الخميس، 22 يوليو 2021

الجزء السابع والعشرون - الربع الأول - الأحكام الفقهية

 



(وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا)


تكلمنا فيما سبق عن القسم في القرأن وأساليب القسم وأن الله عز وجل يقسم بأي شيئ (فهو الخالق سبحانه لكل شيئ) لبيان عظمة المقسوم به أو إعطاء إشارة أو لافتة الي أهميته وفوائدة العظيمة ......إلخ


ولكن هل يجوز للبشر القسم او الحلف بغير الله حتي ولو كان شيئاً عظيما كـ الكعبة مثلا


لا ينعقد اليمين بغير الله تعالى كالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة، وجبريل، والولي وغير ذلك من كل معظم ولا كفارة على الحنث في الحلف به، وإذا قصد الحالف بذلك إشراك غير الله معه في التعظيم كان ذلك شركاً؛ وإذا قصد الاستهانة بالحلف بالنبي والرسول ونحو ذلك كفر. أما إذا لم يقصد شيئاً من ذلك بل قصد اليمين ففي حكمه تفصيل المذاهب


الحالف إنما يقصد الحلف بالمكتوب فيه وهو القرآن. وكذلك الحلف بالقرآن أو بسورة منه أو بآية أو بحق القرآن فإنه ينعقد يميناً.

وينعقد اليمين بقول: أحلف بالله، أو أشهد أو أقسم أو أعزم، كما ينعقد بقوله: أقسمت أو شهدت أو حلفت أو آليت أو عزمت بالله، وإذا لم يذكر اسم الله لم يكن يميناً إلا إذا نوى الإضافة إلى الله تعالى.

وإن قال: نويت بقول أقسمت بالله ونحوه الخبر عن قسم ماضي يقبل قوله قضاء.

ولا ينعقد اليمين بقول: أستعين بالله، أو أعتصم بالله، أو أتوكل على الله، أو علم الله، أو عز الله، أو تبارك الله، أو الحمد لله، أو سبحان الله، ونحوه ولو نوى به اليمين


ثم قال:

"ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق؛ كالكعبة، والأنبياء، وسائر المخلوقات، ولا تجب الكفارة بالحنث فيها. هذا ظاهر كلام الخرقي. وهو قول أكثر الفقهاء. وقال أصحابنا: الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم يمين موجبة للكفارة. وروي عن أحمد أنه قال: إذا حلف بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنث= فعليه الكفارة.

قال أصحابنا: لأنه أحد شرطي الشهادة، فالحلف به موجب للكفارة، كالحلف باسم الله تعالى.

ووجه الأول، قول النبي صلى الله عليه وسلم -: «من كان حالفا، فليحلف بالله، أو ليصمت» .

ولأنه حلف بغير الله، فلم يوجب الكفارة، كسائر الأنبياء،

ولأنه مخلوق، فلم تجب الكفارة بالحلف به، كإبراهيم عليه السلام،

ولأنه ليس بمنصوص عليه، ولا في معنى المنصوص،

ولا يصح قياس اسم غير الله على اسمه؛ لعدم الشبه، وانتفاء المماثلة.

وكلام أحمد في هذا يحمل على الاستحباب دون الإيجاب".


فتبين بذلك:

أن المذهب: تحريم الحلف بالنبي ﷺ،

وأن الخلاف المشهور في المذهب هو في انعقاد اليمين به، لا في حكم الحلف به، وإن كان هناك رواية في المذهب بجواز الحلف بغير الله، لكن المعتمد والأكثر على خلافها، ولا ارتباط بينها وبين وجوب الكفارة.

- قال في الإقناع وشرحه: "(ويحرم الحلف بغير الله و) غير (صفاته ولو) كان الحلف (بنبي؛ لأنه شرك في تعظيم الله) ؛لحديث ابن عمر مرفوعا قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك»، وروى عمر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال: إن الله نهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت». متفق عليه (فإن فعله) أي حلف بغير الله وصفاته (استغفر) الله (وتاب) بالندم والإقلاع والعزم أن لا يعود، (ولا كفارة في اليمين به)؛ لأنها وجبت في الحلف بالله وصفاته للاسم الأعظم، وغيره لا يساويه (ولو) كان الحلف (برسول الله صلى الله عليه وسلم)، خلافا لكثير من الأصحاب؛ لأنه أحد شرطي الشهادتين اللتين يصير بهما الكافر مسلما".


فأنت ترى أن الكلام في مقامين:

١- حكم الحلف بغير الله، والمذهب فيه قولان مشهوران: التحريم وهو المعتمد، والكراهة، وهناك قول ضعيف بالجواز، وذكره بعض الأصحاب رواية.

٢- هل تجب الكفارة بالحلف بغير الله عامة أو بالنبي ﷺ خاصة؟

ولهذا قال في الإنصاف:

"الصحيح من المذهب: أن الكفارة لا تجب بالحلف بغير الله تعالى، إذا كانت بغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم".

ثم قال: "وأما الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم: فقدم المصنف هنا عدم وجوب الكفارة، وهو اختياره، واختاره أيضا الشارح، وابن منجى في «شرحه»، والشيخ تقي الدين، وجزم به في «الوجيز».

وقال أصحابنا: تجب الكفارة بالحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وقال في «الفروع»: اختاره الأكثر، وقدمه. وروي عن الإمام أحمد رحمه الله، مثله، وهو من مفردات المذهب، وحمل المصنف ما روي عن الإمام أحمد رحمه الله على الاستحباب".


١- مذهب الحنابلة:

- قال الإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله:

"ولا يجوز الحلف بغير الله تعالى، وصفاته، نحو: أن يحلف بأبيه، أو الكعبة، أو صحابي، أو إمام. قال الشافعي: أخشى أن يكون معصية. قال ابن عبد البر: وهذا أصل مجمع عليه.

وقيل: يجوز ذلك".

ثم ذكر الأدلة للقولين وفصلها وناقش أدلة من أجاز.

ثم قال:

"ثم إن لم يكن الحلف بغير الله محرما؛ فهو مكروه، فإن حلف فليستغفر الله تعالى، أو ليذكر الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله»؛ لأن الحلف بغير الله سيئة، والحسنة تمحو السيئة، وقد قال الله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا عملت سيئة، فأتبعها حسنة تمحها» .

ولأن من حلف بغير الله= فقد عظم غير الله تعظيما يشبه تعظيم الرب تبارك وتعالى، ولهذا سمي شركا؛ لكونه أشرك غير الله مع الله تعالى في تعظيمه بالقسم به، فيقول: لا إله إلا الله؛ توحيدا لله تعالى، وبراءة من الشرك.

وقال الشافعي: من حلف بغير الله تعالى= فليقل: أستغفر الله".


- وقال في المنتهى وشرحه: "(ويحرم) الحلف (بذات غير الله تعالى أو) غير (صفته، سواء أضافه) أي: المحلوف به (إليه تعالى؛ كقوله) أي الحالف: (ومخلوق الله ومقدوره ومعلومه وكتبه ورسله، أو لا؛ كقوله والكعبة) والرسول (وأبي)؛ لاشتراكهما في الحلف بغير اسم الله تعالى قال ابن مسعود وغيره «لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا». قال الشيخ تقي الدين: لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك. يشير إلى حديث ابن عمر السابق. (ولا كفارة) في الحلف بغير الله تعالى ولو حنث؛ لأنها وجبت في الحلف بالله تعالى وصفاته صيانة لأسمائه تعالى، وغيره لا يساويه في ذلك، (وعند الأكثر) من أصحابنا (إلا في) حلف (بـ) نبينا (محمد صلى الله عليه وسلم) فتجب الكفارة إذا حلف به وحنث، ونص عليه في رواية أبي طالب؛ لأنه أحد شرطي الشهادتين اللتين يصير بهما الكافر مسلما. واختار ابن عقيل: أن الحلف بغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كهو. والأشهر: لا تجب به، وهو قول أكثر الفقهاء؛ لعموم الأخبار".


٢- مذهب الحنفية:

قال في الاختيار لتعليل المختار:

"(والحلف بغير الله تعالى ليس بيمين؛ كالنبي والقرآن والكعبة، والبراءة منه يمين) والأصل في هذا: أن الحلف بغير الله تعالى لا يجوز؛ لما روينا، وروي أنه عليه الصلاة والسلام سمع عمر يحلف بأبيه فقال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليحلف بالله أو فليصمت"، وروي: "من حلف بغير الله فقد أشرك"،

ولأن الحلف تعظيم المحلوف به، ولا يستحقه إلا الله تعالى.

وإذا لم يجز الحلف بغير الله تعالى= لا يلزمه به كفارة لأنه ليس بيمين، ولم يهتك حرمة منع من هتكها على التأبيد، ويدخل في ذلك ما ذكرنا، أما النبي والكعبة فظاهر ...".


٣- مذهب المالكية:

- قال في الشرح الكبير للدردير:

"(والنبي والكعبة)، والركن والمقام والعرش والكرسي وسر الإمام والولي فلان من كل مخلوق معظم شرعا فعلت أو لأفعلن،

وفي حرمة الحلف بذلك وكراهته وهو صادق: قولان،

وأما الحلف بالسلطان أو نعمة السلطان أو برأسه أو رأس أبيه أو تربته ونحو ذلك= فحرام قطعا".

- وفي شرح شيخ الأزهر الخرشي على خليل:

"الإنسان إذا قال: والنبي والمختار والرسول والكعبة والحجر والبيت والكرسي مما هو مخلوق ويعظم شرعا، ما فعلت كذا أو لأفعلن، وحنث= فلا يكون يمينا؛ لأن النبي ﷺ نهى عن الحلف بغير الله، وقيست الصفة على الاسم،

والأظهر: تحريم الحلف بما ذكر، كما في التوضيح.


- وقال في تحفة المحتاج:

(فلا تنعقد بمخلوق: كنبي وملك؛ للنهي الصحيح عن الحلف بالآباء، وللأمر بالحلف بالله. وروى الحاكم خبر: «من حلف بغير الله فقد كفر»، وفي رواية: «فقد أشرك»، وحملوه على ما إذا قصد تعظيمه كتعظيم الله تعالى، فإن لم يقصد ذلك= أثم عند أكثر أصحابنا، أي: تبعا لنص الشافعي الصريح فيه، كذا قاله شارح.

والذي في شرح مسلم عن أكثر الأصحاب: الكراهة، وهو المعتمد، وإن كان الدليل ظاهرا في الإثم، قال بعضهم: وهو الذي ينبغي العمل به في غالب الأعصار لقصد غالبهم به إعظام المخلوق ومضاهاته لله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وقال ابن الصلاح: يكره بماله حرمة شرعا كالنبي، ويحرم بما لا حرمة له كالطلاق".


٤- مذهب الشافعية:

قال الإمام النووي رحمه الله:

(الحلف بالمخلوق مكروه؛ كالنبي والكعبة وجبريل والصحابة والآل. قال الشافعي رحمه الله: أخشى أن يكون الحلف بغير الله تعالى معصية. قال الأصحاب: أي حراما وإثما، فأشار إلى تردد فيه، قال الإمام: والمذهب: القطع بأنه ليس بحرام، بل مكروه.

ثم من حلف بمخلوق لم تنعقد يمينه، ولا كفارة في حنثه.

قال الأصحاب: فلو اعتقد الحالف في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله تعالى= كفر، وعلى هذا يحمل ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بغير الله تعالى فقد كفر"،

ولو سبق لسانه إليه بلا قصد= لم يوصف بكراهة، بل هو لغو يمين، وعلى هذا يحمل ما ثبت في «الصحيحين» أن النبي صلى الله عليه وسلمقال: «أفلح وأبيه إن صدق»".


وشهر الفاكهاني الكراهة.

ومحل الخلاف: إذا كان الحلف صادقا، وإلا فيحرم قطعا.

وأما الحلف بما ليس بمعظم شرعا كالدماء والنصب ورءوس السلاطين والأشراف= فلا شك في تحريمه، وإن قصد بالأنصاب ونحوها مما عبد من دون الله غير الأنبياء تعظيما= فكفر.

وأما قصد تعظيم من عبد من الأنبياء في الحلف به كعيسى= فليس بكفر، إلا أن يقصد تعظيمه على أنه إله".

- وقال العلامة علي العدوي:

"المعتمد الكراهة؛ لأن منقول المذهب الكراهة، واستظهار الشيخ خليل إنما هو من عنده"

ثم قال:

"ومن ذلك: نعمة السلطان وتربة أبي وحياة أبي ورأس أبي= فلا شك في تحريمه، وإلا ففيه الخلاف بالحرمة والكراهة، والمعتمد الكراهة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق