القرض وأحكامه
تعريفه:
لغة: بفتح
القاف، وحكي كسرها؛ معناه القطع.
اصطلاحًا: عرف
بتعاريف كثيرة، نختار منها التعريف التالي:
"هو دفع مال لمن
ينتفع به ويرد بدله".
وسمي قرضًا؛ لأن
المقرض يقطع جزءًا من ماله ليعطيَه إلى المقترض، ويسميه أهل الحجاز سلفًا.
مشروعيته:
القرض جائز
ومشروع، دلَّ على ذلك القرآن والسنة وإجماع الأمة،
قال تعالى-: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا
فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]، والقرض لله
-تعالى- يتناول الصدقات
كما يتناول القرض للعباد.
والأحاديث
الكثيرة نختار منها:
ما روى ابن
مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من مسلم يُقرِض مسلمًا قرضًا
مرَّتين إلا كان كصدقتها مرة))؛ ابن ماجه.
وعن أنس قال:
قال -صلى الله عليه وسلم-: ((رأيتُ ليلة أسري بي على باب الجنة الصدقة بعشر
أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال:
لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة))؛ ابن ماجه.
وأجمع المسلمون
على جواز القرض، وما زالت الأمة تتعامل به منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى
عصرنا من غير نكير
حكمه:
هو مندوب إليه
في حق المقرض، مباح للمقترض للنصوص السابقة، ولحديث: ((مَن نفَّس عن مؤمن كربةً من
كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسِر،
يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون
أخيه))؛ مسلم.
حكمة تشريعه:
حكمته واضحة،
وهي تحقيق ما أراده الله -تعالى- من التعاون على البر والتقوى بين المسلمين،
وتمتين روابط الأخوة بينهم، والمسارعة إلى تفريج كربهم، والقضاء على استغلال عَوَز
المُعْوِزين وحاجة المحتاجين، كما يفعله بعض المرابين الذين لا يتعاطون القرض
الحسن
أركان
القرض:
للقرض ثلاثة
أركان هي:
1) الصيغة: وهي الإيجاب والقبول؛ كأقرضتُك واقترضت، ويصحُّ
بلفظ الماضي والأمر: أقرضني وأسلفني، واقترض مني واستلف، ولا بد من الصيغة؛ لأنها
عنوان التراضي.
2) العاقدان: وهما المقرض والمقترض، ويشترط فيهما:
العقل والبلوغ
والاختيار وأهلية التبرع؛ لأن القرض عقد تبرع، فيجب أن يكون المقرض أهلاً له، فلا
يصحُّ الإقراض أو الاستقراض من صبي ولا مجنون ولا مكرَه ولا محجور عليه لسفهٍ، ولا
يصح من الولي من مال من تحت ولايته، وهكذا.
3) المعقود عليه، وهو المال المقرض:
وقد اختلف
العلماء فيما يصح فيه القرض:
فقال الحنفية:
يصح القرض في المثلي، ولا يجوز القرض في غير المثلي من القيميات؛ كالحيوان،
والحطب، والعقار، والعددي المتفاوت لتعذر ردِّ المثل.
وقال الجمهور:
يجوز قرض كل مال يصح فيه السلم، سواء أكان مكيلاً أو موزونًا؛ كالذهب
والطعام، أو من القيميات؛ كعروض التجارة والحيوان.
أما ما لا يجوز
فيه السلم كالجواهر، فلا يصح قرضه؛ لأن القرض يقتضي رد المثل، وما لا ينضبط أو
يندر وجوده، يتعذر أو يتعسر رد مثله
ويشترط في القرض:
• أن يكون معلوم القدر
والوصف عند القرض - كيلاً أو وزنًا أو عددًا - ليتمكن من رد بدله.
مكان الوفاء: اتفق الأئمة
على أن وفاء القرض يكون في البلد الذي تم فيه الإقراض، ويصح إيفاؤه في أي مكان آخر
إذا لم يحتَجْ إلى حمل ومؤنة أو وجد خوف طريق، فإن احتاج إلى ذلك لم يلزم المقرض
بنقله.
اشتراط الأجل في
القرض:
اختلف العلماء
هل يجوز اشتراط الأجل في القرض، على قولين:
القول الأول لجمهور العلماء،
وقالوا: لا يجوز الأجل فيه، وللمقرض أن يطالب ببدل القرض متى شاء؛ لأنه تبرع محض،
وإذا أجّل القرض إلى أجَل معلوم لم يتأجل خوفًا من الوقوع في ربا النسيئة
وقال الإمام
مالك:
يجوز اشتراط
الأجل ويلزم الشرط؛ لقوله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
فَاكْتُبُوهُ ﴾[
البقرة: 282]،
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلمون على شروطهم))؛ أحمد.
فإذا أجِّل
القرض إلى أجَل معلوم تأجل ولم يكن للمقرض حق المطالبة قبل حلول الأجل، وإذا جاء
موعد السداد وكان المقترض معسرًا، فيُستحب أن يؤجله ويُنظر إلى ميسرة.
والرأي الثاني هو الراجح
للمصلحة ولموافقته لمقتضى الواقع وطبيعة القرض نفسه.
ويُشترط لصحة
القرض أن يكون المقرض ممن يصح تبرعه، فلا يجوز لولي اليتيم مثلاً ان يقرض عن مال
اليتيم،
وكذلك يُشترك معرفة قدر المال المدفوع في القرض،
ومعرفة صفته او سنه إن كان حيواناً، ليتمكن من ردّ بدله إلى صاحبه
ما يصح فيه
القرض: يصح القرض في كل عين يصح بيعها،
مثل: الثياب، والحيوان، والمكيل، والموزون، والمعدود، والمتقارب، كالبيض، والورق
من مقاس واحد، والذرعي كالقماش، وجاز قرض الخبز وزناً وعدداً لحاجة الناس إليه.
كل قرض جرّ
نفعاً فهو ربا:
إن المقصود من عقد القرض الرفق بالناس،
ومعاونتهم على شؤون عيشهم، وتيسير وسائل حياتهم، وليس وسيلة للاستغلال، ولهذا لا
يجز أن يردّ المقترض للمقرض إلا ما أقرضه منه او مثله عملاً بالقاعدة الفقهية
القائلة: "كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا".
والحرمة مقيدة
هنا بما كان نفع القرض مشروطاً أو متعارفاً عليه، فإن لم يكن مشروطاً ولا
متعارفاً عليه، كانت الزيادة جائزة،
ودليل ذلك حديث أبي رافع
رضي الله عنه-
قال: استلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بَكْراً فجاءته إبل الصدقة فأمرني
أن أقضي الرجل بكراً، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : « أعطه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء » [رواه احمد ومسلم].
بكراً: ناقة،
الخيار: المختار، الرباعي: الذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة.
وعن جابر بن عبد
الله- رضي الله عنهما- قال : « كان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فقضاني
وزادني » [رواه البخاري].
وعن إسماعيل بن
إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، عن أبيه، عن جده
أن النبي صلى
الله عليه وسلم استلف منه حين غزا حنيناً، ثلاثين أو أربعين ألفاً، فلما قدم قضاها
إياه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك في اهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد » [رواه ابن
ماجة والنسائي وحسنه
صور القرض الذي
يجر منفعة كثيرة جداً لا حصر لها، منها:
1) أن يقرض ألفين أو ثلاث على بيعه داره. أو على أن يرد عليه أجود
منه أو أكثر منه.
2) أن يقرضه مالاً على أن يسعى له أو لولده أو قريبه في عمل أو
وظيفة.
3) ان يقرضه ملالاً على أن يؤجره بيتاً أو دكاناً أو غير ذلك.
إلى غير ذلك من
الصور الشائعة بين الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم : « نهى عن سلف وبيع » [رواه
الترمذي وأبو داود والنسائي].
وروي عن ابن كعب
وابن مسعود وابن عباس- رضي الله عنهم جميعاً- أنهم « نهوا عن قرض جر منفعة » ، لأن
القرض عقد إرفاق وقربة، فإذا شرط فيه منفعة خرج عن موضوعه، فيجب على المسلم أن
ينتبه لذلك ويحذر منه، ويخلص النية في القرض وفي غيره من الأعمال الصالحة، فإن
القرض ليس القصد منه النماء الحسي، وإنما القصد منه النماء المعنوي، وهو التقرب
إلى الله عزّ وجل، بدفع حاجة المحتاج، واسترجاع رأس المال، فإذا كان هذا القصد في
القرض، فإن الله تعالى يُنزل في المال البركة والتنماء والطيب.
فضل القرض: القرض قربة
يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه لما فيه من الرفق بالناس والرحمة بهم، وتيسير
أمورهم، وتفريج كربهم. قال صلى الله عليه وسلم : « من نفّس عن مُسلم كُربة من كُرب
الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كُرب يوم القيامة، ومن يسّر عن معسر، يسّر الله
عليه في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه
[رواه مسلم].
وقال صلى الله
عليه وسلم : « ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتهما مرة » [رواه
ابن ماجة وحسّنه الألباني رحمه الله في الإرواء رقم 1389].
وقال صلى الله
عليه وسلم : « من منح منيحة لبن أو ورق، أو أهدى زقاقاً كان له مثل عتق رقبة »
[رواه الترمذي وصححه].
وقال صلى الله
عليه وسلم : « كل قرض صدقة » [رواه الطبراني بإسناد حسن
*******************************************************************
تم بفضل الله
الجزء الثاني .....
اللهم أجز
القائمين على مقرأة الاتقان خير الجزاء على ما نفعونا به من علم .. و اجعل ما
يبذلونه في ميزان حسناتهم و رفعة لدرجاتهم .. و اجمعنا بهم مع حبيبك المصطفى عليه
الصلاة و السلام في أعلى عليين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق