الخميس، 22 يوليو 2021

الجزء السادس والعشرون - الربع السابع - الأحكام الفقهية

 


وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ


البغي في اللغة والإصطلاح‏ قبل البدء بتعريف البغي والبغاة لا بدّ من تقريب أمور: أولاً: البغي في اللغة له أكثر من معنى: فهو الطلب، كما في قوله تعالى: (ذلك ما كنا نبغِ). وقد يكون مذموماً كما في قوله تعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق). أو ممدوحاً كما في الحديث الشريف: «ألا إنّ اللّه يحب بغاة العلم». ومن معاني البغي: الظلم كما في قوله تعالى: (خصمان بغى بعضنا على بعض). ومن معاني البغي أيضاً الفساد كما في قول العرب: بغى الجرح إذا فسد ونتن وجمعاً بين هذه المعاني قال الأزهري: «هو قصد الفساد»وقال الراغب الأصفهاني: «هو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى، تجاوزه أو لم يتجاوزه».ثم اشتهر البغي في العرف في طلب مالا يحل والجور ومجاوزة الحد والظلم ومنه سمي البغاة لظلمهم وعدولهم عن الحق.فالبغاة هم الظالمون العادلون عن الحق


ومن هذا الإجمال نلجأ إلى تفصيل لابد منه فنتناول الشروط الثلاثة الواجب توافرها في جريمة البغي وهي:

الشرط الأول: الخروج على من ثبتت إمامته بتأويل .

الشرط الثاني: استعمال القوة في الخروج وأن يكون بشوكة .

الشرط الثالث: نية الخارج .


وقد اختلفت تعاريف الفقهاء حول البغي فقالوا :

ـ قال الحنفية : هم الخارجون عن الإمام الحق بغير الحق فلو كان الخروج بحق فليسوا بغاة. (شرح فتح القدير لابن الهمام ج 4 ص 48).

ـ قال المالكية: البغاة فرقة ـ أي طائفة ـ من المسلمين خالفت الإمام الذي ثبتت إمامته باتفاق الناس عليه لمنع حق لله أو لآدمي .. وجاء في شرح الزرقاني وحاشية الشيباني :

البغي هو الامتناع عن طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية ولو تأويلا . (الشرح الكبير للدردير هامش حاشية الدسوقي ج 4 ص 123).

ـ قال الشافعية: البغاة مسلمون مخالفو الإمام بخروج عليه نفسه أو ترك الانقياد له، أو منع حق لله أو لآدمي توجب عليهم، وقال صاحب أسنى المطالب شرح روض الطالب الإمام أبي يحيى زكريا الأنصاري الشافعي:البغاة هم المسلمون مخالفو الإمام بخروج عليه وترك الانقياد له بشرط شوكه لهم وتأويل ومطاع .أنظر (أسنى المطالب شرح روض الطالب ج 4 ص 111) و (مغني المحتاج للشربيني الخطيب ج 4 ص 123).

فالبغي إذن عند الشافعية هو خروج جماعة ذات شوكه ورئيس مطاع عن طاعة الإمام بتأويل فاسد ..

ـ قال الحنابلة: إنهم قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الإمام ويرون خلعه لتأويل سائغ وفيهم منعه يحتاج في كفهم إلى منع الجيش. (المغني لابن قدامه جـ 8 صـ 107).

وفي (كشف القناع جـ 4 صـ 114) هم الخارجون عن إمام ولو غير عدل بتأويل سائغ ولهم شوكه ولو لم يكن فيهم مطاع


ـ قال الظاهرية: البغاة قسمان لا ثالث لهما : إما قسم خرجوا على تأويل في الدين فأخطئوا فيه، كالخوارج وما جرى مجراهم من سائر الأهواء المخالفة للحق.

وإما قسم أرادوا لأنفسهم دنيا فخرجوا على إمام حق أو على من هو في السيرة مثلهم، فإن تعدت هذه الطائفة إلى إخافة الطريق أو إلى نال من لقوا أو سفك الدماء انتقل حكمهم إلى حكم المحاربين وهم ما لم يفعلوا ذلك في حكم البغاة.( محمد علي ابن حزم المحلى جـ 12 صـ 497).

من التعاريف السابقة نستطيع أن نستنتج أن البغي هو الخروج على من ثبتت إمامته بتأويل سائغ وبشرط أن يتوفر لدى الخارج القصد الجنائي، أي قصد الخروج على الإمام بغرض خلعه أو عدم طاعته وأن يكون استعمال القوة هو وسيلة الخروج ..


الشرط الأول

الخروج على الإمام ..

الإمام هو رئيس الدولة الإسلامية الأعلى أو من ينوب عنه من سلطان أو وزير أو حاكم إلى غير ذلك من المصطلحات ويشترط فيه أن يقيم الدين وينصر السنة وينصف المظلومين وأن يكون ذكرا مكلفا عدلا ..

- لا يعتبر الخروج على الإمام قبل أن تثبت إمامته بغيا


وتثبت الإمامة بأربعة طرق

كما جاء في الأحكام السلطانية للماوردي والمغنى على مختصر الخرافي لمحمد بن عبد الله بن قدامة (ج 8 ص 108) :

1 ـ باختيار أهل الحل والعقد من العلماء والفقهاء وأرباب الحل والعقد كما حدث في بيعة أبي بكر على أثر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ..

2 ـ باختيار الإمام السابق لمن يليه ، كما حدث في إختيار أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حيث عهد إلى عمر بقوله : (بسم الله الرحمن الرحيم ن هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده من الدنيا وأول عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر، إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب فإن بر وعدل فذلك علمي به ورأيي فيه ، وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) .. ويصح أن يعهد الإمام لولده كما فعل معاوية وغيره من الخلفاء الأمويين والعباسيين وغيرهم ..


3 ـ بجعل الإمام السابق الأمر شورى في جماعة معينة يختارون الإمام الجديد من بينهم أو يختاره أهل الحل والعقد كما فعل عمر بن الخطاب حيث ترك الأمر شورى في سته من الصحابة فاختاروا من بينهم عثمان ..

4 ـ بالتغلب والقهر حيث يظهر المتغلب على الناس ويقهرهم حتى يدعونه إماما ، فثبتت أن له الإمامة وتجب طاعته على الرعية ومثل ذلك ما حدث من عبد الملك بن مروان حين خرج على عبد الله بن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها إماما عليهم.

وإذا ثبتت الإمامة بإحدى هذه الطرق كان الخروج على الإمام بغيا..


والإسلام لا يجيز الخروج على الحاكم أو خلعه أو قتاله إلا إذا أتى كفرا بواحا أي كفرا صريحا لا شك فيه وإنما واجبنا معه السمع والطاعة يقول الحق سبحانه وتعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فمن هم (أولي الأمر)؟ .إنهم كما يقول علماء الشريعة فريقان :

1ـ أولو الأمر الديني وهم المجتهدون وأهل الفتيا .

2ـ أولو الأمر الدنيوي وهم الذين يعنينا هنا أمرهم ، هم من نطلق عليهم في عصرنا الحديث الحكام أي رجال السلطتين التشريعية والتنفيذية .


الملاحظ أن بعض علماء الشريعة يستعملون أحيانا في كتاباتهم اصطلاح ولي الأمر أي بصيغة المفرد ، وهم يعنون به رئيس الدولة مع أن القرآن الكريم لم يستعمل بتاتا هذا الاصطلاح بهذه الصيغة بل كان دائما لا يذكر إلا أولي الأمر بصيغة الجمع وذلك أيضا كما في قوله تعالى (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ويلاحظ أن أولي الأمر في هذه الآية إنما يقصد بهم ـ كما يقول الزمخشري ـ في الكشاف هم كبراء الصحابة البصراء بالأمور ..


هذه الملحوظة ليست كما قد يظن مجرد مسألة شكلية ، بل هي تنطوي على مغزى جوهري وهو أن الإسلام لا يقر لفرد أن يستأثر وحده بجميع السلطات أو بالاجتهاد والفتيا في الشئون الدينية والدنيوية ، فطاعة الله سبحانه وتعالى ملزمة وكذلك طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ملزمة ومن ثم قال سبحانه (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول)ولم يقل (وأطيعوا أولى الأمر منكم) وإنما قال (وأولي الأمر منكم)، لأن طاعتهم ـ أي أولي الأمرـ ملزمة ما أطاعوا الله فينا فإن عصوا الله فلا طاعة لهم علينا وذلك مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من أمركم منهم بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة) .

على أنه يلاحظ أن الحاكم (رئيس الدولة) أو الإمام يشترط فيه في الإسلام أن يكون مجتهدا وإذا لم يكن كذلك فإن عليه أن يرجع ـ في أمور الحل والحرمة ـ إلى أولي الأمر الديني ـ أي المجتهدين وأهل الفتيا ـ كما يلاحظ أنه على الحكام ـ في الإسلام ـ أن يأخذوا بمبدأ الشورى ـ فكما قلنا أن القرآن يشير إلى (أولي الأمر)دائما بصيغة الجمع فهو لم يذكر بتاتا حتى مرة واحدة (ولي الأمر) أي بصيغة المفرد ـ لأنه ـ أي القرآن ـ لا يعرف حكم الفرد ولا يلزم أحدا بفتوى الفرد..(الدكتور عبد الحميد متولي ـ مبادئ نظام الحكم في الإسلام ص 50).


فالإسلام لا يجيز الخروج على الحاكم بأي حال من الأحوال، ففي صحيح مسلم كتاب الإمارة:

[ و حَدَّثَنِي ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِيُّ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ‏ ‏ح‏ ‏وحَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏زَيْدُ بْنُ سَلَّامٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَلَّامٍ ‏ ‏قَالَ قَالَ ‏ ‏حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ‏ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ قَالَ‏ ‏يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ‏] 3435حديث رقم ـ صحيح مسلم ـ كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن.


3ـ مسلك صاحب السلطة الشرعية مع البغاة

من المتفق عليه في كل المذاهب الشرعية أن قتال الخارجين لا يجوز قبل سؤالهم عن سبب الخروج والأصل في ذلك كما قال الإمام ابن حزم:

( .. هو قول الحق سبحانه وتعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله)..

فأمر الله تعالى بالإصلاح ثم بالقتال فلا يجوز أن يقدم القتال على الإصلاح ولا يكون الإصلاح إلا برد المظالم ورفع الجور، فيجب على صاحب السلطة الشرعية ألا يقاتل البغاة حتى يبعث إليهم أمينا ناصحا لهم يسألهم عن الأسباب التي دعتهم إلى الخروج فإذا ذكروا مظلمة كانت سببا في ذلك أو ذكروا شبهه أزالها لأن المقصود بقتالهم ردهم إلى الطاعة فإن أصروا بعد إزالة مظالمهم أو رد شبهاتهم على موقفهم نصحهم ووعظهم وبين لهم سوء عاقبة عملهم وأمرهم بالعود إلى الطاعة لأن ذلك أقرب إلى حصول المقصود


الخارجون على الإمام ثلاثة أنواع

أولا: الخارجون بلا تأويل سواء كانوا ذوي منعه أو شوكة أو لا منعه لهم

وحكم الخارجين بلا تأويل ولا شوكة لهم عند أبي حنيفة وأحمد حكم قطاع الطرق فيعاملون على هذا الأساس وكتب الحنابلة والأحناف تجعل حكمهم حكم قطاع الطريق دون تفصيل مما يفهم منه أنهم يقررون الأمر كذلك دون قيد أو شرط..

أما حكمهم عند الشافعي فهو حكم غيرهم من أهل العدل ويحاسبون على ما يأتون من أفعال فإن كونت جريمة حرابه عوقبوا على الحرابة وإن كونت جرائم أخرى عوقبوا عليها ..


ثانيا: الخارجون بتأويل ولا شوكة أو لا منعه لهم

على الرغم من أن الرأي الراجح في مذهب الإمام أحمد أن المتأول بلا شوكة يعتبر محاربا فإن بعض فقهاء المذهب لا يشترط الشوكة مع التأويل فلا فرق عنده بين الكثير والقليل ما دام الخروج أساس التأويل ويعتبر المتأول بلا شوكة باغيا لا محاربا وحجتهم في هذا هو أن الخروج أساس التأويل لا الشوكة وعقيدة الخارج لا عدد من يشاركونه تلك العقيدة فلا معنى لاشتراط الشوكة..


ثالثا: الخارجون بتأويل وشوكة وهم قسمان

1 ـ الخوارج ومن يذهبون مذهبهم ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويسبون نسائهم ويكفرون بعض أصحاب سول الله..

2 ـ الخارجون بتأويل ولهم منعه وشوكة ممن لا يذهبون مذهب الخوارج ولا يستحلون دماء المسلمين ولا يستبيحون دمائهم وأموالهم ونسائهم..

وحجة القائلون بالشوكة أن ابن ملجم لما جرح عليا قال علي للحسن: (أطعموه واسقوه واحبسوه فإن عشت فأنا ولي دمي أعفوا إن شئت وإن شئت استقدت وإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به) فقد اعتبر علي جريمة ابن ملجم جريمة عادية ولم يعتبره باغيا لأن خروجه لم يكن بشوكة كما أن إثبات حكم البغاة للعدد اليسير يشجع على الخروج ويؤدي إلى إتلاف أموال الناس لأن البغاة يسقط عنهم ضمان ما أتلفوا.. هذا عن الأحناف..


أما مذهب مالك فيمن يعتبر باغيا هو كل من امتنع عن الطاعة في غير معصية بمغالبة ولو تأويلا فكل من خرج بمغالبة فهو باغ سواء كان متأولا أو غير متأول ذا منعة وشوكة أو ليس له منعه وشوكة، ويجوز أن يكون الباغي فردا واحدا ويجوز أن يكون الباغي أكثر من فرد واحد ، ولعل المالكية يتفقون مع ما يراه الحنفية.(المغني لابن قدامة ج 10 ص 49).

يقول الدردير في الشرح الكبير هامش حاشية الدسوقي ولا يضمن باغ متأول في خروجه على الإمام ما أتلف من نفس أو مال حال خروجه لعذره بالتأويل بخلاف الباغي غير المتأول. (الشرح الكبير هامش حاشية الدسوقي ج 4 ص 266).

ويقول ابن حزم إن كل من خرج على الإمام مغالبة بتأويل أو غير تأويل فهو باغ سواء كان فردا أو جماعة ما لم يكن خروجه بحق فهو ليس باغيا.(المحلى لابن حزم ج 12 ص 525).


أما عند الشافعيين فيعتبر الخارج باغيا ولو كان خارجا بحق وسواء كان على صواب أو على خطأ وذلك لأن الخارج يسلك الطريق الصحيح الذي يؤدي لإقرار وتصحيح الخطأ فإذن لم يكونوا بغاة فيما يطلبون ولكن بغاة في تحقيق اختيار الوسيلة التي يريدون بها الوصول إلى حقهم لأنها تؤدي إلى الفساد وزعزعة أركان الدولة لأنه من المحرم عليهم الخرج على من ثبتت إمامته لأن من ثبتت إمامته تجب طاعته. (أسنى المطالب شرح روض الطالب لأبي يحيى زكريا الأنصاري ج 4 ص 111).

كما أهم يشترطون لوجود المنعة أو الشوكة أن يكون في الخارجين مطاع ولو لم يكن إماما عليهم يسمعون له ويطيعون له لأن الشوكة لا تتم إلا بوجوده ولأنه لا شوكة لمن لا مطاع فيهم مهما كانت قوتهم..


* المقصود بالتأويل

التأويل المقصود هو إدعاء سبب للخروج والتدليل عليه، ويستوي أن يكون التأويل صحيحا أو فاسدا حتى ولو كانت الأدلة علي التأويل ضعيفة..


استعمال القوة في الخروج وأن يكون بشوكة ومنعة

يشترط لكي يكون الخروج بغيا أن يكون استعمال القوة هو شرط الخروج، فإذا كان الخروج غير مصحوب باستخدام القوة فلا يعتبر بغيا، كرفض مبايعة الإمام بعد أن بايعت له الأغلبية، فقد امتنع علي بن أبي طالب عن مبايعة أبي بكر أشهرا ثم بايع ورفض سعد بن عبادة مبايعته ولم يبايعه حتى مات، وكامتناع عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر لمبايعة يزيد ومثل ما وقع من الخوارج في عهد علي رضي الله تعالى عنه فهو لم يتعرض لهم حتى استعملوا القوة ولم يعتبرهم بغاة إلا بعد استعمالها..


ويعتبر الخروج بغيا عند مالك والشافعي وأحمد وابن حزم حينما يبدأ الخارجون باستعمال القوة فعلا ، أما قبل استعمالها فلا يعتبر الخروج بغيا ولا يعتبرون بغاة ويعاملون كما يعامل العادلون ولو تحيزوا في مكان وتجمعوا ولو كانوا يقصدون استعمال القوة في الوقت المناسب..

أما أبو حنيفة فيعتبرهم بغاة ويعتبر حالة البغي قائمة من وقت تجمعهم بقصد القتال والامتناع لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه القمع..


1 ـ ولا يبدأ الإمام قتال الخارجين عليه إلا بعد أن يراسلهم و يسألهم عن سبب خروجهم فإن ذكروا مظلمة أزالها أو شبهة كشفها لأن ذلك طريق إلى الصلح ووسيلة إلى الرجوع عن الحق ، وقد فعل ذلك علي ابن أبي طالب ولأن الله سبحانه وتعالى يقول (فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي) فيجب أن يتقدم ما قدمه الله سبحانه وتعالى وهو الصلح ويتأخر ما أخره وهو القتال، ثم يدعوهم بعد ذلك للطاعة فإن استجابوا وإلا قاتلهم إلا أن يعاجلوه بالقتال فله أن يقاتلهم دون أن يسألهم..


2 ـ وتعتبر حالة البغي قائمة طالما الباغي في مركز المقاتل أو المدافع ، ففي الشرح الكبير للدردير أنه من ألقى سلاحه من البغاة أو كف عن القتال فلا يجوز قتله حيث زالت حالة البغي وهي استعمال القوة وعلى هذا الأساس لا يقتل المدبر ولا الأسير ولا يجهز على الجريح سواء كانت حالة الحرب قائمة أو انتهت وهذا ما يراه الشافعي وأحمد. (الشرح الكبير للدردير هامش حاشية الدسوقي ح 4 ص 265).

وفي مذهب أحمد لا يتبع المدبر أصلا ولا يقتل ولو كان متحيزا إلى فئة، وفي مذهب الشافعي أنه يجب إتباع المنهزمين إذا انهزموا مجتمعين أو انسحبوا بنظام وكانوا متفرقين فإذا هم انهزموا متفرقين بحيث تزول شوكتهم لم يتبعوا وإلا اتبعوا حتى يتبددوا وتزول شوكتهم ومن تخلف منهم عجزوا أو ألقى سلاحا تاركا للقتال لم يقاتل. (أسنى المطالب شرح روض الطالب ج 4 ص 114).


3 ـ والقاعدة عند المالكيين أنه لا يتبع المنهزم ولا يجهز على الجريح ، إلا إذا خيف منهم أو انحازوا إلى فئة ففي هذه الحالة يتبع المنهزم أما الأسير فإذا كانت الحرب قائمة فللإمام قتله ولو كانوا جماعة إذا خيف أن يكون منهم ضرر فإذا انقطعت الحرب فلا يقتل.(مواهب الجليل مختصر خليل للخطاب ص 277).


4 ـ ويرى ابن حزم أنه لا يجوز قتل الأسير بأي حال ولو أن قتله كان مباحا قبل الإسار لأن حل قتله قبل الإسار ليس مطلقا وإنما الذي أحل قتله هو قتاله أو دفاعه فإن لم يكن باغيا أي مقاتلا أو مدافعا حرم قتله لزوال حالة البغي وهو إذا أسر فليس حينئذ باغيا ولا مدافعا فدمه محرم وكذلك لو ترك القتال وقعد مكانه ولم يدافع يحرم دمه وإن لم يؤسر لأن الله جل شانه قال (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) فمن فاء فلا يقاتل وإنما حل قتال الباغي بمقاتلة ولم يحل قتله قط في غير المقاتلة وكذلك الحكم في الجرحى لأن الجريح إذا قدر عليه فهو أسير وأما لم يقدر عليه كان ممتنعا فهو باغ وأما المدبرون فإن كانوا تاركين للقتال جملة منصرفون إلى بيوتهم فلا يحل إتباعهم أصلا وإن كانوا منحازين إلى فئة أو لاذين بمعقل أو زائلين عن الغالبين لهم من أهل العدل إلى مكان يأمنون فيه ثم يعودون إلى حالهم فيتبعون لأن الله افترض علينا قتالهم حتى يفيئوا لأمر الله وهم لم يفيئوا بعد إلى أمر الله، وإذا قتل من البغاة أسير أو جريح أو مدبر عند من لا يجيزون قتله فقاتله مسئول عن قتله جنائيا ويرى بعضهم هم القصاص من القاتل لأنه قتل معصوما لا شبهه في قتله ، ويرى البعض أن لا قصاص لأن في قتلهم اختلافا بين الأئمة فكان ذلك شبهه دارئه للقصاص عند من يقول أن الشبهات تدرأ الحدود. ( المحلى لابن حزم ج 12 ص 505).


وأبي حنيفة يرى أن أموال البغاة تظل على ملكهم وكذلك قال مالك والشافعي وأحمد فكلهم ـ أي الأئمة ـ يتفقون على تحريم أموال البغاة وسبي ذراريهم لأنهم معصومون وإنما أبيح من دمائهم وأموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم وقتالهم وما عداه يبقي على أصل التحريم، وقد رويَ أن علي رضي الله تعالى عنه يوم الجمل قال من عرف شيئا من ماله مع أحد فليأخذه..


وكان بعض أصحاب علي قد أخذ قدرا وهو يطبخ فيها فجاء صاحبها ليأخذها فسأله الذي يطبخ فيها إمهاله حتى ينضج الطبخ فأبى وكبه وأخذها وبعد موقعة النهروان أمر عليا مناديه فنادى أن لا يقتل مقبل ولا مدبر بعد الهزيمة ولا يفتح باب ولا يستحل فرج ولا مال ذلك لأن قتال البغاة إنما هو لدفعهم وردهم إلى الحق لا لكفرهم فلا يستباح منهم إلا ما حصل ضرورة وبقي حكم المال والذرية على أصل العصمة..

ويرى الشافعي أنه لا يجوز استعمال شيء من أموال البغاة وأنها ترد جميعا بعد انتهاء الحرب لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه لكن إذا اقتضت الضرورة استعمال مال من أموال البغاة جاز استعماله كما لو تعين استعمال سلاحهم للدفاع أو استعمال خيلهم للتغلب عليهم ويرى البعض أنه يجب أن تؤدي أجرة المال المستعمل كما هو الشأن في حالة الضرورة ولا يرى البعض ذلك لأن الضرورة هنا منشأها فعل البغاة ولم تنشأ من جهة المضطر ومذهب الظاهريين كمذهب الشافعي فهم يرون الحيلولة بين البغاة وبين كل ما يستعينون به على باطلهم من مال أو سلاح فيحبس عنهم حتى يفيئوا ولا يجوز استعماله إذا اضطر أهل العدل لأن يدفعوا به عن أنفسهم. (أسنى المطالب شرح روض الطالب ج 4 ص 114).


أحكام قتلى أهل العدل والبغاة :

بالنسبة لقتيل أهل العدل فيرى الظاهرية أنه ليس شهيدا بل يغسل ويصلى عليه ويدفن لأنهم وإن ماتوا شهداء في ظاهر الأمر إلا أنهم لم يموتوا في معركة الكفار وذلك استنادا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه سعيد ابن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد) ومن طريق أحمد بن شعيب يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم (ومن قتل دون مظلمته فهو شهيد)..

ومن قتل من أهل العدل قتل على أحد هذه الوجوه فهو من ظاهر الأمر شهيد ، وليس كل شهيد يدفن دون غسل ولا صلاه وقد صح أن المبطون شهيد والمطعون شهيد والغريق شهيد وكل هؤلاء لا خلاف في أنهم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم..


والأصل في كل مسلم كذلك إلا من خصه نص أو إجماع ولا نص ولا إجماع إلا فيمن قتله الكفار في المعترك ومات في مصرعه فهؤلاء هم الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلزموا بدمائهم في ثيابهم ويدفنون كما هم دون غسل ولا تكفين ولا يجب فرضا عليهم صلاه فبقي سائر الشهداء والموتى على حكم الإسلام في الغسل والتكفين والصلاة. (المحلى لابن حزم ج 12 ص 516).

والمالكية يوافقون الظاهرية في ذلك وعند بعض الشافعيين كذلك أنه مسلم قتل في غير حرب الكفار فهو كمن قتله اللصوص وكذلك عند الحنابلة من أن قتيل أهل العدل ليس شهيدا بالمعنى الاصطلاحي الذي يترتب عليه عدم الغسل والتكفين وأما قتيل أهل البغي فيرى المالكية والشافعية والحنابلة أن من قتل من البغاة يغسل ويكفن ويصلى عليه فما دام يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه تجري عليه أحكام المسلمين لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلوا على من قال لا إله إلا الله) ولأنهم مسلمون ولا شك أنهم لم يكفروا ببغيهم وما دام الأمر كذلك تجري عليهم أحكام المسلمين ، إلا أن الإمام أحمد لا يصلي على بعض البغاة كالخوارج الذين يكفرون بعض المسلمين فإنه قال: أهل البدع إن مرضوا فلا تعودهم وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم..


نية الخارج

يشترط لوجود البغي أن يتوفر لدى الخارج القصد الجنائي أي قصد الخروج على الإمام مغالبة بقصد خلعه أو عدم طاعته فإذا كان الخارج لم يقصد من فعله الخروج على الإمام أو لم يقصد المغالبة فهو ليس باغيا..


فعقوبة البغي عند التغلب على البغاة هي التعزير أما عقوبة البغي في حالة المغالبة والحرب فهي القتال ذلك إن جاز أن نسميها عقوبة وما يستتبعه من قتل وجرح وقطع والواقع أن القتال لا يعتبر عقوبة وإنما هو إجراء دفاعي لدفع البغاة وردهم إلى الطاعة ولو كان عقوبة لجاز قتل البغاة بعد التغلب عليهم لأن العقوبة هي جزاء على ما وقع ولكن من المتفق عليه أنه إذا انتهت حالة المغالبة امتنع القتال و القتل..

والخلاف منحصر في قتل الأسير والإجهاز على الجريح حيث يجيزه البعض ولا يجيزه البعض فإذا انتهت حالة المغالبة فالباغي معصوم الدم لأن البغي هو الذي أباح دمه ولا بغي إذا لم تكن مغالبة ، فعن عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله ابن مسعود (هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله ورسوله أعلم قال: لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها) ، كذلك يجوز للسلطات مؤاخذة (قاتل الباغي) باعتباره مفتاتا على السلطات العامة وذلك إذا لم تأذن له بذلك..


أحكام متفرقة للبغاة

ونبدأ بعرض المسائل‏

1 – لو سبّ الباغي الإمام:

الشافعي حكم بوجوب تعزير فاعله، وبه قال جميع الفقهاء(1) من السنّة، وللحنابلة فيما لو كان السبّ بالتعريض قولان.


2 – في موقف الإمام من البغاة عند أول خروجهم: إذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا عن طاعة الإمام: «اتفقت المذاهب الأربعة على عدم جواز بدء الإمام لهم بالقتال حتى يبدؤوه، لأنّه لا يجوز قتل المسلم إلاّ دفعاً أي في حالة الدفاع ونقل عن بعض الحنفية جواز ذلك إذا تعسكروا واجتمعوا». وقال الحنفية: «يستحب للإمام أن يدعو الخارجين إلى العود إلى الجماعة، ويكشف عن شبهتهم التي أوجبت خروجهم وليس ذلك بواجب لأنهم كمن بلغتهم الدعوة الإسلامية لا تجب دعوتهم ثانياً». وقال المالكية: «يجب على الإمام أن ينذر البغاة ويدعوهم إلى طاعته». الشافعية والحنابلة قالوا: «لا يقاتل الإمام البغاة حتى يبعث إليهم أميناً فطناً ناصحاً يسألهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها، فإن أصروا نصحهم وخوفهم سوء العاقبة، ثم يُعْلِمُهم بالقتال»


3 – ماذا يجب على المسلمين من أهل العدل عند استنفار الإمام لهم لقتال البغاة؟ قال الحنابلة «بوجوب معونة المسلمين لإمامهم في دفع البغاة بأسهل ما يندفعون به»(. ونقل الجزيري: اتفاق الأئمة الأربعة على «أن الإمام الكامل تجب طاعته في كل ما يأمر به ما لم يكن معصية. ثم إن «الإجماع منعقد على جواز قتال البغاة من غير مخالف»


4 – كيفية القتال مع البغاة وهل يجوز قتالهم بما يعم ضرره كالنار والسم والسيل؟ حكى المقدسي عن الحنابلة والشافعية إنّه: «لا يقاتل البغاة بما يعم اتلافه كالنار والمنجنيق والتغريق بالماء من غير ضرورة. لأنّه لا يجوز قتل من لا يقاتل». وعن أبي حنيفة قال: «إذا تحصن الخوارج فاحتاج الإمام إلى رميهم بالمنجنيق فعل ذلك بهم ما كان لهم عسكر». وعند مالك: «لا تحرق مساكنهم ولا يقطع شجرهم ولا تقطع الميرة والماء عنهم إذا كان فيهم نسوة وذرية».


5 – هل يجوز للإمام الاستعانة على البغاة بأهل الذمة والكفار أو من يختلف معه في حكم قتالهم؟ قال الشافعية: لا يستعان عليهم بكافر ولا بمن يرى قتلهم مدبرين. وقال الحنابلة كذلك إلاّ للضرورة. وقال المالكية لا يستعان عليهم بمشرك وكذلك عند الحنفية.


– حكم المقاتل من أهل الذمة الذي يعين أهل البغي على الإمام: فرّق الفقهاء بين أن يكون الذمي هذا منطلقاً من شبهة، أو أن يكون عالماً بأنّه خروج وبغي، أو أن يكون مكرهاً على معاونتهم. فقال الشافعية: «إن كان لشبهة لم يخرجوا عن الذمة، وإن كانوا عالمين بعدم جواز ذلك ففيه قولان». وقال الأحناف: لو أعان أهل الذمة أهل البغي فإنّهم يسبون ويقتلون لأنّهم نقضوا العهد وكذلك قال الحنابلة وهم «يقبلون قول الذمي لو ادعى أنه أكره على القتال.


6 – ما هو حكم المقتول من أهل العدل في حرب البغاة لجهة التغسيل والتكفين وصلاة الميت؟ قال الأحناف: «قتلانا شهداء فيصنع بهم ما يصنع بهم». وقال الحنابلة: «إن قُتِلَ الدافع (المدافع من أهل العدل) كان شهيداً». ونقل المقدسي بخصوص الغسل والصلاة عليه روايتان إحداهما أنه لا يغسل ولا يصلى عليه والثانية يغسل ويصلى عليه. وعند الشافعية قولان: «لا يصلى عليه والثاني يغسل ويصلى عليه». وعند المالكية لا يغسل ويصلى عليه .

7 – حكم المقتول من أهل البغي: قال الشافعي إذا قتل غسّل وكفن وصليّ عليه. وكذلك قال الحنابلة والمالكية. وقال أبو حنيفة يغسل ولا يصلى عليه هذا إذا لم يكن الباغي من معتنقي مذهب الخوارج فإن مذهب مالك إنه لا يصلّى على الأباضية ولا القدرية وسائر أصحاب الأهواء. وقال المقدسي إنّ كلام أحمد أنه لا يصلى على الخوارج. أما الحنابلة فلم يفرقوا بين الخوارج وغيرهم وذكر المقدسي أنه مذهب الشافعي وكذلك قال الأحناف أنهم ليسوا بكفار.


10 – إذا حصلت الغلبة للإمام فإنّ البغاة إمّا أن يولّوا هاربين أو أن يبقوا في أرض المعركة فما حكم الأخير؟ قال الحنفية والمالكية والحنابلة لا يقتلون إذا ألقوا سلاحهم لحديث ابن شيبة عن علي «ومن ألقى سلاحه فهو آمن». وكذلك قول الشافعية.


11 – لو أدبر الباغي بمعنى أنّه فرّ من القتال مولياً ظهره لأهل العدل: فصّل بعض المذاهب بين أن يكون إدباره وفراره إلى فئة أو لا إلى فئة، والمراد من الفئة الجماعة القادرة المنظمة بحيث يلتحق بها ليعود معهم إلى القتال، وقد بيّن ذلك الإمام أبو الحسن الثالث (الإمام الهادي عليه السلام) عند ذكر أهل صفين: «كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة، وإمام (معاوية) يجمع لهم السلاح والدروع والرماح والسيوف ويسني لهم العطاء ويهيى‏ء لهم المنازل ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم، ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم». وبعد معرفة ذلك يتضح المراد من لفظ الفئة الذي سيرد في أحكام المدبر. قالت المالكية: «لا يُتبع منهزمهم إن حصل الأمان للإمام بالظهور عليهم وإلاّ اتبع منهزمهم جوازاً». وقالت الحنفية: إن كانت لهم فئة اتبع موليهم، وإن لم يكن لهم فئة لم يتبع لاندفاع الشر بدون ذلك وهو المطلوب. أما الشافعية والحنابلة فقالوا لا يجوز الاتباع للمولي في حالتي الفئة وعدمها لأن القتال إذا تركوه بالتولية، لم يبق قتلهم دفعاً.


12 – حكم الجريح من البغاة: قال الشافعية والحنابلة: لا يجوز الإجهاز على الجريح في حالتي الفئة وعدمها. وقال الحنفية: إن كانت لهم فئة أجهز على جريحهم وإلاّ فلا. وقال المالكية إن حصل الأمان للإمام بالظهور عليهم لا يجهز على جريحهم فإن لم يُؤْمَنوا أجهز على جريحهم جوازاً.

13 – حكم الأسير من البغاة: قال الحنفية والمالكية: للإمام الخيار في الأسير فيحكم نظره فيما هو أحسن الأمرين في كسر الشوكة من قتله وحبسه. وقالوا الحبس حتى يتوب أهل البغي ثم يستتاب هو. وقال الشافعية: لا يقتل الأسير ويحبس وإن كان صبيّاً أو امرأة أو عبداً حتى تنقضي الحرب ويفرق جمعهم. وعند الحنابلة لا يقتل الأسير.


14 – حكم المرأة من أهل البغي: إذا أسرت المرأة في القتال فإنّها عند الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية تحبس للمعصية ولمنعها من الشّر والفتنة ولا تقتل إلاّ في حال مقاتلتها دفعاً عن النفس.

15 – حكم المرأة غير المقاتلة والصبيان والعبيد غير المقاتلين: قال الشافعية لا تحبس المرأة ولا العبيد والصبيان. وقال الحنابلة فيهم قولان يخلى سبيلهم ولا. وعند الأحناف لا يقتلون. وعند المالكية ليس عليهم شي‏ء (277 جواهر الأكليل ج‏2). 

16 – هل يجوز سبي ذرية البغاة؟ الحنفية والمالكية قالوا لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية لأنّهم مسلمون. وقال الحنابلة لا تسبى لهم ذرية. وقال المقدسي: ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافاً ومنه يعلم موقف الشافعية.


17 – حكم أموال أهل البغي ودوابهم: الحنفية والمالكية قالوا لا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها (الحرب) لأنّهم مسلمون والإسلام يعصم النّفس والمال. وقال الحنفية يحبس الإمام أموال البغاة فلا يردّها عليهم ولا يقسمها حتّى يتوبوا فيردّها عليهم. وعن الكراع وهي الدواب قال الحنفية يبيعها لأنّ حبس الثمن انظر وأيسر. قال الحنابلة لا يغنم لهم مال. وقال المقدسي: ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم. وقال الشافعية يحرم استعمال شي‏ء من سلاحهم وخيلهم وغيرها من أموالهم إلاّ لضرورة. وقالوا لا يقسم لهم مال. 

18 – حكم سلاح أهل البغي: قال الحنفية والمالكية لا بأس بأن يقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه. وقال الشافعية إذا انقضت الحرب يجب على الإمام أن يرد إلى البغاة سلاحهم ويحرم استعمالها إلاّ لضرورة لعموم «لا يحل مال امري‏ء مسلم إلا بطيب نفس منه». وكذلك قال الحنابلة.


19 – حكم الحقوق الشرعية من خمس وزكاة وجزية الخ. مما هو للإمام وأخذها أهل البغي: قال الحنفية والشافعية ما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر لم يأخذه الإمام منهم ثانياً «لأنّه لم يحمهم». وقال الحنابلة والمالكية ما أخذ البغاة حال امتناعهم من زكاة أو جزية أو خراج لم يعد عليهم ولا على الدافع إليهم.


20 – لو ظهر المسلمون على أهل البغي وكان قاضي هؤلاء قد حكم في موارد: قال الشافعي: إن كان القاضي ممن يعتقد إباحة أموال أهل العدل ودمائهم لم ينعقد له قضاء ولم ينفذ ما حكم به، وإلاّ نفذت قضاياه سواء كان من أهل العدل أو من أهل البغي. وقال الأحناف: ينفذ حكم قاضيهم إذا وافق مذهب أهل العدل وكذا ما قضي برأي مجتهد. قال أبو حنيفة إن كان القاضي من أهل العدل وإلاّ لم ينفذ له قضاء ولا تنعقد له ولاية وهو ما ذكره المقدسي عنهم لأنّ الباغي فاسق عندهم والفسق ينافي القضاء. وقال الحنابلة لا ينقضي من حكم حاكمهم إلاّ ما ينقضي من حكم غيره إذا كان يصلح للقضاء فإنهم يرفضون حكم القاضي من الخوارج. قال المالكية: لا ينقض من أحكامهم إلا ما كان خلافاً للكتاب أو السنّة أو الإجماع كما ينقض من أحكام أهل العدل والسنّة.

21 – إذا أتلف الباغي على العادل نفساً أو مالاً والحرب قائمة: قال مالك كان عليه رد المال لو وُجِدَ بعينه والقود في النفس. وللشافعي قولان في المال يضمن وفي القتل لا قود. وتبقى الديّة والصحيح عندهم أنّه لا قود عليه. وبه قال أبو حنيفة وقد فرّق في الضمان وعدمه بين أن يكون لضرورة القتال أو لغير ضرورة وقبل القتال أو بعده، وهو ما وفقّ به بين القولين. وقال الحنابلة لا ضمان على أحد الفريقين في ما أتلف حال الحرب من نفس أو مال.


22 – لو أتلف العادل على الباغي: قال الحنابلة: إن آل الدفع إلى قتلهم أو تلف مالهم فلا شي‏ء على الدافع، لأنّه يقتل من أحلّ اللّه قتاله وإذا كانت نفوسهم كذلك فأموالهم أولى. وقال الشافعية: إنّ الإتلاف لضرورة القتال ليس بإزائه ضمان وإلاّ فيضمن العادل. وكذلك عند الحنفية ويضمن قبل القتال وبعد الهزيمة للبغاة. وعن المالكية نقل الطوسي أن ليس عليه شي‏ء.


23 – حكم القاتل من أهل العدل لمورثه من أهل البغي: قال مالك وأبو حنيفة: يرثه. وقال الشافعي: لا يرث. وعند الحنابلة قولان وتفريق بين القتل المباشر أو الجرح المؤدي إليه ففي الأخير يرث.


24 – لو قتل الباغي العادل وهو وارثه: قال الشافعي: لا يرثه. وقال أبو حنيفة: يرثه لأنّه قتله بتأويل سائغ. الحنابلة قالوا: إنّه قتل بغير حق فلا يرث. وكذلك المالكية قالوا: لا يرثه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق