الآية الأولى
قول الله تعالى:
{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ
وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ
مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ
الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194]
يقول الله
تعالى: من استحل دمكم في الشهر الحرام فاستحلوا دمه، وذكر قوم قولاً صالحاً،
وهو: أن الشهر الحرام لما لم يمنعكم عن الكفر بالله فكيف يمنعنا عن
مقاتلتكم، فالشهر الحرام من جانبنا مقابل بالشهر الحرام من جانبكم، والحاصل أن
حرمة الشهر الحرام لما لم تمنع الكافرين من الكفر والأعمال القبيحة فكيف جعلوه
سبباً في أن يمنعنا من القتال دفعاً لفتنتهم، وقمعاً لشرهم، وتطهيراً للأرض من
شركهم وفسادهم،
ولهذا قال تعالى: والحرمات هي الشهر
الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام فقوله سبحانه{ قِصَاصٌ} معناه أنهم لما أضاعوا
هذه الحرمات الإلهية بشركهم وكفرهم في أصول التوحيد، وأخذوا يتعللون بالفروع بدعوى
تقديس هذه الحرمات وهم قد هدموها من الأساس، كان قتالهم قصاصاً على انتهاكهم لهذه
الحرمات بالشرك، فتعللهم بتقديسها كالذي يعالج الجرح والرأس مقطوع، ولهم شبيه وارث
في هذا الزمان ممن يتباكى على المقدسات بكاء التماسيح خداعاً للمسلمين ودغدغة
لعواطفهم الدينية، وهو غير محترم للمقدسات، ولا معظم لرب المقدسات، لإباحته ما حرم
الله في سفحها وحكمه بشريعة الطاغوت فيها. فشرك الأولين والآخرين يلتقي في التهويل
والتضليل وخداع المسلمين.
فما أعظم معنى قوله
سبحانه: { وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [
البقرة: 194] وما أجمله، فالله يعلم أن عباده المسلمين لن ينتهكوا هذه
الحرمات على سبيل الابتداء انتقاصاً لها، ولكن على سبيل القصاص للملابسات التي
حصلت فيها من كفر المشركين وفتنتهم للمسلمين، ولذا قال سبحانه: { فَمَنِ اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ؛ لأنه لم
يمنعهم حرمة الشهر والبلد من الكفر بالله فيه والعمل على فتنة عبادة المؤمنين،
فكيف يمتنع المؤمنون من قتالهم، بل لهم أن يقابلوا الاعتداء على دين الله وعباده
بمثله، وتسميته اعتداء على وجه المقابلة كقوله تعالى:
{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ
مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [ النحل: 26] وأخذهم بالعقوبة قصاصاً بالعدل لا عقوبة،
فهكذا معنى اعتدائهم لمقابلة المعتدي.
وقوله سبحانه
وتعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194] تقدم ذكر معنى التقوى
وسيأتي لها مزيد إن شاء الله، وأما قوله: {
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}
[ البقرة: 194]
فمعناه اعلموا علم اليقين أنكم إذا اتقيتم الله في مقاصدكم بجهادكم لإعلاء كلمته،
وتجردتم به عن أغراضكم النفسية ومنافعكم الشخصية، واتقيتم الله بالتزامكم حدوده في
الجهاد صيانة لجانب العقيدة، فإن الله مع المتقين، بتوفيقه لهم، وتسديده لخطاهم،
وجبره لنقص قوتهم، وتأييدهم بما شاء، حتى يتحقق لهم النصر والتمكين في الأرض كما
وعدهم{ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}
[ التوبة: 111] .
ولن يخلف الله
وعده إلا إذا لم تحصل التقوى من المجاهدين إما باختلاف مقاصدهم وانحرافهم عن واجب
الجهاد، إما بسوء أعمالهم، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
مسألة:
كيف يوفق بين قوله تعالى: {
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}
[البقرة: 193] مع العلم أن قتالهم لا يزيل الكفر، وخبر
الله سبحانه لا يكون إلا حقاً؟
الجواب:
من عدة وجوه.
أحدها:
أن كفرهم يزول عند قتالهم في الأغلب، وبزواله تزول الفتنة، لأن
في الجهاد يقتل بعضهم أو شطرهم، ومن قتل استرحنا من كفره بزوال فتنته، ومن لم يقتل
يتوقف عن الفتنة بسبب ذله وانكسار قلبه.
ثانيها: أن
المراد قتالهم بقصد زوال الفتنة بانقماع الكفر لا بزوال الكفر بالكلية، ويشهد لكلا
الوجهين
الوجه الثالث: وهو ما
ذكره الله في الآية (14، 15 ) من سورة براءة، وأشرنا لما ذكرناه من الفوائد الستة
في قتالهم باختصار في الدعامة الثالثة عشرة من دعائم الرشد، وهي قوله تعالى: { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ
وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ *
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾.
وما أحسن ختام
الله لهذه الآية بأنه: { عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
فإن فيها قطعاً لكل تساؤل.
وهاهنا فوائد:
أحدها:
صبيان الكفار الممنوعين عن قتالهم إذا تدربوا على القتال أو
صاروا يحملون قنابل يرمونها أو يمدون بها الرماة، جاز قتلهم أو وجب على حسب مبلغ
شرهم.
ثانيها:
لا تقتل النساء العزل اللاتي ليس لهن فعل ولا تأثير في القتال،
فأما اللاتي لهن تأثير في الإمداد بالأموال، والتحريض على القتال، أو إنشاد
الأشعار المهيجة، أو تكثير سواد المقاتلين بالتشبه بهم باللباس، أو مساعدتهم
بمناولة الرصاص والقنابل ونحو ذلك، فقتالهن جائز أو واجب، فأما اللاتي حضورهن في
المعركة مقصور على تضميد الجرحى أو إسقاء العطشى فلا يجوز قتلهن.
ثالثها:
الرهبان لا يقتلون ولا يسترقون، بل يترك لهم ما يعيشون به من
أموالهم، وذلك إذا انفردوا عن قومهم ولم يعينوهم بقتال ولا بتشجيع، فإن شاركوا
الكفار في الكنائس قتلوا، وكذالك حكم المرأة إذا ترهبت ولم يحصل منها تحريض لقومها
أو مشاركة في تجمعهم ضدنا.
رابعها:
الشيوخ العاجزون
والزمناء المنقطعون عن المشي لعلة في أرجلهم لا يجوز قتلهم إلا إذا حصل منهم إيذاء
لنا، أو كانوا ينفعون قومهم بأيديهم أو برأيهم وحيلتهم، فيقتلون.
خامسها:
في قتل العسفاء خلاف بين العلماء، والعسفاء جمع عسيف وهم
الفلاحون والأجراء للعمل في الحراثة والعمران، فقال بعضهم: لا يقتلون حتى
يحملوا السلاح أو يعاونوا أسيادهم علينا، وقال الشافعي ومن وافقه: يقتلون
حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية.
قلت:
وذلك لأنهم يمدون
أعدائنا بعناصر القوة والنماء، فيطيلون أمد المقاومة، فحكمهم كالمقاتلين، لأنهم
مدد لهم وتحت أمرهم في كل شيء، وعلى هذا الخلاف إن حصل التمييز بينهم والنظر فيهم،
فلينظر حتى لا يقتل أحد بظلم.
سادسها:
لا يجوز للمسلمين قطع أشجار الكفار ولا تحريق زروعهم حتى ولو
كان في تركها إطالة للحصار، إلا إذا أساءوا المعاملة معنا، فقطعوا أشجارنا وحرقوا
زروعنا، فيجوز لنا معاملتهم بالمثل، والأولى ألا تقابلهم بذلك وألا يغلبونا على
وصية ديننا في الحلم والرحمة حتى يكون في تركها تطويل لمدة الحصار وهم قد بدأونا
بذلك فإنه يحسن منا مقابلتهم بالمثل لتحصيل المصلحتين.
سابعها:
البغاة الذين
يخرجون على إمام المسلمين ويشقون عصا الطاعة ويفرقون صفوف المسلمين يقاتلون قتالاً
غير قتال الكفار، لأن الكافر يقاتل بكل حال إذا قاتل أو حصلت منه الفتنة على
الدين، ولا يخلي سبيله حتى تتم غاية الجهاد بحصول الإسلام أو دفع الجزية أو
الإثخان بالقتال المزيل لفتنته، وأما البغاة فقتالهم لأجل دفعهم كالصائل، فمن أدبر
منهم لا يجوز اتباعه، ومن جرح منهم لا يجوز الإجهاز عليه، لأنهم إخوان لنا، كما نص
الله على ذلك في سورة الحجرات في الآية التاسعة والعاشرة.
ثامنها:
وجوب الجهاد ماضٍ
إلى يوم القيامة، ومنه ما هو فرض عين، وما هو فرض كفاية، حسبما تقتضيه الحال، ولا
يجوز التخلف عنه بلا عذر صحيح لقصة الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد، فهجرهم رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر أصحابة بهجرهم، فقاطعوهم مقاطعة ضاقت بسببها
عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، فبذل النفس والمال في سبيل العقيدة من
أوجب الواجبات، ولا يجوز للمسلمين الفرار عند ضعفهم من الكفار إلا بحيلة المكر
والانحراف أو التحيز إلى فئة، والفرار معدود من كبائر الذنوب، فيجب الصبر
والمصابرة والمرابطة، والإكثار من ترك الفخر والبطر والإعجاب والغرور بالأماني
والاعتماد على القوة، فإن جميع ذلك مسخط لله وجالب للهزيمة.
وعلى المسلمين
أن يتدبروا سورة الحياة التي هي سورة الأنفال وما بعدها من براءة وأن يحققوا العمل
بمقتضاهما، ليصدقوا مع الله في دينهم ويحصلوا على وعد الله بنصرهم.
تاسعها:
مشروعية الجهاد
تحت راية إسلامية تعمل بحكم الله فيما أنزل في جميع شئون الحياة، وتندفع للجهاد
الصحيح ببواعثه وإجاباته الشرعية ليس للأغراض النفسية والغايات الأرضية والحمية
العصبية. فقد ورد في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم –
أنه قال:
{ ومن قاتل تحت راية عمية، يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية، فليس مني ولست
منه}،
وقال : { من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم} ، والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة، فلا يجوز الجهاد تحت راية غير إسلامية، ولا مساعدتها ولا التبرع لها، إلا إذا اقتضت مصلحة المسلمين لضرب الكفار بعضهم ببعض، وأمنوا شر من يساعدونهم على قتالهم إذا انتصروا.
وقال : { من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم} ، والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة، فلا يجوز الجهاد تحت راية غير إسلامية، ولا مساعدتها ولا التبرع لها، إلا إذا اقتضت مصلحة المسلمين لضرب الكفار بعضهم ببعض، وأمنوا شر من يساعدونهم على قتالهم إذا انتصروا.
عاشرها:
لا يجوز الانتصار
بالكفار، لقوله -صلى الله عليه وسلم –: { إنا لا ننتصر بكافر}.
ولكن يجوز شراء الأسلحة أو استعارتها، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -في استعارة الدروع من صفوان بن أمية. وقد يجب ذلك عند الضرورة، ولكن بشرط عدم التأثير على العقيدة بألا يكون الشراء مقروناً بما يجلب ثقافتهم أو ينشر مبادئهم ومذاهبهم الإلحادية بين المسلمين، أو يغرس حبهم في قلوب الناشئة، وينبغي أن يعلم أن مشروعية الجهاد في سبيل الله لا في سبيل المطالب والمقاصد النفسية، ولا لنصرة شخص على شخص، أو بلد على بلد، أو مبدأ أرضي أو مذهب اقتصادي على المبدأ الآخر. وإنما وجوب الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وقمع المفتري عليه، والدفع بالمد الديني والرسالة المحمدية إلى الأمام، وردع من يقف في وجهها حتى لا يكون له شوكة ولا كيان، ومعنى إعلاء كلمة الله وقمع المفتري عليه هو أن يكون الحكم لله في الأرض لتحقيق ألوهيته على أهلها، ويزول حكم الطاغوت المفتري على الله والمتطاول بالتشريع والتقنين، فلا يحكم إلا بشريعة الله، ولا تقام إلا حدود الله فقط، لا شريعة المخلوق ولا حدوده الباطلة، فلا يكون لأي وطن ولا قوم شريعة ولا حدود، بل الشريعة هي شريعة الله، وتكون الحدود حدود الله، ويكون الوطن وجميع الأوطان لله، والدين لله وحده، عكس ما يزعمه أفراخ الماسونية وتلاميذ الاستعمار من قولهم: الدين لله والوطن للجميع.
ولكن يجوز شراء الأسلحة أو استعارتها، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -في استعارة الدروع من صفوان بن أمية. وقد يجب ذلك عند الضرورة، ولكن بشرط عدم التأثير على العقيدة بألا يكون الشراء مقروناً بما يجلب ثقافتهم أو ينشر مبادئهم ومذاهبهم الإلحادية بين المسلمين، أو يغرس حبهم في قلوب الناشئة، وينبغي أن يعلم أن مشروعية الجهاد في سبيل الله لا في سبيل المطالب والمقاصد النفسية، ولا لنصرة شخص على شخص، أو بلد على بلد، أو مبدأ أرضي أو مذهب اقتصادي على المبدأ الآخر. وإنما وجوب الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وقمع المفتري عليه، والدفع بالمد الديني والرسالة المحمدية إلى الأمام، وردع من يقف في وجهها حتى لا يكون له شوكة ولا كيان، ومعنى إعلاء كلمة الله وقمع المفتري عليه هو أن يكون الحكم لله في الأرض لتحقيق ألوهيته على أهلها، ويزول حكم الطاغوت المفتري على الله والمتطاول بالتشريع والتقنين، فلا يحكم إلا بشريعة الله، ولا تقام إلا حدود الله فقط، لا شريعة المخلوق ولا حدوده الباطلة، فلا يكون لأي وطن ولا قوم شريعة ولا حدود، بل الشريعة هي شريعة الله، وتكون الحدود حدود الله، ويكون الوطن وجميع الأوطان لله، والدين لله وحده، عكس ما يزعمه أفراخ الماسونية وتلاميذ الاستعمار من قولهم: الدين لله والوطن للجميع.
********************************************************************************
: الآية الثانية
قول الله تعالى:
{ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، ويزعمون أن التهلُكة هي الموت،
ويستشهدون بها على وجوب حفظ الإنسان نفسَه من المهلكات التي ترد عليها، ولو في
سبيل الطاعات؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوقوف مع المظلومين، وما إلى
ذلك من دعائم إقامة الدين، فيقولون لمن قام بشيء منها: لا تفعل ذلك؛ فإن
الله تعالى يقول: { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ
إِلَى التَّهْلُكَةِ}
[البقرة: 195].
وليس هذا هو
المرادَ من الآية، بل بالعكس هو المراد؛ وهو ترك الجهاد في سبيل الله، وترك إنفاق
المال في سبيل إقامة هذا الدين، والانشغال عن ذلك بملذات الحياة الدنيا.
والعجيب أن هذا
الفهم الخاطئ للآية قد شاع وتردد وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يزالون
متوافرين؛ فكان من توفيق الله تعالى أن تولَّوْا هم الجواب عن ذلك الزعم؛ وذلك أن
بعضَ الصحابة أرادوا أن يركنوا إلى ضَيعاتهم وتجاراتهم ليصلحوها ويتركوا الجهاد في
سبيل الله، فحذرهم الله من ذلك في هذه الآية؛ روى أبو داود وغيره عن أسلم أبي
عمران قال: حمل رجلٌ من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا
أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس
ألقى بيده إلى التهلُكة، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه
الآية، إنما نزلت فينا، صحِبْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدنا معه المشاهد
ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر، اجتمعنا معشر الأنصار نجيًّا، فقلنا: قد
أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره، حتى فشا الإسلام وكثُر أهله،
وكنا قد آثرناه على الأهلينَ والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع
إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما، فنزل فينا: {
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}،
فكانت التهلُكةُ في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد.
وروى الإمام البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أنه قال في هذه
الآية: "نزلت في النفقة"
ولهذا اتفق أهل العلم من المفسرين والفقهاء وغيرهم على أن الآية واردةٌ في
سياق الأمر بالنفقة؛ فعن ابن عباس قال: ليس ذلك في القتال، إنما هو في
النفقة، أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله.
وقال ابن جرير: "فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن
اللهَ نهى عن الإلقاء بأيدينا لِما فيه هلاكنا، والاستسلام للهلكة، وهي العذاب،
بترك ما لزِمنا من فرائضه؛ فغير جائزٍ لأحد منا الدخول في شيء يكرَهُ الله منا مما
نستوجب بدخولنا فيه عذابَه، غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن الأغلب من تأويل
الآية: وأنفقوا - أيها المؤمنون - في سبيل الله، ولا تتركوا النفقةَ فيها؛
فتهلِكوا باستحقاقكم بترككم ذلك عذابي..."
ومضمون الآية - كما في ابن كثير -: الأمر بالإنفاق في سبيل الله في
سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات، وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء، وبذلها فيما
يقوَى به المسلمون على عدوهم، والإخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاكٌ ودمار إن لزمه
واعتاده، ثم عطَف بالأمر بالإحسان، وهو أعلى مقامات الطاعة، فقال: { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
لكن يبقى السؤال:
أليست الآية
دليلًا كذلك على النهي عن قتل النفس وإيذائها وإلقائها إلى التهلُكة؟!
والجواب:
بلى؛ فلقد استدل
العلماء بهذه الآية أيضًا على النهي عن قتل النفس وإيذائها وإلقائها إلى التهلُكة
بأي طريقة من طرق التهلُكة أو الأذى، آخذين بعموم لفظ الآية، وبالقياس الجلي،
مقررين بذلك القاعدة الأصولية القائلة:
"العبرة
بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب".
وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وأما قصرها عليه -
قصر الآية على موضوع ترك النفقة في سبيل الله - ففيه نظر؛ لأن العبرةَ بعموم اللفظ"
ويقول الشوكاني رحمه الله: "أي: لا تأخذوا فيما يُهلككم،
وللسلف في معنى الآية أقوال، والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فكلُّ
ما صدَق عليه أنه تهلُكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا، وبه قال ابن جَرير
الطبري"
ولذلك ورَد عن
البراء بن عازب رضي الله عنه أنه اعتبر مَن يُذنب الذنبَ ثم ييئَس من رحمة الله:
أنه ألقى بيده إلى التهلُكة".
والجمع بين هذين
الفهمين الواردين في الآية - وقد اطلعنا عليهما - أن القعود عن كلِّ ما من شأنه
نصرة الدين بحجة هذه الآية، فهو خطأ لا حجة في الآية عليه؛ لأنها تتحدث عن نصرة
الدين بما يملِك الإنسانُ وبنفسِه.
وأما ما يكون من تقدير يغلِب الظن فيه أن نصرة الدين غير متحققة، وأن أداء
الواجب متعذِّر، وسيترتب عليه هلاك النفس من غير تحقُّق المطلوب في أي صورة من
صوره - فلا شك أن الإسلام يرغَبُ بالمرء عن اقتحام المُهلِكات، كمثل هذه الحالة.
ولا يكون ذلك بحمل الآية على ما يحمله الناس عليها دائمًا من غير قيد أو
شرطٍ!
وإلا فماذا نفعل
في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سيدُ الشهداءِ حمزةُ بن عبدالمطلب،
ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره ونهاه، فقتله))
وهذه الآية مثال
قوي لضرورة مراعاة السياق في تفسير الآية؛ فإن هذه الجملة الكريمة: { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
لا يمكن فهمها مجردةً من سياقها، يقول الشيخ سعيد حوى - رحمه الله - في كتابه:
"الأساس في التفسير": "وأما
النهي عن إهلاك النفس، فإذا نظرنا إلى النص مجردًا كان له معنى، وإذا نظرنا إليه
من خلال الآية التي هو فيها أعطانا معنى آخر،
وإذا نظرنا إليه
أنه جزء من السياق أعطانا معنى جديدًا، وكل هذه المعاني مرادة، وكلها قد ذكرها
أئمة التفسير عند شرح الآية.
1)فإذا نظرنا إلى النص مجردًا فهمنا منه أنه نهي عن قتلنا أنفسنا؛
أي: لا تقتلوا أنفسكم بأيديكم، كما يقال:
أهلك فلان نفسه بيده، إذا تسبب في هلاكها،
وهل يدخل في ذلك لو أن الإنسان أمر المسلمين بمعروف أو نهاهم عن منكر فقتلوه؟
الجواب:
لا، بل هو مأجور.
نص على ذلك
فقهاء الحنفية، وهل يدخل في إلقاء النفس إلى التهلُكة لو أن إنسانًا هجم على
الكافرين ملقيًا نفسه عليهم فقتلوه؟ قال الحنفية: إن كان بعمله هذا يُنكي
فيهم ويلقي الرعبَ في قلوبهم فهو مأجور، ولا يدخل في النهي، وإن كان لا يُنكي فيهم
بل يزيد من جرأتهم على المسلمين، فلا يحل له ذلك، ويدخل في النهي.
2)وإذا نظرنا إلى
هذا النهي ووروده بعد الأمر بالإنفاق، فهمنا منه أنه نهيٌ عن ترك الإنفاق في سبيل
الله؛ لأنه سبب للهلاك،
ذهب إلى ذلك
كثير؛ أخرج البخاري عن حذيفة في الآية قال: نزلت في النفقة، وقال ابن عباس
في الآية:
ليس ذلك في القتال، إنما هو في النفقة، أن تمسك بيدك عن النفقة
في سبيل الله، ولا تلقي بيدك إلى التهلُكة، وعن الضحاك بن أبي جبيرة قال:
كانت الأنصار يتصدقون وينفقون من أموالهم، فأصابتهم سَنَة فأمسكوا عن النفقة
في سبيل الله، فنزلت:
{
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
[البقرة: 195]، وقال الحسن البصري: { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾:
قال: هو البخل.
3)وإذا نظرنا إلى هذا النهي من خلال وروده بعد آيات القتال، فهمنا
منه أنه نهي عن ترك الجهاد، وأن ترك الجهاد هو الهلاك، وهكذا فسرها أبو أيوب
الأنصاري، وقد لاحظنا أن هذه الاتجاهات الثلاثة الرئيسية في فهم هذا النص سببها
ملاحظة النص مجردًا، أو السياق القريب، أو السياق العام، وهذا قد يكون أبرز مثال
من خلال كلام أئمة التفسير لما حاولنا إبرازه سابقًا من أن هذا القرآن معانيه لا
تتناهى، فمن خلال المعنى المجرد للنص، ومن خلال السياق القريب والسياق العام،
والوحدة القرآنية، ومن خلال عبارة النص، ومن خلال إشارة النص - تتولد معانٍ لا
تتناهى، وكل يأخذ من كتاب الله على قدر ما قسمه الله له، وهذه المعاني كلُّها حق،
فما أكثرَ جنايةَ مَن كفَر بهذا القرآن!
وهناك اتجاهان آخران في فهم قوله تعالى: {
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، اتجاه يفهم من
خلال النص المجرد، واتجاه من خلال السياق القريب.
الاتجاه الأول: تفسير الهلاك بالهلاك الأخروي، وذلك بالذنب
والاستمرار عليه، وهو تفسير النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: إنها في
الرجل يُذنب الذنب فيعتقد أنه لا يغفر له، فيلقي بيده إلى التهلُكة؛ أي: يستكثر من
الذنوب فيَهلِك، وكذلك فسرها البراء، قال: ولكن التهلُكة أن يذنب الرجل
الذنب فيلقي بيده إلى التهلُكة ولا يتوب.
والاتجاه الثاني: ذكره النسفي من
جملة الأقوال في تفسير النهي في الآية، فقال: والمعنى: النهي… عن
الإسراف في النفقه حتى يُفقِر نفسَه ويضيع عياله، وكأنه أخذه من السياق،{ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، والإحسان فسَّره رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: ((أن تعبُدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه
يراك))، والإحسان فعل الحسن والأحسن، فالأمر بالإحسان هنا يقتضي أن ننفق، وأن
نجاهدَ، وأن يكون ذلك بإتقان وإحسان مع الإخلاص لله والمراقبة
********************************************************************************
الآية الثالثة
إلى نهاية الورد الأسبوعي وفيها عشرة مسائل
قول –
سبحانه وتعالى: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ
حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ
أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا
أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ
وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ
أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ
فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا
تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ
تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا
اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ
كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ
أَفَاضَ
النَّاسُ
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
البقرة 169-199
المسألة الأولى:
حكم الحج والعمرة
يجب الحج على
كلِّ مسلم حُرٍّ مُكلَّف، سليمٍ من الأمراض، قادرٍ على النفقة، ولدَيه ما يكفي
أسرتَه ومَن تلزمه نفقتُهم مدَّة الحج، ويُضاف إلى ذلك أن يكون الطريقُ مأمونًا،
أمَّا المرأة فلا تخرج للحجِّ إلاَّ برفقة زوجها، أو مع مَحْرمٍ لها، أو نسوةٍ
ثقات.
دليل فرضية الحج:
الحجُّ هو الركن
الخامس من أركان الإسلام؛ يقول سيدنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: {
بُنِيَ الإسلام على خمس؛ شهادةِ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله،
وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصومِ رمضان، وحجِّ البيت من استطاع إليه سبيلاً}
ولقد ثبتت
فرضيَّتُه بالكتاب والسُّنَّة - كما سبق - ونوضِّح ذلك فيما يلي:
أولاً: القرآن
الكريم
يقول الله -
سبحانه وتعالى: { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ
يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*
لِيَشْهَدُوا
مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا
رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ
الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
[ الحج: 27 – 29].
ويقول - جلَّ
علاه: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ*
فِيهِ
آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }
[ آل عمران: 96 – 97].
ثانيًا:
السُّنَّة النبوية الشريفة
عن أبي هريرة -
رضي الله عنه - قال: خطبَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((يا
أيُّها الناس قد فرَض الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا))،
فقال رجلٌ:
أكُلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله
عليه وسلَّم -:
((لو قلت: نعَم لَوَجبَت، ولمَا استطعتم))، ثم
قال: ((ذَروني ما تركتُكم، فإنَّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على
أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدَعوه)).
حُكْم العُمرَة: الراجح من
أقوال أهل العِلم أن العُمرَة واجبة مرة واحدة في العُمر مثل الحَجّ، وهو قول
عليّ، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة (رضي الله عنهم جميعاً).
*******************************************************
المسألة
الثانية: الحثُّ على التعجيل بالحج
هل الحَجّ على
الفَوْر (يَعني يأثم بتأخيره إذا كان مستطيعاً)، أم على التراخِي (يَعني لا يأثم
بتأخيره)؟
ذهب فريق من
العلماء إلى أن الحَجّ واجب على التراخي، لا يأثم بتأخيره، وَلَهُ أنْ يُؤدِّيه في
أي وقت من العمر.
وذهب فريق آخر
من العلماء إلى أن الحَجّ واجب على الفَوْر،
والصحيح قوْل مَن يقول: إنه واجب على الفَوْر.
فمَن توفَّرت
فيه شروط الحجِّ وجب عليه التعجُّل عند الأئمَّة؛ مالكٍ وأبي حنيفة وأحمد؛ فعن
سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبَّاس، عن الفضل أو أحَدِهما عن الآخر - رضي الله عنهم -
قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم
-:
((مَن أراد الحجَّ فليتعجَّل؛ فإنَّه قد يَمْرض المريض،
وتضلُّ الضالَّة، وتَعْرض الحاجة)).
ومن ذلك نتبيَّن أن سبب التعجيل هو أنَّه قد يطرأ على الإنسان ما يَحُول
بينه وبين الحجِّ؛ فتفوت عليه الفرصة، ويضيع منه خير كثير.
*******************************************************
: المسألة الثالثة:
الترغيب في أداء الحَجّ والعُمرَة
وردت أحاديث
كثيرة تُبَيِّن فضائل الحَجّ والعُمرَة، نذكر من هذه الفضائل:
أولاً: (إزالة
الفقر، وتكفير الذنوب، ودخول الجنة).
فقد قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - " تابعوا بين الحَجّ والعُمرَة، فإنهما ينفيان
الفقر والذنوب كما ينفي الكِيرُ خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحَجّة المبرورة
ثواب إلا الجنة)
ومعنى الحَجَّة
المبرورة: (هي الحَجّة التي ليس فيها إثم، ولا جدال، ولا مُخاصَمة، ولا مُشاجَرة،
بل فيها حُسن خُلُق، وغير ذلك من أعمال البِرّ).
وقال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم :- "مَن حَجَّ للهِ فلم يَرفُث، ولم يفسُق، رجعَ
كَيَوْم ولدته أمه"
ومعنى "
الرَفَث":
الجِمَاع، ويُطلَق على التعريض به بالكلام، وكذلك يُطلَق على الفُحْش في القول،
ومعنى قولِهِ: " ولم يفسُق " أي لم
يأتِ بسيئة ولا معصية "
وفي رواية عند
مسلم: " مَن أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه
".
فقوله: "
مَن أتى البيت " يشمل مَن أتاه معتمراً أوحاجاً، فهو أشمل من الحديث السابق
الذي خَصَّهُ بالحَجّ فقط.
ثانياً: الحَجّ
جهاد، وهو أيضاً من أفضل الأعمال:
فعن عائشة رضي
الله عنها أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم: { يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل
العمل، أفلا نجاهد؟
فقال: "
ولكنَّ أفضلَ الجهاد حَجٌّ مبرور ، وفي رواية: "جهادُكُنَّ الحَجّ}.
وعن أبي هريرة
رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم :- " جهادُ الكبير
والضعيف والمرأة: الحَجّ والعُمرَة "،
وعنه أيضاً أنه
قال: سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العمل أفضل؟ قال:" إيمانٌ
بالله ورسوله
قيل: ثم ماذا؟ قال:
الجهاد في سبيل الله "، قيل: ثم ماذا؟ قال:
"حَجٌّ مبرور"
ثالثاً: الحاج
والمُعتَمِر وَفدُ الله:
قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم : { الحُجَّاج والعُمَّار وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه
فأعطاهم }
*******************************************************
: المسألة الرابعة:
محظورات الإحرام ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج )
اقتصرت الآية
على بعض محظورات الحج وتقاس العمرة عليه والبعض الآخر من السنة
فمحظورات
الإحرام: هي الأشياء الممنوع على المحرم فعلها في الإحرام، وهي:
حلق الرأس،
وتقليم الأظفار، ووَضْع الطِيب (سواء لبدنه أو لثوبه)، وكذلك شم الطِيب بقصد
التلذذ، وكذلك يُمنَع المُحرم من لِبس الملابس التي كان يلبسها قبل الإحرام مما هو
مصنوع تفصيلاً على قدر أعضاء الجسد كالقميص و(البنطلون)،
ويُمنَع كذلك من تغطية رأسه (ولكن اعلم أن التغطية
الممنوعة هذهِ تكون بلِبس شيء مُلاصِق للرأس كالطاقية وغير ذلك، وأما غير الملاصق
للرأس كالشمسية والخيمة وغير ذلك فلا شيء فيه)، (واعلم أيضاً أن النهي عن تغطية
الرأس إنما هو خاص بالرجال دون النساء، فعلى المرأة أن تستر رأسها بحيث لا يظهر
منه شيء)،
ويُمنَع كذلك المُحرم من الخِطبة، ومن عقد
النكاح لنفسه أو لغيره (مثل أن يكون ولياً للزوجة)، وكذلك يُمنَع من جماع زوجته أو
مباشرتها (واعلم أن الجماع هو أشد محظورات الإحرام)،
وأخيراً يُمنَع
المُحرم من صيد الحيوان البري، وأما الحيوان البحري (وهو الذي يعيش في البحر) فيجوز
للمُحْرِم صيده.
*******************************************************
: المسألة الخامسة:
أنواع الحَجّ
اشتاق من قوله تعالى: ( فمن تمتع بالعمرة إلى
الحج)
الحَجّ ثلاثة أنواع: (قارن - مُتَمَتِع - مُفرِد)، وهو على
التفصيل الآتي:
أ)الحَجّ قارناً: وذلك بأن
يُلَبّي الحاجّ عند المِيقات بالحَجّ والعُمرَة معاً، فيقول: (لَبَّيْك اللهم
بالحج والعُمرة)، فإذا وصلَ إلى مكة طافَ وسَعَى، وظلَّ على إحرامه حتى ينتهي من
أعمال الحَجّ والعُمرَة معاً كما سيأتي تفصيل ذلك.
ب. الحَجّ
مُفرِداً: وذلك بأن يُلَبّي عند المِيقات
بالحَجّ فقط، ويبقى على إحرامه (فلا يحلق، ولا يفعل شيئاً من المحظورات) حتى تنتهي
أعمال الحَجّ.
ج. الحَجّ مُتَمَتِعاً:
وهو أن يُلَبّي بالعُمرَة في أشهر الحَجّ (يعني في: (شوال أو ذو القعدة أو ذو
الحجة)، فيقول: (لَبَّيْك اللهم بعُمرَة)، على أن يحُجّ في نفس العام.
• واعلم أن أفضل هذه
الأنواع هو حَجّ التَمَتُع على الراجح من أقوال العلماء.
يُحِلُّ
المُتَمَتِع مِن إحرامِهِ بالحَلْق أو التقصير:
بمعنى أن
المُتَمَتع (الذي نَوَى الحَجّ مُتَمَتِّعاً) إذا انتهى من أداء العُمرَة (يعني
إذا انتهى من طواف القدُوم والسَعْي) فإنه يحَلق شعره أو يُقصِّرُهُ، ثم يتحلَّلَ
(يعني يَلبِسَ ثيابَهُ العاديّة، وعندئذٍ يُباحَ له كل شيء كان محظوراً عليه بسبب
الإحرام)، فإذا جاءَ يوم التَرْوِيَة (وهو اليوم الثامن من ذي الحِجّة) فإنه
يُهِلّ بالحَجّ (يعني يرفع صوته بالتلبية) مع باقي الحَجيج، وأما القارن والمُفرِد
فإنهما إذا طافا طواف القدوم وَسَعَيَا فإنهما يَظَلاّن على إحرامهما، فلا
يَحلِقان ولا يُقصِّرَان ولا يَتَحَلّلان حتى يؤدِيَا باقي مناسك الحَجّ، وليس
عليهما سعي آخر (بين الصفا والمروة) عند أداء مناسك الحَجّ.
ويُلاحَظ أن
المُعتَمِر عُمرَة مستقلة – يَعنى في أي وقت من السَنَة غير أشهُر الحَجّ - فإنه
ينتهي من أعمال العُمرَة بالحلق أو التقصير كعُمرَة المُتَمَتِع تماماً، وسيأتي
بيان أحكام الحلق والتقصير.
• ويُلاحَظ أيضاً أنه
لو أحرمَ في رمضان من المِيقات بالعُمرَة، ثم أتمَّهَا في شوال (كأنْ يكون قد سافر
في آخر ليلة من رمضان مثلاً، ثم أدَّى السَعْي بعد طلوع نهار شوال) فإنه لا يكون
مُتَمَتِعاً، لأنَّ شَرْطَ التَمَتُع أن يُحْرم بالعُمرَة من المِيقات في "
أشهر الحَجّ "، وكذلك لو أحرمَ بالعُمرَةٍ في أشهر الحَجّ (في عامٍ معين)، ثم
حج في عامٍ آخر، فإنه لا يكون مُتَمَتِعاً.
ثم يُحرِم
المُتَمَتِع بالحَجّ يوم التَرْوِيَة، ويتوجه مع جميع الحُجَّاج إلى مِنَى:
ويوم
التَرْوِيَة: هو اليوم الثامن من ذي الحِجّة، وقد سُمِّيَ هذا اليوم بـ (يوم التَرْوِيَة)
لأنهم كانوا يَرْوُون إبِلَهُم في هذا اليوم،
وَيَتَرَوُّون من الماء، حيث إن تلك الأماكن لم يكن حينئذٍ فيها ماء.
• فإذا كانَ ذلك اليوم،
توَجّهَ الحُجَّاج جميعاً - (القارن والمُفرِد والمُتَمَتِع) - إلى مِنَى، فأما
القارن والمُفرِد فيتوجهون مباشرة إليها دونَ أن يُحرموا مرة أخرى، لأنهم مازالوا
على إحرامهم.
وأما
المُتَمَتِع فإنه يُحرم بالحَجّ مِن مكانه الذي هو فيه (وذلك بالتَجَرُّد من
ثيابه، والاغتسال، والتطُّيب، وَلِبس الإزار والرداء كما تقدم)، ثم يُلَبِّي جميع
الحُجَّاج متوجهين إلى مِنَى، وذلك قبل الظهر، ثم يصلون بمِنَى خمس صلوات: (الظهر
والعصر والمغرب والعشاء والفجر)، ويُستَحَبّ أن يُكثِرُوا من التلبية والدعاء، وأن
يبيتوا بـ (مِنَى) تلك الليلة، وأن لا يخرجوا منها حتى تطلع شمس يوم التاسع (وهو
يوم عَرَفَــة)، وذلك اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أجمع
العلماء على أنه ليس هناك شيء على مَن لم يَبِت بِمِنَى (ليلة عَرَفَــة)، المهم
أن يَحضُر بعَرَفَــة في الوقت الواجب.
*******************************************************
: المسألة السادسة:
الوقوف بعرفة
قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ ﴾ [
البقرة:198].
أجْمَعَ أهلُ
العِلم على أن الوقوف بعرفة هو رُكْن الحَجّ الأكبر، فقد ثبت أن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أمرَ منادياً ينادي: " الحَجّ عَرَفَــة، مَن جاءَ ليلة
جَمْع - يَعني ليلة مُزدَلفة - قبل طلوع الفجر فقد أدرك ".فإذا طلعت الشمس
يوم عَرَفَــة انطلق الحَجِيج من
مِنَى - بعد يوم
التروية–
قاصدين
عَرَفَــة مُلَبّين ومُكَبِّرين، ويكون أول نزولهم بـ "نَمِرَة"
(وهو مكان قريب من عَرَفَــة)، ويظلون بها إلى ما قبل الظهر.
فإذا زالت الشمس
(يَعني دخل وقت الظهر) في يوم عرفة رحلوا إلى " عُرنَة "
ونزلوا فيها،
(و(عُرنَة). هي مكان قبل عَرَفَــة بقليل - بين عَرَفَــة ومزدلفة -، وفيها يخطب
الإمام بالناس).
ثم يصلون الظهر
والعصر جميعاً بأذان واحد وإقامتين (يَعني يؤذنون أذاناً واحداً، ثم يصلون الظهر
بإقامة، ثم يصلون العصر بإقامة أخرى)، ولا يصلون بينهما شيئاً مِن النوافل الخاصة
بالظهر والعصر.
واعلم أن هذا
الترتيب في النزول بـ (
نَمِرَة) ثم بـ
(عُرنَة)، قد لا يتسير الآن لكثير من الناس لشدة الزحام، فإذا لم ينزل بهما،
وجاوزهما إلى عَرَفَــة فلا حرج إن شاء الله.
ويقفون
بعَرَفَــة حتى غروب الشمس:
واعلم أن
المقصود من الوقوف بعَرَفَــة: (حضور الحاج ووجوده بعرفات يوم عَرَفَــة، على أي
صفة كان ؛ سواء كان واقفاً، أو نائماً، أو قاعداً، أو راكباً، أو ماشياً، أو
مضطجعاً، في أي مكان بعَرَفَــة)، فإن تَيَسَّرَ له الوقوف عند الصخرات (أسفل جبل
عرفات) فَحَسَن، وإلاّ.. وقف في أي مكان كما تقدم.
-وهناك سؤالٌ هام: ما
هي مُدَّة الوقوف بعَرَفَــة؟
السُنَّة أن يقف
الحاجّ بعرفة من بعد دخول وقت الظهر حتى غروب الشمس (بمعنى أن السُنَّة أن يكون
موجوداً بعرفة طوال هذا الوقت)، ولكنه لو وقف بعرفة في أي جزء من هذا الوقت أجزأه
ولكنْ لم يأتِ بالكمال على الراجح من أقوال العلماء،
وقد اختلف أهل العِلم في بداية وقت الوقوف،
فذهبَ جمهور العلماء إلى أن وقت الوقوف بعَرَفَــة يبدأ من زوال الشمس (يعني من
بداية وقت الظهر) يوم عرفة إلى فجر اليوم العاشر (وهو يوم العِيد)،
وذهبَ أحمد
رَحِمَهُ الله إلى أن وقت الوقوف بعرفة يبدأ من طلوع الفجر يوم عَرَفَــة إلى طلوع
الفجر يوم العيد، وهذا هو الراجح، فالحاصل أنَّ حجه صحيح سواء وقف بالنهار بعد
زوال الشمس فقط أو وقف بالليل فقط، أو وقف جزءاً من النهار وامتد وقوفه لجزء من
الليل بعد غروب الشمس،
ولكنَّ السُنَّة والكمال كما ذكرنا أن يقف
الحاجّ بعرفة من بعد دخول وقت الظهر حتى يدخل وقت المغرب.
وعلى هذا فمَن
سافرَ للحَجّ فلم يدرك الوقوف بعرفة قبل غروب الشمس، فإنه يذهب إلى عَرَفَــة بعد
الغروب في أي وقت من الليل (المهم أن يكون ذلك قبل الفجر)، ثم يُدْفَع مع الناس
إلى مُزدَلفة.
وَيُسْتَحَبّ
الدعاء والذِكر يوم عرفة:
وذلك بأن يقف
الحاج بعرفات مستقبل القبلة رافعاً يَدَيْه بالدعاء كما هو الثابت مِن فِعل النبي
- صلى الله عليه وسلم - في يوم عرفة، وكذلك يُكثِر من الذكر والتهليل فقد قال
النبي - صلى الله عليه وسلم :- " خير الدعاء: دعاء يوم عَرَفَــة، وخير ما
قلتُ أنا النبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد
وهو على كل شيء قدير ".
فإذا غابت الشمس
دُفِعَ مع الحَجِيج إلى المُزدَلِفة:
• ويُستَحَبّ أن يكون
دَفعُهُ للناس بِسَكِينَة، وألاَّ يُزاحِمُهُم، ولكنه إن وجد فجوة فلا بأس
بالإسراع.
فإذا وصل إلى
المزدلفة فإنه يُصلي المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولا يصلي بينهما شيئاً من
النوافل (كما فعل في صلاتَي: الظهر والعصر بـ
(مِنَى))،
وكذلك يُستَحَبّ التلبية في المزدلفة (كما فعل
ذلك في مِنَى)
، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَزَل يُلَبّي حتى
رَمَى الجمرة.
*******************************************************
: المسألة السابعة:
المَبِيت بالمزدلفة
قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ ﴾ [ البقرة:198]
الثابت عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - المَبِيت بالمزدلفة حتى الفجر، ثم صلاة الفجر في أول
وقته بأذان وإقامة،
واعلم أن
المقصود بالمَبِيت بالمزدلفة: حضور الحاج ووجوده بها ليلاً، سواء كان نائماً أو
مستيقظاً.
وقد اختلف
العلماء في حُكْم المَبِيت بالمزدلفة كالآتي:
فمنهم مَن يرى
أن ذلك مُستَحَبّ، ومنهم أن يرى أنه رُكْن (مثل الوقوف بعرفة)،
والقول الثالث يرى أنه واجب يُجْبَر بِدَمّ
(أي: أنه إذا
ترك المَبِيت بالمزدلفة فعليه دم، (والمقصود بالدم: أن يذبح سُبع بدنة أو سُبع
بقرة، يعني يشترك مع ستةٍ غيره فيها، أو أن يذبح واحدة من الضأن أو الماعز، ثم
يوزع هذا الذبح على فقراء مكة)، (وهذا الرأي استحسنه الشيخ ابن عُثَيْمِين ورآه
قولاً وسطاً).
أين مكان الوقوف
بالمزدلفة؟
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ ﴾ [ البقرة:198]
والمَشْعَرِ
الحَرَام: هو جبل صغير بالمزدلفة، وقد وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - عنده،
ولكنْ لا يُشتَرَط الوقوف عنده،
فإذا وقف الحاج في أي موضع من مزدلفة أجزأه،
لقوله - صلى الله عليه وسلم :- " وقفتُ هاهنا، وَجَمْع كلها مَوقِف ،
و"جَمْع " هي: المزدلفة.
واعلم أنه
يُستَحَبّ في المزدلفة أن يستقبل القبلة، ويُكثِر من الدعاء والتكبير والتهليل حتى
وقت الإسفار (يعني حتى يتضح ضوء النهار)، وذلك اقتداءً بفعل النبي - صلى الله عليه
وسلم
- وهو في المزدلفة.
• واعلم أيضاً أنه يجب
عليه أن يصلي الفجر بالمزدلفة، وهذا الحُكْم لجميع الحُجَّاج عدا النساء والضعفاء،
فإنه يَجُوز لهم أن يُدفَعُوا من المزدلفة إلى مِنَى لرمي جمرة العقبة بعد أن يغيب
القمر في هذه الليلة (يعني قبل الفجر).
*******************************************************
المسألة
الثامنة: ما يفعله الحاج بعد مزدلفة.
إذا أسْفَرَ
النهار - (أي اتضحَ ضَوْءُه) - دُفِعَ إلى مِنَى قاصداً الجَمْرَة الكبرى:
وذلك في اليوم
العاشر من ذي الحِجّة، ويسمى: " يوم النحر "، فينطلق بعد أن يصلي الفجر
بالمزدلفة - وقبل أن تطلع الشمس - إلى مِنَى وعليه السكينة، وهو يُلَبّي، فإذا أتى
(بطن محسر)، أسرعَ قليلاً، و (بطن محسر). هو وادٍ بين المزدلفة ومِنَى، وهو المكان
الذي أهلَكَ اللهُ فيه أبْرَهَة الحبشي وجنوده لما أراد هَدْم الكعبة، وَلِذا فإن
النبي صلي الله عليه وسلم أسرعَ السير عندما مَرَّ به.
ثم يأخذ الحاجّ
طريقه إلى الجمرة الكبرى ليَرْمِيَها، ويلتقط الحَصَيات التي سَيَرمِي بها الجمرة،
والراجح أنه يلتقط هذه الحَصَيات مِن مِنَى أثناء طريقه إلى الجمرة، وأما أخْذُهُ
للحَصَيات مِن مزدلفة فليس بمُستَحَبّ.
ثم يرمي الجمرة
الكبرى:
ويُقال لها:
" جمرة العقبة "، فيَرمي في هذا اليوم هذه الجمرة فقط بسبع حَصَيات
اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويتعلق بذلك بعض الأمور:
أولاً: ما هو
حُكْم الرَمْي؟
ذهب بعض أهل
العِلم إلى أنه سُنُة (يعني مُستَحَبّ)، وذهب بعضهم إلى أنه رُكْن، والراجح من
أقوال أهل العِلم أن رَمْي جمرة العقبة واجب.
ثانياً: ما هي
صفة الرَمْي؟
يستقبل الحاجُّ
الجمرة، ويجعل مكة عن يساره، ومِنَى عن يمينه (إن أمْكَن) (لأنه قد لا يتيسر له
ذلك الآن من شدة الزحام)، ثم يرمي سبع حَصَيات، وَيُكَبِّر مع كل حَصَاةٍ يرميها،
ويُلاحَظ أنه يقطع التلبية عند رَمْي الجمرة.
وقد أجمع
العلماء على أنه مَن لم يُكَبِّر مع الرَمْي لا شيء عليه.
واعلم أن الجمرة
عبارة عن عمود يحيط به " حوض " (أعني مكان مُجَوَّف)، والمقصود أن تقع
الحَصَيات في هذا الحوض، وليس المقصود أن تضرب العمود القائم.
ثالثاً: ما هي
صفة الحَصَى التي يرمي بها؟
عن ابن عباس رضي
الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له في صباح يوم العقبة وهو
على ناقته: " القط لي حَصَى "، قال ابن عباس: فالتقطتُ له سبع حَصَيات،
هُنَّ حَصَى الحَذَف - (وَحَصَى الحَذَف: هي حَصَى أكبر من حَبَّة الحُمُّص بقليل)
-، قال: فجعل ينفضهن في كَفَّيْه، ويقول:
" أمثال هؤلاء فارموا "، ثم قال: " أيها الناس إياكم
والغُلُوّ في الدِين، فإنه أهلَكَ مَن كان قبلكم الغُلُوّ في الدِين "
رابعاً: متى
يبدأ الرَمْي، ومتى ينتهي؟
اعلم أن وقت
الرَمْي يبدأ من بعد طلوع شمس يوم النحر (هذا لغير النساء والضعفاء)، أما النساء
والضعفاء فإنهن يَرمُون بعد أن يغيب القمر، واعلم أيضاً أن وقت الرَمْي يمتد إلى
آخر النهار في يوم النحر، فمَن رماها قبل غروب يوم النحر فقد رَمْي الجمرة في
وقتها، وأما مَن لم يرمها حتى غربت شمس يوم النحر: فقد اختلف أهل العِلم في ذلك
اختلافاً كبيراً، والراجح أنه يَجُوز له أن يرمِيَها بالليل.
فإذا رَمَى
الجمرة فقد حَلَّ الإحلال الأول:
- والمقصود أن
المُحْرِم محظور عليه فِعل بعض الأمور (كما تقدم في محظورات الإحرام)، لكنه بعد
رَمْي الجمرة يوم النحر، فإنه يتحلل من هذه المحظورات كلها إلا النساء (يَعني:
يُبَاح له كل شيء كان مُحْرِماً عليه إلا الجماع)
ويُسَمَّى هذا
بـ (التَحَلُّل الأول)، وأما (التَحَلُّل الثاني) الكامل (
أي حتى من
النساء)، فيكون ذلك بعد طواف الإفاضة في هذا اليوم، هذا وقد ذهبَ بعض أهل العِلم
أنه لا يَحِلّ إلا بعد الرَمْي والحلق، وفي المسألة أقوال، وما ذكرناه أولاً هو
الأرْجَح والله أعلم، وعلى ذلك فله بعد الرَمْي أن يلبس ثيابه ويتطيب، وأبيح له كل
شيء كان مُحْرِماً عليه إلا النساء.
ثم يَنحَر
الهَدْي:
ويُستَحَبُّ أنْ
ينحر الهدْي بالمَنحَر، وذلك اقتداءً بفعلِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنْ
يَجُوز له أن ينحر في أي مكان آخر من مِنَى غير المَنحَر، وكذلك يَجُوز له أن ينحر
بمكة، لقوله - صلى الله عليه وسلم :- " نحرتُ هاهُنا، ومِنَى كلها مَنحَر
" وفي بعض الروايات: " وكل فجاج مكة طريق ومَنحَر"
واعلم أنه
يَجُوز أن يذبح بنفسه، ويَجُوز له أن يُنِيب عنه غيره في الذبح، ويُستَحَبّ له أن
يأكل من هَدْيه،
وقد ذهب بعض
العلماء إلى وجوب الأكل منها (
وسيأتي المزيد
لبيان أحكام الهَدْي).
ثم يَحلِق أو
يُقَصِّر:
والأفضل الحلق،
لما ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اللهم اغفر
للمُحَلِّقِين "، قالوا: يا رسول الله، وللمُقصِّرين، قال: " اللهم اغفر
للمُحَلِّقِين "، قالوا: يا رسول الله، وللمُقصِّرين، قال: "
وللمُقصِّرين "
، واعلم أنه يَجُوز أن يحلق الحاجّ لنفسه كما يجوز أن يحلق له
غيره، والسُنَّة أن يبدأ الحلق بيمين المحلوق، والصحيح أن يحلق جميع رأسه، أو يقصر
جميع رأسه، ولا يكتفي بحلق أو تقصير بعض الرأس، واعلم أيضاً أن هذا الحلق خاص
بالرجال، وأما النساء فليس عليهن إلا التقصير، فتقصر المرأة قدر أُنْمُلَة (يعني
قدر عقلة الإصبع) من كل ضفيرة.
تنبيــه:
هذا الحلق في
المناسك: عبادة ونُسُك يؤجَرُ عليها العبد، وأما فيما عدا ذلك: فيختلف باختلاف
النِيَّة، فإنْ كان يحلق شعره تعبداً لله، نقول: هذه بدعة، إذ لم يُشرَع الحلق
تعبداً إلا في المناسك، وقد كان من علامات الخوارج: الحلق، كما قال - صلى الله
عليه وسلم - في وَصْفِهِم: " سيماهُم التحليق "، وأما إن كان للتَرْفيه
والتَنَزُّه، فلا بأس به، ويكون مِن فِعل المُبَاح.
ثم بعد النحر
يتحرك فيعود إلى مكة، ويطوف حول الكعبة سبعة أشواط، وهو مايُسَمَّى بـ (طواف
الإفاضة).
وذلك في نفس يوم
النحر ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف في يوم العيد سبعاً حول البيت، غير
أنه لم يَضْطَبِع ولم يَرْمل، واعلم أن هذا الطواف ركن من أركان الحج (على الأنواع
الثلاثة: القارن والمُفرد والمتمتع)،
أما طواف القدوم
فهو ركن في حق المتمتع فقط، ومُستَحَب في حق القارن والمُفرد (
يعني لو لم
يفعله القارن أو المُفرد، وتوجه مباشرة إلى مِنَى أو إلى عرفة فلا شيء عليه، وإن
فعله فهو خير لكنه لا يُغنِيهِ عن طواف الإفاضة) وهذا هو قول الجمهور وهو الراجح.
ثم يصلي ركعتين
بعد طواف الإفاضة عند مقام إبراهيم كما تقدم في طواف القدوم،
واعلم أنه يَجُوز أن يؤخر طواف الإفاضة إلى آخر
شهر ذي الحِجّة، ولكنْ لا يَجُوز تأخيره عن شهر ذي الحِجّة إلا إذا كان هناك عذر.
ويشرب من ماء
زمزم.
ثم يسعَى بين
الصفا والمروة:
وهذا السَعْي
للمُتَمَتِع فقط فإنه يَجِب عليه ذلك، وأما القارن والمُفرِد:
فإنه إذا كان
سعَى بعد طواف القدوم، فلا يَلزَمُهُ هذا السَعْي، وإن كان لم يَسعَ بعد طواف
القدوم: سَعَى هذا السَعْي.
ثم يرجع من مكة
- بعد أن طافَ وَسَعَى - لِيَبِيت بمِنَى أيام التشريق ليرمي الجمَرات الثلاثة:
*******************************************************
:المسألة
التاسعة: المبيت بمنى
يبيت الحاجّ
بمِنَى ثلاثة أيام إن تأخر، وأما إن تعجل فيبيت يومين، لقوله تعالى: (﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ
وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 203
ويتعلق بذلك بعض
المسائل:
أولاً: ما
معنى المَبِيت بمِنَى؟
اعلم أنه ليس
المقصود بـ (المَبِيت بمِنَى). الاضطجاع والنوم ، وإنما المقصود:
المُكْث بها ،
علي أي صفة كان، وإن كان الأفضل النوم، اقتداءً برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
ثانيا: ما هو
حُكم المَبِيت بمنى؟
ذهب جمهور
العلماء إلى أن المَبِيت بمنى (واجب)، وقد ذهب الأحناف إلى أنه مُستَحَبّ، والراجح
هو قول الجمهور، والله أعلم.
ثالثاً: ما هي
مُدَّة المَبِيت بمِنَى؟
الراجح أنه متى
باتَ بمِنَى (سواء في أول الليل، أو في آخر الليل، أو باتَ الليل كله، أو بعضه) أن
ذلك كله يُجْزِئه.
رابعاً: ماذا
عليه إذا لم يَبِت بمِنَى؟
يرى جمهور
العلماء أن عليه دم (يعني يذبح هَدْياً)؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحَجّ (وذلك
على قول مَن يقول بأن المَبِيت بِمِنَى واجب)، ويرى ابن حَزْم وغيره أنه أساء ولا
شيء عليه (لأنهم يرون أنه مُستحَبّ).
وهذا الحُكم -
(وهو وجوب ذبح الهَدْي لمن ترك المَبِيت) - إنما يكونُ لمن ترك المَبِيت في أي يوم
من الأيام الثلاثة، أما مَن ترك المَبِيت ليلة واحدة مثلاً فلا يُلزَم بدم، لأنه
أتى بجنس المَبِيت (يعني يُقال أنه بات)، وإن كان فاته الأكمل.
خامساً:
يُرَخَّص لِذَوِي الأعذار ترْك المَبِيت بِمِنَى:
ففي الحديث:
" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لعمه العباس أن يبيت بمكة من
أجل السقاية"، وقد ذهب ابن عُثَيْمِين رَحِمَهُ الله إلى أن هذه الرخصة تشمل
أيضاً الذين يشتغلون أيضاً بمصالح الحَجيج، كرجال المرور، والأطباء في المستشفيات،
ومَن يقومون بصيانة أنابيب المياه، ونحوهم.
ثم يرمي الجمرات
الثلاثة في كل يوم من هذه الأيام الثلاثة التي يبيتها بِمِنَى:
وهذه الجمرات
الثلاثة على الترتيب هي: الجمرة الصُغرَى، والوُسطَى، والكُبرَى (
وهي جمرة
العقبة)،
وأما ما يتعلق بهذا الرَمْي فبَيَانُهُ كما يلي:
أ)يبدأ وقت
الرَمْي في أيام التشريق بعد زوال الشمس (أي: وقت صلاة الظهر)
وأيام التشريق
هي اليوم الثاني والثالث والرابع بعد يوم الأضحى).
ب)أما عن انتهاء
وقت الرَمْي: فقد ذهب كثير من العلماء إلى أن آخر وقت الرَمْي حتى غروب شمس كل يوم
من الأيام الثلاثة ؛ لأنه عبادة نهارية فتنتهي بالنهار، والراجح أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - لم يحدد ذلك، بل ثبت أن رجلاً قال: رميتُ بعدما أمسيت، فقال -
صلى الله عليه وسلم :- " لا حرج ، ولم يستفصل النبي - صلى الله عليه وسلم -
عن أي وقت من المساء، فدَلَّ ذلك على الجواز مطلقاً، وعليه فمَن تيسر له الرَمْي
بالنهار كان أولى، وإلاَّ فلا حرجَ عليه لو رَمَى مساءً، والله أعلم.
ج)ترتيب
الرَمْي: يبدأ الرَمْي بالجمرة الأولى (وهي الجمرة الصغرى)، وهي الأقرب إلى مسجد
الخِيف، فيرميها بسبع حَصَيات، ويكبر مع كل حصاة، ثم يستقبل القبلة ويرفع يَدَيْه
ويدعو دعاءً طويلاً.
ثم يأتي الجمرة
الوسطي فيرميها كذلك بسبع حَصَيات، ثم يقف للدعاء كذلك، ثم يأتي جمرة العقبة
فيرميها كذلك (على أن يجعل الكعبة عن يساره ومِنَى عن يمينه إن أمكن)، ولا يقف عند
هذه الجمرة للدعاء، بل ينصرف، ويفعل ما سبق في اليوم الثاني والثالث.
ما حُكم مَن
تَرَكَ رَمْي الجمرات؟
الذي عليه جمهور
العلماء أن رَمْي الجمرات واجب، وأنه إذا ترك رَمْي الجمرات يكون عليه دم (يعني
يذبح هدياً).
وَمَن تَعَجَّلَ
فَرَمَى في يومين فلا إثمَ عليه، وَمَن تأخر فرَمَى في ثلاثة أيام فلا إثم عليه:
- والمقصود باليومين
المذكورَيْن: هما الحادي عشر والثاني عشر من شهر ذي الحِجّة،
ويُشتَرَط لمن
أراد أن يتعجل: أن يخرج من مِنَى قبل غروب الشمس، فإن جلس إلى الغروب لَزِمَهُ
المَبِيت في الليلة الثالثة، وهي ليلة الثالث عشر من ذي الحِجّة،
وإذا حمل متاعه وعزم على الخروج، لكنه تأخر في
المَسير حتى غابت الشمس لعذر، كزحام في الطريق مثلاً، فلا شيء عليه، وليستمر في
الخروج ؛ لأنه حُبِسَ بغير اختياره.
*******************************************************
:المسألة
العاشرة: ملاحظات هامة تتعلق بأنواع الحَجّ (القارن والمُفرِد والتَمَتُّع).
1)يَجِب على المُتَمَتِع أن يذبح هَدْياً: وهو شاة
(يَعني يذبح واحدة من الضأن أو الماعز)، أو سُبع بدنة (يَعني سُبع جمل) أو سُبع
بقرة وذلك بأن يشترك مع ستةٍ غيره في ثمنها،
وسيأتي تفصيل
ذلك في باب (الهَدْي والأضحية)
، فإذا لم يجد الهَدْي (يَعني لم يستطع دفع ثمنه) فإنه يصوم ثلاثة
أيام في الحَجّ وسبعة
إذا رجع إلى أهله، ويَجُوز له أن يصوم هذه
الأيام الثلاثة في أيام التشريق، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " لم
يُرَخَص في أيام التشريق أن يُصَمنَ إلا لمن لم يجد الهَدْي ".
وأما السبعة
أيام الأخرى فاختلف العلماء: (أين يصومها؟)، فمنهم من يرى صيامها إذا رجع إلى
وطنه، وهو قول الجمهور، ومنهم من يرى بدء صيامها إذا رجع إلى رَحلِه (يعني مَكان
مَبِيتِهِ في مكة)، والراجح هو قول الجمهور.
واعلم أن هَدْي
التمتع واجب لقوله تعالى: (فمَن تَمَتَّعَ بِالعُمرَة
إِلَى الحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْي)،
واختلفوا
بالنسبة للقارن: (هل ذبحه للهَدْي على سبيل الوجوب أم لا؟) والأحْوَط ذبح الهَدْي
إبراءً للذمة.
2)هل
يَجُوز تقديم ذبح الهَدْي؟ (يَعني هل يجُوز أن يذبحه بعد أداء العُمرَة وقبل أن
يحرم للحَجّ يوم التَرْوِيَة)؟
فيه خلاف بين
العلماء، والراجح أن وقت الوجوب لا يكون إلا إذا بدأ في الحَجّ (
يعني بعد أن
يُحرم للحج يوم التروية) وبعد أن يكون مستطيعاً للهَدْي، لكنه لا يذبح الهَدْي إلا
يوم النحر، فإن لم يجد الهَدْي فإنه ينتقل إلى الصيام فرضاً.
3)قال تعالى: ﴿ فمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ
عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 196]، والراجح في تفسير قوله تعالى: (لِمَن لَّمْ يَكُنْ أهله حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ)
أي: الذي يُقِيم أهله بمكة، وعلى هذا فليس على هؤلاء المقيمين هذا الهَدْي (أعني
هَدْي التمتع) ولا الصوم.
4)إذا كان ساكناً بمكة، وأهله غير ساكنين بها (كمن يقيم في مكة
للعمل مثلاً)، فهذا أيضاً عليه الهَدْي، أو الصوم (إن لم يجد الهَدْي)، لأن أهله
ليسوا حاضري المسجد الحرام.
5)إذا لم يَصُم ثلاثة أيام في الحَجّ فماذا يفعل؟
يرى بعض أهل
العِلم أنه يَجِب عليه قضاؤها، ويرى آخرون أنها تسقط عنه: (فإن كان عدم صيامه لهذه
الأيام الثلاثة لِعُذر فلا شيء عليه، وإن كان متعمداً لعدم صيامها لَزِمَهُ
التوبة)، وفي جميع الحالات فعليه أن يصوم السبعة أيام الأخرى.
6)إذا بدأ في صيام الثلاثة
أيام أو كانَ قد صامها، ثم وجد سَعَة للهَدْي، فإنه لا يَلزَمُهُ الهَدْي وَليَمض
في صيامه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق