلى أحد الخصمين يوجب ذلك أن يتجرأ على خصمه ويكون من نتيجته انكسار همة الخصم وضياع حقه في النتيجة.

وقد ورد في الآية الجليلة { فلا تخشوا الناس واخشون } وفي ذلك نهي للقضاة من الخوف من غير رب العباد ومن مراعاة الخاطر والمداهنة.

بناء عليه يلزم على القاضي أن يراعي العدل والمساواة في المعاملات.


وأن يحكم بالحق فلا يتبع هواه أو يراعي مثلا خاطر أحد من أهل بلدته أو أن يخاف أحدا من أهل النفوذ ذوي السيطرة فيحكم بتأثير ذلك .

ينبغي للقاضي أن لا يحذر لوم لائم أو طعن طاعن وأن لا يرغب في شيء وأن لا يراعي خاطر أحد فلا ينحرف في حال من الأحوال عن إجراء العدل وأن لا يطرق طريق التحيز ويجب أن يحكم مرجحا في حكمه طاعة الرب وطمعا في جزيل الثواب وهربا من العذاب الأليم وأن يتبع الحكمة .

وبما أن المسلم وغير المسلم متساويان في المعاملات وفي أمر العدل فيجب الحكم عند إجراء المحاكمة للطرف المحق منهما .

وقد حكم النبي عليه السلام على مسلم قتل ذميا بالقصاص.


احترام القاضي ، يجب على الطرفين أن يحترما القاضي الحرمة اللائقة وأن يجتنبا الأفعال والأقوال المخلة بالآداب فلذلك لو قال المحكوم عليه للقاضي ( قد حكمت لخصمي لأنك أخذت رشوة منه ) فالقاضي يعزره.


على القاضي أن يجلس الطرفين أمامه في موقع قريب يستطيع به سماع صوتهما العادي بدون أن يكون محتاجا لأن ينصت باهتمام أو يحتاج لرفع الصوت وهذا يقدر بمسافة ذراعين ويمنع القاضي الطرفين من رفع صوتهما فلا يجلسهما في جانب واحد لأنه في هذه الصورة يكون أحدهما أقرب للقاضي من الآخر فلا يكون في جلوسهما مساواة.

يجب على الخصمين أن يجلسا في حضور القاضي كجلوس المصلي حين التشهد فإذا أرادا الجلوس متربعين أو بصورة أخرى فللقاضي منعهما تعظيما للقضاء ولم يكن معروفا وقوف المتخاصمين في حضور القاضي كما هو الحال في زماننا وقد حدث ذلك مؤخرا لظهور الاحتياج إلى ذلك وإن الناس في أحوالهم وآدابهم مختلفون وقد ظهر في هذا الزمن بعض أمور وظهر بعض السفهاء فللقاضي أن يجري العمل بمقتضى الحال الذي يراه مناسبا يجلس من يستحق الجلوس ويوقف من يستحق الوقوف ويعطي كل إنسان ما يستحق ولا يجب أن يفهم من هذا أن للقاضي إجلاس أحد الخصمين وإيقاف الخصم الآخر .

فإذا ساوى القاضي بين الخصمين على هذا الوجه وأصدر حكمه بحق فلا يؤاخذ إذا مال قلبه لأحد الطرفين أي لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

الثاني : العدل بمعنى عدم الجور وهو إجراء الأمر والحال المستقيم الذي توجبه النفوس والعقول لأن القاضي مأمور بالعدل بين الخصمين فهو مجبور أن يحكم لمن له الحق .

ولذلك يجب على القاضي أن يخاف الله أحكم الحاكمين والعزيز ذا الانتقام.


على القاضي كذلك التسوية بين الخصمين

في الأمور المتعلقة بالمحاكمة كإجلاس الطرفين وإحالة النظر وتوجيه الخطاب إليه ما ولو كان أحدهما من الأشراف والآخر من آحاد الناس أو كان أحدهما أبا والآخر ولده أو كان أحدهما صغير السن والآخر كبيره أو كان أحدهما مسلما والآخر غير مسلم فإذا راعى القاضي المساواة التامة بين الخصمين فلا يأمل الشريف ميل القاضي إلى جانبه لشرفه ووجاهته كما أن آحاد الناس لا يخاف عن أن يجور به القاضي لضعفه بالتزام خصمه على هذه الصورة يتصل الجميع بحقوقهم.


ليس للقاضي أن يفتي أحد الطرفين أي أن يبدي رأيا لأحد الخصمين في المسألة التي يتخاصمان بها.( أن القاضي لا يفشي رأيه قبل الحكم ) وإن إراءة القاضي الطريق لأحد الخصمين بقول ادع كذا أو اطلب كذا غير جائز ومكروه ولكن للقاضي أن يفتي في مجلس الحكم أو في غيره لغير الخصمين في الأمور المتعلقة بالعقائد أو في المعاملات أي أن له أن يبين للسائل المسألة الشرعية.

ليس للقاضي أن يقوم لأحد الخصمين أما إذا أقام لكليهما فجائز.

لا ينبغي للقاضي أن يجلس أحد الخصمين إلى يمينه وأن يجلس الآخر إلى يساره لأن جهة اليمين ترجح على جهة اليسار فيكون قد أخل بواجب المساواة بينهما ولهذا الشرف فقد خصص النبي عليه السلام جهة اليمين للصحابي أبي بكر الصديق.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق