الآية الأولى:
حكم الوفاء بالوعد
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}.
تحرير محلّ النزاع:
قبل الدخول في المسألة أذكر أنها تتضمن مواطن اتفاقٍ ينبغي ذكرها ليتحرر محل النزاع فيها.
فأولاً: الوعد بشيءٍ محرّم لا يجوز الوفاء به إجماعاً.
وثانياً: الوعد بشيءٍ واجب على الواعد يجب عليه الوفاء به إجماعاً.
وثالثاً: من وعد بأمرٍ مباح فلا خلاف أنه يستحبّ الوفاء به.
رابعاً: محلُّ النزاع في وجوب الوفاء بوعدٍ على أمرٍ مباح ، فهل يُلزم به ديانةً ، وهل يمكن أن يُلزم به قضاءً؟
المسألة الأولى: حكم الإلزام بالوعد ديانةً:
اختلف أهل العلم في حكم الوفاء بالوعد ـ بالمعروف ـ ديانةً على قولين:
القول الأول:
أن الوفاء بالوعد مستحبّ وليس بواجب ديانةً ، وهو قول الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، والظاهريّة، والمالكيّةفيما إذا كان الوعد مجرداً.
واستدلوا بأدلةٍ أقواها ما يلي:
الدليل الأول:حديث عطاء بن يسار ـ مرسلاً ـ أن رجلاً قال لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أكذب لامرأتي؟ فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: لا خير في الكذب ، فقال: أفأعدها ، وأقول لها؟ فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: لا جناح عليك.
وجه الدلالة: أن الحديث يدلّ على أنه لا يجب الوفاء بالوعد ، إذ سؤاله عن الكذب ونهي النبي _صلى الله عليه وسلم_ عنه ، ثم سؤاله عن الوعد يدل على أنه يريد السؤال عن إخلاف الوعد فأجابه النبي _صلى الله عليه وسلم_ بنفي الحرج عنه.
نوقش: بأن الحديث مرسل فلا يثبت به حجة.
وعلى التسليم بكونه حجة فهو مخصوص بالعلاقة بين الزوجين وقد رخص النبي _صلى الله عليه وسلم_ بالكذب فيه ومنه إخلاف الوعد.
الدليل الثاني: أن النبيّ _صلى الله عليه وسلم_ قال:"إذا وعد الرجل أخاه ومن نيّته أن يفي فلم يفِ ولم يجئْ للميعاد فلا إثم عليه" .
وجه الدلالة: ظاهرٌ منه أنّ النبيّ _صلى الله عليه وسلم_ رفع الإثم عن مُخْلف الوعد ولو كان الوفاء بالوعد واجباً لما قال ذلك.
نوقش: بأن الحديث ضعيف كما في تخريجه؛ فلا حجة فيه.
الدليل الثالث: أن المتبرع لا يلزمه إتمام تبرعه قبل قبضه ، فمن وهب شخصاً شيئاً ثم رجع فيه قبل قبضه فله ذلك ؛فإذا كان التبرع لا يلزم قبل قبضه فمن باب أولى أن لا يلزم الوعد بالتبرع.
نوقش: بأن الكلام ليس في إتمام التبرع المجرّد عن وعد ، بل الخلاف في حكم الوفاء بالوعد ، وعليه فالتبرع الناشئ عن وعد يجب الوفاء به وإتمامه ولا يجوز الرجوع فيه.
القول الثاني:
أن الوفاء بالوعد واجب بحيث يحرم إخلافه بلا عذر ، وهو وجهٌ عند الحنابلة، اختاره شيخ الإسلام ابن تيميّة، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
واستدلوا بأدّلة أكتفي بأقواها وهي:
الدليل الأول:
قوله _تعالى_: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ" الصف:
وجه الدلالة: ذمُّ الله _تبارك وتعالى_ لمن يقول ما لا يفعل ؛إذْ أخبر _سبحانه_ أنه يمقت ذلك ، والمقت أعظم البغض ، ولا يكون مثل ذلك إلا على ترك واجب أو فعل محرم ، وإخلاف الوعد من قبيل هذا فيشمله الوعيد.
نوقش : بأنّ المراد بالآية الأمور الواجبة كالجهاد والزكاة وأداء الحقوق.
ويمكن أن يجاب: بأن الأصل في الآية الإطلاق والعموم.
الدليل الثاني:
قوله _صلى الله عليه وسلم_:"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان".
وجه الدلالة:أن النبيّ _صلى الله عليه وسلم_ نصّ على أنّ إخلاف الوعد علامةٌ على النفاق ، مما يدلّ بلا ريب على أن الوفاء به واجب ، وإخلافه محرّم.
نوقش: بأن الحديث خاصٌّ بمن وعد بشيءٍ واجبٍ عليه فأخلف وليس الحديث على إطلاقه بدليل أنّ من وعد بمحرّم لا يجب عليه الوفاء به، بل لا يجوز له الوفاء به.
يمكن أن يناقش: بأن كون الوعد بالحرام لا يجوز الوفاء به مُسلّم ، وهو قطعاً لم يكن داخلاً في مراد النبيّ _صلى الله عليه وسلم_ أصلاً حتى يقال بأن الحديث دخله التخصيص ؛إذْ هناك فرقٌ بين العمومات التي أريد بها الخصوص وبين العمومات التي دخلها التخصيص ، وعليه فيكون داخلاً في عموم الحديث الوعد بشيءٍ واجب والوعد بشيءٍ لم يجب.
الترجيح:
يظهر لي رجحان القول الثاني وهو القول بوجوب الوفاء بالوعد ديانةً ، وهو الذي تدلّ عليه ظواهر الأدلة، وقد تركت الإسهاب فيها مخافة الطول.
وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بهذا القول في دورته الخامسة.
*****************************************************
{أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى}
البَهيمةُ: ما لا نطق له ، وذلك لما في صوته من الإبهام ، لكن خصّ في التعارف بما عدا السباع والطير. فقال تعالى: { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ}.
من خلال هذا المصطلح المعرف ، يتبين أن البهيمة تشمل الأصناف الثمانية للأنعام من الإبل والبقر والغنم ، ويزيد عليها كل الحيوانات المجترة غير السباع والطير "
ويقول الزمخشري (ت:538) في تفسيره : " والأنعام: الأزواج الثمانية. وقيل: (بهيمة الأنعام) الظباء وبقر الوحش ونحوها كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس البهائم في الاجترار وعدم الأنياب، فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه".
فالسؤال هو: لماذا ذكرت (بهيمة الأنعام) في مناسك الحج ولم تذكر (الأنعام) فقط .
مقاربة نقدية:
من خلال النص السابق ، نحن أمام ثلاثة مصطلحات : البهيمة ـ الأنعام ـ بهيمة الأنعام.
مصطلح (البهيمة) : مصطلح معرف من طرف الراغب الأصفهاني، يقول الراغب: " والبَهيمةُ: ما لا نطق له، وذلك لما في صوته من الإبهام، لكن خصّ في التعارف بما عدا السباع والطير".
مصطلح (الأنعام) : مصطلح معرف من طرف الزمخشري، يقول الزمخشري "، والأنعام: الأزواج الثمانية " والأزواج الثمانية كما هو معروف هي : الإبل والبقر والغنم والماعز"
أما (بهيمة الأنعام) الذي هو مصطلح قرآني ، فتعريفه مختلف فيه بين المفسرين، فكان تعريفها بين كونها .
أجنة الأنعام
الأنعام كلها
الظباء وبقر الوحش ونحوها كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس البهائم في الاجترار وعدم الأنياب، فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه".
وللخروج من هذا الإشكال في تعريف مصطلح (بهيمة الأنعام) ، سنحاول استقراء المعجم القرآني لنتعرف على الاستعمالات القرآنية لهذا المصطلح.
ورد مصطلح (بهيمة الأنعام) في القرآن الكريم ثلاث مرات، على الشكل الآتي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيد}
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ }.
{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }.
فالخيط الرابط لهذا المصطلح في الآيات الثلاثة هو كون (بهيمة الأنعام) لها علاقة بمناسك الحج . فهي هدي مقدم إلى البيت الحرام لغرض الذبح . فهي الإبل والبقر والغنم التي تنحر في يوم العيد وما بعده من الهدايا والضحايا.
بخلاف المواضع الأخرى التي وردت فيها مفردة (الأنعام) مجردة في القرآن الكريم ، فهي جاءت في سياق يتحدث عن الأنعام بصفة عامة.
وهناك دليل آخر على هذا الطرح هو : سورة الحج التي اجتمع فيها المصطلحان كلاهما : (الأنعام) و (بهيمة الأنعام) :
يقول تعالى في سورة الحج : {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ* ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}.
(بهيمة الأنعام) جاء في سياق الأكل والإطعام ، أما (الأنعام) دون إضافة فجاءت في سياقها مما أحله الله دون المحرمات.
الخلاصة: من خلال ما تقدم وبالاحتفاظ بالمصطلح المعرف (بهيمة)، يمكن تعريف المصطلح القرآني (بهيمة الأنعام) بأنها : كل أصناف الأنعام ، من الإبل والبقر والغنم التي تنحر في يوم العيد وما بعده من الهدايا والضحايا.
*****************************************************
قوله: { غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ }.
1- تحريم صيد البر على المحرم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ }، فيمنع على المحرم صيد البر وهو متلبس بالإحرام أو الإشارة إليه والدلالة عليه.
2- يحرم على المحرم أيضًا صيد البر إذا صاده له شخص آخر حلال غير محرم في أصح قولي العلماء؛ لحديث جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم } رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
3- يجوز للمحرم الأكل من صيد البر إذا صاده شخص آخر حلال غير محرم لا من أجل هذا المحرم، وعليه حملت الأحاديث الواردة بأكل المحرم من صيد الحلال.
4- إذا صاد المسلم من صيد البر وهو حلال قبل التلبس بالإحرام، فادخر لحمه ثم أحرم فلا حرج عليه في الأكل منه؛ لأنه قتل.
5- ثم أباح الصيد بعد الحل من الإحرام في الآية التالية بقوله: { وإذا حللتم فاصطادوا}.
*****************************************************
*****************************************************
الآية الثانية:
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ ﴾
هذه الميتة لماذا حرم أكلها؟ لأن دمها فيها إذاً ليست مزكاة.
الدم هو أصل التحريم، كان العرب في الجاهلية يأخذون دم الدابة ويضعونه في الأمعاء، ثم يأكلون هذه الأمعاء مع الدم، وحينما أعطي البقر الدم المجفف وطحين اللحم جن البقر، وما جنون البقر إلا من جنون البشر.
بريطانيا اضطرت إلى إتلاف ثلاثة عشر مليون بقرة إحراقاً، وقيمة هذه الأبقار التي تم إحراقها ثلاثة وثلاثين مليار جنيه إسترليني، ومرض جنون البقر ليس عنا ببعيد، وكل منتجات البقر تؤذي الإنسان أشد الإيذاء، هذا الذي جن.
والله عز وجل يقول: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ ﴾
لأن دمها فيها، ولأن كل عوامل المرض في الدم، والدم فيها، حدثني صديق ذهب ليشتري صفقةً من اللحوم من بلاد شرق آسيا، فكان لهذه الدواب سعران؛ سعر دمها فيها، وسعر إذا ذبحت على الطريقة الإسلامية، لأن الدم قد يصل وزنه إلى خمسة كيلو غرام.
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ﴾
لأنه الأصل في التحريم، ولحم الخنزير، الآن إذا أرادوا أن يستنبتوا الجراثيم يضعونها في جزر من الدم، ما من وسط مساعد على نمو الجراثيم كالدم؛ السائل الأول الذي يرعى الجراثيم وينميها بأعداد، بسلسلة هندسية وليست حسابية
نعم كانت العرب تأكل الدم وتشرب الدم، فإذا احتاجوا فصدوا الإبل وشربوا الدماء، فالله نهاهم عن هذا إذا كان مسفوحاً وهو الذي يصب من العروق أو غير العروق، أما الدم الجامد كالكبد فهذا لا بأس إذا أكل الإنسان الكبد؛ لأنها ليست دماً مسفوحاً، فلا حرج في ذلك، وكانوا في الجاهلية يأكلون الدم ويفصدون الحيوانات ويشربون من دمائها فحرم الله عليهم ذلك، وبين سبحانه في الآية الأخرى، أو دماً مسفوحاً يعني مراقاً، فهذا هو وجه التحريم، الدم المراق لأنه سنة في الجاهلية ولأن في ذلك ضرراً على شاربه.
لحم الخنزير؛ يمكن أن نتحدث عن لحم الخنزير وعن حكمة التحريم، ولكن لو أنك أردت أن تفهم التحريم بتفسير علمي فقط هذا طريق مسدود، تقول لمن تحاوره: إن في الخنزير دودةً شريطية، يقول لك: عقمناه، تقول له: إن الخنزير يعيش في الأماكن الموبوءة، في القمامة، يقول: لا نحن نربيه في مزارع نظيفة جداً، أما قل له: إن الذي خلقنا والذي أوجد هذا الكون والذي أنزل هذا القرآن والذي شرع لنا حرمه علينا، لذلك أروع جواب سمعته من عالم غربي أسلم، التقى بعالم من بلاد المشرق وجرى حوار طويل حول حرمة لحم الخنزير، فهذا العالم المشرقي أسهب وأفاض في الحديث عن حكمة التحريم، فأجابه العالم الغربي إجابةً جامعةً مانعةً قاطعةً شافيةً قال له: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرَّمه، لأن المحرم هو خالق الأكوان، أنت دون أن تشعر إن دخلت إلى عيادة دكتور وقال لك: دع الملح، لا تفكر لثانية واحدة أن تناقشه، إنك مستسلم لعلمه، وقد يقول لك: بع بيتك الذي في الطابق الرابع واشتري بيتاً أرضياً، لا تتردد ساعةً، تعرض البيت للبيع، أيعقل أن تصدق الطبيب وألا تناقشه وألا تحاوره وألا تصدق الله عز وجل؟!!
فعلة أي أمر أنه أمر، الحقيقة الخنزير له وظائف، أي مجهز بجهاز هضمي بالغ التعقيد يمكن أن يأكل الجيف، وكأن هذا الحيوان سخره الله لتنظيف الفلاة من الجيف ومن الحيوانات الميتة، ولكن الطرف الآخر أعجبه ولم يجد طعاماً أطيب منه.
حدثني أخ درس في بلاد الشرق يحمل دكتوراه وصار عميد كلية الطب، قال لي: هناك بحوث كثيرة جداً عن انتقال طباع الحيوان إلى آكليه، فهناك حيوانات لا تسمح لأحد أن يرى لقاءها مع أنثاها، وهناك حيوانات تمارس هذا اللقاء أمام جمع غفير؛ منها الخنازير، فالذي يأكل هذا اللحم لعله يأخذ من طباع هذا الحيوان، على كل نحن مسلمون، نحن متبعون.
﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾
أي دابة ذبحت على شرف فلان؛ باسم اللات والعزة نذبح هذه الدابة، من اللات والعزة هنا؟ ليس التحريم تحريم ضرر لكن تحريم عقدي، بمعنى الآن أنت مشرك أنت حينما تذبح دابة ولم تقل: الله أكبر، معنى الله أكبر أي أن الله سخرها لي وسمح لي أن آكل لحمها لأنني مخلوق مكلف، وهذه الدابة مخلوق مسخر، ولعل ما ينتظرها من عطاء إلهي لأنها سخرت لهذا الإنسان، فأنا حينما آكل دابةً وأذبحها أنا أفعل ما أمرني الله به، فأقول: الله أكبر الذي سخرها لي، الله أكبر الذي ذللها لي، الله أكبر الذي سمح لي أن آكلها.
لا تأكلوا مما عليه أما إذا ذبحنا هذه الدابة لزيد أو عبيد أو فلان أو علان أو تعظيماً لهذا هذا تحريم لأنه مبني على شرك.
﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾
ينبغي أن تُذبح الدابة على اسم الله تعالى، أن تقول: الله أكبر.
﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ ﴾
التي خنقت بقي دمها فيها، إذاً هي تشبه الميتة.
﴿ وَالْمَوْقُوذَةُ ﴾
التي وقذت أي ضربت فكانت على وشك الموت.
﴿ وَالْمُتَرَدِّيَةُ ﴾
التي وقعت من مكان مرتفع.
﴿ وَالنَّطِيحَةُ ﴾
التي نطحت إذاً حرمت أيضاً. ﴾
﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ﴾
أي حيوان مفترس نهش شاةً فبين الموت والحياة، خمسة أنواع من الدواب محرم أكلها؛ المنخنقة دمها فيها، والموقوذة التي ضربت، والمتردية التي وقعت، والنطيحة التي نطحت، وما أكل السبع:
﴿ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾
كيف؟ للفقهاء رأي دقيق في الموضوع، أنت حينما ترى دابةً نطحت وهي على وشك الموت، فإذا ذبحتها وسال الدم منها وتحركت، فهي مزكاة وكأنها ليست نطيحة، أما إذا ذبحتها والدم لم يسل منها ولم تتحرك فهي ميتة، علامة تزكية النطيحة والمتردية والموقوذة وما أكل السبع والمنخنقة أن الدم يسيل منها بغزارة، وأنها تتحرك، فإن لم تتحرك ولم يخرج الدم منها بغزارة فهذه ميتة محرم أكلها، لذلك في بعض المسالخ يخففون عن الدابة ألمها فتصعق بمخدر، عندنا جيء ببعض العلماء ليأخذوا رأيه في هذه الطريقة في الذبح فأجاب الإجابة التالية: إذا صعقت ولم تذبح فماتت محرم أكلها، أما إذا صعقت وذبحت فانهار الدم منها وتحركت معنى ذلك أنها لم تمت، علامة تزكية الدابة المنخنقة أو الموقوذة أو المتردية أو النطيحة أو ما أكل السبع علامة تذكيتها أن ينهمر الدم منها وأن تتحرك، لو تحرك ذيلها أو رجلها أو رأسها فالحركة دليل الحياة، وخروج الدم منهمراً دليل الحياة.
﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾
قال بعض العلماء: إلا ما زكيتم لا تنسحب على الميتة والدم ولحم الخنزير، إلا ما زكيتم فقط للمنخنقة والموقوذة والنطيحة والمتردية وما أكل السبع، ولم يذكر الله عز وجل أن هذا الوقت الضرب كان على رأسها أو في بطنها أو في أي مكان آخر، أي مكان إذا ضربت الدابة بدت كأنها ميتة سارعنا إلى ذبحها، فإذا انهمر الدم منها وتحركت فهي دابة مزكاة وكأنها لم توقذ ولم تخنق. والعرب كانوا يضعون الحجارة فوق بعضها بعضاً على شكل هرم ويذبحون الدابة باسم اللات والعزة.
﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾
حينما يقدس الناس إلهاً غير الله عز وجل، يعبدونه من دون الله، فالدابة التي ذبحت على نصب تعظيماً لغير الله أيضاً محرم أكلها، لكن هذا التحريم عقائدي، تحريم بالتعبير الدقيق عقدي لا تحريم علمي.
﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾
الاستقسام بالأزلام أي العرب كانوا في جاهليتهم يأتون بسهام أو نبال يكتبون على أحدها أمرني ربي، وعلى الثاني نهاني ربي، وعلى الثالث لا شيء، فيأتي هذا الإنسان إن أراد السفر، أو أراد الزواج، أو أي عمل، يأتي إلى الكاهن يعطيه كيساً فيه الأسهم فيسحب، فإن جاء أمرني ربي يسافر، وإن جاء نهاني لا يسافر، وإن جاء بسهم فارغ يعيد القرعة، يعيد السحب، كلام لا معنى له إطلاقاً، نحن عندنا ضوابط، فالإسلام جاء بمنهج، جاء بضوابط، جاء بأمر ونهي، أما أنا أن أفعل لصدفة لا تستند لأي شيء علمي هذا شيء محرم.
﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾
أيضاً كانوا يذبحون ناقةً وفي عدد من السهام كبير، يقطعون هذه الناقة إلى ثلاثين جزءاً تقريباً، ففي سهم عليه جزء واحد له اسم معين يأخذ من أصابه هذا السهم قطعة من لحم هذه الناقة، وسهم عليه جزأين له اسم خاص لم أحفظه يأخذ قطعتين، وسهم يأخذ ثلاثة، وسهم أربعة، وسهم خمسة، ستة، سبعة، ثمانية، ومن يدفع ثمن الناقة لا يأخذ شيء، هذا ظلم، إنسان أخذ معظم الناقة صدفةً، والثاني دفع ثمنها ولم يأخذ شيئاً، هذا كان سائداً في الجاهلية.
*****************************************************
*****************************************************
الآية الثالثة﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾
الآية تتكلم عن صيد الكلب المعلم لصاحبه فهو حلال حتى ولو مات من فعل الصيد، يعني إذا قتله الكلب المعلم حل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقتل فكلالمقصود أنه إذا قتله كلب أو قتله الصقر بأن أرسل الصقر أو الكلب فقتل الصيد حل، الحمد لله إن أن يكون أكل منه، إذا أكل منه لا تأكل، يقول النبي: إذا أكل فلا تأكل لأنه إنما صاد لنفسه أما إذا قتله ولم يأكله فهو حل للمصيد له.
والحكم الشرعي أن ما صيد بواسطة الكلاب المعلّمة وما في حكمها كالفهود والصقور والبازي وكل طير يعلّم للصيد، وكان صاحبها الذي أرسلها قد ذكر اسم الله حين الإرسال، فإن ما أمسكته حلال ولو قتلته ما لم تأكل منه أو يشاركها غيرها من الكلاب الأخرى كما قال تعالى في الآية.
وقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث عدي بن حاتم قال : " قلت : يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي وأذكر اسم الله ، قال : " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك ، قلت : وإن قتلن ؟ قال : وإن قتلن ما لم يشاركها كلب ليس معها ، قلت له : إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيد ، قال : إذا رميت بالمعراض فخزق كله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله " .
وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه ، فإذا أمسك عليك فأدركته حيّا فاذبحه ، وإن أدركته قد قُتل ولم يأكل منه فكله ، فإن أخذ الكلب ذكاة " .
ففي هذه النصوص دليل واضح على أن ما أمسكته الجوارح المعلمة من الصيد وكان صاحبه قد ذكر اسم الله عليه فإنه حلال ولو قتله ، ما لم يشاركه فيه غيره ، وهكذا الحال فيما إذا رمى بسهمه أو نحوه كالبندق ذي رصاص البارود فخزق فإنه حلال ، أما إذا أصاب الصيد بعرض المعراض فقتله فهو موقوذة لا يحل أكله إلا أن يجد به حياة مستقرة فيذكيه فإنه يكون حلالا بالتذكية الصحيحة ذات الشروط الشرعية.
أما غير المعلم فإنه إذا أمسك ولم يقتل بل ذكي الصيد من قِبَل من توفرت فيه أهلية الذكاة فإنه حلال بخلاف ما إذا قتل فإنه صيد لا يحل لعدم توفر الشروط في الكلب المذكور.
ويشترط في النوعين التعليم:
لقوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله}.
وهذا الشرط لا خلاف فيه [المغني مع الشرح الكبير ص ج]
وتعليم النوع الأول من الجوارح وهو ما يصيد بنابه يتبين بأمور:
الأمر الأول: أن يسترسل إذا أرسله صاحبه في طلب الصيد ومعنى ذلك أنه إذا أغراه صاحبه بالصيد بصياحه به، أو أشلائه مثلًا هاج لذلك وانبعث لطلبه.
الأمر الثاني: أن يزجر إذا زجر – والزجر هنا معناه الصياح بالجارح ويكون لأحد غرضين:
- يكون لطلب وقوفه وكفه عن العدو– وهذا يعتبر قبل إرساله أو رؤيته الصيد عند الحنابلة [الشرح الكبير مع المغني ص ج] ووجه في مذهب الشافعية / والأصح عندهم يعتبر ذلك مطلقًا قبل الإرسال وبعده [المجموع شرح المهذب ص ج]. - ويكون الزجر لإغراء الجارح بزيادة العدو في طلب الصيد كما إذا استرسل بنفسه فتنبه له صاحبه فزجره لذلك [المقنع بحاشيته ص ج].
وهذان الأمران اتفقت المذاهب الأربعة على اعتبارهما [الإفصاح لابن هبيرة ص ج].
الأمر الثالث: أن لا يأكل من الصيد إذا أمسكه فإن أكل منه لم يبح وهو قول أبي حنيفة [تكملة فتح القدير على الهداية ص ج] وأصح الروايتين عن أحمد [المغني مع الشرح الكبير ص ج] وهو مذهب الشافعية [المجموع ص ج].
وعند المالكية أنه يباح ما أكل منه الجارح ولو أكل جله [الشرح الكبير ص ج] وهو الرواية الثانية عن أحمد [نفس المصدر].
أدلة الفريقين: من اشتراط عدم الأكل في تعليم الكلب استدل بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: إذا أرسلت كلابك المُعَلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل فاني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه [متفق عليه / المنتقى مع شرحه ص ج] فهذا الحديث يدل على تحريم أكل الصيد الذي أكل منه الكلب وقد علّل في الحديث بالخوف من أنه إنما أمسك على نفسه مع قول الله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} وهذا مما لم يمسك علينا بل على نفسه.
واحتج من أباح ما أكل منه الكلب بحديث أبي ثعلبة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : في صيد الكلب: إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه [رواه أبوداود / المنتقى مع شرحه ص ج وقال الحافظ لا بأس بسنده / فتح الباري ص ج]
وأجابوا عن حديث عدي بأنه محمول على كراهة التنزيه [فتح الباري ص ج] جمعًا بينه وبين هذا الحديث الدال على الجواز.
ونوقش هذا الجمع بأنه لا يتناسب مع التصريح بالتعليل في الحديث بخوف الإمساك على نفسه فقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه فلا يعدل عن ذلك [نفس المصدر].
الترجيح:
وبالنظر في الدليلين نجد أن دليل القائلين بالتحريم أرجح لأنه مخرج في الصحيحين متفق على صحته ودليل بالإباحة مخرج في غير الصحيحين ومختلف في تضعيفه [لأن في إسناده داود بن عمر الأودي الدمشقي عامل واسط قال أحمد ابن عبدالله العجلي: ليس بالقوي / نيل الأوطار ص ج].
فعلى هذا يكون القول بالتحريم أرجح لا سيما وأن رواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الذبائح التحريم فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل كما يتأيد أيضًا بقوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} والذي يأكل إنما أمسك لنفسه فقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه – كما يتأيد أيضًا بالشواهد من الأحاديث التي جاءت بمعناه [تفسير القرطبي، والإفصاح لابن هبيرة ].
*****************************************************
*****************************************************
الآية الرابعة{ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
الله سبحانه وتعالى أحل لنا معشر الأمة المحمدية الطيبات من المآكل والمشارب والملابس وغير ذلك، وأحل لنا طعام الذين أتوا الكتاب، والذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى، يقال لهم: أهل كتاب، فطعامهم حل لنا، والطعام هو الذبائح كما قال ابن عباس وغيره، طعامهم ذبائحهم، فإذا ذبحوا إبلاً أو بقراً أو غنماً أو غيرها مما أباح الله من الصيود والدجاج ونحو ذلك هو حل لنا، وطعامنا حل لهم، طعام المسلمين حل لهم أيضاً، وهذا كله إذا لم نعلم أنهم ذبحوه على غير الشرع، أما إذا علمنا أنهم أهلوه بغير الله فهو حرام علينا؛ لأن الله حرم علينا ما أهل به لغير الله، إذا علمنا أن هذه الذبيحة ذبحوها للمسيح أو ذبحوها لأمه أو ذبحوها لآلهة معبودة من دون الله لم تحل لنا، وهكذا إذا علمنا أنهم خنقوها خنقاً ما ذبحوها، خنقوها فهي محرمة علينا، وهكذا إذا علمنا أنهم ذبحوها على طريقة أخرى غير شرعية فلا تحل لنا، كالوقيذة التي يضربونها بالعمود أو بغيره أو بالصعق الكهربائي هذه لا تحل لنا.
أما هذه اللحوم فإنها وإن كانت تستورد من بلاد تدعي أنها كتابية فإنها حرام وميتة ونجسة، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها، وتحرم قيمتها، كما في الحديث سنن أبو داود البيوع ، مسند أحمد بن حنبل /.
إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه وذلك لوجوه عديدة:
أولا: أن هذه الدول في الوقت الحاضر قد نبذت الأديان وخرجت عليها، وكون الشخص يهوديا أو نصرانيا هو بتمسكه بأحكام ذلك الدين، أما إذا تركه ونبذه وراء ظهره فلا يعد كتابيا، والانتساب فقط دون العمل لا ينفع، كما أن المسلم مسلم بتمسكه بدين الإسلام، فإذا تركه فليس بمسلم، ولو كان أبواه مسلمين، فإن مجرد الانتساب لا يفيد .
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية - رحمه الله - بعد كلام : وكون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم يستفيد بنفسه لا بنسبه، فكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله بعد النسخ والتبديل أو قبل ذلك، وهو المنصوص الصريح عن أحمد وكان بين أصحابه خلاف ، وهو الثابت عن الصحابة بلا نزاع بينهم ، وذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم.
الثاني : أن ذبائح المذكورين الآن إما موقوذة أو مختنقة ، والمختنقة التي تخنق فتموت والموقوذة التي تضرب فتموت ،
وقد قال الله سبحانه وتعالى : سورة المائدة الآية
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ } ،
وقد تحقق أن هذه الدول الآن تقتل البهيمة إما بواسطة تسليط الكهرباء فتموت خنقا ، وإما بضربها بمطرقة في مكان معروف لديهم فتموت حالا وهذا محقق عنهم لا يمتري فيه أحد فقد كتبت عنهم عدة كتابات في هذا الصدد.
فتحقق أن ذبائحهم ما بين منخنقة وموقوذة ، وهذه لا يمتري أحد بتحريمها ، فقد حرمها الله في كتابه ، وقرن تحريمها بتحريم الميتة والخنزير وما أهل به لغير الله ، وهذا غاية في التنفير والتحريم فلا يبيحها كون خانقها أو واقذها منتسبا لدين أهل الكتاب.
وقد صرح العلماء : أن من شروط صحة الذبح الآلة ، وللآلة شرطان:
أحدهما :
أن تكون محددة تقطع ، أو تخرق بحدها ، لا بثقلها ، وفي حديث عدي قال : صحيح البخاري الذبائح والصيد ، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ، سنن الترمذي الصيد ، سنن النسائي الصيد والذبائح ، سنن ابن ماجه الصيد ، مسند أحمد بن حنبل /. سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيد المعراض فقال : ما أصاب بحده فكله ، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ.
والثاني :
أن لا تكون سنا ولا ظفرا ، فإذا اجتمع هذان الشرطان في شيء حل الذبح به ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : صحيح البخاري الذبائح والصيد ، صحيح مسلم الأضاحي ، سنن النسائي الضحايا ، سنن أبو داود الضحايا . وما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ، ليس السن والظفر متفق عليه.
الثالث :
أن الله أباح ذبائح أهل الكتاب ؛ لأنهم يذكرون اسم الله عليها ، كما ذكره ابن كثير وغيره ، أما الآن فقد تغيرت الحال ، فهم ما بين مهمل لذكر الله ، فلا يذكرون اسم الله ولا اسم غيره ، أو ذاكر لاسم غيره ؛ كاسم المسيح ، أو العزير ، أو مريم ، ولا يخفى حكم ما أهل لغير الله به في سياق المحرمات سورة البقرة الآية وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وفي حديث علي صحيح مسلم الأضاحي ، سنن النسائي الضحايا ، مسند أحمد بن حنبل /. لعن الله من ذبح لغير الله الحديث . رواه مسلم والنسائي ،
أو ذاكر عليه اسم الله واسم غيره ، أو ذابح لغير الله كالذي يذبح للمسيح أو عزير أو باسمهما ، فهذا لا يشك مسلم بتحريمه ، وأنه مما أهل به لغير الله ، وذكر إبراهيم المروذي : أن ما ذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه ؛ لأنه مما أهل لغير الله . اهـ . فمن ذبح للصنم أو لموسى أو لعيسى أو غيرهما فكل هذا حرام ، ولا تحل الذبيحة ، سواء كان الذابح مسلما أو كافرا ، وبعضهم أباح هذه الذبائح مستدلا بقوله : سورة المائدة الآية وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وهذه ذبائحهم ، والصحيح : ما ذكرنا ؛ لما أشرنا إليه من الأدلة ، ولا مخالفة حتى يطلب الجمع ، إذ ذبيحة الكتابي مباحة ، فلا تباح المنخنقة والموقوذة وما أهل به لغير الله ؛ لأن خانقها وواقذها وذابحها من أهل الكتاب.
*****************************************************
{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ }.أباح الله عز وجل لنا المحصنات من أهل الكتاب إذا دفعنا لهن أجورهن وهي المهور والمحصنة هي الحرة العفيفة فإذا تيسر للمسلم حرة عفيفة من أهل الكتاب واتفق معها على المهر المطلوب والأجر جاز له نكاحها بواسطة وليها، وليس هناك شروط أخرى فيما نعلم؛ إلا أنه ينبغي للمؤمن أن يلتمس المسلمات المحصنات وأن يقدم ذلك على نكاح المحصنات من أهل الكتاب لأسباب كثيرة منها: أن ذلك أسلم لدينه، ومن ذلك أنه أسلم لذريته، ومن ذلك أن أخواته المسلمات أولى بالإعفاف وأولى بالإحسان من الكافرات، فلهذا كان كثير من السلف يكره نكاح المحصنات من أهل الكتاب ومنهم عمر - رضي الله عنه – أمير المؤمنين فنصيحتي لك أيها السائل أن لا تتزوج من أهل الكتاب، وأن تلتمس محصنة مسلمة من أهل دينك؛ لأن ذلك خير لك في دينك ودنياك، وخير لك في العاقبة وخير لذريتك إن شاء الله، لكن لو تزوجت محصنة من أهل الكتاب فأولادها تبع لك مسلمون ذكوراً كانوا أو إناثاً؛
لأن الولد يتبع خير أبويه والمسلم خير من الكافر، فإذا كان الزوج مسلماً والمرأة كتابيه فإن أولاده منها يتبعونه بحكم إسلامه من غير حاجة إلى تجديد الإسلام، وعليك أن تسعى مجتهداً في توجيه الأولاد إلى الخير وإدخالهم المدارس إسلامية حيث أمكن ذلك أو تعليمهم في البيت، المقصود أن عليك أن تجتهد في بعدهم من شر الكفرة ومكائد الكفرة وسوء أهل الكفرة ومدارسهم إلا عند الضرورة فإنهم يدرسون في المدارس الكافرة الدروس التي تنفعهم ويكون لك عناية بهم من جهة الدروس الدينية ولو بواسطة معلم خاص في البيت، وإذا تيسر لهم دروس في المدرسة الكافرة، إذا تيسر لهم دروس إسلامية، وكثير من المدارس يوجد فيها الدراسات الإسلامية وإن كانت في بلاد كافرة والخلاصة أنك تجتهد في التزوج من المسلمات، وإذا قدر أنك تزوجت محصنة من أهل الكتاب فإن أولادك منها تابعون لك ومحكوم بإسلامهم، وعليك بالاجتهاد في تربيتهم التربية الصالحة وتوجيههم إلى الخير والحذر من كل ما يسبب جرهم إلى الكفر بالله واعتناقهم دين أمهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
في حالة ما إذا اكتشف أن الأبناء لا زالوا على دين أمهم وأنهم لم يعتنقوا الإسلام رغم محاولته هل يسمح للبنات بأن يتزوجوا من أهل ديانة غير ديانة الإسلام؟
عليه أن يجاهد، عليه أن يجاهد لأن تكون البنت مسلمة تبع له، وهكذا الولد الذكر فيحرص على ذلك وليس لها أن تتبع دين أمها وليس للذكر كذلك أن يتبع دين أمه الواجب عليه أن يتبع دين أبيه وهذا فرض عليه فإذا استمر في متابعته لدين أمه النصرانية هذا محل نظر ينبغي له أن لا يتساهل معهم في ذلك بل يجب أن يلاحظ ... الإسلام وترغيب في الإسلام وبذلهم المستطاع في الإسلام حتى يتزوج بالمسلم ويتزوج الولد بالمسلمة ويبتعد الجميع عن خطر الكفر وشر الكفر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
*****************************************************
*****************************************************
الآية الخامسة وهي تتكلم عن أحكام الوضوء والتيمم، وقد سبق الحديث عن هذه الأحكام في سورة النساء ، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق