أحكام الوصية
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) }
المسألة الأولى: تعريف الوصية
الوصية:
إحدى وسائل التكافل الاجتماعي في الإسلام، وهي مُكمِّلة لنظام الميراث لكونها تمليكًا من المورِّث مضافًا إلى ما بعد الموت تبرُّعًا، بجزء من التركة لمن يشاء من أهل مودته أو أقاربه أو غيرهم.
تعريف الوصية:
تطلق الوصيةعلى اسم ﺍﻟﻤﺼﺩﺭ ﻭﻴﺭﺍﺩ ﺒﻬﺎ ﻓﻌل ﺍﻟﻤﻭﺼﻲ،
ﻭﻤﻨﻪ ﻗﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ﴾ [ ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﻤﺎﺌﺩﺓ: ﺁﻴﺔ: 106].
وتطلق الوصيةعلى اسم ﺍﻟﻤﻔﻌﻭل ﻭﻴﺭﺍﺩ ﺒﻪ ﺍﻟﻤﻭﺼﻰ ﺒﻪ،
ﻭﻤﻨﻪ ﻗﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ: ﺠﺯﺀ ﻤﻥ ﺍﻵﻴﺔ: 11].
ﻭﻗﺩ ﻭﺭﺩﺕ ﻜﻠمة ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﺒﻤﻌﺎﻥ ﻋﺩة ﻨﺫﻜﺭ ﻤﻨﻬﺎ:
1- ﺍﻟﻔﺭﺽ:
ﻭﻤﻨﻪ ﻗﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ: ﺠﺯﺀ ﻤﻥ ﺍﻵﻴﺔ 11]، ﺃﻱ يفرض ﻋﻠﻴﻜﻡ، ﻭﻤﻨﻪ ﻗﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﴿ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [ ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻷﻨﻌﺎﻡ: ﺁﻴﺔ 151].
2- ﺍﻟﻌﻬﺩ ﺒﺄﻤﺭ ﻤﻥ ﺍﻷﻤﻭﺭ:
ﻭﻤﻨﻪ ﻗﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﴿أتواصو به ﴾ [ ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﺫﺍﺭﻴﺎﺕ: ﺁﻴﺔ 53]؛ يعني أوصى به أولهم آخرهم، ومنه قوله تعالى : ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﻌﺼﺭ: ﺁﻴﺔ 3 ].
3 - ﺍﻻﺘﺼﺎل:
ﻭﻤﻨﻪ ﻗﻭﻟﻬﻡ ﺘﻭﺍﺼﻰ ﺍﻟﻨﺒﺕ ﺇﺫﺍ ﺍﺘﺼل، ﻭﺃﺭﺽ ﻭﺍﺼﻴﺔ ﺃﻱ ﻤﺘﺼﻠﺔ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ.
ﻭﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻭﺍﻹﻴﺼﺎﺀ ﺒﻤﻌﻨﻰ ﻭﺍﺤﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻓﺎﻹﻴﺼﺎﺀ ﻴﻌﻡ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ وﺍﻟﻭﺼﺎﻴﺔ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﻓﺭﻗﻭﺍ ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ ﺤﻴﺙ ﺃﻁﻠﻘﻭﺍ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺒﺭﻉ ﺒﺎﻟﻤﺎل ﺒﻌﺩ ﺍﻟﻤﻭﺕ ﻭﺍﻟﻭﺼﺎﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻤﻥ ﻋﻬﺩ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺭﻩ ﺒﺎﻟﻘﻴﺎﻡ ﻭﺭﻋﺎﻴﺔ ﺸﺅﻭﻥ ﻤﻥ ﺒﻌﺩﻩ ﻓﻴﺴﻤﻰ ﻭﺼﻴﺎ.
الوصية اصطلاحا:
تواردت عليها عدة عريفات
عرف الحنابلة الوصية بأنها : الوصية الأمر بالتصرف بعد الموت.
أو التبرع بالمال بعد الموت ".
شرح التعريف
ﺍﻷﻤـﺭ: ﻨﻘﻴﺽ ﺍﻟﻨﻬﻲ، ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻭﺩ ﻁﻠﺏ ﻓﻌل ﻤﻥ ﺃﺤﺩ، ﻭﻴﻜﻭﻥ ﺍﻷﻤﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻭﺼﻲ.
ﺒﺎﻟﺘﺼﺭﻑ: ﻤﺼﺩﺭ ﺘﺼﺭﻑ، ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﻴﺼﺩﺭ ﻋﻥ ﺍﻟﺸﺨﺹ ﺒﺈﺭﺍﺩﺘﻪ، ﻭﻴﺭﺘﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺸﺭﻉ ﺃﺤﻜﺎﻤﺎ ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.
ﺒﻌﺩ ﺍﻟﻤﻭﺕ: ﻗﻴﺩ ﺨﺭﺠﺕ ﺒﻪ ﺍﻟﻭﻜﺎﻟﺔ ﺤﻴﺙ ﺇﻨﻬﺎ ﺃﻤﺭ ﺒﺎﻟﺘﺼﺭﻑ ﺤﺎل ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺒﺭﻉ: ﺒﺫل ﺍﻟﻤﻜﻠﻑ ﻤﺎﻻ ﺃﻭ ﻤﻨﻔﻌﺔ ﻟﻐﻴﺭﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎل ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺂل ﺒﻼ ﻋﻭﺽ ﺒﻘﺼﺩ ﺍﻟﺒﺭ ﻭﺍﻟﻤﻌﺭﻭﻑ ﻏﺎﻟﺒﺎ.
ﺒﺎﻟﻤـﺎل: ﺍﺴﻡ ﻟﻤﺎ ﻴﻤﻠﻜﻪ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻤﻥ ﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﺸﻴﺎﺀ ﻭﻟﻪ ﻗﻴﻤﺔ.
ﺒﻌﺩ ﺍﻟﻤﻭﺕ: ﻗﻴﺩ ﺨﺭﺝ ﺒﻪ ﺍﻟﻬﺒﺔ ﻷﻨﻬﺎ ﺘﺒﺭﻉ ﺤﺎل ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
***************************************************************
المسألة الثانية: حـكـم الـوصـيـة
ﺃﺘﻨﺎﻭل ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﺒﺤﺙ ﺤﻜﻡ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻭﻗﺒل ﺒﻴﺎﻥ ﺤﻜﻤﻬﺎ ﺴﻭﻑ ﺃﺘﺤﺩﺙ ﻋﻥ ﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ، ﻭﺤﻜﻤﺔ ﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺘﻬﺎ ﺃﻭﻻ، ﺜﻡ ﺍﻨﺘﻘل ﺇﻟﻰ ﺒﻴﺎﻥ ﺤﻜﻤﻬﺎ.
ﺃﻭﻻً: مشروعية الوصية:
ﺍﺘﻔﻕ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ.
ﻭﻗﺩ ﺜﺒﺘﺕ ﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺘﻬﺎ ﺒﺎﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺍﻹﺠﻤﺎﻉ، ﻭﺍﻟﻤﻌﻘﻭل ﻜﻤﺎ ﻴﻠﻲ:-
أما الكتاب:
فقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ﴾ [ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﺒﻘﺭﺓ ﺁﻴﺔ: 180].
وجه الدلالة:
ﺃﻥ ﺍﷲ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ ﻓﺭﺽ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻟﻠﻭﺍﻟﺩﻴﻥ ﻭﺍﻷﻗﺭﺒﻴﻥ ﻗﺒل ﻨﺯﻭل ﺁﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻴﺭﺍﺙ: ﴿يوصيكم الله في أولادكم ﴾ [ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺠﺯﺀ ﻤﻥ ﺁﻴﺔ: 11 ]،
ﻭﺒﻨﺯﻭل ﻫﺫﻩ ﺍﻵﻴﺎﺕ ﺍﺭﺘﻔﻊ ﺍﻟﻭﺠﻭﺏ ﻭﺒﻘﻴﺕ ﺍﻟﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺔ ﻭﻓﻕ ﻀﻭﺍﺒﻁ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺸﺭﻉ ﻓﻲ ﻤﻭﺍﻁﻥ ﺃﺨﺭﻯ.
ومنه قوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [ ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ: ﺠﺯﺀ ﻤﻥ ﺍﻵﻴﺔ: 11].
وقوله: ﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [ ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ: ﺠﺯﺀ ﻤﻥ ﺍﻵﻴﺔ: 12].
وجه الدلالة:
ﺃﻥ ﺍﷲ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ ﻗﺩﻡ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﻭﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻴﺭﺍﺙ، ﻭﻤﺎﺩﺍﻡ ﻗﺩﻡ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻓﻔﻲ ﻫﺫﺍ ﺩﻟﻴل ﻋﻠﻰ ﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺘﻬﺎ.
ومن القرآن أيضا قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [ ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﻤﺎﺌﺩﺓ: ﺁﻴﺔ 106].
وجه الدلالة:
ﺃﻥ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﻨﺩﺏ ﻟﻺﺸﻬﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺩﺏ ﻟﻺﺸﻬﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺃﻤﺭ ﻴﺩل ﻋﻠﻰ ﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺔ ﻫﺫﺍ ﺍﻷﻤﺭ ﻓﺎﻵﻴﺔ ﺇﺫﻥ ﺩﻟﻴل ﻋﻠﻰ ﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ.
وأما السنة:
فروى سعد بن أبي وقاص، قال: { جاءني رسول الله ـ عليه الصلاة و السلام ـ يعودني عام حجة الوداع، من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله، قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: فبالشطر يا رسول الله؟ قال: لا. قلت: فبالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس} .
وجه الدلالة:
ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﻨﺹ ﻋﻠﻰ ﺠﻭﺍﺯ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﺒﺜﻠﺙ ﺍﻟﻤﺎل ﻭﺍﻋﺘﺒﺭ ﺍﻟﺭﺴﻭل ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﺜﻠﺙ ﻜﺜﻴﺭ ﻓﺎﻟﺤﺩﻴﺙ ﺩﻟﻴل ﻋﻠﻰ ﺃﺼل ﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ.
وعن ابن عمر أن رسول الله ـ عليه الصلاة و السلام ـ قال: { ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده }.
وجه الدلالة:
ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﻴﺩﻋﻭ ﻭﻴﺤﺙ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭﻋﺔ ﺒﺎﻟﻭﺼﻴﺔ، ﻭﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺩﻟﻴل ﻋﻠﻰ ﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺘﻬﺎ.
وروى أبو أمامة، قال: سمعت رسول الله ـ عليه الصلاة و السلام ـ يقول: { إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث}. رواه سعيد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: { إنكم تقرءون هذه الآية: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾. وإن النبي ـ عليه الصلاة و السلام ـ قضى أن الدين قبل الوصية }. رواه الترمذي.
وﻋﻥ ﺃﺒﻲ ﻫﺭﻴﺭﺓ ﺭﻀﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل: ﻗﺎل ﺭﺴﻭل ﺍﷲ ـ عليه الصلاة و السلام ـ: " ﺇﻥ ﺍﷲ ﺘﺼﺩﻕ ﻋﻠﻴﻜﻡ ﻋﻨﺩ ﻭﻓﺎﺘﻜﻡ ﺒﺜﻠﺙ ﺃﻤﻭﺍﻟﻜﻡ ﺯﻴﺎﺩﺓ ﻟﻜﻡ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻜﻡ ".
وجه الدلالة:
ﺇﻥ ﺍﷲ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ ﺃﺫﻥ ﻟﻺﻨﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻴﺘﺼﺭﻑ ﺒﺜﻠﺙ ﻤﺎﻟﻪ ﺒﻌﺩ ﻭﻓﺎﺘﻪ ﻭﻤﺎ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﺘﺼﺭﻑ ﺇﻻ ﻭﺼﻴﺔ، ﻓﻬﺫﺍ ﺩﻟﻴل ﻋﻠﻰ ﻤﺸﺭﻭﻋﻴﺘﻬﺎ.
ثالثا: ﺍﻹﺠﻤــﺎﻉ:
ﺃﺠﻤﻊ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺠﻭﺍﺯ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻤﻥ ﻟﺩﻥ ﺭﺴﻭل ﺍﷲ ـ عليه الصلاة و السلام ـ ﺇﻟﻰ ﻴﻭﻤﻨﺎ ﻫﺫﺍ ﻤﻥ ﻏﻴﺭ ﺇﻨﻜﺎﺭ ﻤﻥ ﺃﺤﺩ
ﺭﺍﺒﻌﺎ: ﺍﻟﻤﻌﻘــﻭل:
ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻘل ﻴﺠﻴﺯ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻷﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻤﻐﺭﻭﺭ ﺒﺄﻤﻠﻪ ﻤﻘﺼﺭ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﻟﺫﺍ ﻓﻬﻭ ﻴﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻴﺨﺘﻡ ﺤﻴﺎﺘﻪ ﺒﺎﻟﻁﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﻘﺭﺒﺎﺕ ﺯﻴﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺭ ﻜﻤﺎ ﻴﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺘﺩﺍﺭﻙ ﻤﺎ ﻓﺭﻁ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻪ ﻭﺴﺒﻴل ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ.
ﻟﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻌﻘﻭل ﺍﻟﻘﻭل ﺒﺠﻭﺍﺯ ﺘﺸﺭﻴﻌﻬﺎ ﻟﻔﺎﺌﺩﺘﻬﺎ ﻟﻺﻨﺴﺎﻥ ﻭﺤﺎﺠﺘﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻟﺯﻴﺎﺩﺓ ﺤﺴﻨﺎﺘﻪ.
*********************************************************************
المسألة الثالثة: حكمة مشروعية الوصية:
شرع الله عز وجل قواعد الميراث فرضًا لازمًا بتحديد المستحقين وتحديد نصيب كل منهم دون تدخل لإرادة المورث أو لورثته في ذلك، ونظرًا لأن المورث هو صاحب المال الذي جمعه بجهده وكسبه، فقد شاءت حكمته سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الفريضة متعلقة بثلثي التركة، وأن يترك للمورث ثلث التركة يتصرف فيها باختياره بأن يهديه إلى من يشاء ممن تربطه به مودة أو قرابة أو غيرهم، أو ليتدارك به تقصيرًا في دنياه، أو ليزداد به مثوبة عند الله بتوجيهه إلى جهة بر أو إلى تحقيق مصلحة للأمة، ويدل عليها قول الله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا ﴾ [ سورة النساء: 11].
وعن معاذ عن النبي ـ عليه الصلاة و السلام ـ قال: { إِنَّ اَللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ؛ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ }.
وأحكام الشريعة لا تخلو من حكمة يريدها الشرع، والشريعة كلها عدل ومصلحة، وضعت لمصالح العباد في الدارين وهذا ثابت بالاستقراء، ﻭﻗﺩ ﺸﺭﻉ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻟﺤﻜﻡ ﻋﺩﻴﺩﺓ ﻤﻨﻬﺎ:
1- ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺘﺩﺍﺭﻙ ﻤﺎ ﻓﺎﺘﻪ ﻤﻥ ﺃﻋﻤﺎل ﺍﻟﺨﻴﺭ ﻭﺍﻟﺒﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﻭﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺒﺎﻟﺨﻴﺭ ﻭﺍﻟﻔﺎﺌﺩﺓ.
2- ﻁﺭﻴﻕ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺒﺤﻕ ﺍﻟﺒﺭ ﻭ ﺍﻟﺼﻠﺔ ﻟﺒﻌﺽ ﺃﻗﺎﺭﺏ ﺍﻟﻤﻭﺼﻲ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻻ ﻴﺭﺜﻭﻥ ﻭﺩﻓﻊ ﺍﻟﻔﻘﺭ ﻭﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﻋﻨﻬﻡ.
3- ﻤﻜﺎﻓﺄﺓ ﻤﻥ ﺃﺴﺩﻯ ﻟﻠﻤﺭﺀ ﻤﻌﺭﻭﻓﺎ.
4- ﺘﻌﻭﺩ ﺒﺎﻟﻨﻔﻊ ﻭﺍﻟﻔﺎﺌﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻡ ﻭﺫﻟﻙ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻹﺴﻬﺎﻡ ﺒﻤﺸﺎﺭﻴﻊ ﺍﻟﺨﻴﺭ
5- ﻤﺴﺎﻋﺩﺓ ﺍﻟﻔﻘﺭﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻜﻴﻥ ﻭﺇﺯﺍﻟﺔ ﺃﺴﺒﺎﺏ ﺍﻟﺤﻘﺩ ﻤﻥ ﻨﻔﻭﺴﻬﻡ.
6- ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻟﻪ ﺤﻘﻭﻕ ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻭﺍﺠﺒﺎﺕ ﻭﺃﻨﻪ ﻤﺅﺍﺨﺫ ﺒﺫﻟﻙ ﻓﺈﺫﺍ ﻋﺠﺯ ﻋﻥ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺒﻬﺎ ﺒﻨﻔﺴﻪ ﻟﻪ
ﺃﻥ ﻴﺴﺘﻨﻴﺏ ﻓﻲ ﺫﻟﻙ ﻏﻴﺭﻩ ﻭﻴﺘﻡ ﺫﻟﻙ ﺍﻷﻤﺭ ﺒﻭﺍﺴﻁﺔ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ .
7- ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻁﺭﻴﻕ ﻟﻠﺨﻴﺭ ﺘﺭﺍﻋﻲ ﺤﺎل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻭﻤﺼﻠﺤﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﻭﺍﻵﺨﺭﺓ ﻓﺎﻹﻨﺴﺎﻥ ﻤﻔﻁﻭﺭ ﻋﻠﻰ ﺤﺏ ﺍﻟﻤﺎل ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻭﻗﺕ ﻨﻔﺴﻪ ﻴﺤﺏ ﺍﻟﺨﻴﺭ ﻭﻴﺨﺸﻰ ﻨﻔﺎﺫ ﻤﺎ ﻤﻌﻪ ﻤﻥ ﻤﺎل ﻴﺩﺨﺭﻩ ﻟﻭﻗﺕ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﻓﻠﻭ ﻗﻴل ﻟﻪ ﺘﺒﺭﻉ ﺍﻵﻥ ﻟﺘﻠﻜﺄ ﻭﻟﻜﻥ ﺇﺫﺍ ﻗﻴل ﻟﻪ ﺘﺒﺭﻉ ﻭﺍﺠﻌل ﻨﻔﺎﺫ ﺍﻟﺘﺼﺭﻑ ﺒﻌﺩ ﺍﻟﻤﻭﺕ ﻟﺴﺎﺭﻉ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﺼﺭﻑ ﻭﺒﻬﺫﺍ ﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻁﺭﻴﻘﺎ ﻟﻠﺨﻴﺭ.
********************************************************************
المسألة الرابعة: مــكانتها في الإســـلام
رغَّبَتْ الشريعة في الوصية وجعلت لها منزلة كبيرة؛ إذ تسبق في التنفيذ حقوق الميراث، وذلك لأنها تتم بإرادة المتوفى وليست جبرًا عنه، فتكون جزءًا من كسبه الدنيوي ومن صالح أعماله التي يثاب عليها بعد وفاته.
تأتي الوصية في المرتبة الثانية في الحقوق المتعلقة بتركة الميت - بعد تجهيزه ودفنه - بعد أداء الديون، ويقدم الدَّين على الوصية بإجماع الفقهاء؛ لأن الدين واجب من أول الأمر، لكن الوصية تبرُّع ابتداء، والواجب يؤدى قبل التبرع،
فعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: { إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ، وَقَدْ شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ ـ عليه الصلاة و السلامـ بَدَأَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ} [حديث حسن، رواه أحمد والترمذي، وابن ماجة، والحاكم في المستدرك، والدار قطني والبيهقي في سننيهما، وأبو داود الطيالسي والحميدي وأبو يعلى في مسانيدهم، وعبد الرزاق وابن أبي شبية في مصنفيهما]،وقال الترمذي: والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أنه يبدأ بالدين قبل الوصية.
وقد روى ابن عمر، قال: قال رسول الله ـ عليه الصلاة و السلام ـ: { يا ابن آدم، جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك، لأطهرك وأزكيك}.
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ـ عليه الصلاة و السلام ـ: { إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم }. رواهما ابن ماجه.
وخرج ابن ابن ماجه أيضا: { المحروم من حرم الوصية من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة ومات مغفورا له }.
وقال الشعبي: من أوصى بوصية، فلم يجر، ولم يحف، كان له من الأجر مثل ما لو أعطاها وهو صحيح.
وأما الفقير الذي له ورثة محتاجون، فلا يستحب له أن يوصي; لأن الله قال في الوصية:{ إن ترك خيرا }، وقال النبي ـ عليه الصلاة و السلام ـ لسعد: {إنك أن تدع ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس }.
وقال: { ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول }.
وقال علي رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي: { إنك لن تدع طائلا، إنما تركت شيئا يسيرا، فدعه لورثتك }.
وعنه: أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الورثة.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال لها: لي ثلاثة آلاف درهم، وأربعة أولاد، أفأوصي؟ فقالت: اجعل الثلاثة للأربعة.
وعن ابن عباس قال: من ترك سبعمائة درهم ليس عليه وصية.
وقال عروة: دخل علي على صديق له يعوده، فقال الرجل: إني أريد أن أوصي. فقال له علي: إن الله تعالى يقول: {إن ترك خيرا }، وإنك إنما تدع شيئا يسيرا، فدعه لورثتك.
**************************************************************
المسألة الخامسة: حكم الوصية
ﺍﻟﻤﺭﺍﺩ بحكم ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ:
ﺃﻱ ﺍﻟﻭﺼﻑ ﺍﻟﺸﺭﻋﻲ ﻟﻬﺎ ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﻜﻭﻨﻬﺎ ﻤﻁﻠﻭﺒﺔ ﺍﻟﻔﻌل ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺭﻙ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺨﻴﻴﺭ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻔﻌل ﻭﺍﻟﺘﺭﻙ.
اتفق ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻜﺎﻨﺕ ﻓﻲ ﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﻭﺍﺠﺒﺔ ﺒﻜل ﺍﻟﻤﺎل ﻟﻠﻭﺍﻟﺩﻴﻥ ﻭﺍﻷﻗﺭﺒﻴﻥ، ﻟﻘﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين﴾ [ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﺒﻘﺭﺓ ﺁﻴﺔ: 180].
ﺜﻡ ﺍﺨﺘﻠﻔﻭﺍ ﻓﻲ ﺤﻜﻤﻬﺎ ﺒﻌﺩ ﻨﺯﻭل ﺁﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻴﺭﺍﺙ ﻋﻠﻰ ﺜﻼﺜﺔ ﺃﻗﻭﺍل:
والراجح هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم ﻤﻥ ﺍﻟﺤﻨﻔﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺤﻨﺎﺒﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻤﺴﺘﺤﺒﺔ ﺤﺴﺏ ﺍﻷﺼل ﻭﺘﺠﺏ ﻋﻠﻰ ﻤﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﻴﻥ ﺃﻭ ﻋﻨﺩﻩ ﻭﺩﻴﻌﺔ ﻭﻻ ﺒﻴﻨﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻭ ﻋﻠﻴﻪ ﺤﻕ ﻤﺴﺘﺤﻕ ﷲ ﻜﺎﻟﺯﻜﺎﺓ.
واستدلوا على ذلك بأدلة من القرآن والسنة والقياس والمعقول:
ﺃﻭﻻ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ:
ﻗﺎل ﺍﷲ تعالى: ﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين﴾ [ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﺒﻘﺭﺓ ﺁﻴﺔ: 180].
وجه الدلالة:
ﺇﻥ ﺍﻵﻴﺔ ﺘﺩل ﻋﻠﻰ ﻭﺠﻭﺏ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻭﺠﻭﺏ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻟﻠﻭﺍﻟﺩﻴﻥ ﻭﺍﻷﻗﺭﺒﻴﻥ ﻗﺩ ﻨﺴﺦ ﺒﺂﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻭﺍﺭﻴﺙ.
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﻤﺎ ﻴﺩل ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻘﻭﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ: " ﺇﻥ ﺍﷲ ﺃﻋﻁﻰ ﻜل ﺫﻱ ﺤﻕ ﺤﻘﻪ ﻓﻼ ﻭﺼﻴﺔ ﻟﻭﺍﺭﺙ ".
ﺜﺎﻨﻴﺎ ﺍﻟﺴﻨﺔ:
1- ﺇﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻤﺸﺭﻭﻋﺔ ﻟﻨﺎ ﻟﻘﻭﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ: { ﺇﻥ ﺍﷲ ﺘﺼﺩﻕ ﻋﻠﻴﻜﻡ ﺒﺜﻠﺙ ﺃﻤﻭﺍﻟﻜﻡ ﻓﻲ ﺁﺨﺭ ﺃﻋﻤﺎﺭﻜﻡ ﺯﻴﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻜﻡ ﻓﻀﻌﻭﻩ ﺤﻴﺙ ﺸﺌﺘﻡ ﺃﻭ ﻗﺎل ﺃﺤﺒﺒﺘﻡ }.
وجه الدلالة:
ﺍﻟﻭﺠﻪ ﺍﻷﻭل:
ﺍﻟﻤﺸﺭﻭﻉ ﻟﻨﺎ ﻤﺎ ﻻ ﻴﻜﻭﻥ ﻓﺭﻀﺎ ﻭﻻ ﻭﺍﺠﺒﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺒل ﻴﻜﻭﻥ ﻤﻨﺩﻭﺒﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻴﻜﻭﻥ ﺒﻤﻨﺯﻟﺔ ﺍﻟﻨﻭﺍﻓل ﻤﻥ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ.
ﺍﻟﻭﺠﻪ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ:
ﺇﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻟﻭ ﻜﺎﻨﺕ ﻭﺍﺠﺒﺔ ﻟﻡ ﺘﺘﺭﻙ ﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﻭﺼﻲ ﻟﻘﻭﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ: " ﻓﻀﻌﻭﻩ ﺤﻴﺙ ﺸﺌﺘﻡ " ﻭﻟﻜﺎﻥ ﺫﻟﻙ ﻟﺯﺍﻤﺎ ﺴﻭﺍﺀ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻡ ﻟﻡ ﻴﺭﺩ.
2- ﻋﻥ ﻋﺒﺩ ﺍﷲ ﺍﺒﻥ ﻋﻤﺭ ﺭﻀﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺃﻥ ﺭﺴﻭل ﺍﷲ ـ عليه الصلاة و السلام ـ ﻗﺎل: { ما حق امرئ ﻤﺴﻠﻡ ﻟﻪ ﺸﻲﺀ يريد ﺃﻥ يوصي ﻓﻴﻪ ﻴﺒﻴﺕ ﻟﻴﻠﺘﻴﻥ ﺇﻻ ﻭﻭﺼﻴﺘﻪ ﻤﻜﺘﻭﺒﺔ ﻋﻨﺩﻩ }.
وجه الدلالة:
ﺇﻥ ﻓﻲ ﻗﻭﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ "ﻴﺭﻴﺩ ﺃﻥ ﻴﻭﺼﻲ " ﺘﻔﻭﻴﺽ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﻭﺼﻲ ﻭﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺩﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻟﻴﺴﺕ ﻭﺍﺠﺒﺔ ﺤﻴﺙ ﺇﻥ ﺍﻟﻭﺍﺠﺏ ﻻ ﻴﺘﺭﻙ ﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﻜﻠﻑ.
3- ﺇﻥ ﺍﻟﺭﺴﻭل ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻤﺎﺕ ﻭﻟﻡ ﻴﻭﺹ ﻭﻟﻭ ﻜﺎﻨﺕ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻭﺍﺠﺒﺔ ﻟﻔﻌﻠﻬﺎ ﺍﻟﺭﺴﻭل ﻗﺒل ﻤﻭﺘﻪ.
4- ﺇﻥ ﺃﻜﺜﺭ ﺃﺼﺤﺎﺏ ﺭﺴﻭل ﺍﷲ ـ عليه الصلاة و السلام ـ ﻟﻡ ﻴﻨﻘل ﻋﻨﻬﻡ ﻭﺼﻴﺔ ﻭﻟﻡ ﻴﻨﻘل ﻟﺫﻟﻙ ﻨﻜﻴﺭ، ﻭﻟﻭ ﻜﺎﻨﺕ ﻭﺍﺠﺒﺔ ﻟﻨﻘل ﻋﻨﻬﻡ ﻅﺎﻫﺭﺍ.
ثالثا: القياس:
1- ﻗﻴﺎﺱ ﺍﻟﻭﺼﺎﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﺒﺎﺕ ﺒﺠﺎﻤﻊ ﺃﻥ ﻜﻼ ﻤﻨﻬﻤﺎ ﻋﻁﺎﻴﺎ ﻭﺍﻟﻬﺒﺔ ﻻ ﻭﺠﻭﺏ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻜﺫﻟﻙ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ .
2- ﻗﻴﺎﺱ ﺴﺒﺏ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺴﺒﺏ ﺴﺎﺌﺭ ﺍﻟﺘﺒﺭﻋﺎﺕ ﺒﺠﺎﻤﻊ ﺃﻥ ﻜﻼ ﻤﻨﻬﻤﺎ ﻴﺭﺍﺩ ﻤﻨﻪ ﺘﺤﺼﻴل ﺫﻜﺭ ﺍﻟﺨﻴﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﻭﺘﺤﺼﻴل ﺍﻟﺩﺭﺠﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﺨﺭﺓ ﻭﺍﻟﺘﺒﺭﻉ ﻻ ﻭﺠﻭﺏ ﻓﻴﻪ ﻓﻜﺫﻟﻙ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ.
3- ﻗﻴﺎﺱ ﺍﻟﺘﺒﺭﻉ ﺒﻌﺩ ﺍﻟﻭﻓﺎﺓ ﺒﺎﻟﺘﺒﺭﻉ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺒﺠﺎﻤﻊ ﺃﻥ ﻜﻼ ﻤﻨﻬﻤﺎ ﺇﺤﺴﺎﻥ ﻤﻨﺩﻭﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺍﻟﺘﺒﺭﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻻ ﻴﻜﻭﻥ ﻓﺭﻀﺎ ﻜﺫﻟﻙ ﺍﻟﺘﺒﺭﻉ ﺒﻌﺩ ﺍﻟﻤﻭﺕ.
ﺭﺍﺒﻌﺎ ﺍﻟﻤﻌﻘﻭل:
ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻟﻭ ﻜﺎﻨﺕ ﻭﺍﺠﺒﺔ ﻷﺠﺒﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻷﺨﺫﺕ ﻤﻥ ﻤﺎﻟﻪ ﻋﻨﺩ ﻤﻭﺘﻪ.
ونلحظ أن العلماء قد تحدثوا ﻋﻥ ﺃﺤﻭﺍل ﻴﺘﻐﻴﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺤﻜﻡ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻨﻅﺭﺍ ﻷﻥ ﺃﺤﻭﺍل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﻤﻘﺎﺼﺩﻩ ﻤﺘﻌﺩﺩﺓ ﻟﺫﺍ ﻴﺴﺘﻠﺯﻡ ﺃﻥ ﻨﻌﻁﻲ ﻜل ﺤﺎﻟﺔ ﺤﻜﻤﺎ ﻴﻨﺎﺴﺒﻬﺎ ﻴﺘﻼﺀﻡ ﻭﻴﺘﻨﺎﺴﺏ ﻤﻊ ﺍﻟﻅﺭﻭﻑ ﺍﻟﻤﺤﻴﻁﺔ ﺒﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ،
ﻭﺫﻜﺭ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺨﻤﺴﺔ ﺃﺤﻭﺍل ﻭﺒﻴﺎﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻭ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ:
ﺃﻭﻻ ﺍﻟﻭﺠﻭﺏ:
ﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻭﺍﺠﺒﺔ ﺒﺠﻤﻴﻊ ﺤﻘﻭﻕ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺭﻁ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻪ ﻜﺎﻟﺯﻜﺎﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺞ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭﺍﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺫﻭﺭ، ﻜﻤﺎ ﺘﺠﺏ ﺒﺤﻘﻭﻕ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺘﻌﻠﻡ ﺇﻻ ﻤﻥ ﺠﻬﺘﻪ ﻜﻤﻥﻋﻨﺩﻩ ﻭﺩﻴﻌﺔ ﺃﻭ ﻤﺎل ﻤﻐﺼﻭﺏ ﺃﻭ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﻴﻥ، ﻓﺎﻟﻭﺼﻴﺔ ﻭﺴﻴﻠﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻭﺍﺠﺏ ﻭﻜل ﻤﺎ ﻻ ﻴﺘﻡ ﺍﻟﻭﺍﺠﺏ ﺇﻻ ﺒﻪ ﻓﻬﻭ ﻭﺍﺠﺏ ﻟﻘﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾ [ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟنساء ﺁﻴﺔ: 58].
ﺜﺎﻨﻴﺎ ﺍﻟﻨﺩﺏ:
ﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻤﻨﺩﻭﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﺒﺎﺕ ﻜﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺎﺠﺩ ﻭﻋﻤﺎﺭﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻟﻁﻠﺒﺔ ﺍﻟﻌﻠﻡ، ﻟﻘﻭﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ: { ﺇﺫﺍ ﻤﺎﺕ اﺒﻥ ﺁﺩﻡ ﺍﻨﻘﻁﻊ ﻋﻤﻠﻪ ﺇﻻ ﻤﻥ ﺜﻼﺙ: ﺼﺩﻗﺔ ﺠﺎﺭﻴﺔ ﺃﻭ ﻋﻠﻡ ﻴﻨﺘﻔﻊ ﺒﻪ ﺃﻭ ﻭﻟﺩ ﺼﺎﻟﺢ ﻴﺩﻋﻭ ﻟﻪ}.
ﻭﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻤﻨﺩﻭﺒﺔ ﺒﺸﺭﻁﻴﻥ:
ﺍﻟﺸﺭﻁ ﺍﻷﻭل:
ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻋﻨﺩ ﺍﻟﻤﻭﺼﻲ ﻤﺎل ﻴﻭﺼﻲ ﻓﻴﻪ ﻟﻘﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين﴾ [ﺴﻭﺭﺓ ﺍﻟﺒﻘﺭﺓ ﺁﻴﺔ: 180] .
ﻭﺍﻟﺨﻴﺭ ﻫﻭ ﺍﻟﻤﺎل ﺍﻟﻜﺜﻴﺭ ﺤﺴﺏ ﺍﻟﻌﺭﻑ، ﻷﻥ ﺍﻟﺭﺴﻭل ـ عليه الصلاة و السلام ـ ﻗﺎل ﻟﺴﻌﺩ: {ﺇﻨﻙ ﺇﻥ ﺘﺫﺭ ﻭﺭﺜﺘﻙ ﺃﻏﻨﻴﺎﺀ ﺨﻴﺭ ﻤﻥ ﺃﻥ ﺘﺫﺭﻫﻡ ﻋﺎﻟﺔ ﻴﺘﻜﻔﻔﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ}.
ﺍﻟﺸﺭﻁ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ: ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻟﻠﻘﺭﻴﺏ ﺍﻟﻔﻘﻴﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻻ ﻴﺭﺙ ﻜﺎﻷﻗﺭﺒﺎﺀ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻻ ﻴﺭﺜﻭﻥ ﻟﻭﺠﻭﺩ من ﻫﻭ ﺃﻗﺭﺏ ﻤﻨﻬﻡ ﻴﺤﺠﺒﻬﻡ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻴﺭﺍﺙ، ﻭﻜﺎﻨﻭﺍ ﻏﻴﺭ ﻭﺍﺭﺜﻴﻥ ﺒﺴﺒﺏ ﻤﻥ ﺍﻷﺴﺒﺎﺏ ﻜﺎﻟﻜﻔﺭ ﺃﻭ ﺍﻟﺭﻕ ﺃﻭ ﻜﻭﻨﻬﻡ ﻤﻥ ﺫﻭﻱ ﺍﻷﺭﺤﺎﻡ،
ﻟﻘﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﴿ وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين﴾ [ سورة البقرة آية: 177]،
وقوله: ﴿ وآتي ذا القربى حقه﴾ [ سورة الإسراء آية رقم:26]،
وقوله: ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله﴾ [ سورة الأحزاب آية رقم: 6].
ﺜﺎﻟﺜﺎ ﺍﻹﺒﺎﺤﺔ:
ﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻤﺒﺎﺤﺔ ﺇﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﻟﻐﻨﻲ ﻤﻥ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ غير وارث ﺃﻭ لأحد ﺍﻷﺠﺎﻨﺏ، ﺃﻭ ﻟﺼﺩﻴﻕ، والحال أن الورثة أغنياء، وأما إن كانوا في حاجة وعوز فالأولى عدم الوصية لقول النبي: { إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس}، وكذا تكون مباحة إذا ﻜﺎﻨﺕ ﻹﺜﺒﺎﺕ ﺤﻕ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩ ﻜﺎﻟﻭﺩﻴﻌﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﻭﻟﻜﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺤﻕ ﺃﻭ ﺍﻟﻭﺩﻴﻌﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﺜﺎﺒﺕ ﺒﺎﻟﺒﻴﻨﺔ.
ﺭﺍﺒﻌﺎ ﺍﻟﻜﺭﺍﻫﺔ:
ﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻤﻜﺭﻭﻫﺔ ﺒﺎﻹﻴﺼﺎﺀ ﺒﻤﺎ ﻜﺭﻩ ﺍﻟﺸﺭﻉ ﻓﻌﻠﻪ.
1- ﻭﺘﻜﺭﻩ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﺇﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﻟﻠﻤﻭﺼﻲ ﻭﺭﺜﺔ ﻤﺤﺘﺎﺠﻭﻥ ﻓﻘﺭﺍﺀ ﻟﻘﻭﻟﻪ ـ عليه الصلاة و السلام ـ ﻟﺴﻌﺩ ﺒﻥ ﺃﺒﻲ ﻭﻗﺎﺹ: { ﺇﻨﻙ ﺇﻥ ﺘﺫﺭ ﻭﺭﺜﺘﻙ ﺃﻏﻨﻴﺎﺀ ﺨﻴﺭ ﻤﻥ ﺃﻥ ﺘﺫﺭﻫﻡ ﻋﺎﻟﺔ ﻴﺘﻜﻔﻔﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ}.
2- ﺘﻜﺭﻩ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﺇﻥ ﻜﺎﻨﺕ ﺒﻌﻤل ﻤﻜﺭﻭﻩ ﻷﻥ ﺍﻟﻭﺴﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻜﺭﻭﻩ ﻤﻜﺭﻭﻫﺔ.
3- ويكره تأخير الوصية إلى المرض فذلك مذموم شرعا، روى مسلم والأئمة: أن النبي ـ r ـ سئل: {أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تتصدق وأنت صحيح حريص تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا}.
4- كما تكره المعصية بشيء لأهل المعاصي إن ظن أن يستعينون بها على معاصيهم وأما إن أيقن بذلك فتحرم قطعا، لقوله تعالى: ﴿ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾.
وإن أوصى بمعصية بطلت الوصية، كأن يوصي بمال يشترى به خمرا لمن يشربها أو يدفع لمن يقتل نفسا بغير حق ومنه الإيصاء ببناء مسجد أو مدرسة في الأرض المحبسة على دفن الأموات فيها كقرافة مصر، وكذا الإيصاء باتخاذ قنديل من ذهب أو فضة ليعلق في قبر نبي أو ولي ونحو ذلك فإنه من ضياع الأموال في غير ما أمر به الشارع وللورثة أن يفعلوا به ما شاءوا كذا ذكروه.
خامسا التحريم:
تكون الوصية محرمة إذا كانت بأمر حرمه الشرع كما يأتي:
1- إذا تضمنت محرما كالوصية بالخمر والخنزير.
2- إذا كانت زائدة على الثلث.
3- إذا كانت لوارث.
4- إذا كان الباعث عليها محرما كقصد الإضرار بالورثة ومنعهم من أخذ نصيبهم المقدر شرعا،
وقد يكونون بحاجة إليه لقوله تعالى: ﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ﴾ [ سورة النساء جزء من الآية: 12 ]،
ولما رواه ابن عباس عن النبي أنه قال: { الإضرار في الوصية من الكبائر }.
وعنه ـ عليه الصلاة و السلام ـ أنه قال: {من قطع ميراثا قطع الله ميراثه من الجنة}.
ويدل على ذلك قوله تعالى بعد آية الميراث: {تلك حدود الله} قال، ابن عباس في الوصية: {ومن يعص الله ورسوله﴾ .
وأيضا فمخالفة أمر الله عند القرب من الموت تدل على الخسارة الشديدة، وذلك من أكبر الكبائر.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ عليه الصلاة و السلامـ: { إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بغير عمله فيدخل الجنة} .
قال أبو بكر: ومصداقه في كتاب الله فيما تأوله ابن عباس في قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ قال: " في الوصية " { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ قال: " في الوصية " .
ومن الإضرار أن يقر في وصيته بمال أو ببعضه لأجنبي أو يقر على نفسه بدين لا حقيقة له زبا للميراث عن وارثه ومستحقه.
ومنها أن يقر باستيفاء دين له على غيره في مرضه؛ لئلا يصل إلى وارثه.
ومنها أن يبيع ماله من غيره في مرضه ويقر باستيفاء ثمنه.
ومنها أن يهب ماله في مرضه أو يتصدق بأكثر من ثلثه في مرضه إضرارا منه بورثته.
ومنها أن يتعدى فيوصي بأكثر مما تجوز له الوصية به وهو الزيادة على الثلث.
فهذه الوجوه كلها من المضارة في الوصية، وقد بين النبي ـ عليه الصلاة و السلام ـ ذلك في فحوى قوله لسعد: { الثلث والثلث كثير إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس }.
ﻭﺒﺫﻟﻙ ﻴﺘﺒﻴﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻭﺼﻴﺔ ﻗﺩ ﻴﺘﻐﻴﺭ ﺤﻜﻤﻬﺎ ﺤﺴﺏ ﺍﻟﻅﺭﻭﻑ ﻭﺍﻷﺤﻭﺍل ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻤﺭ ﺒﻬﺎ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻭﻟﻜﻥ ﺍﻷﻓﻀل ﻭﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻺﻨﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻴﻘﺩﻡ ﺃﻋﻤﺎل ﺍﻟﺒﺭ ﻭﺍﻟﺨﻴﺭ ﻭﺍﻟﺘﺒﺭﻉ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻪ ﻟﻤﺎ ﺭﻭﻱ ﻋـﻥ ﺃﺒﻲ ﻫﺭﻴﺭﺓ ﺭﻀﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل: ﺴﺌل ﺭﺴﻭل ﺍﷲ ـ عليه الصلاة و السلام ـ ﺃﻱ ﺍﻟﺼﺩﻗﺔ ﺃﻓﻀل، ﻗﺎل: { أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا }.
ولأنه لا يأمن إذا أوصى أن يفرط بعد موته، وإن اختار أن يوصي فالمستحب أن لا يؤخر الوصية، لحديث: { ما حق امئ مسلم عنده شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده }، ولأن الموصي إذا أخر وصيته لم يأمن موت الفجأة فتفوت الوصية بموته.
********************************************************************
المسألة السادسة: مـا تـملك بـه الـوصية
ولا يملك الموصى له الوصية إلا بالقبول، في قول جمهور الفقهاء، إذا كانت لمعين يمكن القبول منه; لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين، فاعتبر قبوله، كالهبة والبيع.
فأما إن كانت لغير معين، كالفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصرهم، كبني هاشم وتميم، أو على مصلحة كمسجد أو حج، لم يفتقر إلى قبول، ولزمت بمجرد الموت; لأن اعتبار القبول من جميعهم متعذر، فيسقط اعتباره، كالوقف عليهم، ولا يتعين واحد منهم فيكتفى بقبوله، ولذلك لو كان فيهم ذو رحم من الموصى به، مثل أن يوصي بعبد للفقراء وأبوه فقير، لم يعتق عليه. ولأن الملك لا يثبت للموصى لهم، بدليل ما ذكرنا من المسألة، وإنما ثبت لكل واحد منهم بالقبض، فيقوم قبضه مقام قبوله.
أما الآدمي المعين، فيثبت له الملك، فيعتبر قبوله، لكن لا يتعين القبول باللفظ، بل يجزئ ما قام مقامه من الأخذ والفعل الدال على الرضى، كقولنا في الهبة والبيع.
ويجوز القبول على الفور والتراخي. ولا يكون إلا بعد موت الموصي; لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق، ولذلك لم يصح رده.
وإن مات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول للوصية قام وارثه مقامه في القبول والرد للوصية؛ لأنه حق ثبت للموروث فينتقل إلى الوارث بعد موته
لقوله ـ عليه الصلاة و السلام ـ: { من ترك حقا فلورثته} وكخيار العيب، ولأن الوصية عقد لازم من أحد الطرفين فلم تبطل بموت من له الخيار، كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما، وبهذين فارقت الهبة والبيع قبل القبول.
وأيضا الوصية لا تبطل بموت الموجب لها فلم تبطل بموت الآخر، فإن كان وارثه جماعة اعتبر القبول والرد من جميعهم فمن قبل منهم فله حكمه من لزوم الوصية في نصيبه أو رد منهم فله حكمه من سقوط حقه من نصيبه وعوده لورثة الموصي.
**********************************************************************
المسألة السابعة: بـطـلان الـوصية
قد تبطل الوصية بعد إنشائها صحيحة، وذلك بعدة أمور فمن ذلك ما يأتي:
1- النص على إبطالها:
تبطل بالنص على الإبطال، وبدلالة الإبطال، وبالضرورة أما النص فنحو أن يقول: أبطلت الوصية التي أوصيتها لفلان أو فسختها أو نقضتها فتبطل إلا التدبير خاصة، فإنه لا يبطل بالتنصيص على الإبطال مطلقا كان التدبير أو مقيدا إلا أن المقيد منه يبطل منه بدلالة الإبطال بالتمليك على ما ذكرنا، كذا إذا قال: رجعت; لأن الرجوع عن الوصية إبطال لها في الحقيقة.
وأما الدلالة، والضرورة فعلى نحو ما ذكرنا في الرجوع، وقد ذكرنا ما يكون رجوعا عن الوصية، وما لا يكون فيما تقدم.
2- الرجوع في الوصية:
أجمع أهل العلم على أن للموصي أن يرجع في جميع ما أوصى به، وفي بعضه، إلا الوصية بالإعتاق.
والأكثرون على جواز الرجوع في الوصية به أيضا. روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يغير الرجل ما شاء من وصيته. وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، والزهري، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
واستدلوا على أنها وصية، فملك الرجوع عنها، كغير العتق، ولأنها عطية تنجز بالموت، فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها، كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه، وفارق التدبير، فإنه تعليق على شرط، فلم يملك تغييره، كتعليقه على صفة في الحياة.
وقال الشعبي، وابن سيرين، وابن شبرمة، والنخعي: يغير منها ما شاء إلا العتق; لأنه إعتاق بعد الموت، فلم يملك تغييره، كالتدبير.
ويحصل الرجوع بقوله: رجعت في وصيتي، أو أبطلتها، أو غيرتها. أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان، أو فهو لورثتي، أو في ميراثي، وإن أكله، أو أطعمه، أو أتلفه، أو وهبه، أو تصدق به، أو باعه، أو كان ثوبا غير مفصل ففصله ولبسه، أو جارية فأحبلها، أو ما أشبه هذا، فهو رجوع.
3- هلاك الموصى به:
وإذا أوصى له بشيء بعينه، فتلف بعد موت الموصي، لم يكن للموصى له شيء.
وإن تلف المال كله إلا الموصى به، فهو للموصى له.
أجمع أهل العلم ممن علمنا قوله، على أن الموصى به إذا تلف قبل موت الموصي أو بعده، فلا شيء للموصى له. كذلك حكاه ابن المنذر، فقال: أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم، على أن الرجل إذا أوصي له بشيء، فهلك ذلك الشيء، أن لا شيء له في سائر مال الميت، وذلك لأن الموصى له إنما يستحق بالوصية لا غير، وقد تعلقت بمعين، وقد ذهب، فذهب حقه، كما لو تلف في يده، والتركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم; لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم، ولا تفريطهم، فلم يضمنوا شيئا. وإن تلف المال كله سواه فهو للموصى له; لأن حق الورثة لم يتعلق به لتعيينه للموصى له، وذلك يملك أخذه بغير رضاهم وإذنهم، فكان حقه فيه دون سائر المال، وحقوقهم في سائر المال دونه، فأيهما تلف حقه لم يشارك الآخر في حقه، كما لو كان التلف بعد أن أخذه الموصى له وقبضه، وكالورثة إذا اقتسموا، ثم تلف نصيب أحدهم. قال أحمد، في من خلف مائتي دينار وعبدا قيمته مائة، ووصى لرجل بالعبد، فسرقت الدنانير بعد الموت: فالعبد للموصى له به.
4- رد الوصية:
إن رد الموصى له الوصية، بعد موت الموصي، بطلت الوصية، لا يخلو رد الوصية من أربعة أحوال:
أحدها:
أن يردها قبل موت الموصي، فلا يصح الرد ها هنا; لأن الوصية لم تقع بعد، فأشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع، ولأنه ليس بمحل للقبول، فلا يكون محلا للرد، كما قبل الوصية.
الثانية:
أن يردها بعد الموت، وقبل القبول، فيصح الرد، وتبطل الوصية. لا نعلم فيه خلافا ; لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه، فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع.
الثالثة:
أن يرد بعد القبول والقبض، فلا يصح الرد; لأن ملكه قد استقر عليه، فأشبه رده لسائر ملكه، إلا أن يرضى الورثة بذلك، فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة.
الرابعة:
أن يرد بعد القبول وقبل القبض، فينظر; فإن كان الموصى به مكيلا أو موزونا، صح الرد; لأنه لا يستقر ملكه عليه قبل قبضه، فأشبه رده قبل القبول، وإن كان غير ذلك، لم يصح الرد; لأن ملكه قد استقر عليه، فهو كالمقبوض. ويحتمل أن يصح الرد، بناء على أن القبض معتبر فيه.
ولأصحاب الشافعي في هذه الحال وجهان; أحدهما، يصح الرد في الجميع، ولا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما. وهذا المنصوص عن الشافعي; لأنهم لما ملكوا الرد من غير قبول، ملكوا الرد من غير قبض، ولأن ملك الوصي لم يستقر عليه قبل القبض، فصح رده، كما قبل القبول. والثاني، لا يصح الرد; لأن الملك يحصل بالقبول من غير قبض.
5- الوصية بالمعاصي:
لا تصح الوصية بمعصية ولا بالفعل المحرم، مسلما كان الموصي أو ذميا، فلو وصى ببناء كنيسة أو بيت نار، أو عمارتهما، أو الإنفاق عليهما، كان باطلا.
وقال أصحاب الرأي: يصح. وأجاز أبو حنيفة الوصية بأرضه تبنى كنيسة.
وخالفه صاحباه.
وأجاز أصحاب الرأي أن يوصي بشراء خمر أو خنازير. ويتصدق بها على أهل الذمة. وهذه وصايا باطلة، وأفعال محرمة; لأنها معصية، فلم تصح الوصية بها، كما لو وصى بعبده أو أمته للفجور وإن وصى لكتب التوراة والإنجيل، لم تصح ; لأنها كتب منسوخة، وفيها تبديل، والاشتغال بها غير جائز، وقد غضب النبي ـ عليه الصلاة و السلام ـ حين رأى مع عمر شيئا مكتوبا من التوراة. وذكر القاضي أنه لو أوصى لحصر البيع وقناديلها، وما شاكل ذلك، ولم يقصد إعظامها بذلك، صحت الوصية ; لأن الوصية لأهل الذمة، فإن النفع يعود إليهم، والوصية لهم صحيحة. والصحيح أن هذا مما لا تصح الوصية به ; لأن ذلك إنما هو إعانة لهم على معصيتهم، وتعظيم كنائسهم.
6- الوصية لوارث:
ولا وصية لوارث، إلا أن يجيز الورثة ذلك.
وجملة ذلك أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية، فلم يجزها سائر الورثة، لم تصح. بغير خلاف بين العلماء.
قال ابن المنذر، وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا. وجاءت الأخبار عن رسول الله ـ عليه الصلاة و السلام ـ بذلك فروى أبو أمامة، قال سمعت رسول الله ـ عليه الصلاة و السلام ـ يقول: {إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث}.
ولأن النبي ـ عليه الصلاة و السلام ـ منع من عطية بعض ولده، وتفضيل بعضهم على بعض في حال الصحة، وقوة الملك، وإمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك، لما فيه من إيقاع العداوة والحسد بينهم، ففي حال موته أو مرضه، وضعف ملكه، وتعلق الحقوق به، وتعذر تلافي العدل بينهم، أولى وأحرى.
ولأنا لو جوزنا الوصية للورثة; لكان للموصي أن يؤثر بعض الورثة، وفيه إيذاء البعض وإيحاشهم، فيؤدي إلى قطع الرحم، وإنه حرام وما أفضى إلى الحرام، فهو حرام دفعا للتناقض.
ولأنه تعلق حق الورثة بماله في مرضه ولهذا يمنع من التبرع على الوارث أصلا، ففي تخصيص البعض به إبطال حق الباقين، ولأن حالة المرض حالة الاستغناء، والقرابة سبب التعلق إلا أن هذا التعلق لم يظهر في حق الأجنبي لحاجته إلى المعاملة في الصحة لأنه لو انحجر عن الإقرار بالمرض يمتنع الناس عن المعاملة معه وقلما تقع المعاملة مع الوارث ولم يظهر في حق الإقرار بوارث آخر لحاجته أيضا، ثم هذا التعلق حق بقية الورثة فإذا صدقوه فقد أبطلوه فيصح إقراره.
والشرط ألا يكون وارث الموصي وقت موت الموصي لا وقت الوصية حتى لو أوصى لأخيه وله ابن وقت الوصية، ثم مات قبل موت الموصي، ثم مات الموصي لم تصح الوصية; لأن الموصى له، وهو الأخ صار وارث الموصي عند موته ولو أوصى لأخيه ولا ابن له وقت الوصية، ثم ولد له ابن، ثم مات الموصي صحت الوصية; لأن الأخ ليس بوارثه عند الموت لصيرورته محجوبا بالابن.
وإنما اعتبرت الوراثة وقت موت الموصي لا وقت وصيته; لأن الوصية ليست بتمليك للحال ليعتبر كونه وارثا وقت وجودها، بل هي تمليك عند الموت، فيعتبر ذلك عند الموت، وكذلك الهبة في المرض بأن وهب المريض لوارثه شيئا، ثم مات إنه يعتبر كونه وارثا له وقت الموت لا وقت الهبة; لأن هبة المريض في معنى الوصية حتى تعتبر من الثلث.
وإن أجازها سائر الورثة، جازت، في قول بعض العلماء.
وقال البعض: الوصية باطلة، وإن أجازها سائر الورثة، إلا أن يعطوه عطية مبتدأة. أخذا من ظاهر قول أحمد، في رواية حنبل: { لا وصية لوارث }.
وهذا قول المزني، وأهل الظاهر. وهو قول للشافعي،
واحتجوا بظاهر قول النبي ـ عليه الصلاة و السلام ـ: " لا وصية لوارث ".
وظاهر مذهب أحمد والشافعي، أن الوصية صحيحة في نفسها. وهو قول جمهور العلماء; لأنه تصرف صدر من أهله في محله، فصح، كما لو وصى لأجنبي، والخبر قد روي فيه { إلا أن يجيز الورثة }.
والاستثناء من النفي إثبات، فيكون ذلك دليلا على صحة الوصية عند الإجازة، ولو خلا من الاستثناء كان معناه لا وصية نافذة أو لازمة، أو ما أشبه هذا، أو يقدر فيه: لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة.
وفائدة الخلاف أن الوصية إذا كانت صحيحة، فإجازة الورثة تنفيذ وإجازة محضة، يكفي فيها قول الوارث: أجزت، أو أمضيت، أو نفذت. فإذا قال ذلك، لزمت الوصية. وإن كانت باطلة، كانت الإجازة هبة مبتدأة، تفتقر إلى شروط الهبة، من اللفظ والقبول والقبض، كالهبة المبتدأة. ولو رجع المجيز قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض، صح رجوعه.
7- ردة الموصي أو الموصى له.
وبطلت الوصية بردة الموصي أو الموصى له ما لم يرجع للإسلام قبل الموت، فإن رجع للإسلام بعد الردة وكانت الوصية مكتوبة جازت، وإلا فلا.
8- تعذر تنفيذ الوصية.
كما لو أوصى أن يشترى عبد زيد بخمسمائة، فيعتق، فلم يبعه سيده، فالخمسمائة للورثة.
وإن اشتروه بأقل، فما فضل فهو للورثة، أما إذا تعذر شراؤه، إما لامتناع سيده من بيعه، أو من بيعه بالخمسمائة، وإما لموته، أو لعجز الثلث عن ثمنه، فالثمن للورثة; لأن الوصية بطلت لتعذر العمل بها، فأشبه ما لو وصى لرجل فمات قبل موت الموصي، أو بعده ولم يدع وارثا.
ولا يلزمهم شراء عبد آخر; لأن الوصية لمعين، فلا تصرف إلى غيره.
وأما إن اشتروه بأقل، فالباقي للورثة، وقال الثوري: يدفع جميع الثمن إلى سيد العبد; لأنه قصد إرفاقه بالثمن ومحاباته به، فأشبه ما لو قال: بيعوه عبدي بخمسمائة. وقيمته أكثر منها، وكما لو أوصى أن يحج عنه فلان حجة بخمسمائة.
وقال إسحاق: يجعل بقية الثمن في العتق، كما لو أوصى أن يحج عنه بخمسمائة، رد ما فضل في الحج.
والصحيح أنه إن كانت ثم قرينة تدل على ذلك، إما لكون البائع صديقا له، أو ذا حاجة، أو من أهل الفضل الذين يقصدون بهذا، أو عين هذا الثمن وهو يعلم حصول العبد بدونه; لقلة قيمته، فإنه يدفع جميع الثمن إلى زيد، كما لو صرح بذلك، فقال: وادفعوا إليه جميعها، وإن بذله بدونها. وإن انعدمت هذه القرائن، فالظاهر أنه إنما قصد العتق، وقد حصل، فكان الفاضل عائدا إليه، كما لو أمره بالشراء في حياته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق