الآية الأولى
أحكام الرضاع
وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ
الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ
بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ
فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
قوله تعالى: {
وَالْوَالِدَاتُ } ابتداء. { يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ } في موضع الخبر. {
حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } ظرف زمان.
ولما ذكر الله
سبحانه النكاح والطلاق ذكر الولد، لأن الزوجين قد يفترقان وثم ولد، فالآية إذا في
المطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن، قاله السدي والضحاك وغيرهما، أي هن أحق
برضاع أولادهن من الأجنبيات لأنهن أحنى وأرق، وانتزاع الولد الصغير إضرار به وبها،
وهذا يدل على أن الولد وإن فطم فالأم أحق بحضانته لفضل حنوها وشفقتها، وإنما تكون
أحق بالحضانة إذا لم تتزوج على ما يأتي.
وعلى هذا يشكل
قوله: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } لأن المطلقة لا تستحق الكسوة إذا لم
تكن رجعية بل تستحق الأجرة إلا أن يحمل على مكارم الأخلاق فيقال
الأولى ألا تنقص
الأجرة عما يكفيها لقوتها وكسوتها.
وقيل:
الآية عامة في
المطلقات اللواتي لهن أولاد وفي الزوجات. والأظهر أنها في الزوجات في حال بقاء
النكاح، لأنهن المستحقات للنفقة والكسوة، والزوجة تستحق النفقة والكسوة أرضعت أو
لم ترضع، والنفقة والكسوة مقابلة التمكين، فإذا اشتغلت بالإرضاع لم يكمل التمكين،
فقد يتوهم أن النفقة تسقط فأزال ذلك الوهم بقوله تعالى: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ
لَهُ } أي الزوج { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } في حال الرضاع لأنه اشتغال في
مصالح الزوج، فصارت كما لو سافرت لحاجة الزوج بإذنه فإن النفقة لا تسقط.
الثانية:
- قوله تعالى: { يُرْضِعْنَ
أَوْلادَهُنَّ } خبر معناه الأمر على الوجوب لبعض الوالدات، وعلى جهة
الندب لبعضهن على ما يأتي.
وقيل: هو خبر عن المشروعية كما تقدم.
الثالثة:
- اختلف الناس في الرضاع هل هو حق للأم أو هو حق عليها، واللفظ
محتمل لأنه لو أراد التصريح بكونه عليها لقال: وعلى الوالدات رضاع أولادهن كما قال
تعالى: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ } ولكن هو عليها في حال الزوجية، وهو عرف يلزم إذ قد
صار كالشرط، إلا أن تكون شريفة ذات ترفه فعرفها ألا ترضع وذلك كالشرط. وعليها إن
لم يقبل الولد غيرها واجب. وهو
عليها إذا عدم
لاختصاصها به. فإن مات الأب ولا مال للصبي فمذهب مالك في المدونة أن الرضاع لازم
للأم بخلاف النفقة.
وفي كتاب ابن
الجلاب:
رضاعه في بيت
المال. وقال عبد الوهاب: هو فقير من فقراء المسلمين. وأما المطلقة طلاق بينونة فلا
رضاع عليها، والرضاع على الزوج إلا أن تشاء هي، فهي أحق بأجرة المثل، هذا مع يسر
الزوج فإن كان معدما لم يلزمها الرضاع إلا أن يكون المولود لا يقبل غيرها فتجبر
حينئذ على الإرضاع. وكل من يلزمها الإرضاع فإن أصابها عذر يمنعها منه عاد الإرضاع
على الأب.
وروي عن مالك أن
الأب إذا كان معدما ولا مال للصبي أن الرضاع على الأم، فإن لم يكن لها لبن ولها
مال فالإرضاع عليها في مالها.
قال الشافعي: لا
يلزم الرضاع إلا والدا أو جدا وإن علا، وسيأتي ما للعلماء في هذا عند قوله تعالى: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }.
يقال: رضع يرضع
رضاعة ورضاعا، ورضع يرضع رضاعا ورضاعة "بكسر الراء في الأول وفتحها في
الثاني" واسم الفاعل راضع فيهما. والرضاعة: اللؤم "مفتوح الراء لا غير".
الرابعة:
- قوله تعالى: { حَوْلَيْنِ } أي سنتين، من حال الشيء إذا انقلب،
فالحول منقلب من الوقت الأول إلى الثاني. وقيل: سمي العام حولا لاستحالة الأمور
فيه في الأغلب.
{ كامِلَيْنِ }
قيد بالكمال لأن القائل قد يقول: أقمت عند فلان حولين وهو يريد حولا وبعض حول آخر،
قال الله تعالى:
{
فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } وإنما يتعجل في يوم وبعض الثاني.
وقوله تعالى:
لِمَنْ
أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما فإنه يجوز
الفطام قبل الحولين، ولكنه تحديد لقطع التنازع بين الزوجين في مدة الرضاع، فلا يجب
على الزوج إعطاء الأجرة لأكثر من حولين. وإن أراد الأب الفطم قبل هذه المدة ولم ترض الأم لم يكن له ذلك. والزيادة
على الحولين أو النقصان إنما يكون عند عدم الإضرار بالمولود وعند رضا الوالدين.
الخامسة:
- انتزع مالك رحمه الله تعالى ومن تابعه وجماعة من العلماء من
هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين، لأنه
بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة. هذا قوله في موطئه،
وهي رواية محمد بن عبد الحكم عنه، وهو قول عمر وابن عباس، وروي عن ابن مسعود، وبه
قال الزهري وقتادة والشعبي وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو
يوسف ومحمد وأبو ثور. وروى ابن عبد الحكم عنه الحولين وزيادة أيام يسيرة.
عبد الملك:
كالشهر ونحوه. وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال: الرضاع الحولين والشهرين بعد
الحولين، وحكى عنه الوليد بن مسلم أنه قال: ما كان بعد الحولين من رضاع بشهر أو
شهرين أو ثلاثة فهو من الحولين، وما كان بعد ذلك فهو عبث.
وحكي عن النعمان
أنه قال: وما كان بعد الحولين إلى ستة أشهر فهو رضاع، والصحيح الأول لقوله تعالى:
{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } وهذا يدل على ألا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين.
وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا رضاع إلا ما كان في الحولين}.
قال الدار قطني:
لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ.
قلت:
وهذا الخبر مع
الآية والمعنى، ينفي رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له. وقد روي عن عائشة القول به.
وبه يقول الليث بن سعد من بين العلماء. وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يرى رضاع
الكبير. وروي عنه الرجوع عنه.
وسيأتي في سورة
"النساء" مبينا إن شاء الله تعالى.
السادسة:
قال جمهور
المفسرين: إن هذين الحولين لكل ولد. وروي عن ابن عباس أنه قال: هي في الولد يمكث
في البطن ستة أشهر، فإن مكث سبعة أشهر فرضاعه ثلاثة وعشرون شهرا فإن مكث ثمانية
أشهر فرضاعه اثنان وعشرون شهرا، فان مكث تسعة أشهر فرضاعه أحد وعشرون شهرا، لقوله
تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً } وعلى
هذا تتداخل مدة الحمل ومدة الرضاع ويأخذ الواحد من الآخر.
السابعة:
قوله تعالى: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ } أي وعلى الأب. ويجوز
في العربية "وعلى المولود لهم" كقوله تعالى:
{
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } ؛ لأن المعنى وعلى الذي ولد له
و"الذي" يعبر به عن الواحد والجمع كما تقدم
الثامنة:
قوله تعالى: { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } الرزق في هذا الحكم
الطعام الكافي، وفي هذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد لضعفه وعجزه. وسماه
الله سبحانه للأم، لأن الغذاء يصل إليه بواسطتها في الرضاع كما قال:
وَإِنْ
كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ } ؛ لأن الغذاء
لا يصل إلا بسببها.
وأجمع العلماء
على أن على المرء نفقة ولده الأطفال الذين لا مال لهم. وقال صلى الله عليه وسلم
لهند بنت عتبة وقد قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني من النفقة
ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من مال بغير علمه فهل علي في ذلك جناح؟
فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
والكسوة: اللباس.
وقوله:
"بالمعروف" أي بالمتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط.
ثم بين تعالى أن الإنفاق على قدر غنى الزوج
ومنصبها من غير تقدير مد ولا غيره بقوله تعالى: { لا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا } على ما يأتي بيانه في الطلاق إن
شاء الله تعالى. وقيل المعنى: أي لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الأجرة، ولا
يكلف الزوج ما هو إسراف بل يراعى القصد
التاسعة:
في هذه الآية
دليل لمالك على أن الحضانة للأم، فهي في الغلام إلى البلوغ، وفي الجارية إلى
النكاح، وذلك حق لها، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: إذا بلغ الولد ثماني سنين
وهو سن التمييز، خير بين أبويه، فإنه في تلك الحالة تتحرك همته لتعلم القرآن
والأدب ووظائف العبادات، وذلك يستوي فيه الغلام والجارية.
وروى النسائي وغيره عن أبي هريرة أن امرأة جاءت
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: زوجي يريد أن يذهب بابني، فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم : { هذا أبوك وهذه أمك فخذ أيهما شئت، فأخذ بيد أمه}.
وفي كتاب أبي داود عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عنده فقالت: يا رسول الله، إن زوجي
يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: { استهما عليه} فقال زوجها: من يحاقني في ولدي، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : { هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أحدهما شئت}" فأخذ بيد أمه فانطلقت
به. ودليلنا ما رواه أبو داود عن الأوزاعي قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عبدالله بن عمرو أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله،
إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني
وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أنت أحق به ما لم
تنكحي }. قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا
افترقا ولهما ولد أن الأم أحق به ما لم تنكح. وكذا قال أبو عمر: لا أعلم خلافا بين
السلف من العلماء في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أبيه ما دام
طفلا صغيرا لا يميز شيئا إذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت فيها فسق ولا تبرج.
ثم اختلفوا بعد
ذلك في تخييره إذا ميز وعقل بين أبيه وأمه وفيمن هو أولى به، قال ابن المنذر: وثبت
أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة حمزة للخالة من غير تخيير.
روى أبو داود عن
علي قال: خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدم بابنة حمزة، فقال جعفر: أنا آخذها أنا أحق
بها، ابنة عمي وخالتها عندي والخالة أم. فقال علي: أنا أحق بها،: ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أحق
بها. فقال زيد: أنا أحق بها، أنا خرجت إليها وسافرت وقدمت بها. فخرج النبي صلى
الله عليه وسلم فذكر حديثا قال: "وأما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع
خالتها وإنما الخالة أم
العاشرة:
- قال ابن
المنذر: وقد أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على ألا حق للأم في الولد إذا تزوجت.
قلت:
كذا قال في كتاب
الأشراف له. وذكر القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة له عن الحسن أنه لا يسقط حقها
من الحضانة بالتزوج. وأجمع مالك والشافعي والنعمان وأبو ثور على أن الجدة أم الأم
أحق بحضانة الولد. واختلفوا إذا لم يكن لها أم وكان لها جدة هي أم الأب، فقال
مالك: أم الأب أحق إذا لم يكن للصبي خالة. وقال ابن القاسم: قال مالك: وبلغني ذلك
عنه أنه قال: الخالة أولى من الجدة أم الأب. وفي قول الشافعي والنعمان: أم الأب
أحق من الخالة.
وقد قيل:
إن الأب أولى
بابنه من الجدة أم الأب. قال أبو عمر: وهذا عندي إذا لم يكن له زوجة أجنبية. ثم
الأخت بعد الأب ثم العمة. وهذا إذا كان كل واحد من هؤلاء مأمونا على الولد، وكان
عنده في حرز وكفاية، فإذا لم يكن كذلك لم يكن له حق في الحضانة، وإنما ينظر في ذلك
إلى من يحوط الصبي ومن يحسن إليه في حفظه وتعلمه الخير.
وهذا على قول من قال إن الحضانة حق الولد، وقد
روى ذلك عن مالك وقال به طائفة من أصحابه، وكذلك لا يرون حضانة لفاجرة ولا لضعيفة
عاجزة عن القيام بحق الصبي لمرض أو زمانة. وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن
مالك أن الحضانة للأم ثم الجدة للأم ثم الخالة ثم الجدة للأب ثم أخت الصبي ثم عمة
الصبي ثم ابنة أخي الصبي ثم الأب.
والجدة للأب أولى من الأخت والأخت أولى من العمة
والعمة أولى ممن بعدها، وأولى من جميع الرجال الأولياء.
وليس لابنة
الخالة ولا لابنة العمة ولا لبنات أخوات الصبي من حضانته شيء. فإذا كان الحاضن لا
يخاف منه على الطفل تضييع أو دخول فساد كان حاضنا له أبدا حتى يبلغ الحلم. وقد
قيل: حتى يثغر، وحتى تتزوج الجارية، إلا أن يريد الأب نقلة سفر وإيطان فيكون حينئذ
أحق بولده من أمه وغيرها إن لم ترد الانتقال. وإن أراد الخروج لتجارة لم يكن له
ذلك. وكذلك أولياء الصبي الذين يكون مآله إذا انتقلوا للاستيطان. وليس للأم أن تنقل
ولدها عن موضع سكنى الأب إلا فيما يقرب نحو المسافة التي لا تقصر فيها الصلاة. ولو
شرط عليها في حين انتقاله عن بلدها أنه لا يترك ولده عندها إلا أن تلتزم نفقته
ومؤونته سنين معلومة فإن التزمت ذلك لزمها: فإن ماتت لم تتبع بذلك ورثتها في
تركتها. وقد قيل: ذلك دين يؤخذ من تركتها، والأول أصح إن شاء الله تعالى، كما لو
مات الوالد أو كما لو صالحها على نفقة الحمل والرضاع فأسقطت لم تتبع بشيء من ذلك
الحادية عشرة:
- إذا تزوجت الأم لم ينزع منها ولدها حتى يدخل
بها زوجها عند مالك.
وقال الشافعي:
إذا نكحت فقد انقطع حقها. فإن طلقها لم يكن لها الرجوع فيه عند مالك في الأشهر
عندنا من مذهبه. وقد ذكر القاضي إسماعيل وذكره ابن خويز منداد أيضا عن مالك أنه
اختلف قوله في ذلك، فقال مرة: يرد إليها. وقال مرة: لا يرد. قال ابن المنذر: فإذا
خرجت الأم عن البلد الذي به ولدها ثم رجعت إليه فهي أحق بولدها في قول الشافعي
وأبي ثور وأصحاب الرأي. وكذلك لو تزوجت ثم طلقت أو توفى عنها زوجها رجعت في حقها
من الولد
الثانية عشر:
- واختلفوا في
الزوجين يفترقان بطلاق والزوجة ذمية، فقالت طائفة: لا فرق بين الذمية والمسلمة وهي
أحق بولدها، هذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي وابن القاسم صاحب مالك. قال ابن المنذر:
وقد روينا حديثا مرفوعا موافقا لهذا القول، وفي إسناده مقال. وفيه قول ثان أن
الولد مع المسلم منهما، هذا قول مالك وسوار وعبدالله بن الحسن، وحكي ذلك عن
الشافعي. وكذلك اختلفوا في الزوجين يفترقان، أحدهما حر والآخر مملوك، فقالت طائفة:
الحر أولى، هذا قول عطاء والثوري والشافعي وأصحاب الرأي.
وقال مالك: في الأب إذا كان حرا وله ولد حر
والأم مملوكة: إن الأم أحق به إلا أن تباع فتنتقل فيكون الأب أحق به
الثالثة عشرة:
- قوله تعالى: { لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ
بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } المعنى: لا تأبى الأم أن
ترضعه إضرارا بأبيه أو تطلب أكثر من أجر مثلها، ولا يحل للأب أن يمنع الأم من ذلك
مع رغبتها في الإرضاع، هذا قول جمهور المفسرين.
وروى يونس عن الحسن قال يقول: لا تضار زوجها،
تقول: لا أرضعه، ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول: أنا أرضعه.
ويحتمل أن يكون
الأصل "تضارر" بكسر الراء الأولى، ورواها أبان عن عاصم، وهي لغة أهل
الحجاز. فـ "والدة" فاعله، ويحتمل أن يكون "تضارر" فـ
"والدة" مفعول ما لم يسم فاعله.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ
"لا تضارر" براءين الأولى مفتوحة.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع "تضار"
بإسكان الراء وتخفيفها.
الرابعة عشر:
- قوله تعالى: { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً }
الضمير في {
أَرَادَا
للوالدين.
و { فِصَالاً } معناه فطاما عن الرضاع، أي عن
الاغتذاء بلبن أمه إلى غيره من الأقوات. والفصال والفصل: الفطام، وأصله التفريق،
فهو تفريق بين الصبي والثدي، ومنه سمي الفصيل، لأنه مفصول عن أمه.
{ عَنْ تَرَاضٍ
مِنْهُمَا } أي قبل الحولين.
{ فَلا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا } أي في فصله، وذلك أن الله سبحانه لما جعل مدة الرضاع حولين بين أن
فطامهما هو الفطام، وفصالهما هو الفصال ليس لأحد عنه منزع، إلا أن يتفق الأبوان
على أقل من ذلك العدد من غير مضارة بالولد، فذلك جائز بهذا البيان.
وقال قتادة: كان
الرضاع واجبا في الحولين وكان يحرم الفطام قبله، ثم خفف وأبيح الرضاع أقل من
الحولين بقوله:
{ فَإِنْ
أَرَادَا فِصَالاً } الآية.
وفي هذا دليل على جواز الاجتهاد في الأحكام
بإباحة الله تعالى للوالدين التشاور فيما يؤدي إلى صلاح الصغير، وذلك موقوف على
غالب ظنونهما لا على الحقيقة واليقين، والتشاور: استحراج الرأي، وكذلك المشاورة،
والمشورة كالمعونة، وشرت العسل:
استخرجته، وشرت
الدابة وشورتها أي أجريتها لاستخراج جريها، والشوار: متاع البيت، لأنه يظهر
للناظر، والشارة: هيئة الرجل، والإشارة: إخراج ما في نفسك وإظهاره.
***************************************************************
الآية الثانية
العــــدة
وأنواعها
{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
ذكر الله تعالى
نوعا من أنواع عدة النساء في هذه الآية وهي عدة المرأة المتوفى عنها زوجها
والعدة لغةً : بكسر العين
معناه الإحصاء ، يقال عددت الشيء عدة : أي أحصيته إحصاء، وقال صاحب المصباح المنير
(2/470 ):" وعدة المرأة أيام أقرائها ،مأخوذ من العد والحساب ، وقيل : تربص
المدة الواجبة عليها
وشرعاً :
اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها ،
أو فراقه لها إما بالولادة أو الأقراء أو الأشهر".( الفتح 9/380 ، النيل
6/387، السبل 3/245 )
حكمها العدة واجبة، والأصل
في وجوبها الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
أما الكتاب :
فقوله تعالى :" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة
قروء ".( البقرة 228 )
وقوله
تعالى:" واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن
ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ، واللائي لم يحضن، وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن
".( الطلاق 4 )
و قوله تعالى
:" والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ".( البقرة 234 )
أما السنة : فما
روته فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها البتة فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم في السكنى والنفقة ، فقالت :" فلم يجعل لي سكنى ،ولا نفقة ، وأمرني أن
أعتد في بيت ابن أم مكتوم ". متفق عليه.
وكذلك ما روته
سبيعة ، وفيه : أن زوجها توفي عنها ، وهي حامل فلما وضعت جاءت تستفتي رسول الله
صلى الله عليه وسلم في عدتها قالت : فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني
بالتزوج إن بدا لي . متفق عليه
أما الإجماع :
فقد أجمع العلماء على وجوب العدة في الجملة ، وإنما اختلفوا في بعض أنواعها . (
المغني 7/448 ، الفقه الإسلامي 7/626 )
الحكمة من وجوب
العدة: لتشريع العدة حكمة تشريع تختلف باختلاف نوعها
وحالة المرأة المعتدة، ففي :
1) الطلاق الرجعي: تمكين الزوج من الرجوع . ( زاد المعاد 5/666
)
2) الطلاق البائن : لإستبراء الرحم . ( الفتح 9/384
)
3)المتوفى زوجها : رعاية حق الزوج ، وإظهارا لفقده. ( الزاد 5/665
) وهذا قول الشافعية، والحنابلة قالوا : المقصود الأعظم من العدة حفظ حق الزوج دون
معرفة البراءة ، ولهذا اعتبرت عدة الوفاة بالأشهر ووجبت العدة على التي لم يدخل
بها زوجها تعبداً مراعاة لحق الزوج . ( مغني المحتاج 3/395 ، كشاف القناع 5/276
)
القاعدة في
أحكام العدة :
كل طلاق أو فسخ
وجب فيه جميع الصداق وجبت العدة ، وحيث سقط الصداق كله أو لم يجب إلا نصفه سقطت
العدة .
مثال الفسخ:
ثبوت الرضاع بين الزوجين أو العيب أو اختلاف الدين. ( الفقه الإسلامي 7/625
).
شروط وأسباب كل
نوع من أنواع العدة:
أولا: عدة
الأقراء:
1) سببها: الفرقة من زواج صحيح, وشرط وجوبها: الدخول بالمرأة في
زواج صحيح عند الأحناف ، والحنابلة، وخالف في هذا الإمام مالك
.
2) أو الفرقة في زواج فاسد بتفريق القاضي أو بالمتاركة، وشرط
الجمهور: الدخول عليها خلافا لمالكية .
3) أو الوطء بشبهة عقد .
فائدة:
اختلف أهل العلم
من الصحابة ومن بعدهم في القُرء، فقال جماعة هو : الحيض ، وهم عمر بن الخطاب وابن
مسعود وعلي ،ونقل عمرو بن دينار هذا عن جماعة من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ،
وهو قول عطاء ، وخالفهم جماعة من السلف فقالوا: القرء
هو الطهر ، وهو
قول زيد بن ثابت وعبدالله بن عمر وأم المؤمنين عائشة وابن عباس ...وسيأتي
ثانيا: عدة
الأشهر: وهي نوعين :
النوع الأول: يجب بدلاً عن
الحيض، والنوع الثاني : يجب أصلاً بنفسه.
فالأول: هي عدة
الصغيرة، والآيسة، وسبب وجوبها: الطلاق ،
وشرط الوجوب
:
1) الصغر أو الكبر أو فقد الحيض.
2) الدخول في نكاح صحيح ، خلا المالكية فلا يشترط عندهم صحة النكاح
.
وأما الثاني: فهي عدة الوفاة
, وسبب وجوبها: وفاة الزوج ،
وشرط الوجوب:
الزواج الصحيح
فقط
.
ثالثا: عدة
الحمل: وهي مدة الحمل، وسببها : الفرقة أو الوفاة ،
وشرطها : أن
يكون الحمل من الزواج الصحيح أو الفاسد . ( الفقه الإسلامي 7/633
)
وقت ابتدأ العدة
وما يعرف به انقضاؤها:
1)إن كان الزواج صحيحا: فمبدأ العدة بعد الطلاق أو الفسخ أو
الموت، فابتداء العدة في الطلاق، ونحوه عقب الطلاق ،وفي الوفاة عقب الوفاة وهذا
بالاتفاق بين الفقهاء، وتنقضي العدة وإن جهلت المرأة بالطلاق أو الوفاة، لأن العدة
أجل، فلا يشترط العلم بمضي الأجل ،فلو طلقها أو مات عنها ولم يبلغها الخبر انقضت
عدتها بالاتفاق .
2) إن كان الزواج فاسدا: فمبدأ العدة بعد أو عقب التفريق من القاضي بين
الزوجين أو بالمتاركة وإظهار عزم الواطئ على ترك وطئها ، وهذا قول جمهور الحنفية
.
3) إن كان الوطء بشبهة : قال ابن عابدين :" لم أرى من صرح بمبدأ
العدة في الوطء بشبهة بلا عقد وينبغي أن يكون من أخر الوطآت عند زوال الشبهة ، بأن
علم أنها غير زوجته ".( حاشية ابن عابدين 3/522) والصحيح في عدة الموطؤة
بنكاح فاسد أو شبهة أن تكون من آخر الوطئات عند زوال الشبهة لعدم العقد فلم يبقى
سبب للعدة إلا الوطء .
( الفقه الإسلامي 7/ 6 )
عدة الحامل
المتوفى عنها زوجها:
1) تنتهي عدة الحامل بوضع الحمل، لحديث أم سلمة
:قالت :"قتل زوج سبيعة الأسلمية، وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخطبت
فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو السنابل فيمن خطبها . متفق عليه
وهذا قول جمهور
الفقهاء من السلف والخلف وأئمة الفتوى في الأمصار، وخالف في ذلك علي بن أبي طالب –
فيما رواه عنه سعيد بن منصور بسند صحيح إليه كما قال الحافظ – قال : تعتد آخر
الأجلين. (الفتح 9/384، شرح مسلم10/109، النيل 6/288)، والمراد بالحمل على أي صفة كان مضغة أو
من علقة سواء استبان الخلق أم لا، وعلى هذا الجمهور . ( الفتح 9/385 ، شرح مسلم
10/109 ، زاد المعاد 5/600 )
2) يجوز العقد عليها إذا وضعت ولو لم تطهر من دم النفاس ، لقوله
صلى الله عليه وسلم عن سبيعة :"إنها حلت حين وضعت " . رواه البخاري ،
وهذا قول الجمهور من الشافعية والحنابلة ومن وافقهم ، غير إنه لا يقربها زوجها حتى
تطهر . ( الفتح 9/385 ، المغني 7/456 )
3) الحامل إذا طلقت ثم توفي زوجها تنقضي عدتها بوضع حملها
لقوله تعالى :"و أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن "..و قد نقل الإجماع
على هذا .
4)إذا كانت المرأة حاملا بإثنين وبقي من حملها شيء في بطنها لم
تضع حملها ولم تنقضي عدتها إلا بوضع الثاني لقوله تعالى :"حتى يضعن حملهن
". وعلى هذا جمهور أهل العلم . ( الزاد 5/600 ، الفقه الإسلامي 7/635 )
5) المرأة التي مات عنها زوجها أو المطلقة إذا شكت في الحمل فلا
تعجل بنكاح حتى تستبين أنه ليس في بطنها ولد، بمعنى حتى تزول الريبة ، وهذا
قول الشافعية والحنابلة ، وقال المالكية تتربص إلى منتهى أمد الحمل وعندهم خمس
سنوات . ( الفقه الإسلامي 7/637 )
المكان التي
تعتد فيه المتوفى عنها زوجها:
عن فريعة بنت
مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها :"امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي
زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله "، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. رواه أبو
داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وإسناده قوي، وصححه الألباني في صحيح أبي داود
برقم 2016( الزاد 5/680 ، النيل 6/299 )
ولقد اختلف في
هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنها تمكث في
المكان الذي أتاها فيه نعي زوجها ، وهو قول عمر وابنه عثمان والقاسم بن محمد وسالم
بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعطاء وابن سيرين ومالك وأبو حنيفة والشافعي
والأوزاعي ، قال ابن عبد البر : وقد قال بحديث فريعة جماعة من فقهاء الأمصار
بالحجاز والعراق والشام ومصر ولم يطعن فيه أحد منهم .
قال الشوكاني :
وحديث فريعة لم يأتي من خالفه بما ينهض لمعارضته فالتمسك به متعين ولا حجة في
أقوال أفراد الصحابة.
ولقد دافع ابن
القيم عن حديث فريعة هذا في زاد المعاد فراجعه . ( النيل 6/300 ، الزاد 5/692
)
القول الثاني: أنها تعتد حيث
شاءت، وهو قول علي وابن عباس وجابر وعائشة فيما صح عنهم عند عبد الرزاق في المصنف
. ( الزاد 5/681-682 ، النيل 6/300 )
ويناقش هذا
القول بما يلي :
1) لا يجوز ترك صحيح السنة لقول صحابي .
2) إن هذا الأمر تلقاه عثمان وأكابر الصحابة بالقبول، ونفذه عثمان
وحكم به .
ويعتذر لهؤلاء
الصحابة أنه لم يبلغهم حديث فريعة ،أو تأوله,أو قام عندهم ما يعارضه. ( الزاد
5/692 )
عدة الموطوءة
بشبهة أو بنكاح فاسد:
تعتد من كان هذا
حالها عدة الأقراء- عدة الموطوءة بنكاح صحيح- لأن المقصود منه براءة الرحم عند
عامة الفقهاء، لأن وطأها كالصحيح في شغل الرحم ، ولحوق النسب. ( المغني 7/470 ،
فتح القدير 4/311 ، المهذب 2/146 )
وذكر ابن قدامة
أنه يجوز لزوج الموطوءة بشبهة أن يستمتع بها فيما دون الفرج كالحائض . ( المغني
7/450 )
عدة الموطوءة
بزنا:
ذهب جمهور
الفقهاء إلى أنه ليس لها عدة ،لان العدة لحفظ النسب والزاني لا نسب له. ( المغني
7/450 ، تكملة المجموع 16/606 ، حاشية ابن عابدين 3/503 )
وعند المالكية
والحنابلة : تلزمها عدة كاملة إما بالأقراء، أو بالأشهر.
( المصادر السابقة ، والفقه الإسلامي 7/625 )
( المصادر السابقة ، والفقه الإسلامي 7/625 )
عدة المرأة غير
المدخول بها:
1) إذا طلقت المرأة قبل أن يدخل عليها زوجها فليس عليها عدة لقوله
تعالى : "يا أيها الذين أمنوا إذا نكحتم المؤمنات
ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها..."
( الأحزاب 49 ) ، ولأن العدة تجب لبراءة الرحم ، ورحمها بريء بيقين فلا يجب عليها
عدة ، ونقل اتفاق الفقهاء على هذا . ( الفتح 9/397 )
2) المرأة التي عقد عليها زوجها ثم مات عنها قبل المسيس ،عليها عدة
الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرا لقوله تعالى :"والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ".(
البقرة 234 )، ولحديث أم حبيبة مرفوعا :"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم
الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ". متفق عليه ،
ولإجماع العلماء على ذلك .
واعلم أن غير
المدخول بها إذا خلا بها الرجل ،أو أرخى عليهما الستر ،وجب لها الصداق كله ،ويجب
عليها العدة ،وهو مذهب أحمد ،ويروى عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر وبه قال
عروة وعلي بن الحسين وعطاء والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي .
المغني ( 7/401 )
وقال بعضهم لها
نصف الصداق ولا عدة عليها إن لم يكن جامعها وهو قول ابن عباس وابن مسعود وطاووس
وشريح والشافعي . سنن البيهقي ( 7/424 ) والأم ( 5/215 (
عدة من لا حيض
لها من النساء:
1) إذا كانت المرأة ممن لا تحيض ولا يحيض مثلها ، كالصغيرة والآيسة
، فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى :"و اللائي يئسن
من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ، واللائي لم يحضن ..".
( الطلاق 4 ) ، وهذا قول جمهور الفقهاء . ( المغني 7/ 458-461 ، بدائع الصنائع
4/1999 ، بداية المجتهد 2/89 ، الزاد 5/659-664 ، الفتح 9/380 )
2) والمعتبر بالأشهر الأهلة، لقوله تعالى :" ويسألونك عن الأهلة فل هي مواقيت للناس والحج ".(
البقرة 189 )
3) وإن وقع الطلاق أثناء الشهر اعتدت بقيته ثم اعتدت شهرين بالأهلة
ثم اعتدت من الشهر الثالث تمام ثلاثين يوما . ( أحكام الأسرة 2/205 للقليصي
)
4) إذا بلغت المرأة سنا تحيض فيه في الغالب كخمس عشر سنة ولم تحض
اعتدت بثلاثة أشهر . ( أحكام الأسرة 2/205 للقليصي )
5) اختلف الفقهاء في تقدير سن اليأس ، فقال الحنفية :خمس وخمسين
سنة ، وقال المالكية : سبعين سنة ، وقال الشافعية : اثنين وستين سنة ، وقال
الحنابلة :
خمسين سنة ، واختار ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أنه
يختلف باختلاف النساء وليس له حد يتفق فيه النساء . راجع مذاهب الفقهاء في تقدير سن اليأس في الفقه
الإسلامي 7/ ، وانظر زاد المعاد 5/658
عدة المختلعة
:
ذهب عثمان بن
عفان وابن عمر إلى أن المختلعة تعتد بحيضة ،ويؤيده حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء
في سنن النسائي[ جزء 6 - صفحة 186 ] 3497: أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر
يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال له خذ الذي لها عليك
وخل سبيلها قال نعم فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة
فتلحق بأهلها . قال الشيخ الألباني : صحيح
وخالف هذا ابن
المسيب وعروة بن الزبير والشعبي والزهري فقالوا: عدتها عدة المطلقة
.
راجع جامع أحكام
الطلاق ص 248 لعمرو سليم
الانتقال من
الأشهر إلى الأقراء
إذا اعتدت
الصغيرة أو البالغ التي لم تحض بالأشهر ثم حاضت قبل انتهاء عدتها فإنه يلزمها
استئناف العدة بالأقراء ولو حاضت قبل الانتهاء بساعة وهذا قول جمهور الفقهاء وعليه
اتفاقهم ، وإنما اختلفوا في معنى القرؤ، هل هو الحيض أم هو الطهر ؟ فذهب المالكية
والشافعية إلى أنه الطهر، وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه الحيض، والصحيح القول
الأخير ، والله أعلم وفيه بحث يطول به المقام . ( المغني 7/465 ، المهذب 2/145 ،
الفقه الإسلامي 7/644 )
فإذا انقضت
عدتها بالأشهر ثم حاضت لم يلزمها الاستئناف لأن المقصود فد حصل بالبدل فلا يبطل
حكمه . ( الفقه الإسلامي 7/645 )
فائدة:
إذا طلقت المرأة
في حيضها ،فقد ذهب جماعة كبيرة من السلف إلى أنه لا يُعتد بهذه الحيضة وهو قول ابن
عمر وسعيد بن المسيب وابن سيرين والزهري وعطاء ، والنفساء حكمها حكم الحائض إن
طلقت في نفسها لم تعتد به . راجع جامع أحكام الطلاق ص 245 لعمرو سليم
الانتقال من
الأقراء إلى الأشهر
1) إذا مات زوج المطلقة الرجعية فإنها تلغي ما كانت احتسبته من
أيام ثم تبدأ في عدة الوفاة من جديد لأنها زوجة له ، وهذا قول ابن قدامة وابن
المنذر والقرطبي . ( الفقه الإسلامي 7/ 646 )
2) إذا مات زوج المطلقة البائن فإنها تمضي في عدة الطلاق ولا حداد
عليها . إلا إذا طلقها في مرض الموت فإنها تعتد بأبعد الأجلين من عدة الوفاة أو
ثلاثة قرؤ وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة ، وقال الشافعية: تبني على عدة
الطلاق ولا فرق بين مرض الموت وغيره . ( المغني 7/471 ، مغني المحتاج 3/396 ،
الفقه الإسلامي 7/ 647 )
3) إذا حاضت حيضة أو حيضتين ثم صارت من الآسيات فتنتقل عدتها من
الحيض إلى الأشهر
لقوله تعالى :" واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر .." (الطلاق 4 ) ، وإذا كانت تحيض ثم ارتفع الحيض ولا تدري ما رفعه فعند الحنفية والشافعية لا تعتد بالأشهر حتى تبلغ سن اليأس ثم تعتد بالأشهر ، وعند المالكية والحنابلة تعتد سنة : تسعة أشهر من وقت الطلاق ثم بعده ثلاثة أشهر عملاً بقول عمر بن الخطاب ، وهذا الأخير هو الراجح .
لقوله تعالى :" واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر .." (الطلاق 4 ) ، وإذا كانت تحيض ثم ارتفع الحيض ولا تدري ما رفعه فعند الحنفية والشافعية لا تعتد بالأشهر حتى تبلغ سن اليأس ثم تعتد بالأشهر ، وعند المالكية والحنابلة تعتد سنة : تسعة أشهر من وقت الطلاق ثم بعده ثلاثة أشهر عملاً بقول عمر بن الخطاب ، وهذا الأخير هو الراجح .
( الزاد 5/659 ، الفقه الإسلامي
7/645 )
4- المعتدة من طلاق إذا
ظهر بها حمل من الزواج تعتد بوضع الحمل . ( الفقه الإسلامي 7/ 645 )
عدة من ارتفع
حيضها
أن يرتفع لعارض
معروف كمرض أو رضاع ، فتنتظر حتى يعود الدم ، فتعتد بالأقراء وإن طالت المدة . (
المغني 7/465 )
1) أن يرتفع بسب غير معروف (و تسمى عدة المرتابة ) : فتمكث تسعة
أشهر من انقطاع حيضها ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة اشهر كالصغيرة ة الآيسة ، وقد نقل
هذا القول عن جمع من الصحابة وهو مذهب المالكية ،والحنابلة ، وقول عند الشافعية ،
وذهب الحنفية والشافعية إلى أنها تبقى أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن من لا تحيض ثم
تعتد بثلاثة أشهر . ( الزاد 5/656 ، الفقه الإسلامي 7/ 642 )
أحكام العدد:
1)
تحريم الخطبة :
لقوله تعالى :"
ولكن لا تواعدهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا "
.( البقرة 235 )
قال القرطبي :
"سرا" قيل : النكاح أي لا يقل الرجل لهذه المعتدة :تزوجيني، ولا يأخذ
ميثاقها وعهدها أن لا تنكح غيره في استسرار وخفية هذا قول ابن عباس ومالك وجمهور
أهل العلم ، وقال الطبري :معناه الزنا ، وقال الشافعي معناه الجماع . ( جامع أحكام
القرآن 3/ 178 )
2) تحريم الزواج : لقوله تعالى:" ولا تعزموا عقدة النكاح
حتى يبلغ الكتاب أجله"( البقرة 235 )
قال القرطبي :
حرم الله عقد النكاح في العدة وهذا من المحكم المجمع على تأوله ، وإن بلوغ أجله
انقضاء العدة .
ولو تزوج في
العدة عالما بالتحريم فإنه يتأبد تحريمه عند الحنابلة والمشهور من مذهب مالك ،
وعند الحنفية والشافعية أنه زان عليه الحد ولا يلحق به الولد وله أن يتزوجها بعد
العدة .
3) حرمة الخروج من البيت : لحديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال :
طُلِّقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ
تَخْرُجَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَلَى
فَجُدِّي نَخْلَكِ فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا .
رواه مسلم وأحمد( صحيح مسلم رقم 1483 الطلاق/ باب جواز خروج المعتدة البائن
والمتوفى زوجها ، المسند برقم 14035 ، وأبو داود برقم 2297، النسائي برقم 3550 ،
وابن ماجه برقم 2034 )، قال الشوكاني: ظاهره يدل على أنه يجوز لها الخروج لتلك
الحاجة وما يشابهها بالقياس وقد بوب الإمام النووي لهذا الحديث في شرحه لصحيح مسلم
فقال :باب جواز خروج المعتدة البائن والمتوفى عنها زوجها في النهار لحاجتها ،وقد ذهب
إلى ذلك علي بن أبي طالب من الصحابة ،وهو قول أبي حنيفة ، وهو أيضا قول عند
الشافعية ، ويدل على اعتبار الغرض الديني أو الدنيوي تعليله صلى الله عليه وسلم
بالصدقة أو فعل الخير ولا معارضة بين هذا الحديث وبين قوله تعالى :"لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن "، بل الحديث
مخصص لذلك العموم المشعور به من النهي فلا يجوز الخروج إلا للحاجة لغرض من الأغراض
، هذا هو القول الأول في المسألة
وأما القول
الثاني:
فهو قول الثوري والليث ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم أنه يجوز لها الخروج في النهار
مطلقا وتمسكوا بظاهر الحديث وليس فيه ما يدل على اعتبار الحاجة وغايته اعتبار أن
يكون الخروج لقربة من القرب كما يدل على ذلك آخر الحديث ، ومما يؤيد مطلق الجواز
في النهار القياس على المتوفى عنها زوجها . ( النيل 6/298 ، الفقه الإسلامي 7/656
)
النفقة والسكنى
اتفق الفقهاء
على أن المعتدة إذا كانت عدتها من طلاق رجعي فإن لها النفقة والسكنى لأن الزوجية
باقية ،لحديث فاطمة بنت قيس مرفوعا :"إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كانت
لزوجها عليها رجعة ". رواه النسائي بسند ضعيف وله طرق متعددة ، وقد نقل ابن
القيم الاتفاق في هذه المسألة. (الزاد 5/674 ).
أما إذا كانت
حاملا وجبت لها النفقة لقوله تعالى: "وإن كن
أولات حملن فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن "، ولحديث فاطمة بنت قيس
أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها :" لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا
". رواه أبو داود والنسائي ( سنن أبي داود برقم 2290، وسنن النسائي برقم 3222و3552 ).، وهذا قول
علي وأبي هريرة وابن مسعود ، وعند الشافعية لا نفقة لها . ( شرح مسلم 10/96 ،
النيل 6/300 )
أما إذا كانت
معتدة لوفاة زوجها ففي السكنى لها خلاف ، فمنهم من قال بوجوب السكنى لها ، وهذا
قول ابن عمر وأم سلمة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد ، ومنهم من قال بعدم وجوب
السكنى لها وهذا قول عمر وعلي وابن مسعود وعائشة وأبي حنيفة .أما النفقة فقد قال
بوجوب النفقة عليها ابن عمر ، وذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم وجوب
النفقة عليها ،
قال الشوكاني : إذا تقرر
هذا علمت أنه لم يكن في القرآن ما يدل على وجوب النفقة أو السكنى للمتوفى عنها كما
علمت أن السنة قاضية بعدم الوجوب . ( النيل 6/301 )
أما إذا كانت
معتدة من طلاق بائن، فقد قال المالكية والشافعية أن لها السكنى واستدلوا بقوله
تعالى :"أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم "
، ولإسقاط النفقة استدلوا بمفهوم قوله تعالى :"وإن
كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن". فإن مفهومه أن غير
الحامل لا نفقة لها وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى ، وقالوا أن السكنى بعد
البينونة حق لله تعالى .
وقال الأحناف لها النفقة
والكسوة والسكنى لقوله تعالى :"لا تخرجوهن من بيوتهن ". وهذا قول عمر
وابن عبد العزيز، وقال الحنابلة والظاهرية أن لا سكنى لها ولا نفقة ، لحديث فاطمة
بنت قيس عند مسلم لما طلقت ثلاثا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :"
ليس لك نفقة ولا سكنى ".وهذا قول إسحاق وابو ثور ، قال الشوكاني :"و
أرجح هذه الأقوال – قول الحنابلة – لما في الباب من النص الصريح الصحيح ".(
المحلى 11/701-704 ، النيل 6/300 ).
****************************************************************
الإحداد
:
تعريف الإحداد لغة ً: المنع ، وسميت العقوبة حدا ً لأنها تمنع من المعصية .
تعريف الإحداد لغة ً: المنع ، وسميت العقوبة حدا ً لأنها تمنع من المعصية .
شرعا ً: ترك الزينة
والطيب ونحوها مما يكون من دواعي الجماع ، أو المرغبات في الخطبة وذلك إذا مات للمرأة
ميت
.
أو: منع المعتدة
نفسها الزينة وبدنها الطيب ومنع الخطّاب خطبتها والطمع فيها . ( الفتح 3/175 ،
9/395 ، شرح مسلم 10/111 )
حكمه: الإحداد
واجب ، والأصل في وجوبه الكتاب والسنة
،واتفاق علماء أهل السنة.
فأما الكتاب :
قال الله تعالى :" والذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا ً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ً ". البقرة 234
وأما السنة: قال
عليه الصلاة والسلام :" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على
ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ً ". متفق عليه عن أم حبيبة
، وجاء من حديث أم سلمة أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن ابنتها
مات عنها زوجها واشتكت عينها فقالت : أفنكحها ، فقال عليه الصلاة والسلام :"
لا " مرتين أو ثلاثا ً :" إنما هي أربعة أشهر وعشرا ً". متفق عليه
.
ونقل الاتفاق
على وجوبه ( المغني 7/572 ، البدائع 4/2036 ، تكملة المجموع 17/22 )
، ونقل عن
الحسن البصري والشعبي أنهما لا يقولان بوجوب الإحداد ، قال أحمد : ما كان بالعراق
أشد تبحرا ً من هذين وخفي ذلك عليهما
".
الحكمة من وجوب
الإحداد:
قال النووي :" والحكمة من وجوب الإحداد في عدة الوفاة دون الطلاق لأن الزينة
والطيب يدعوان إلى النكاح ويوقعان فيه فنهيت عنه ليكون الإمتناع من ذلك زاجرا ً عن
النكاح لكون الزوج ميتا ً لا يمنع معتدته من النكاح ولا يراعيه ناكحها ولا يخاف
منه بخلاف المطلق الحي فإنه يَستغنى بوجوده عن زاجر آخر ". ( شرح مسلم 10/113
) قال ابن القيم :" الإحداد تابع للعدة بالشهور ، أما الحامل فإذا انقضى
حملها سقط وجوب الإحداد عنها اتفاقا ً ". ( الزاد 5/697 )
مدة الإحداد:
هي أربعة أشهر
قمرية وعشرة أيام بلياليها من تاريخ الوفاة ، فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشر
، وهذا قول جمهور الفقهاء . ( الفتح 9/397 ، شرح مسلم 10/112 ).
على من يجب:
يجب الإحداد على
الزوجة المدخول بها ، وعلى الكبيرة والصغيرة وكذلك الحرة والحامل حتى تضع حملها ،
هذا قول الجمهور
خلافاً للحنفية( الفتح 9/396 والأمة وأم الولد لا يجب عليها إحداد لأنهما ليسا
بزوجين ( شرح مسلم 10/112
،أما الصغيرة فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الإحداد عليها،
والقيد الوارد في الحديث بقوله :" امرأة " خرج مخرج الغالب ، وبه استدل
الحنفية فلم يوجبوه على الصغيرة ، والصحيح قول الجمهور . ( الفتح 9/ 395-396 )
وأما الكتابية فقد ذهب
الجمهور أيضاً إلى وجوب الإحداد عليها لعموم حديث أم سلمة ، وقوله عليه الصلاة
والسلام :" تؤمن بالله واليوم الآخر " يحمل على أن المتصف به هو الذي
ينقاد إلى للشرع هذا أولاً، وثانياً لتعلق حق الزوج عليها ، وخالف الحنفية وبعض
المالكية قول الجمهور وقالوا : لا إحداد على الذمية للتقييد بالإيمان ، وأجيب : بأنه
ذكر تأكيداً للمبالغة في الزجر
. ( الفتح 9/ 396
)
جوازه الإحداد
على غير الزوج ثلاث ليال:
يجوز للمرأة أن
تحد على أحد من قريب أو أجنبي غير الزوج ولكن يحرم عليها أن تزيد فوق ثلاث ، وكأن
هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية ( الفتح 9/397 ) ودليل
هذا حديث أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا يحل لامرأة تؤمن
بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً
". متفق عليه ،
واستشكل بأن الاستثناء وقع
بعد النفي فيدل على الحل فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب ، وأجيب : بأن الوجوب
استفيد من دليل آخر كالإجماع . ( الفتح 9/395 )
الإحداد عن
المفقود :
لا تحد المرأة
المفقود زوجها لأنه لم يتحقق وفاته ، وفي الحديث :" أن تحد على ميت فوق ثلاث..."،
******************************************************************
: الآية الثالثة
أحكام الخطبة
قوله تعالى: ﴿ وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ
خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ
سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَ أَنْ تَقُولُوا
قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ
أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾
الحكم الأصلي
للخطبة:
اختلف العلماء
في الحكم الأصلي للخطبة على قولين:
القول الأول: أن الأصل في
حكم الخطبة هو الاستحباب وهو مذهب جمهور العلماء، بل صرح ابن قدامة إلى أنها غير
واجبة عند أحد من أهل العلم علمناه إلا داود، ومن الأدلة على ذلك:
أنه فعل النبي -
صلى الله عليه وسلم - فقد خطب - صلى الله عليه وسلم - عائشة بنت أبي بكر الصديق
وحفصة بنت عمر.
أن رجلا قال
للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله { زوجنيها. فقال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -زوجتكها بما معك من القرآن} فلم يذكر خطبة فدل ذلك على جواز التزويج
بدون خطبة.
خطب إلى عمر -
رضي الله عنه - مولاة له , فما زاد على أن قال: قد أنكحناك على ما أمر الله
, على إمساك بمعروف , أو تسريح بإحسان، ولم يذكر خطبة في ذلك.
عن رجل من بني
سليم , قال: {خطبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- أمامة بنت عبد المطلب
, فأنكحني من غير أن يتشهد}
قال ابن القيم
:(وفيه أنه لا يشترط في صحة العقد تقدم الخطبة إذا لم يقع في شيء من طرق هذا
الحديث وقوع حمد ولا تشهد ولا غيرهما من أركان الخطبة).
أنه عقد معاوضة
, فلم تجب فيه الخطبة كالبيع.
القول الثاني: الوجوب، وهو
قول داود الظاهري على ما ذكره الناقلون عنه، وربما استدل بما يدل على الاستحباب
على القول بالوجوب، فقد قال في المغني :(وما استدلوا به يدل على عدم الكمال بدون
الخطبة , لا على الوجوب)
وقال ابن القيم
:( ووافقهم من الشافعية أبو عوانة فترجم في صحيحه باب وجوب الخطبة عند العقد).
الترجيح:
نرى أن الأرجح
في المسألة هو أن الخطبة سنة كما دل على ذلك النصوص، وسنيتها تتحقق فيما لو علم
الولي مثلا قبول موليته الزواج بمن تقدم إليها، أو كانت حاضرة وعلم رأيها، فتتحول
بالتالي نفس الخطبة عقدا، ولكن في حال عدم العلم، أو الحاجة إلى الاستئذان، وهو
الأعم الأغلب، تتحول الخطبة إلى حكم الوجوب تفريقا بينها وبين العقد الشرعي، وهذا
الوجوب، وإن لم تقتضه النصوص، ولكنه وسيلة الواجب، ووسيلة الواجب واجبة، والواجب
هنا هو الاستئذان والاستئمار والتحري، وكل هذه الواجبات تقتضي التمهل قبل عقد
العقد الشرعي، وبالتالي تقتضي الخطبة.
وهذا الترجيح
على مقتضى ما ذكرنا في قيود الخطبة من أنها مجرد التماس النكاح، لا ما يقال من خطب
ويعقد من اجتماعات.
الأحكام العارضة
للخطبة:
يعرض للخطبة
الأحكام الشرعية الأخرى، لأن حكم الوسيلة تابع لحكم المقصد، فتكره ممن يكره له
النكاح، وتحرم ممن يحرم عليه، وسنذكر هنا بعض أحكامها العارضة:
الخطبة المباحة:1
اتفق الفقهاء
على أن المرأة التي تجوز خطبتها هي المرأة التي لم يقم بها أي مانع من موانع
الزواج الآتي ذكرها، واتفقوا على أنه يجوز خطبتها تصريحا وتعريضا.
الخطبة المحرمة
:2
وسبب تحريمها
ثلاثة أمور:
أمر قائم
بالخاطب:أ
وهو حرمة الزواج
عليه كما سنذكر في موانع الزواج، فمن حرم عليه الزواج حرمت عليه الخطبة لكونها
طلبا لما يحرم وللوسائل حكم الغايات، ولكن بعض الفقهاء ذهب إلى إباحة ذلك، ولسنا
ندري وجه استدلاله على ذلك.
أمر قائم
بالمخطوبة :ب
وهي خطبة المرأة
لتي قام بها مانع من الموانع التي تمنعها من الزواج والتي سنفصل الكلام عليها بإذن
الله في موانع الزواج، ولكنا نقتصر هنا على أمرين لهما علاقة بالخطبة المحرمة،
وهما:
خطبة المرأة في
حال عدتها:
اتفق الفقهاء
على ثلاثة أحكام تتعلق بعدة المرأة هي:
تحريم خطبة
المرأة المعتدة تصريحا مهما كان نوع عدتها.
تحريم خطبة
المرأة المعتدة من طلاق رجعي تصريحا وتعريضا.
جواز خطبة
المعتدة من وفاة زوجها تعريضا.
والدليل على ذلك
كله هو قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *
وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ
أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ
وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلا
تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ
الْكِتَابُ
أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾
(البقرة: 234 -235)
فهذا النص
الكريم يبين عدة المتوفى عنها زوجها، والأحكام المتصلة بها، ورفع الجناح عن
التعريض بخطبتها في العدة، ونهى عن المواعدة بالنكاح، وهو الخطبة الصريحة، ثم نهى
عن العقد عليها حتى تنتهي عدتها، والمراد بالنساء هن المتوفى عنهن أزواجهن بدليل
سياق الكلام فيقتصر الاستثناء على موضعه.
وقد ذكر الفقهاء
السر في إباحة التعريض بأن الزوجية قد انقطعت بالوفاة، ولا أمل في عودتهما فليس
هنا زوج يتضرر من هذا التعريض، وقد يكون في ذلك عزاء لهذه المرأة التي فقدت
عائلها، فلا ينقطع أملها في الحياة الكريمة في ظل زوج كريم، أما منع التصريح
فمراعاة لجانب المرأة من ناحية أخرى، وهو إحدادها على زوجها، فلو أبيح التصريح
لحمل المرأة على التزين وترك الإحداد، على أن الزوج لا يعدم أن يكون له أقارب
يلحقهم الأذى بهذا التصريح.
وقد اختلف
الفقهاء فيمن لم تبق تحت عصمة زوجها بالطلاق البائن أو الفسخ هل يجوز خطبتها
تعريضا أم لا على قولين:
القول الأول: أن المعتدة من
طلاق بائن بينونة صغرى لا تجوز خطبتها، لا تصريحاً ولا تعريضاً، وهو قول الحنفية،
ومن أدلتهم على ذلك:
أن التعريض
للمطلقة اكتساب عداوة وبغض فيما بينها وبين زوجها، إذ العدة من حقه بدليل أنه إذا
لم يدخل بها لا تجب العدة , ومعنى العداوة لا يتقدر بينها وبين الميت ولا بينها
وبين ورثته أيضا، لأن العدة في المتوفى عنها زوجها ليست لحق الزوج بدليل أنها تجب
قبل الدخول بها فلا يكون التعريض في هذه العدة تسبيبا إلى العداوة والبغض بينها
وبين ورثة المتوفى فلم يكن بها بأس.
أنه لا يجوز
للمعتدة من طلاق الخروج من منزلها أصلا بالليل ولا بالنهار فلا يمكن التعريض على
وجه لا يقف عليه الناس والإظهار بذلك بالحضور إلى بيت زوجها قبيح. وأما المتوفى
عنها زوجها فيباح لها الخروج نهارا فيمكن التعريض على وجه لا يقف عليه سواها.
أن الطلاق
البائن مع قطعه لرباط الزوجية إلا أن بعض آثاره باقية، وذلك كافٍ في منع خطبتها
لئلا يؤدي ذلك إلى إثارة النزاع بين مطلقها وبين من خطبها.
أن إباحة خطبتها
قد يحملها على ارتكاب محظور إذا رغبت في زواج من خطبها، فتقر بانقضاء عدتها في مدة
زاعمة أنها حاضت فيها ثلاث حيضات، وتصدق في ذلك الإقرار، لأنه أمر لا يعلم إلا من
جهتها وليس لأحد سلطان عليها، بخلاف المتوفى عنها زوجها فإن جواز التعريض في حقها
لا يؤدي إلى هذا المحظور حيث تعتد بوضع الحمل إن كانت حاملا أو بأربعة أشهر وعشرة
أيام إن لم تكن حاملاً.
القول الثاني: أنه يجوز
التعريض بخطبة المرأة المعتدة غير الرجعية، كأن تكون معتدة عن وفاة، أو شبهة، أو
فراق بائن بطلاق، أو فسخ، وحكم جواب المرأة تصريحا وتعريضا حكم الرجل في ذلك، وهو
قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:
قوله تعالى: ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ
خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ
سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا
قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ
الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ
فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾(البقرة:235)﴾
ومع ورود الآية في عدة الوفاة إلا أنها تشمل كل ما يشابهه من أنواع الفراق.
لانقطاع سلطة
الزوج عليها فهي في جميع تلك الأحوال ليس لها زوج، وإنما منع التصريح لها بالخطبة
مع ذلك لأنه إذا صرح تحققت رغبته فيها فربما تكذب في انقضاء العدة.
أنه لا يجوز
خطبتها تصريحاً مراعاة لجانب الزوج المطلق، لأنها معتدة منه، وقد يثور النزاع بينه
وبين من خطبها، أما خطبتها بطريق التعريض فلانقطاع الزوجية بالطلاق البائن، وهو
كاف في جواز التعريض الذي لا يثير النزاع بينه وبين مطلقها.
الترجيح:
نرى أن الأرجح
في المسألة والأوفق بمقاصد الشريعة هو النظر في المصالح والمفاسد المترتبة عن كلا
الأمرين، فإن رأى أن في التعريض أذية للزوج أو الزوجة كف عنه إلا إذا خشي أن يسبقه
إليها غيره، فيجوز، لأن الأمر حينذاك أهم من مراعاة المشاعر التي قد تكون متوهمة
والدليل عليها هو الفراق الحاصل بين الزوجين.
أما إن كان
الأذى من جهة الزوج فقط، فإن أولى الأقوال هو القول الثاني، لأن الزوج قد انقطعت
صلته بزوجته، وقد كان سببا أو محلا لقطعها، فلذلك لا يصح مراعاة شعوره، ونسيان
شعور المرأة، وهي المتضررة في أغلب الأحوال، بل قد تكون حالتها تستدعي هذا التعريض.
خطبة المعتدة من
نكاح فاسد أو المستبرأة:
اختلف الفقهاء
في حكم التعريض بخطبة المعتدة من نكاح فاسد وفسخ وشبههما
كالمعتدة من لعان أو ردة , أو المستبرأة من الزنى , أو
التفريق لعيب أو عنة على قولين:
القول الأول: جواز التعريض
لهن، وهو قول جمهور المالكية والشافعية والحنابلة وجمهور الحنفية أخذا بعموم الآية
وقياسا على المطلقة ثلاثا , وأن سلطة الزوج قد انقطعت.
القول الثاني: أن التعريض
يختلف حكمه بحسب ما يترتب عليه , فإن كان يؤدي إلى عداوة المطلق فهو حرام , وإلا
فلا، وهو قول بعض الحنفية.
الترجيح:
نرى أن الأرجح
في المسألة هو ما ذكرناه في المسألة السابقة من اعتبار المصالح والمفاسد المنجرة
عن الخطبة مع مراعاة مصلحة المرأة في ذلك قبل مصلحة الرجل، وقد يمكن بصنوف الحيلة
الجمع بينهما، وهو أولى، فهذا هو باب الحيل المشروعة التي لا تحلل الحرام، وإنما
تيسر أبواب الحلال، وسنرى نماذج كثيرة لها في محلها.
الفرق بين
التصريح والتعريض بالخطبة:
التصريح في
الخطبة :
هو ما يقطع بالرغبة في الزواج، كقوله: أريد أن أتزوجك أو إذا انقضت عدتك تزوجتك.
ولا فرق في ذلك بين الحقيقة والمجاز والكناية
كقوله :
(أريد أن أنفق عليك نفقة الزوجات) فكل من الثلاثة إن أفاد القطع
بالرغبة في النكاح فهو تصريح ،أو مجرد الاحتمال لها فتعريض.
التعريض
بالخطبة:
هو ما يحتمل الرغبة في الزواج وغيره من الأقوال والأفعال، ومن الأمثلة التي ذكرها
الفقهاء لذلك
الأقوال:
وهي أن يقول
الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، وإن
الله لسائق إليك خيرا ورزقا وإنك لنافقة , وإنك لإلى خير , وإني بك لمعجب , وإني
لك لمحب , وإن يقدر أمر يكن ونحو هذا من القول.
الأفعال:
كأن يهدي إليها
الهدية، وفيما رواه ابن حبيب عن مالك قال :(ولا أحب أن يفتي به إلا من تحجزه
التقوى عما وراءه، ووجه ذلك أنه ليس في الهداية تصريح بالنكاح ولا مواعدة وإنما
فيه إظهار المودة كقوله: إني فيك لراغب وإني عليك لحريص)
حكم جواب الخطبة:
نص الفقهاء على
أن حكم جواب المرأة أو وليها للخاطب كحكم خطبة هذا الخاطب حلا وحرمة , فيحل
للمتوفى عنها زوجها المعتدة أن تجيب من عرض بخطبتها بتعريض أيضا , ويحرم عليها
وعلى كل معتدة التصريح بالجواب - لغير صاحب العدة الذي يحل له نكاحها - وكذلك
الحكم في بقية المعتدات كما مر سابقا.
خطبة المرأة
المخطوبة:
اتفق الفقهاء
على أن الخطبة على الخطبة حرام إذا حصل الركون إلى الخاطب الأول,
لما روى عبد
الله بن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال
:(لا يخطب
الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب).
قال ابن عبد
البر :(هذا حديث صحيح ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم–
وروى عن أبي هريرة من وجوه ورواه أيضا ابن عمر عن النبي
- صلى الله عليه وسلم -، والمعنى فيه عند أهل العلم بالحديث أن الخاطب إذا
ركن إليه وقرب أمره ومالت النفوس بعضها إلى بعض في ذلك وذكر الصداق ونحو ذلك لم
يجز لأحد حينئذ الخطبة على رجل قد تناهت حاله وبلغت ما وصفنا)،
واستدل لذلك بأن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - خطب لأسامة بن زيد فاطمة بنت قيس إذ أخبرته أن معاوية وأبا جهم
خطباها، ولم ينكر أيضا خطبة واحد منهما، وخطبها على خطبتهما إذ لم يكن من فاطمة
ركون وميل.
وهذا النهي يجري
مجرى قوله - صلى الله عليه وسلم - :(لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يسوم أحدكم على
سوم)؛ ولأن فيها إيذاء وجفاء وخيانة وإفسادا على الخاطب الأول , وإيقاعا للعداوة
بين الناس، وقد حكى النووي الإجماع على أن النهي في الحديث للتحريم، ومع ذلك فقد
اختلف في بعض المسائل المتعلقة بهذا الباب، ومنها:
محل تحريم الخطبة
على الخطبة :
اختلف الفقهاء
في محل تحريم الخطبة على الخطبة على الأقوال التالية:
القول الأول: أنه يشترط
للتحريم أن يكون الخاطب الأول قد أجيب، ولم يترك ولم يعرض، ولم يأذن للخاطب الثاني
, وعلم الخاطب الثاني بخطبة الأول وإجابته، وهو قول الشافعية والحنابلة، وهو قريب
من قول ابن حزم، فقد قال :(ولا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة مسلم سواء ركنا وتقاربا
أو لم يكن شيء من ذلك، إلا أن يكون أفضل لها في دينه وحسن صحبته، فله حينئذ
أن يخطب على خطبة غيره ممن هو دونه في الدين وجميل الصحبة، أو إلا أن يأذن له
الخاطب الأول في أن يخطبها فيجوز له أن يخطبها حينئذ، أو إلا أن يدفع الخاطب الأول
الخطبة فيكون لغيره أن يخطبها حينئذ، أو إلا أن ترده المخطوبة فلغيره أن يخطبها
حينئذ وإلا فلا).
القول الثاني: يشترط لتحريم
الخطبة على الخطبة ركون المرأة المخطوبة أو وليها,
ووقوع الرضا
بخطبة الخاطب الأول غير الفاسق ولو لم يقدر صداق, وهو قول المالكية.
الترجيح:
نرى أن الأرجح
في المسألة هو الجمع بين النظر إلى مصلحة المخطوبة مع مصلحة الخاطب من تلك الزيجة،
فإن تعارضا قدمت مصلحة المخطوبة، وذلك لأن النبي
صلى الله عليه
وسلم - نهى عن الخطبة على الخطبة رعاية لمصلحة الخاطب، ودلت أفعاله على جواز بعض
مواضعها لأن مصلحة المخطوبة اقتضتها، مع كون ذلك قد يضر الخاطب، فدل بفعله - صلى
الله عليه وسلم - على ترجيح جانب المخطوبة على جانب الخاطب.
وهذا الترجيح لا
يتطلب النظر في الناحية الدينية فقط، بل قد يرجع لنواح تتعلق بها سعادة الزوجين
واستقرارهما كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت قيس، ولكن المرجع في هذا
لا ينبغي أن يكون الهوى والحكم المجرد عن الدليل، بل يجب أن يكون الشرع المؤيد
بالنظر الصحيح.
الخطبة على خطبة
الكافر:
اختلف الفقهاء
في جواز الخطبة على خطبة الكافر المحترم، أي غير الحربي أو المرتد، وذلك بأن يخطب
ذمي كتابية ويجاب ثم يخطبها مسلم، على قولين:
القول الأول: أن الخطبة على
خطبة الكافر حرام، وهو قول المالكية والشافعية، واستدلوا على ذلك بما يلي:
ما في الخطبة
الثانية من الإيذاء للخاطب الأول، ولو كان كافرا.
أن ذكر لفظ الأخ
في بعض روايات الحديث :(لا يخطب الرجل على خطبة أخيه)خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
أن الفاسق لا
يشبه الكافر عند المالكية، لأن الفاسق لا يقر شرعا على فسقه , فتجوز الخطبة على خطبته بخلاف الذمي فإنه في حالة يقر عليها بالجزية.
القول الثاني: لا تحرم الخطبة
على خطبة كافر، وهو قول الحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:
مفهوم قوله -
صلى الله عليه وسلم - :(على خطبة أخيه)
أن النهي خاص
بالمسلم وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله , وليس الذمي كالمسلم , ولا حرمته
كحرمته.
الترجيح:
نرى أن الأرجح
في المسألة هو ما ذكرنا سابقا من النظر إلى مصلحة المخطوبة قبل النظر إلى مصلحة
الخاطب، وتطبيق ذلك الضابط عل هذه الحالة أن ينظر إمكان إسلام تلك الكتابية إن هو
تزوجها، فإن جاز ذلك له، كان في ذلك مصلحتها التي لا يمكن وصفها، ويكون بذلك قد
قدم لها خدمة عظيمة، أما إن لم يتيقن ذلك، أو لم يكن ذلك في نيته، فالأولى هو ما
قاله أصحاب القول الأول أخذا للحديث بعمومه، خاصة وأن الشرع قد طالب بتأليف قلوب
أهل الذمة، وفي الخطبة على خطبتهم ما قد يفسد قلوبهم.
العقد بعد
الخطبة المحرمة :
اختلف الفقهاء
في حكم عقد النكاح على امرأة تحرم خطبتها على العاقد كالخطبة على الخطبة ,
وكالخطبة المحرمة في العدة تصريحا أو تعريضا على قولين:
القول الأول: أن عقد النكاح
على من تحرم خطبتها كعقد الخاطب الثاني على المخطوبة ,
وكعقد الخاطب في
العدة على المعتدة بعد انقضاء عدتها يكون صحيحا مع الحرمة، وهو قول الجمهور، واستدلوا
على ذلك بما يلي:
أن الخطبة
المحرمة لا تقارن العقد فلم تؤثر فيه.
أنها ليست شرطا
في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة.
القول الثاني: أن عقد الخاطب
الثاني على المخطوبة يفسخ حال خطبة الأول بطلاق
,
وجوبا لحق الله تعالى وإن لم يطلبه الخاطب الأول ,
وظاهره وإن لم يعلم الثاني بخطبة الأول , ما لم يبين الثاني حيث استمر الركون أو
كان الرجوع لأجل خطبة الثاني , فإن كان لغيرها لم يفسخ , ومحله أيضا إن لم يحكم
بصحة نكاح الثاني حاكم يراه وإلا لم يفسخ، وهو قول بعض المالكية.
الترجيح:
نرى أن الأرجح
في المسألة والأصلح للزوجين هو القول بصحة العقد ما دام مبنيا على التراضي بين
المتعاقدين، والحرام لا يحرم الحلال، لأن أثره هو الإثم لا التأثير في العقد، وهذا
الترجيح يتفق مع مصلحة كلا الزوجين، لأنه لو قلنا بوجوب تطليقها، فإن هذا الخاطب
سيعود للعقد عليها من جديد، بعد أن وضع في ذمته طلقة تنقص من الفرص التي جعلها
الشرع للزوجين لللمراجعة، ويتنافى ذلك مع تشوف الشرع للحد من الطلاق وتضييق بابه
كما سنراه في الجزء الثالث.
آثار العدول عن
الخطبة
إذا عدل أحد
الطرفين عن الخطبة أو كلاهما فإن الأثر المترتب على ذلك بالنسبة لما قدمه الخاطب
من مهر أو هدايا يتمثل فيما يلي:
رد المهر:
اتفق الفقهاء
على أنه يجب رد ما قدمه من مهر قليلاً كان أو كثيراً، لأن المهر وجب بالعقد، فهو
حكم من أحكامه وأثر من آثاره، وما دام الزواج لم يوجد فلا حق لها في أخذ ه، بل هو
حق خالص للزوج، فإن كان قائماً أخذه بعينه، وإن هلك أخذ مثله إن كان مثلياً أو
قيمته إن كان قيمياً.
رد الهدايا:
اختلف الفقهاء في
الهدايا التي يقدمها الخاطب إلى خطيبته من غير طلب منها على الأقوال التالية :
القول الأول: وجوب الرد
مطلقاً باقية أو غير باقية، فإن كانت موجودة ردت بعينها، وإن هلكت أو استهلكت وجب
رد مثلها أو قيمتها سواء كان العدول من قبله أو من قبل المخطوبة أو منهما معاً،
وهو مذهب الشافعية.
القول الثاني: وجوب ردها إن
كانت موجودة في يدها من غير زيادة متصلة بها لا يمكن فصلها، فإن هلكت كعقد فقد أو
ساعة تكسرت أو استهلكت كطعام أكل أو ثوب لبس وبلي، أو زادت زيادة متصلة لا يمكن
فصلها كقماش خيط ثوباً، أو خرجت عن ملكها بأن تصرفت فيها ببيع أو هبة لا يجب ردها
في جميع تلك الصور، لأنهم أعطوا الهدية حكم الهبة، والهبة يمتنع الرجوع فيها
بموانع منها الهلاك والاستهلاك والخروج عن الملك والزيادة المتصلة التي لا يمكن
فصلها، وهو مذهب الحنفية.
القول الثالث: التفصيل، وهو
المفتى به في المذهب المالكي، وإن كان أصل المذهب عندهم أنه لا رجوع بشيء مما
أهداه الخاطب ولو كان الرجوع من جهتها، وهذا التفصيل يتمثل فيما يلي
:
اعتبار العرف أو
الشرط إن وجد: فإن كان هناك عرف أو شرط بالرد وعدمه يعمل به.
إن لم يكن هناك
شرط ولا عرف: ينظر إلى الجهة المتضررة بالعدول عن الخطبة :
إن كان العدول
من الخاطب: لا يجوز له الرجوع في شيء من هداياه، لأنه أضرها بعدوله عن خطبتها، فلا
يجمع عليها الضررين جميعا.
إن كان العدول
من جهتها: وجب عليها رد ما أخذته بعينه إن كان قائماً أو مثله أو قيمته إن كان
هالكاً، وذلك لأنه لا وجه لها في أخذه بعد مضرته بفسخ خطبته، وأن ما قدمه لها لا
يمكن اعتباره هبة مطلقة، بل هو هبة مقيدة بغرض، وهو طلبه الزواج منها ، فإنه لولا
الخطبة الموصلة لزواج ما قدم لها شيئاً، فإذا لم يتحقق الزواج لم يتحقق الغرض الذي
من أجله قدم الهدايا.
الترجيح:
يظهر من خلال
الأقوال المعروضة رجحان رأي المالكية المفتى به في المسألة لمراعاته نفي الضرر عن
كلا الطرفين.
*****************************************************************
*****************************************************************
الآية الرابعة
أحكام متعة
النساء
قوله تعالى: { لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ
تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى
الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ
حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}.
وفيها مسائل:
الأولى:
قوله تعالى : لا
جناح عليكم إن طلقتم النساء هذا أيضا من أحكام المطلقات ، وهو ابتداء إخبار برفع
الحرج عن المطلق قبل البناء والجماع ، فرض مهرا أو لم يفرض ، ولما نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن التزوج لمعنى الذوق وقضاء الشهوة ، وأمر بالتزوج لطلب
العصمة والتماس ثواب الله وقصد دوام الصحبة وقع في نفوس المؤمنين أن من طلق قبل
البناء قد واقع جزءا من هذا المكروه فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك إذا كان أصل
النكاح على المقصد الحسن .
وقال قوم: لا
جناح عليكم معناه لا طلب لجميع المهر بل عليكم نصف المفروض لمن فرض لها ، والمتعة
لمن لم يفرض لها .
وقيل : لما كان أمر المهر مؤكدا في الشرع فقد
يتوهم أنه لا بد من مهر إما مسمى وإما مهر المثل ، فرفع الحرج عن المطلق في وقت
التطليق وإن لم يكن في النكاح مهر .
وقال قوم
لا جناح عليكم
معناه في أن ترسلوا الطلاق في وقت الحيض ، بخلاف المدخول بها إذ غير المدخول بها
لا عدة عليها .
الثانية:
المطلقات أربع :
1) مطلقة مدخول بها مفروض لها وقد ذكر الله حكمها
قبل هذه الآية وأنه لا يسترد منها شيء من المهر ، وأن عدتها ثلاثة قروء
2) ومطلقة غير مفروض لها ولا مدخول بها فهذه الآية
في شأنها ولا مهر لها بل أمر الرب تعالى بإمتاعها وبين في سورة (الأحزاب) أن غير
المدخول بها إذا طلقت فلا عدة عليها ، وسيأتي .
3) ومطلقة مفروض
لها غير مدخول بها ذكرها بعد هذه الآية إذ قال : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
وقد فرضتم لهن فريضة ، 4) ومطلقة مدخول بها غير مفروض لها ذكرها الله في قوله :
فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ،
فذكر تعالى هذه الآية والتي بعدها مطلقة قبل
المسيس وقبل الفرض ، ومطلقة قبل المسيس وبعد الفرض ، فجعل للأولى المتعة ، وجعل
للثانية نصف الصداق لما لحق الزوجة من دحض العقد ، ووصم الحل الحاصل للزوج بالعقد
، وقابل المسيس بالمهر الواجب .
الثالثة :
لما قسم الله
تعالى حال المطلقة هنا قسمين : مطلقة مسمى لها المهر ، ومطلقة لم يسم لها دل على
أن نكاح التفويض جائز وهو كل نكاح عقد من غير ذكر الصداق ولا خلاف فيه ، ويفرض بعد
ذلك الصداق فإن فرض التحق بالعقد وجاز وإن لم يفرض لها وكان الطلاق لم يجب صداق
إجماعا قاله القاضي أبو بكر بن العربي .
وحكى المهدوي عن حماد بن أبي سليمان أنه إذا
طلقها ولم يدخل بها ولم يكن فرض لها أجبر على نصف صداق مثلها .
وإن فرض بعد عقد النكاح وقبل وقوع الطلاق فقال
أبو حنيفة : لا يتنصف بالطلاق لأنه لم يجب بالعقد وهذا خلاف الظاهر من
قوله تعالى : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد
فرضتم لهن فريضة ، وخلاف القياس أيضا ، فإن الفرض بعد العقد يلحق بالعقد فوجب أن
يتنصف بالطلاق ، أصله الفرض المقترن بالعقد.
الرابعة :
إن وقع الموت
قبل الفرض فذكر الترمذي عن ابن مسعود :
{ أنه سئل عن
رجل تزوج امرأة لم يفرض لها ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود : لها مثل صداق
نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال
: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت
ففرح بها ابن مسعود }
. قال الترمذي :
حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح ، وقد روي عنه من غير وجه ، والعمل على هذا عند بعض
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، وبه يقول الثوري وأحمد
وإسحاق ،
وقال بعض أهل
العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن
عباس وابن عمر : ( إذا تزوج الرجل امرأة ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا حتى مات
قالوا : لها الميراث ولا صداق لها وعليها العدة ) وهو قول الشافعي
وقال : ولو ثبت حديث بروع بنت واشق لكانت الحجة
فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم . ويروى عن الشافعي أنه رجع بمصر بعد عن هذا
القول ، وقال بحديث بروع بنت واشق .
قلت :
اختلف في تثبيت
حديث بروع ، فقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب في شرح رسالة ابن أبي زيد : وأما
حديث بروع بنت واشق فقد رده حفاظ الحديث وأئمة أهل العلم . وقال الواقدي : وقع هذا
الحديث بالمدينة فلم يقبله أحد من العلماء وصححه الترمذي كما ذكرنا عنه وابن
المنذر .
قال ابن المنذر : وقد ثبت مثل قول عبد الله بن
مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نقول .
وذكر أنه قول
أبي ثور وأصحاب الرأي .
وذكر عن الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي مثل
قول علي وزيد وابن عباس وابن عمر .
وفي المسألة قول ثالث وهو أنه لا يكون ميراث حتى
يكون مهر ، قاله مسروق.
قلت :
ومن الحجة لما
ذهب إليه مالك أنه فراق في نكاح قبل الفرض فلم يجب فيه صداق ، أصله الطلاق لكن إذا
صح الحديث فالقياس
في مقابلته فاسد . وقد حكى أبو محمد عبد الحميد
عن المذهب ما يوافق الحديث والحمد لله .
الخامسة:
قوله تعالى : {
ومتعوهن} ، معناه أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن . وحمله ابن عمرو وعلي بن أبي طالب
والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وقتادة والضحاك بن مزاحم
على الوجوب .
وحمله أبو عبيد ومالك بن أنس وأصحابه والقاضي
شريح وغيرهم على الندب . تمسك أهل القول الأول بمقتضى الأمر .
وتمسك أهل القول الثاني بقوله تعالى
:
{حقا على المحسنين }،
و { على
المتقين } ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين .
والقول الأول أولى ؛ لأن عمومات الأمر بالإمتاع
في قوله: { ومتعوهن } إضافة الإمتاع إليهن بلام التمليك في قوله : وللمطلقات متاع
أظهر في الوجوب منه في الندب .
وقوله :
على المتقين
تأكيد لإيجابها ؛ لأن كل واحد يجب عليه أن يتقي الله في الإشراك به ومعاصيه ،
وقد قال تعالى في القرآن : هدى للمتقين
.
السادسة:
واختلفوا في
الضمير المتصل بقوله ( ومتعوهن ) من المراد به من النساء ؟ فقال ابن عباس وابن عمر
وجابر بن زيد والحسن والشافعي وأحمد وعطاء وإسحاق وأصحاب الرأي : المتعة واجبة
للمطلقة قبل البناء والفرض ، ومندوبة في حق غيرها .
وقال مالك
وأصحابه : المتعة مندوب إليها في كل مطلقة وإن دخل بها ، إلا في التي لم يدخل بها
وقد فرض لها فحسبها ما فرض لها ولا متعة لها .
وقال أبو ثور :
لها المتعة ولكل مطلقة .
وأجمع أهل العلم
على أن التي لم يفرض لها ولم يدخل بها لا شيء لها غير المتعة . قال الزهري : يقضي لها بها القاضي . وقال جمهور الناس : لا يقضي بها لها .
قلت :
هذا الإجماع
إنما هو في الحرة ، فأما الأمة إذا طلقت قبل الفرض والمسيس فالجمهور على أن لها
المتعة .
وقال الأوزاعي والثوري : لا متعة لها لأنها تكون
لسيدها وهو لا يستحق مالا في مقابلة تأذي مملوكته بالطلاق .
وأما ربط مذهب مالك فقال ابن شعبان : المتعة
بإزاء غم الطلاق ، ولذلك ليس للمختلعة والمبارئة والملاعنة متعة قبل البناء ولا
بعده ؛ لأنها هي التي اختارت الطلاق .
وقال الترمذي وعطاء والنخعي : للمختلعة متعة
. وقال أصحاب
الرأي
للملاعنة متعة .
قال ابن القاسم
: ولا متعة في نكاح مفسوخ . قال ابن المواز : ولا فيما يدخله الفسخ بعد صحة العقد
، مثل ملك أحد الزوجين صاحبه . قال ابن القاسم : وأصل ذلك قوله تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف فكان هذا
الحكم مختصا بالطلاق دون الفسخ .
وروى ابن وهب عن مالك أن المخيرة لها المتعة
بخلاف الأمة تعتق تحت العبد فتختار هي نفسها ، فهذه لا متعة لها
.
وأما الحرة تخير
أو تملك أو يتزوج عليها أمة فتختار هي نفسها في ذلك كله فلها المتعة ؛ لأن الزوج
سبب للفراق
السابعة:
قال مالك : ليس
للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ولا كثيرها .
وقد اختلف الناس في هذا ، فقال ابن عمر : أدنى
ما يجزئ في المتعة ثلاثون درهما أو شبهها .
وقال ابن عباس : أرفع المتعة خادم ثم كسوة ثم
نفقة .
عطاء : أوسطها
الدرع والخمار والملحفة .
أبو حنيفة : ذلك
أدناها .
وقال ابن محيريز
: على صاحب الديوان ثلاثة دنانير ، وعلى العبد المتعة .
وقال الحسن : يمتع كل بقدره ، هذا بخادم وهذا
بأثواب وهذا بثوب وهذا بنفقة ، وكذلك يقول مالك بن أنس ، وهو مقتضى القرآن فإن
الله سبحانه لم يقدرها ولا حددها وإنما قال :
على الموسع قدره
وعلى المقتر قدره .
ومتع الحسن بن علي بعشرين ألفا وزقاق من عسل .
ومتع شريح بخمسمائة درهم .
وقد قيل : إن حالة المرأة معتبرة أيضا ، قاله
بعض الشافعية ،
قالوا : لو
اعتبرنا حال الرجل وحده لزم منه أنه لو تزوج امرأتين إحداهما شريفة والأخرى دنية
ثم طلقهما قبل المسيس ولم يسم لهما أن يكونا متساويتين في المتعة فيجب للدنية ما
يجب للشريفة وهذا خلاف ما قال الله تعالى :
متاعا بالمعروف ويلزم منه أن الموسر العظيم
اليسار إذا تزوج امرأة دنية أن يكون مثلها ؛ لأنه إذا طلقها قبل الدخول والفرض
لزمته المتعة على قدر حاله ومهر مثلها ، فتكون المتعة على هذا أضعاف مهر مثلها ،
فتكون قد استحقت قبل الدخول أضعاف ما تستحقه بعد الدخول من مهر المثل الذي فيه
غاية الابتذال وهو الوطء .
وقال أصحاب
الرأي وغيرهم : متعة التي تطلق قبل الدخول والفرض نصف مهر مثلها لا غير ؛ لأن مهر
المثل مستحق بالعقد ، والمتعة هي بعض مهر المثل ، فيجب لها كما يجب نصف المسمى إذا
طلق قبل الدخول ،
وهذا يرده قوله
تعالى : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وهذا دليل على رفض التحديد ، والله
بحقائق الأمور عليم .
وقد ذكر الثعلبي
حديثا قال : نزلت لا جناح عليكم إن طلقتم النساء الآية ، في رجل من الأنصار تزوج
امرأة من بني حنيفة ولم يسم لها مهرا ثم طلقها قبل أن يمسها فنزلت الآية ، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : متعها ولو بقلنسوتك .
وروى الدارقطني
عن سويد بن غفلة قال : كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي بن أبي طالب فلما
أصيب علي وبويع الحسن بالخلافة قالت : لتهنك الخلافة يا أمير المؤمنين ، فقال :
يقتل علي وتظهرين الشماتة ، اذهبي فأنت طالق ثلاثا .
قال : فتلفعت بساجها وقعدت حتى انقضت عدتها فبعث
إليها بعشرة آلاف متعة ، وبقية ما بقي لها من صداقها .
فقالت
:
متاع قليل من
حبيب مفارق
فلما بلغه قولها
بكى وقال
لولا أني سمعت جدي - أو حدثني أبي أنه سمع جدي–
يقول : أيما رجل
طلق امرأته ثلاثا مبهمة أو ثلاثا عند الأقراء لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره
لراجعتها .
وفي رواية : أخبره الرسول فبكى وقال : لولا أني
أبنت الطلاق لها لراجعتها ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيما
رجل طلق امرأته ثلاثا عند كل طهر تطليقة أو عند رأس كل شهر تطليقة أو طلقها ثلاثا
جميعا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره .
********************************************************************
الآية الخامسة
أحكام الــولــي
قوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ
وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ
يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
هذه الآية في
حالة طلاق الرجل للمرأة المعقود عليها لكن لم يتم المسيس بها وحُدد مهرها فلها نصف
المهر المسمّى وهناك استثناء وهو أن تعفو المرأة (إلا أن يعفون) أما قوله تعالى
(أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) فاختلف فيها المفسرون:
فقال بعضهم: إن
الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ المرأة.
وقال البعض: إن
الذي بيده عقدة النكاح هو الرجل المطلِّق وهذا يوازن المعنى في الآية أكثر؛ لأن
الزوج هو بيده عقدة النكاح (وبدون إيجاب وقبول لا يكون هناك عقدة نكاح) ومعنى أن
يعفو الذي بيده عقدة النكاح أو الزوج كما قلنا هو أن يعفو الزوج المطلِّق عن النصف
الثاني من المهر المسمّى ويعطي المرأة المطلَّقة كامل المهر فيكون شهماً كريماً
معها والله تعالى سيكافئه على ذلك إن شاء الله.
والله تعالى
يقول (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) فالقرآن انتصر لصالح الزوجة فلو عفى
الزوج يكون أفضل فالخطاب في قوله (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) هو للمطلِّقين
وليس للمطلقات.
والأنسب أن يعفو
الزوج إذا أراد أن يكون من الأتقياء يوم القيامة لأن الزوج يعمل وسيحصل على مال
غيره أما الزوجة فهي التي تحتاج لمن يعوّضها ويؤنسها ويجبر خاطرها.
وكلمة العفو هي
من الألفاظ المستحبة في الشريعة وهي تعني ما زاد على الشيء كما في قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)
أي أنفقوا من المال الزائد عن حاجتكم.
ولا تنسوا الفضل
بينكم: الفضل هو الزيادة أي لا تكونوا دقيقين في الحساب.
ويجدر بنا هنا
أن نتكلم عن أحكام الولي بالنسبة للمرأة.
الولي لغة:
قال ابن فارس: الواو واللام والياء: أصل صحيح يدل على قرب. من ذلك الوَلْيُ: القرب. يقال تباعد بعد وَلْي: أي قُرْب. وجلس مما يليني: أي يقاربني.
قال ابن فارس: الواو واللام والياء: أصل صحيح يدل على قرب. من ذلك الوَلْيُ: القرب. يقال تباعد بعد وَلْي: أي قُرْب. وجلس مما يليني: أي يقاربني.
ذكر الزبيدي أن
الولي له معان كثيرة منها: الذي يلي أمرك، والمحب ضد العدو.
ومنها الصديق،
ومنها النصير، والناصر، والرب لتوليه أمور العالم بتدبيره وقدرته، والمنعم،
والمنعم عليه، والمحب، والتابع، والصهر.
وأن الولاية لها
معان منها: الخطة والإمارة والسلطان.
وأن المولى له
معان منها: المالك، والعبد، والمُعتِق، والمُعتَق، والصاحب، والقريب، والجار،
والحليف، والنزيل، والشريك.
الولي اصطلاحاً:
ومن أحسن
التعريفات لولاية النكاح ما عرفها بعض المعاصرين بأنها: سلطة شرعية لعصبة نفس، أو
من يقوم مقامهم، يتوقف عليها تزويج من لم يكن أهلا لعقده.
اختلف العلماء
في اشتراط الولي في نكاح المرأة على أقوال سنبسطها ونعرض لأدلة كل قول ومناقشاته:
القول الأول: اشتراط الولي في
النكاح، فلا يصح أن تباشر المرأة بنفسها عقد النكاح، فلا تزوج نفسها ولا تزوج
غيرها.
وهو قول جمهور الفقهاء: المالكية، والشافعية،
والحنابلة، والظاهرية.
واستدلوا على
هذا القول بأدلة من القرآن والسنة والآثار.
أولا: أدلتهم من
القرآن الكريم.
قوله تعالى: ﴿وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا
تراضوا بينهم بالمعروف﴾ [البقرة: 232 ].
وجه الدلالة من
الآية: أن الله تعالى منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك فلو
كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها أو كان لها تولية من أرادت توليته
في إنكاحها لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم إذ كان لا سبيل له إلى عضلها
وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله
إنكاحها فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها.
وقوله تعالى: ﴿ ولاتنكحوا المشركين حتى يؤمنوا﴾ [البقرة:221]
وجه الدلالة من
الآية: أن هذا خطاب للأولياء بأن لا ينكحوا المسلمات المشركين ولو فرض أنه يجوز
لها إنكاح نفسها لما كانت الآية دالة على تحريم ذلك عليهن .
قال القرطبي: في
هذه الآية دليل بالنص على أن لا نكاح إلا بولي.
وقوله تعالى: ﴿وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم﴾
[النور:32].
وجه الاستدلال
من الآية: أن هذا خطاب موجه للرجال دون النساء، فالله سبحانه أمر في هذه الآية
أولياء المرأة أن يقوموا بتزويجها، والأمر يدل على الوجوب، مما يدل على أنهم هم
المكلفون بتزويجهن.
ثانيا: أدلتهم
من السنة:
ـ: {لا نكاح إلا
بولي}عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ـ
وجه الدلالة من
الحديث:
أنه يدل بمنطوقه
على نفي النكاح بدون ولي، ويدل بمفهومه على عدم جواز مباشرة المرأة لعقد النكاح
لنفسها أو لغيرها.
قال الخطابي:
فيه نفي ثبوت النكاح على معمومه ومخصوصه إلا بولي.
فإن عقدته
المرأة لنفسها أو لغيرها بإذن وليها أو بغير إذنه لم يصح.
وحديث عائشة رضي
الله عنها أن رسول الله ـ قال:
{أيما امرأة
نكحت بغير إذنوليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها
المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له}.
وجه الدلالة من
الحديث:
هذا نص في إبطال
النكاح بغير ولي من غير تخصيص ولا تمييز.
ـ قال: {لا تزوج
المرأة المرأة،rـ ـحديث أبي هريرة أن رسول الله
ـولا تزوج
المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها
وجه الدلالة من
الحديث: فيه دليل على أن المرأة ليس لها ولاية في الإنكاح لنفسها ولا لغيرها فلا
عبرة لها في النكاح ولا تصح عبارة المرأة في النكاح إيجابا ولا قبولا فلا تزوج
نفسها بإذن الولي ولا غيره ولا تزوج غيرها بولاية ولا بوكالة ولا تقبل النكاح
بولاية ولا وكالة، والنهي دليل الفساد.
ثالثاً: أدلتهم
من الآثار
استدل الجمهور لقولهم
بآثار كثيرة مروية عن الصحابة في إثبات اشتراط الولي في النكاح، وأن هذا كان
معروفا في عهدهم من غير نكير، حتى أن ابن المنذر لما نقل أقوال الفقهاء في هذه
المسألة قال بعد ذكره لرأي الجمهور: (إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك).
وهذه بعض الآثار
المروية عن الصحابة على سبيل الاختصار:
ـما رواه عبد
الرحمن بن معبد بن محمد أن عمر بن الخطاب رد نكاح امرأة نكحت بغير وليمنها
ومنها: ما رواه
سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب ـقال: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي
من أهلها أو السلطان
القول الثاني: لا يشترط
الولي في النكاح، فيصح أن تباشر المرأة عقد النكاح بنفسها، إلا أنه خلاف المستحب،
وللأولياء حق الاعتراض إذا لم يكن الزوج كفؤاً لها. وهو قول أبي حنيفة في المشهور
عنه.
وعن أبي يوسف
ثلاث روايات، وعن محمد روايتان.
أدلة هذا القول:
واستدلوا بأدلة
من الكتاب، والسنة، والآثار، والمعقول:
أولا: أدلتهم من
القرآن:
أولا: قوله
تعالى: ﴿وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن
ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف﴾.
الاستدلال بهذه
الآية من وجهين:
الوجه الأول:
أنه أضاف النكاح إليهن فيدل على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي.
نوقش هذا الوجه:
بأن أضافة
النكاح إليها لأنها محل له.
ثم إن عضلها
الامتناع عن تزويجها وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي ويدل عليه أنها نزلت في شأن
معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته فدعاه النبي فزوجها.
ثم إن المراد
بنكاحهن في الآية هو ما يعقده لهن أولياؤهن لا ما تعقده المرأة نفسها بدليل سبب
نزول الآية في حديث معقل بن يسار كما سبق بيانه.
ولذلك قال
الشافعي بأن هذه الآية أبين آية في كتاب الله عز وجل دلالة على أنه ليس للمرأة
الحرة أن تنكح نفسها.
وأيضا: لأن الله
سبحانه نهى الأولياء عن العضل، وهذا يدل على إبطال ولايتهم.
ثانيا: قوله
تعالى: ﴿فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً
غيره ﴾ [البقرة :230].
الاستدلال بهذه
الآية من وجهين:
الوجه الأول:
أنه أضاف النكاح إلى المرأة، وهذا يقتضي تصور النكاح منها مما يدل على صحة النكاح
بلا ولي.
الوجه الثاني:
أنه جعل نكاح المرأة غاية الحرمة، فيقتضي انتهاء الحرمة عند نكاحها نفسها.
نوقش هذا
الاستدلال:
بأن المقصود
بالنكاح في قوله تعالى: "حتى تنكح" ما يعقده لها وليها، لا أن تباشره
المرأة بنفسها، وإنما أضيف إليها النكاح لأنها محل ذلك وسببه.
ثانياً: أدلتهم
من السنة:
استدل أصحاب هذا
القول بأدلة من السنة منها:
ـ قال: {الأيم
أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها}rـ أن رسول الله ـtأولا: حديث ابن
عباس ـ
وجه الاستدلال
من الحديث:
أن الْأَيِّمُ:
هِيَ من لَا زَوْجَ لها بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا فَأَفَادَ أَنَّ فيه حَقَّيْنِ
حَقَّهُ وهو مُبَاشَرَتُهُ عَقْدَ النِّكَاحِ بِرِضَاهَا وقد جَعَلَهَا أَحَقَّ
منه وَلَنْ تَكُونَ أَحَقَّ إلَّا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ.
نوقش الاستدلال
بهذا الحديث:
بأن لفظة"
أحق " موضوعة في اللغة للاشتراك في المستحق إذا كان حق أحدها فيه أغلب كما
يقال زيد أعلم من عمرو إذا كانا عالمين، فالأغلب أن يكون من جهتها الإذن والاختيار
من جهة قبول الإذن في مباشرة العقد.
ثانيا:
ـ بعد وفاة أبيrحديث أم سلمة
رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله ـسلمة فخطبني إلى نفسي فقلت: يا رسول الله
إنه ليس أحد من أوليائي شاهداً، فقال: "إنه ليس منهم شاهد ولا غائب يكره
ذلك"، قالت: قم يا عمر فزوج النبي ـ ـ ، فتزوجها.
ووجه الدلالة من
الحديث ظاهرة:
أَنَّ ـ
خَطَبَهَا إلَى نَفْسِهَا فَفِي ذلك دَلِيلٌ أَنَّrرَسُولَ اللَّهِ
ـالأَمْرَ في التَّزْوِيجِ إلَيْهَا دُونَ أَوْلِيَائِهَا فَإِنَّمَا قالت له
إنَّهُ ليس أَحَدٌ من أَوْلِيَائِي شَاهِدًا.
نوقش الاستدلال
بهذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول:
بأنه ليس فيه حجة لأنه لو كان جائزا بغير ولي لأوجبت العقد بنفسها ـ إياها على ما
جاء فيـبعض الروايات دل على أنها لا تلي عقد النكاحولم تأمر غيرها، فلما أمرت به
غيرها بأمر النبي.
الوجه الثاني:
أن الشاهد من الحديث وهو قولها: (قم يا عمر) لا يصح، فهذه الجملة غير صحيحة لأنها
من رواية ابن عمر بن أبي سلمة، وهو مجهول.
وعلى فرض صحة
الرواية فإنا لا نسلم بدلالة القصة على عدم جود الولي في عقد النكاح، بل الصحيح هو
أنالنبي تزوج أم سلمة بولي
وهناك خلاف بينr
.ـ:rالفقهاء فيمن هو هذا الولي الذي تولى عقد نكاح أم
سلمة من رسول الله ـ
أ – فقيل: إن
الذي زوجها هو ابنها عمر كما جاء في الرواية السابقة.
ـ.tب – وقيل: أن الذي زوجها هو عمر بن الخطاب ـ
ج – وقيل: أن
الذى ولى عقدها عليه ابنها سلمة بن أبى سلمة، وهو أكبر ولدها.
ـ لا يفتقر إلى
ولي وتزويج زينب بنت جحش يدل على ذلك. rـ، لأن نكاح النبي ـrد – وقيل: إن
لذي تولى نكاحها هو رسول الله ـ
ثالثا:
ـ، أن امرأة شكت
إلى النبي ــ إلى أبيها، فقالت إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع خسيستهوأنا كارهة
فأرسل فجعل الأمر إليها.
فقالت: يا رسول اللهـقد أجزت ما صنع أبي وإنما
أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيءr
الاستدلال بهذا
الحديث من وجهين:
الأول: أنه يفيد
بعمومه أن ليس لوليها حقا ثابتا في عقد نكاحها بل استحبابقولها ذلك أيضا.
ـالثاني: فيه
دليل من جهة تقريره ـ
نوقش الاستدلال
بهذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول: أن
حديث المرأة التي زوجها أبوها، فرواية عكرمة بن فلان، فإن كان مولى ابن عباس فهو
مرسل الحديث، لأنه تابعي ولم يسنده والمرسل ليس بحجة؛ وإن كان غيره فهو مجهول
وجهالة الراوي تمنع من قبول حديثه.
ـ رد نكاحاً
انفرد به الولي، وإنما يكون حجة لو أجاز نكاحاً تفردت به المرأة. rالوجه الثاني: لا حجة فيه لو صح، لأن النبي ـ
ثالثاً: أدلتهم
من الآثار
استدل القائلون
بعدم اشتراط الولي في النكاح بآثار عن الصحابة منها:
ما جاء عن عائشة
رضي الله عنها أنها زوجت حفصة بنت عبدالرحمن: المنذر بن الزبير، وعبدالرحمن غائب
بالشام، فلما قدم عبدالرحمن قال: أمثلي يصنع به هذا ويفتات عليه؟ فكلمت عائشة
المنذر فقال المنذر: إن ذلك بيد عبدالرحمن، فقال عبدالرحمن: ما كنت أرد أمرا
قضيتيه، فقرت حفصة عنده ولم يكن ذلك طلاقا.
وجه الدلالة من
الأثر: أن عائشة زوجت بنت عبد الرحمن بغير أمره مما يدل على صحة مباشرة المرأة عقد
النكاح بنفسها.
نوقش الاستدلال
بهذا الأثر من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول:
أنه لم يثبت في الأثر أن عائشة رضي الله عنها هي التي باشرت العقد، حيث نحمل قوله
زوجت أي مهدت أسباب التزويج وأضيف النكاح إليها لاختيارها ذلك وإذنها فيه.
rالثاني: أن عائشة رضي الله عنها روت الأحاديث عن
النبي ــ في اشتراط الولي في النكاح، وعدم جواز تولية المرأة نفسها في النكاح كما
مرالوجه ، مما يدل على أن مذهبها اشتراط الولي في النكاح.
الوجه الثالث:
أن قول الصحابي لا يعتبر إن خالف نصا شرعيا.
القول الثالث: أن عقد النكاح
يصح بلا ولي موقوفا على إجازة الولي وهو قول محمد بن الحسن ورواية عن أبي يوسف.
استدل أصحاب هذا
القول بالسنة والمعقول على النحو التالي:
أولاً: أدلتهم
من السنة:
منها: ـ
حديث عَائِشَةَ
رضي اللَّهُ عنها أن رسول اللَّهِ قال: { أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ
إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ}
وجه الدلالة من
الحديث:
أن َالْبَاطِلُ
من التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ما لَا حُكْمَ له شَرْعًا كَالْبَيْعِ الْبَاطِلِ
وَنَحْوِهِ وَلِأَنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقًّا في النِّكَاحِ بِدَلِيلِ أَنَّ لهم
حَقَّ الِاعْتِرَاضِ وَالْفَسْخِ وَمَنْ لَا حَقَّ له في عَقْدٍ كَيْفَ يَمْلِكُ
فَسْخَهُ وَالتَّصَرُّفُ في حَقِّ الْإِنْسَانِ يَقِفُ جَوَازُهُ على جَوَازِ
صَاحِبِ الْحَقِّ كَالْأَمَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا.
نوقش الاستدلال
بهذا الحديث:
بأنه لا دلالة
فيه على صحة العقد موقوفا على إجازة الولي، بل الحديث صريح في بطلان العقد، وإذا
كان العقد باطلا فلا يكون صحيحا بإجازة الولي، بل لابد لتصحيحه من عقد جديد.
ومنها: حديث
عائشة السابق أنها زوجت ابنة أخيها.
ووجه الدلالة من
الحديث: أن عائشة رضي الله عنها هي التي باشرت عقد النكاح بنفسها، ثم لما جاء ولي
حفصة وهو أبوها عبد الرحمن أجاز هذا العقد، فدل على صحته موقوفا على إجازة الولي.
نوقش الاستدلال
بهذا الحديث:
بأن المقصود من
تزويج عائشة: تمهيد النكاح وأحواله، وأن هذا المقصود موافق للأحاديث التي روتها
عائشة رضي الله عنها نفسها في اشتراط الولي في النكاح مطلقا، بل ثبت عن عائشة رضي
الله عنها القول: (ليس إلى النساء نكاح).
ثانياً: دليلهم
من المعقول:
أن للأولياء حقا
في النكاح بدليل أن لهم حق الاعتراض والفسخ، ومن لا حق له في عقد كيف يملك فسخه،
والتصرف في حق الإنسان يقف جوازه على جواز صاحب الحق كالأمة إذا زوجت نفسها بغير
إذن وليها.
نوقش الاستدلال
بهذا الدليل:
بأنه تعليل
يخالف النصوص الصحيحة الصريحة في اشتراط الولي لصحة النكاح مطلقا وعدم صحته موقوفا
على إجازة الولي
القول الرابع: يصح عقد النكاح
بلا ولي إن كان الزوج كفؤا، ولا يصح إن لم يكن كفؤا: وهذا القول رواية الحسن عن
أبي حنيفة ورواية عن أبي يوسف، وقيل: إن أبا يوسف قد رجع عنه.
دليل أصحاب هذا
القول:
أنها إذَا
زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من كُفْءٍ يَنْفُذُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوْلِيَاءِ في
النِّكَاحِ من حَيْثُ صِيَانَتُهُمْ عَمَّا يُوجِبُ لُحُوقَ الْعَارِ وَالشَّيْنِ
بِهِمْ بِنِسْبَةِ من لَا يُكَافِئُهُمْ بِالصِّهْرِيَّةِ إلَيْهِمْ وقد بَطَلَ
هذا الْمَعْنَى بِالتَّزْوِيجِ من كُفْءٍ يُحَقِّقُهُ أنها لو وَجَدَتْ كفأ
وَطَلَبَتْ من الْمَوْلَى الْإِنْكَاحَ منه لَا يَحِلُّ له الِامْتِنَاعُ وَلَوْ
امْتَنَعَ يَصِيرُ عَاضِلًا فَصَارَ عَقْدُهَا وَالْحَالَةُ هذه بِمَنْزِلَةِ
عَقْدِهِ بِنَفْسِهِ.
نوقش الاستدلال
بهذا التعليل:
بأن تقييد صحة
النكاح بلا ولي بوجود الكفاءة ليس له مستند شرعي، بل هو مخالف مخالفة صريحة
للأحاديث الصحيحة الصريحة في إثبات اشتراط الولي لصحة النكاح مطلقا من غير ذكر
الكفاءة أو عدمها.
الــرأي
الــمـخـتار
بعد ذكر الأقوال
الواردة فإن الذي يترجح لدي هو مذهب جمهور الفقهاء في كون الولي ركنا من أركان عقد
النكاح، وقد استوفى أدلة المالكية "وهي أيضا أدلة الجمهور على اشتراط الولي
في صحة النكاح" الحبيب بن طاهر في كتابه: " الفقه المالكي وأدلته"
حيث قال: "ودليل ركنية الولي وتوقف العقد عليه:
أ) قوله تعالى: ﴿ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا﴾ [ البقرة: 221]،
ووجه الاستدلال أن الخطاب موجه للأولياء ولو لم يكن لهم في العقد حق لما خاطبهم
بذلك. وهذا يدل على أن المرأة ليس لها أن تنكح نفسها.
ب) قوله تعالى: ﴿فبلغن
أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف﴾ [
البقرة: 232].
والعضل المنع.
ـ tوسبب نـزول هذه
الآية ما روى معقل بن يسار قال: زوجت أختا لي من رجل ـفطلقها، حتى إذا انقضت عدتها
جاء يخطبها، فقلت
له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك
فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا.
وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع
إليه فأنـزل الله الآية: فلا تعضلوهن، فقلت:
الآن أفعل يا
رسول الله، قال: فزوجها إياه.
ووجه الاستدلال:
أن الخطاب موجه للأولياء. وقد نهتهم الآية عن الامتناع من إنكاح ولاياتهم. وهذا
يدل على أن العقد يتوقف على الولي وإلا لم تحتج أخت معقل إلى أخيها، ولا توقفت في
الرجوع إلى زوجها على موافقة أخيها، وهي تريد زوجها وهو يريدها.
ج ) قوله تعالى:
﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ [ النور: 32
ووجه الاستدلال
أن الخطاب في الآية للأولياء أيضا. وسيأتي زيادة بيان لمعناها في دلالتها على جبر
الأب لابنته.
ـ قال: {لا نكاح
إلا بولي}، وقد استدل به التلمساني في مفتاح الوصول.rـ أن النبي ـtد) عن أبي موسى
الأشعري ـ
ز)ـعن
ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: {الأيم أحق بنفسها من
ـrوليها والبكر
تستأذن في نفسها وإذنها صماتها"،
ووجه الاستدلال
من قوله ــ:
{الأيم أحق بنفسها من وليها} أن لفظ
"أحق" من أبنية المبالغة، وذلك يشعر أن للولي حقا ما مع المرأة.
والمراد بحقها هو إرادتها في تعيين الأزواج لا
في تولي العقد، وأما الحق الذي هو للولي فهو تولي العقد.
وليس ما يمكن أن يكون من حقه في أمر نكاح الثيب
إلا تولي العقد.
ر ـ: عن سعيد بن
المسيب أنه قال، قال عمر بن الخطاب لا تنكح المرأةt
إلا بإذن وليها
أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان،
ومعنى ذلك أنها لا تنكح نفسها ولا ينكحها من
الناس من ليس بولي لها
.
ك ) أنه لم يثبت
قط أن امرأة من السلف ولا من الخلف باشرت نكاحها.
ل ) أن وجه دخول
الولي في عقد نكاح وليته، هو لنفي الضرر والمعرة عن نفسه وعنها بوضع نفسها في غير
كفء اهـ.
وهذه الأدلة
التي ذكرها هذا الفقيه وذكر بعضها غيره يؤخذ منها أرجحية مذهب الجمهور، والذي هو
أن المرأة لا تزوج نفسها.
والعلة في منعها
كما قال في المغني: صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى
الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة والله أعلم.
ونظرا لأهمية
الولي في النكاح، وحفاظا على أعراض المسلمين من التهتك، يميل الدارسون المعاصرون
إلى ركنيته، أو على الأقل اشتراطه في عقد النكاح حتى لا تقع النساء والفتيات
عديمات التجربة في فخاخ العابثين المتلاعبين بأعراض الناس،
والحقيقة أن
جوهر الخلاف في هذه المسألة هو هل يجوز للمرأة أن تزوج نفسها من رجل بغير إذن
وليها ولا موافقته؟
والجواب عندي أن
الشريعة تأبى ذلك أشد الإباء، لأن المرأة سريعة الاغترار وقوية العاطفة وقد يجرها
ذلك إلى الانخداع والوقوع في حبائل الماكرين وأهل السوء.
ومغبة ذلك لا
ترجع عليها وحدها وإنما يرجع على أسرتها وأوليائها ولذلك احتاطت الشريعة للمرأة
وتواردت النصوص بمنعها عن النكاح بغير إذن وليها، وذلك من أجل مصلحتها ومنفعتها.
وقد أدرك أبو
حنيفة –رحمه الله- هذه المسألة وهو وإن أفتى للمرأة أن تنكح بغير إذن وليها إلا
أنه اشترط أن يكون الرجل الذي تختاره كفؤا وجعل لوليها حق الفسخ إن لم يكن الزوج
كفؤا. ولكن هذ الطريق الذي اختاره الإمام لا يخلو من مصاعب لأن الفسخ لا يقع قبل
أن يحكم به القاضي وقد يكون الزوج دخل بها ووقع الضرر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق