"فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ"
ضوابط اللجواء أو الجنوح إلي السلم
عند الجنوح الي السلم يجب مراعاة الضوابط الشرعية الواردة في الكتاب والسنّة ويمكن حصرها في الضوابط التالية :-
أن تكون المبادرة إلى السلام من غيرهم ، حيث لا يجوز أن يجنح لها المسلمين ابتداء وذلك للنهي عنه في آية القتال: ]فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ[ الأصل أن يبدأ الكفار بالجنوح إلى السلم أي أن تكون المبادرة منهم وذلك امتثالاً لقوله تعالي: ]وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا.
أن تكون محددة المدة وغير دائمة ، قال الشافعي رحمه الله:( لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين،على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، وذهب أبو حنيفة إلى القول بجواز الزيادة على العشر، لأنه عقد يجوز في العشر، فجازت الزيادة عليها كعقد الإجارة، والعام مخصوص في العشر لمعنى موجود فما زاد عليها، وهو أن المصلحة قد تكون في الصلح أكثر منها في الحرب) .
أن تكون لمصلحة مرجوة أو وجود ضرورة تدعو لذلك .
أن لا يكون السلام مبنيا على إذلال المسلمين ، أو فيه ما يقلل من شأن الإسلام ومكانته ، أو متضمنا على شروط تتعارض مع غاية مشروعية الجهاد أو ما ينقص.
لا يجوز للإمام المسلم أن يشترط في صلحه مع الكفار شرطاً يخالف الكتاب والسنة ودين الإسلام.
معلوم من الإسلام ضرورة أنه لا يجوز للإمام والقائد المسلم في صلحه الجائز مع الكفار أن يشارطهم على شيء يخالف القرآن والسنة، وكل شرط يخالف هذه الأصول فإنه يقع باطلاً.
فالشروط التي يجوز اشتراطها مع الكفار هي الشروط الجائزة فقط، كعقد هدنة للحرب سواء كانت محددة بوقت محدد كما صالح الرسول - صلى الله عليه وسلم - قريشاً على وضع الحرب عشر سنين، أو كانت غير مؤقتة بوقت محدد كما صالح الرسول - صلى الله عليه وسلم - اليهود في المدينة ووادعهم دون تحديد هذا بزمن معين.
وأما الشروط الباطلة فمثالها أن يشارطهم على أن يتنازل المسلمون عن شيء من دينهم كالصلاة أو الصوم أو الجهاد، أو الحكم بما أنزل الله، فإن هذا ومثله كفر بالله - تعالى -، وتبديل لشرعه ودينه، وترك من المسلمين لدينهم وعقيدتهم من أجل إرضاء الكفار وهذا كفر بالله - تعالى -.
وكل معاهدة وصلح بين المسلمين والكفار تتضمن شروطاً باطلة فهي باطلة، وإن كان مئة شرط، بل إن أي شرط في أي عهد أو عقد بين مسلم ومسلم إذا تضمن شرطاً باطلاً ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإنه يبطل هذا العقد أو الشرط، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما كان من شرط ليس في كتاب الله - عز وجل - فهو باطل، وإن كان مئة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق )(متفق عليه).
ولذلك فإن عقود الربا والزنا، وقتل المسلم والقمار، والعقد على كل ما حرم الله - سبحانه وتعالى- يقع باطلاً، ولا يجوز للمسلم أن يعقد مثل هذا العقد، ولا أن يفي به - وإن عقده - لأنه يقع باطلاً، ولا يجوز الوفاء به.
إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم (38)
البخل رزيله عواقبها وخيمة وآثاره سيئة على الإنسان فى حياته وبعد مماته فى آخرته. و قد أورد القرآن الكريم فى ذم البخل سبع آيات فى ست سور سيرد ذكرها فى سياق المقال منها خمس سور مدنية وهى: آل عمران: [180]، النساء: [37]، التوبة: [76]، محمد: [37-38]، الحديد: [24]، وسورة مكية واحدة وهى الليل: [8]. وقد عبر القرآن الكريم عن البخل بستة ألفاظ مشتقة من الفعل الثلاثي "بخل" وهى كالتالي مع ذكر عدد مرات تكرارها وهى: بخل [1]، بخلوا [2]، تبخلوا [1]، يبخل [3]، يبخلون [3]، البخل [2]
وقال ابن القيم رحمه الله :
" الْبَخِيل هُوَ مَانع مَا وَجب عَلَيْهِ ، فَمن أدّى الْوَاجِب عَلَيْهِ كُله لم يسم بَخِيلًا ، وَإِنَّمَا الْبَخِيل مَانع مَا يسْتَحق عَلَيْهِ إِعْطَاؤُهُ وبذله " انتهى من " جلاء الأفهام " ، ومثله للقرطبي.
وقال الغزالي رحمه الله :
" الْبَخِيلُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ ، إِمَّا بِحُكْمِ الشَّرْعِ ، وَإِمَّا بِحُكْمِ المروءة ، وذلك لا يمكن التنصيص على مقداره " .
انتهى من إحياء علوم الدين.
ومثله قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" البخل: هو منع ما يجب ، وما ينبغي بذله " .
انتهى من " شرح رياض الصالحين ".
وقد اختلفت عبارات العلماء في حده :
قال ابن مفلح رحمه الله :
" ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي حَدِّ الْبُخْلِ أَقْوَالًا:
(أَحَدُهَا) : مَنْعُ الزَّكَاةِ ، فَمَنْ أَدَّاهَا خَرَجَ مِنْ جَوَازِ إطْلَاقِ الْبُخْلِ عَلَيْهِ ...
(وَالثَّانِي) : مَنْعُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَالنَّفَقَةِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَمَنَعَ غَيْرَهَا مِنْ الْوَاجِبَات عُدَّ بَخِيلًا [اختاره ابن القيم وغيره] .
(وَالثَّالِثُ) : فِعْلُ الْوَاجِبَات، وَالْمَكْرُمَاتِ ، فَلَوْ أَخَلَّ بِالثَّانِي وَحْدَهُ كَانَ بَخِيلًا [اختاره الغزالي وغيره] " انتهى باختصار"الآداب الشرعية"
الأخذ من مال البخيل ما وجب عليه من النفقة
أخذ الزوجة من مال زوجها بدون علمه
إذا كان الزوج قائما بالنفقة الواجبة، من مسكن وملبس ومأكل ومشرب ، في حدود المعروف، فلا يجوز لزوجته أن تأخذ من ماله شيئا؛ لحرمة الأخذ من المال إلا بطيب النفس، لقوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29 .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ) رواه البخاري (67)، ومسلم (1679).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459).
فإن قصر في النفقة الواجبة: جاز لها أن تأخذ ذلك من ماله بالمعروف؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي ، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ؟
فَقَالَ: ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري (5364) .
وإذا لم يكن مقصرا في النفقة الواجبة، فلا يجوز أخذ شيء من ماله بغير رضاه.
وقد بينت آيات القرآن الكريم عما ينتظر البخيل من عنت فى الدنيا، وعذاب مهين فى الأخره، ومن هذه العواقب ما يلى:
أخذ الأولاد من مال أبيهم البخيل.
ليس للأولاد أن يأخذوا من مال أبيهم بغير علمه، إلا ما تدعو له الحاجة المعروفة لأمثالهم، إذا بخل بذلك، وكانوا عاجزين عن النفقة على أنفسهم من أموالهم، ولم ينفق عليهم النفقة الواجبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان بن حرب رضي الله عنهما لما اشتكت إليه صلى الله عليه وسلم قائلة: "إن أبا سفيان رجل لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ، إلا ما أخذته من ماله بغير علم"، فأجابها صلى الله عليه وسلم بقوله: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك. متفق على صحته.
ومعنى بالمعروف: يعني الشيء المتعارف في نفقة مثلهم، من غير إسراف ولا تبذير
العسرى للبخيل
{وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى . وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:8-11]، فأما من بخل بماله، واستغنى عن ربه، وكذب بالجنة، أو بلا إله إلا الله {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}؛ أي يعسر الله عليه أسباب الخير والصلاح ولا ينفعه ماله إذا هلك وهو فى نار جهنم.
البخل شر وليس خيرًا
يقول الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180]، حيث يجعل الله للبخيل مما بخل به طوقًا حول عنقه، فكلما منع البخيل نفسه من العطاء إزداد الطوق ثقلًا.
البخلاء جعل الله عاقبتهم رسوخ النفاق فى قلوبهم الى يوم لقائه
{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ . فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ . فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة:75-77]، أي فلما رزقهم الله - أي المنافقين - بخلوا به وتولوا وهم معرضون، أي بخلوا فى الإنفاق ونقضوا العهد وأعرضوا عن طاعة الله ورسوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}.
ذم البخل فى السنة النبوية
إخراج ما فى قلوب البخلاء من بخل وكراهية
ذلك لأن الإنسان جبل على محبة الأموال لقوله تعالى " {إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد:37].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة بخيل ولا خب ولا خائن لا سيئ الملكة» (حسنه الترمذي [10/414])، وفي رواية «ولا جبار» وفي رواية " «ولا منان».
وقال صلى الله عليه وسلم: «مثلُ البخيلِ والمنفقِ، كمثلِ رجلينِ عليهما جُبتانِ منْ حديدٍ، منْ لدنْ ثدييهمَا إلى تراقِيهما، فأَما المنفقُ: فلا ينفقُ شيئًا إلا مادتْ على جلدِهِ، حتى تُجِنَّ بَنانَهُ وتَعفُوَ أثرَهَ. أمَّا البخيلُ: فلا يريدُ إلا لزمتْ كلُّ حلقةٍ موضعَها، فهوَ يوسعُها فلا تتسعُ. ويشيرُ بإصبعهِ إلى حلقِهِ» (صحيح البخاري [1239]).
يعاقب الله من دعاهم للإنفاق فبخلوا بأن يخلف مكانهم قومًا آخرين يكونون أطوع لله منهم، ثم لا يكونوا أمثالهم فى البخل عن الإنفاق، بل يكونوا كرماء أسخياء لقوله تعالى {هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد:38].
وقال صلى الله عليه وسلم: " «اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى ارذل العمر» (صحيح النسائي [5462]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق» (صحيح الترغيب [2608]، حكم المحدث: صحيح لغيره).
العذاب الأليم مع الخزى والإذلال فى الآخرة هيأ الله للجاحدين بنعمة الله ممن بخلوا، وأمروا الناس بالبخل، وأخفوا ما عندهم من المال والغنى {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء:37]، وقوله {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد من الآية:24]، أي فإن الله مستغني عنه وعن انفاقه، محمود فى ذاته وصفاته لا يضره الإعراض عن شكره، ولا تنفعه طاعه الطائفين وفيه وعيد وتهديد {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد:24].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق