الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

الجزء السادس - الربع الخامس - التفسير و المعاني




*( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )*
المائدة (27)

واقصص -أيها الرسول- على بني إسرائيل خَبَر ابنَيْ آدم قابيل وهابيل، وهو خبرٌ حقٌ: حين قَدَّم كلٌّ منهما قربانًا -وهو ما يُتَقرَّب به إلى الله تعالى - فتقبَّل الله قُربان هابيل؛ لأنه كان تقيًّا، ولم يتقبَّل قُربان قابيل؛ لأنه لم يكن تقيًّا، فحسد قابيلُ أخاه، وقال: لأقتلنَّك، فَردَّ هابيل: إنما يتقبل الله ممن يخشونه.
**************************************************************
*( لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ )*
المائدة (28)

وقال هابيلُ واعظًا أخاه: لَئنْ مَدَدْتَ إليَّ يدكَ لتقتُلني لا تَجِدُ مني مثل فعْلك، وإني أخشى الله ربَّ الخلائق أجمعين.
**************************************************************
*( إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ )*
المائدة (29)

إني أريد أن ترجع حاملا إثم قَتْلي، وإثمك الذي عليك قبل ذلك، فتكون من أهل النار وملازميها، وذلك جزاء المعتدين.

السؤال : ما حكم القتل؟ وماذا يوجب على صاحبه؟
(إني أريد أن تبوء ) أي: ترجع، (بإثمي وإثمك) أي: إنه إذا دار الأمر بين أن أكون قاتلا أو تقتلني، فإني أوثر أن تقتلني، فتبوء بالوزرين،  (فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين): دل هذا على أن القتل من كبائر الذنوب، وأنه موجب لدخول النار.
(السعدي:229.)
**************************************************************
*( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ )*
المائدة (30)

فَزَيَّنت لقابيلَ نفسُه أن يقتل أخاه، فقتله، فأصبح من الخاسرين الذين باعوا آخرتهم بدنياهم.

السؤال : هل للنفس أثر في تهوين المعصية وتسهيلها؟
(فطوعت له نفسه قتل أخيه) أي: سهلت نفسه عليه الأمر، وشجعته، وصورت له أن قتل أخيه طوعٌ سهلٌ له.
(القرطبي:7/416.)
**************************************************************
*( فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ )*
المائدة (31)

لما قتل قابيلُ أخاه لم يعرف ما يصنع بجسده، فأرسل الله غرابًا يحفر حفرةً في الأرض ليدفن فيها غرابًا مَيِّتًا؛ ليدل قابيل كيف يدفن جُثمان أخيه؟ فتعجَّب قابيل، وقال: أعجزتُ أن أصنع مثل صنيع هذا الغراب فأستُرَ عورة أخي؟ فدَفَنَ قابيل أخاه، فعاقبه الله بالندامة بعد أن رجع بالخسران.
**************************************************************
*( مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ )*
المائدة (32)

بسبب جناية القتل هذه شَرَعْنا لبني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض بأي نوع من أنواع الفساد، الموجب للقتل كالشرك والمحاربة فكأنما قتل الناس جميعًا فيما استوجب من عظيم العقوبة من الله، وأنه من امتنع عن قَتْل نفس حرَّمها الله فكأنما أحيا الناس جميعًا؛ فالحفاظ على حرمة إنسان واحد حفاظ على حرمات الناس كلهم. ولقد أتت بني إسرائيل رسلُنا بالحجج والدلائل على صحة ما دعَوهم إليه من الإيمان بربهم، وأداء ما فُرِضَ عليهم، ثم إن كثيرًا منهم بعد مجيء الرسل إليهم لمتجاوزون حدود الله بارتكاب محارم الله وترك أوامره.

السؤال : لم مثّل من قتل نفساً بأنه قتل الناس جميعاً ؟ وما المقصد من تغليظ هذا الأمر؟
قال مجاهد: وعد الله قاتل النفس بجهنم، والخلود فيها، والغضب، واللعنة، والعذاب العظيم ... القصد بالآية: تعظيم قتل النفس، والتشديد فيه؛ لينزجر الناس عنه، وكذلك الثواب في إحيائها كثواب إحياء الجميع؛ لتعظيم الأمر، والترغيب فيه.
(ابن جزي:1/243.)
**************************************************************
*( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )*
المائدة (33)

إنما جزاء الذين يحاربون الله، ويبارزونه بالعداوة، ويعتدون على أحكامه، وعلى أحكام رسوله، ويفسدون في الأرض بقتل الأنفس، وسلب الأموال، أن يُقَتَّلوا، أو يُصَلَّبوا مع القتل (والصلب: أن يُشَدَّ الجاني على خشبة) أو تُقْطَع يدُ المحارب اليمنى ورجله اليسرى، فإن لم يَتُبْ تُقطعْ يدُه اليسرى ورجلُه اليمنى، أو يُنفَوا إلى بلد غير بلدهم، ويُحبسوا في سجن ذلك البلد حتى تَظهر توبتُهم. وهذا الجزاء الذي أعدَّه الله للمحاربين هو ذلّ في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب شديد إن لم يتوبوا.

السؤال : ما سر التعبير بقوله: (يحاربون الله) مع أنهم كانوا يحاربون أولياءه؟
والمعنى: يحاربون أولياء الله، فعبر بنفسه العزيزة عن أوليائه؛ إكبارا لإذايتهم، كما عبر بنفسه عن الفقراء الضعفاء في قوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) [البقرة:245]؛ حثا على الاستعطاف عليهم.
(القرطبي:7/435.)

السؤال : لماذا أنزل الله تعالى هذه العقوبة العظيمة بالمفسدين في الأرض، وقاطعي الطريق؟
إذا أخيف الطريق انقطع الناس عن السفر، واحتاجوا لزوم البيوت، فانسد باب التجارة عليهم، وانقطعت أكسابهم، فشرع الله على قطاع الطريق الحدود المغلظة.
(القرطبي:7/446.)
**************************************************************
*( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )*
المائدة (34)

لكن مَن أتى من المحاربين من قبل أن تقدروا عليهم وجاء طائعًا نادمًا فإنه يسقط عنه ما كان لله، فاعلموا -أيها المؤمنون- أن الله غفور لعباده، رحيم بهم.
**************************************************************
*( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )*
المائدة (35)

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، خافوا الله، وتَقَرَّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وجاهدوا في سبيله؛ كي تفوزوا بجناته.

السؤال : لماذا خَصَّ الله الجهاد بالذكر مع أنه داخل ضمن ابتغاء الوسيلة إليه؟
خَصَّ تبارك وتعالى من العبادات المقربة إليه: الجهاد في سبيله؛ وهو بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال، والنفس، والرأي، واللسان، والسعي في نصر دين الله بكل ما يقدر عليه العبد؛ لأن هذا النوع من أجل الطاعات، وأفضل القربات.
(السعدي:230.)
**************************************************************
*( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )*
المائدة (36)

إن الذين جحدوا وحدانية الله، وشريعته، لو أنهم ملكوا جميع ما في الأرض، وملكوا مثله معه، وأرادوا أن يفتدوا أنفسهم يوم القيامة من عذاب الله بما ملكوا، ما تَقبَّل الله ذلك منهم، ولهم عذاب مُوجع.
**************************************************************
*( يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ )*
المائدة (37)

يريد هؤلاء الكافرون الخروج من النار لما يلاقونه من أهوالها، ولا سبيل لهم إلى ذلك، ولهم عذاب دائم.
**************************************************************
*( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )*
المائدة (38)

والسارق والسارقة فاقطعوا -يا ولاة الأمر- أيديهما بمقتضى الشرع، مجازاة لهما على أَخْذهما أموال الناس بغير حق، وعقوبةً يمنع الله بها غيرهما أن يصنع مثل صنيعهما. والله عزيز في ملكه، حكيم في أمره ونهيه.

السؤال : لماذا قدم الله تعالى ذكر الرجال في السرقة، وقدم ذكر النساء في الزنى؟
بدأ الله بالسارق في هذه الآية قبل السارقة، وفي الزنى بالزانية قبل الزاني؛ ما الحكمة في ذلك؟ فالجواب أن يقال: لما كان حب المال على الرجال أغلب، وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب؛ بدأ بهما في الموضعين.
(القرطبي:7/473.)
**************************************************************
*( فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )*
المائدة (39)

فمن تاب مِن بعد سرقته، وأصلح في كل أعماله، فإن الله يقبل توبته. إن الله غفور لعباده، رحيم بهم.
**************************************************************
*( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )*
المائدة (40)

ألم تعلم -أيها الرسول- أن الله خالق الكون ومُدبِّره ومالكه، وأنه تعالى الفعَّال لما يريد، يعذب من يشاء، ويغفر لمن يشاء، وهو على كل شيء قدير.
**************************************************************
مع بعض التوجيهات






**************************************************************
مع التفسير للدكتور /ابراهيم الشربيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق