الآية الأولى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾
[النِّسَاء: 29].
[النِّسَاء: 29].
لقد عُنِي الإسلام عنايةً عظيمة بالمحافظة
على أموال المسلمين، وأمَرَ بصيانتها، وحرَّم التعدي عليها، وقرنت الأموال بالأنفس
في مواضعَ كثيرة من القرآن الكريم، فأمَر بالجِهاد بالأموال والأنفُس في سبيل الله،
ونظَّم الأموال تنظيمًا سليمًا، فجعل في المال زكاةً حقًّا معلومًا للفقراء والمساكين
وغيرهم، ممَّن ذكروا في النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وجعل فيها حقوقًا مُعيَّنة معلومة، وحرَّم التعدي على أموال الناس بغير حقّ، وعظَّم جريمة السرقة، فجعل عقوبتَها القطع؛
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ ﴾﴿ السَّارِقُ
[المائدة:388].
وغيرهم، ممَّن ذكروا في النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وجعل فيها حقوقًا مُعيَّنة معلومة، وحرَّم التعدي على أموال الناس بغير حقّ، وعظَّم جريمة السرقة، فجعل عقوبتَها القطع؛
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ ﴾﴿ السَّارِقُ
[المائدة:388].
ونهى عن الغَصْب والنهبة والخيانة، ووبَّخ
مَن فَعَل ذلك، وجعل له عقوبة رادعة؛ قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾
[النِّسَاء: 29]،
[النِّسَاء: 29]،
وقال:
﴿ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
[البَقَرَة1888].
وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في خُطبته يومَ النَّحْر في حجَّة الوداع: ((إنَّ دماءكم وأموالَكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحُرْمة يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدكم هذا، حتى تلقوا ربَّكم، ألاَ فلْيُبلِّغِ الشاهدُ الغائب))؛ رواه مسلم وغيره.
﴿ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
[البَقَرَة1888].
وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في خُطبته يومَ النَّحْر في حجَّة الوداع: ((إنَّ دماءكم وأموالَكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحُرْمة يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدكم هذا، حتى تلقوا ربَّكم، ألاَ فلْيُبلِّغِ الشاهدُ الغائب))؛ رواه مسلم وغيره.
وعن عبدالله بن عمر: أنَّ رسول الله
- صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا
الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا
مني دِماءَهم وأموالهم، إلاَّ بحقِّ الإسلام، وحسابُهم على الله تعالى))؛ رواه البخاري
ومسلم.
وعن أبي هريرة: أنَّ رسول الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - قال: ((كلُّ المسلِم على المسلم حرامٌ: دمُه، وماله، وعِرْضه))؛
رواه مسلم.
وعن أبي هريرة، عن النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم - قال: ((مَن كان عِنده مظلمةٌ لأخيه فليتحللْ منها، فإنه ليس ثَمَّ دينار
ولا درهم، من قبل أن يُؤخَذ لأخيه مِن حسناته، فإن لم يكن له حسناتٌ أُخِذ من سيئات
أخيه، فُطِرحت عليه))؛ رواه البخاري.
وعن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ فقال: يا
رسول الله، أرأيتَ إن جاء رجلٌ يريد أخْذ مالي؟ قال: ((فلا تُعطِه مالك))، قال: أرأيتَ
إن قاتلني؟ قال: ((قاتِلْه))، قال: أرأيتَ إن قتلني؟ قال: ((فأنت شهيد))، قال: أرأيت
إن قتلتُه؟ قال: ((هو في النَّار))؛ رواه مسلم
وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما
-: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قُتِل دون مالِه فهو شهيد))؛
متفق عليه، وفي لفظ: ((مَن أُريد مالُه بغير حقٍّ فقاتل فقُتِل، فهو شهيد))؛ رواه أبو
داود، والترمذي وصححه
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعتُ
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن قُتِل دون دِينه فهو شهيد، ومَن قُتِل
دون دمِه فهو شهيد، ومَن قُتِل دون مالِه فهو شهيد، ومَن قُتِل دون أهله فهو شهيد))؛
رواه أبو داود، والترمذي وصححه
وعنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن أَخَذ شِبرًا من الأرض ظُلمًا طُوِّقه من سبع أَرَضين))؛
متفق عليه
وعن السائب بن يَزيدَ عن النبي - صلَّى
الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يأخذ أحدُكم عصَا أخيه لاعبًا ولا جادًّا، فمَن أخذ عصا
أخيه فلْيردَّها إليه))؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي
وعن أنس: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه
وسلَّم - قال: ((لا يَحِلُّ مال امرئ مسلِم إلاَّ بطِيب نفسه))؛ رواه الدارقطني
وجاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ
بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، وَقَالَ
: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ،
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ
إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ
، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ
" [ أخرجه مسلم في صحيحه ] ، يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطورة أكل المال
الحرام ، بأي طريقة كانت ، وأي وسيلة حصلت ، فالمال الحرام سبب لمنع إجابة الدعاء ،
وإغلاق باب السماء ، فالمال الحرام طريق مستعر ، محفوف بالخطر ، وسلم هار ، ينهار بصاحبه
إلى النار ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ
نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، أي : من حرام " [ أخرجه الترمذي وغيره ] ، وأخرج البخاري
وأحمد من حديث خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ
ـ يتصرفون ـ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
" ، فاحذروا أيها الناس من أكل المال الحرام ، فهو مستنقع قذر ، ووحل ضرر ، سبيل
إلى الهلاك ، ومركب إلى الهاوية ، فاحذروا المال الحرام بكل صوره وأنماطه ، وشتى أنواعه
وأشكاله ، فهو خبيث والله تعالى لا يحب الخبيث ،
قال تعالى :
" قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب
" قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب
كم للمال الحرام من صور مغلفة يزينها
الشيطان ، يخيل بها على ضعاف النفوس من الناس ، فمن صور المال الحرام ، وأعظمها خطورة
على الأفراد والمجتمعات ، والدول والشعوب
تعاطي الربا ، فالربا ممحوق البركة ،
منزوع الخير ،1)
قال تعالى : " يَمْحَقُ اللَّهُ
الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ
" ،
الربا من أشد الرزايا على المجتمعات ، سواءً كان مع الأفراد أو البنوك أو المؤسسات ، فالربا رباً وإن اختلفت أسماؤه وهيئاته وطرق التعامل به ،
قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " ، وقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " ، فالربا حرام بكل أشكاله ، وجميع تعاملاته ، قليله وكثيره سواء ،
قَاْلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " ،
ولقد جاء التحذير من خطورة الربا أو التعامل به في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ،
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ " [ أخرجه مسلم ] ،
ثم اعلموا أيها الناس أن الربا لم يُحل في شريعة قط ، ولم تصدر فتوىً بجوازه إلا كان صاحبها محارباً لله ولرسوله ، ضيقة أفقه ، متعسرة مداركه ، متبعاً لهواه ، ممزقاً إيمانه ، يرضي الناس بسخط الله ،
قال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " ،
الربا حرام وكبيرة من كبائر الذنوب ، وجريمة من أعظم الجرائم ، مهلك للأموال ، قاتل للنفوس ، يهلك الحرث والنسل ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ ، فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرَائِيلُ ؟ قَالَ " هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا " [ أخرجه ابن ماجة ] ،
وقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرِّبَا سَبْعُونَ بابًا ، أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ " [ أخرجه ابن ماجة ] ، وقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ ، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ " [ أخرجه أحمد وغيره ] ، وقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي ، رَجُلًا يَسْبَحُ فِي نَهَرٍ دم ، وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ ، فَسَأَلْتُ مَا هَذَا ؟ فَقِيلَ لِي : " آكِلُ الرِّبَا " [ متفق عليه ] ،
فالله الله أيها المسلمون احذروا الربا في تعاملاتكم ، وفي أعمالكم ، فهو حرب على الله تعالى ، وأنى لعبد أن يحارب خالقه ورازقه وموجده
الربا من أشد الرزايا على المجتمعات ، سواءً كان مع الأفراد أو البنوك أو المؤسسات ، فالربا رباً وإن اختلفت أسماؤه وهيئاته وطرق التعامل به ،
قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " ، وقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " ، فالربا حرام بكل أشكاله ، وجميع تعاملاته ، قليله وكثيره سواء ،
قَاْلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " ،
ولقد جاء التحذير من خطورة الربا أو التعامل به في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ،
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ " [ أخرجه مسلم ] ،
ثم اعلموا أيها الناس أن الربا لم يُحل في شريعة قط ، ولم تصدر فتوىً بجوازه إلا كان صاحبها محارباً لله ولرسوله ، ضيقة أفقه ، متعسرة مداركه ، متبعاً لهواه ، ممزقاً إيمانه ، يرضي الناس بسخط الله ،
قال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " ،
الربا حرام وكبيرة من كبائر الذنوب ، وجريمة من أعظم الجرائم ، مهلك للأموال ، قاتل للنفوس ، يهلك الحرث والنسل ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ ، فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرَائِيلُ ؟ قَالَ " هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا " [ أخرجه ابن ماجة ] ،
وقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرِّبَا سَبْعُونَ بابًا ، أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ " [ أخرجه ابن ماجة ] ، وقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ ، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ " [ أخرجه أحمد وغيره ] ، وقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي ، رَجُلًا يَسْبَحُ فِي نَهَرٍ دم ، وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ ، فَسَأَلْتُ مَا هَذَا ؟ فَقِيلَ لِي : " آكِلُ الرِّبَا " [ متفق عليه ] ،
فالله الله أيها المسلمون احذروا الربا في تعاملاتكم ، وفي أعمالكم ، فهو حرب على الله تعالى ، وأنى لعبد أن يحارب خالقه ورازقه وموجده
2-
ومن صور المال الحرام ، الحلف بالله
زوراً لتضييع الحقوق ، وهضم الأموال ،
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : " وَإِنْ كان قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ " [ أخرجه مسلم والنسائي واللفظ له ] ،
فانظروا أيها الناس كيف أن أخذ عود السواك ظلماً وحراماً ، كان سبباً من أسباب دخول النار والعياذ بالله ، فكيف بمن يسرق أكبر من السواك ، لجرمه أعظم ، وعقابه أكبر ،
ومن الناس اليوم من لا يخاف الله تعالى ولا يتقه ، ولا يخشاه ولا يراقبه ، فتراه مقسماً بالله ، حالفاً به زوراً وظلماً ، عمداً وعدواناً ، ليأكل حفنة من المال الحرام ، أو ربما كان قسمه سبباً لإزهاق حق ، أو إظهار باطل ، وكم هي المشاهد والمآسي المؤلمة التي نراها ونسمعها عمن حلف بالله كذباً وزوراً إرضاءً لنفس ، أو نكايةً بأخرى ، فكانت العاقبة موتاً مفاجئاً ، وحادثاً مروعاً ، عذاباً فوق العذاب ، ليذوق وبال أمره ،
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : " وَإِنْ كان قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ " [ أخرجه مسلم والنسائي واللفظ له ] ،
فانظروا أيها الناس كيف أن أخذ عود السواك ظلماً وحراماً ، كان سبباً من أسباب دخول النار والعياذ بالله ، فكيف بمن يسرق أكبر من السواك ، لجرمه أعظم ، وعقابه أكبر ،
ومن الناس اليوم من لا يخاف الله تعالى ولا يتقه ، ولا يخشاه ولا يراقبه ، فتراه مقسماً بالله ، حالفاً به زوراً وظلماً ، عمداً وعدواناً ، ليأكل حفنة من المال الحرام ، أو ربما كان قسمه سبباً لإزهاق حق ، أو إظهار باطل ، وكم هي المشاهد والمآسي المؤلمة التي نراها ونسمعها عمن حلف بالله كذباً وزوراً إرضاءً لنفس ، أو نكايةً بأخرى ، فكانت العاقبة موتاً مفاجئاً ، وحادثاً مروعاً ، عذاباً فوق العذاب ، ليذوق وبال أمره ،
قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان
بكم رحيماً * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً
" ،
وقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ
عَلَيْهِ غَضْبَانُ،
ثُمَّ قَرَأَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ
" إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ
فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ولهم عذاب أليم "
[ أخرجه البخاري ومسلم ] ،
ولقد جاءت تسمية تلكم اليمين الفاجرة الظالمة باليمين الغموس ، التي تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في نار جهنم والعياذ بالله ، عقد البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باباً وسمه ببَاب الْيَمِينِ الْغَمُوسِ
ثُمَّ قَرَأَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ
" إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ
فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ولهم عذاب أليم "
[ أخرجه البخاري ومسلم ] ،
ولقد جاءت تسمية تلكم اليمين الفاجرة الظالمة باليمين الغموس ، التي تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في نار جهنم والعياذ بالله ، عقد البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باباً وسمه ببَاب الْيَمِينِ الْغَمُوسِ
ثم ذكر قول الله جل وعلا :
" وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "
دَخَلًا مَكْرًا وَخِيَانَةً ، وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْكَبَائِرُ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ " [ أخرجه البخاري ] ،
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله
عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا
يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ ، إِلَّا طَوَّقَهُ اللَّهُ
إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [ أخرجه مسلم ] ،
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
إِلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ
مِنْ بَعْضٍ ، فَإِنْ قَضَيْتُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ ، فَإِنَّمَا
أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا " [ أخرجه
الترمذي وقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
]
3- ومن صور المال الحرام أخذ الرشوة ، ولقد
لُعن أهلها والمتعاملين بها ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ
: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي
" [ أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد ] ، وكم من الموظفين اليوم من لا
يخاف الله ولا يخشاه ، فتراه آكلاً للمال الحرام ، متعاط للرشوة ، ولقد علم سلف هذه
الأمة خطورة الرشوة ، وشديد أمرها ، وأنها سبب لزعزعة الأمن ، ومجلبة للضعف والخور
، وهلاك ودمار ،
فتركوا طريقها ، وابتعدوا عن سبيلها
،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ ، فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ قَالَ
: فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ ، فَقَالُوا لَهُ : هَذَا لَكَ
وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ
: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ! وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ
، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ ، فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ
مِنَ الرَّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ ، وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا ، فَقَالُوا : بِهَذَا
قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ " [ أخرجه مالك ] ،
ألا فاعلموا أيها المسلمون أن من أشد أنواع الرشوة خطورة ، وأعظمها نكاية
بالأمة ، الرشوة لإبطال حق ، أو إحقاق باطل ، وكذا الرشوة للحاكم والقاضي ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ " [ أخرجه الترمذي وقال حَدِيثٌ
حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، وقال مَسْرُوقٍ رحمه الله : إِذَا أَكَلَ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ
فَقَدْ أَكَلَ السُّحْتَ ، وَإِذَا قَبِلَ الرِّشْوَةَ بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ
" [ أخرجه النسائي ] ،
فالرشوة فساد للمجتمعات ، تدمير للحقوق ، أذانٌ بالهلاك
من الله جل وعلا ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ
فِيهِمُ الرِّبَا ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ ـ القحط والجدب ـ وَمَا مِنْ قَوْمٍ
يَظْهَرُ فِيهِمُ الرُّشَا ـ الرشوة ـ إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ " [ أخرجه
أحمد ] ،
وها هي الأمة اليوم تعاني تبعات أكل المال الحرام ، من حروب مدمرة ، وويلات مهلكة ، وقحط وجدب ، فقد أمسكت السماء ماءها ، ومنعت الأرض خيراتها ، ولفحت الشمس بحرارتها ، واشتدت الطقوس ببرودتها ، فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا أسباب سخطه ، وموارد عقوبته
وها هي الأمة اليوم تعاني تبعات أكل المال الحرام ، من حروب مدمرة ، وويلات مهلكة ، وقحط وجدب ، فقد أمسكت السماء ماءها ، ومنعت الأرض خيراتها ، ولفحت الشمس بحرارتها ، واشتدت الطقوس ببرودتها ، فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا أسباب سخطه ، وموارد عقوبته
4- كم تعاني الأمة اليوم من ويلات الحرب
المسعورة ضد الإسلام وأهله ، والزج بهم لأكل المال الحرام ،
فمن صور المال الحرام التسول وسؤال الناس بلا حاجة أو ضرورة ، فالتسول سبب لمحق بركة المال ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا ، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ " [ أخرجه مسلم ] ،
فمن صور المال الحرام التسول وسؤال الناس بلا حاجة أو ضرورة ، فالتسول سبب لمحق بركة المال ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا ، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ " [ أخرجه مسلم ] ،
التسول تعتيم لصورة الإسلام المضيئة
، وتشويه لحقيقته الوضاءة ، فكم سعى الأعداء للنيل من الإسلام بشتى الطرق والوسائل
، ومنها تغيير منهج المساجد وملؤها بأولئك المتسولين والمتسولات ، حتى تفاقم الوضع
وانتشر ، وزاد المكر والخطر ، ينهبون الناس بكلمات رقيقة جذابة ، صنعها لهم صُناع الكلمة
من العصابات ، والمؤسسات المنحرفة ، قال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ
فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ " [ أخرجه مسلم ]
، وكم من الناس اليوم من يعاني
الفقر ، ويصارع الجوع ، ويدفع الفاقة ، ومع ذلك تراه عفيف النفس ، شامخ الأخلاق ، فلا
يمد يديه إلا لله ، ولا يُنزل حاجته إلا بالله ، ومع فقره وشدة حاجته فهو كما قال الله
تعالى : " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً
" ، وهناك من الناس من يسأل عباد الله ، ويترك من بيده خزائن السموات والأرض ،
لا حاجة ولا فاقة ، وإنما إكثاراً من الأموال وتكسباً ، فأصبح التسول هو وظيفته ، ومصدر
رزقه ، وقد قال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي
الْمَسْأَلَةِ مَا مَشَى أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ يَسْأَلُهُ شَيْئًا " [ أخرجه النسائي
] ،
وقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " لَا يَفْتَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ ، إِلَّا فَتَحَ
اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ ، يَأْخُذُ الرَّجُلُ حَبْلَهُ فَيَعْمِدُ إِلَى الْجَبَلِ
، فَيَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَأْكُلُ بِهِ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ
، مُعْطًى أَوْ مَمْنُوعًا " [ أخرجه أحمد ] ،
ومع حرمة التسول ، وأليم عقابه في الآخرة ، إلا أن هناك أنواعاً من التسول أجازها الشارع الكريم ، وبينها أيما تبيين ،
عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ : تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا ، فَقَالَ : " أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا " ، ثُمَّ قَالَ : يَا قَبِيصَةُ ! إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ : رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ، أَوْ قَالَ : سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ، أَوْ قَالَ : سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا ، يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا " [ أخرجه مسلم ] ،
ومع حرمة التسول ، وأليم عقابه في الآخرة ، إلا أن هناك أنواعاً من التسول أجازها الشارع الكريم ، وبينها أيما تبيين ،
عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ : تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا ، فَقَالَ : " أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا " ، ثُمَّ قَالَ : يَا قَبِيصَةُ ! إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ : رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ، أَوْ قَالَ : سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ، أَوْ قَالَ : سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا ، يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا " [ أخرجه مسلم ] ،
فهذا الحديث أصل عظيم في تحريم التسول لغير حاجة
ماسة ، أو ضرورة ملحة ، فالتسول حرام ، وناراً يأكله صاحبه في جوفه ، فاتقوا النار
وذروا المال الحرام ، فقد قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ
ـ قوي صحيح ـ إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ ، أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ ، وَمَنْ سَأَلَ
النَّاسَ لِيُثْرِيَ بِهِ مَالَهُ ، كَانَ خُمُوشًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
، وَرَضْفًا ـ حجارة محمية ـ يَأْكُلُهُ مِنْ جَهَنَّمَ ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقِلَّ
، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ " [ أخرجه الترمذي ] .
5- ومن صور المال الحرام أخذ أموال الناس
بقصد السلف والدين ، مع إضمار النية بعدم رده وسداده ، أو التهاون في ذلك ، فهذا هو
الظلم والعدوان ، والتعدي على حرمات الواحد الديان ، قال الله المنان : " ولا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه
، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ
النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلَافَهَا
أَتْلَفَهُ اللَّهُ " [ أخرجه البخاري ] ،
ثم اعلموا أيها الناس أن أكل المال بمثل هذه الصورة من صور المال الحرام هو ظلم وتعد على الأموال المعصومة ، فمن كانت لديه أموال لأناس أسدوا له معروفاً ، وقدموا له إحساناً فعليه أن يرد المال لأصحابه ، والإحسان إحساناً ،
يقول الله جل وعلا : " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " ،
وقال تعالى : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " ،
واعلموا أيها الناس أن من يأكل أموال الناس بطريقة خسيسة ، وحيلة ملتوية ، لا إسلام ، ولا إيمان له ،
ويصدق ذلك قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ " [ متفق عليه ] ،
ثم اعلموا أيها الناس أن أكل المال بمثل هذه الصورة من صور المال الحرام هو ظلم وتعد على الأموال المعصومة ، فمن كانت لديه أموال لأناس أسدوا له معروفاً ، وقدموا له إحساناً فعليه أن يرد المال لأصحابه ، والإحسان إحساناً ،
يقول الله جل وعلا : " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " ،
وقال تعالى : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " ،
واعلموا أيها الناس أن من يأكل أموال الناس بطريقة خسيسة ، وحيلة ملتوية ، لا إسلام ، ولا إيمان له ،
ويصدق ذلك قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ " [ متفق عليه ] ،
فأين الإسلام ممن لم يسلم الناس من يده ، وأين الإيمان ممن لم يرع أموال
الناس ، فاتقوا الله عباد الله ، وردوا الأمانات إلى أهلها ، وتوبوا إليه قبل أن لا
يكون دينار ولا درهم ، وإنما هي الحسنات والسيئات ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله
عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ
كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ
ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ
، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ
عَلَيْهِ " [ أخرجه البخاري
] .
6- ومن صور المال الحرام ، بيع المسلم على
بيع أخيه ، وشرائه على شرائه ، كمن يشتري سلعة من شخص ، ثم يأتي آخر ، فيعرض مبلغاً
أكثر من الأول بقصد الإضرار أو بلا قصد ، فهذا بيع وشراء محرم ، وكذلك بيع المسلم على
بيع أخيه ، كمن يبيع سلعة على شخص ثم يأتي بائع آخر ، فيعرض سلعته على المشتري بقصد
الإضرار بالبائع الأول ، أو بغير قصد ، فهذا بيع وشراء حرام ،
لقوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ
" [ متفق عليه واللفظ للنسائي ] ،
فلا يجوز للمسلم إذا رأى أخيه المسلم أقدم على شراء سلعة أن يقدم على شرائها ، حتى يتم البيع أو يترك المشتري السلعة ، ولا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة على مسلم قد باعها إياه بائع آخر ، حتى يتم البيع أو يترك المشتري ، وكذلك لا يجوز أن يسوم المسلم على سوم أخيه ، لقوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ " [ أخرجه الترمذي ]
هذه من محاسن الإسلام ، وخصاله الحميدة ، وصفاته النبيلة ، التي فقدها كثير من التجار ، ولم يرمها كثير من الناس اليوم ، لا سيما في بيعهم وشرائهم ، فعليكم بتقوى الله ، وتحري الكسب الحلال في أموالكم ، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً.
فلا يجوز للمسلم إذا رأى أخيه المسلم أقدم على شراء سلعة أن يقدم على شرائها ، حتى يتم البيع أو يترك المشتري السلعة ، ولا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة على مسلم قد باعها إياه بائع آخر ، حتى يتم البيع أو يترك المشتري ، وكذلك لا يجوز أن يسوم المسلم على سوم أخيه ، لقوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ " [ أخرجه الترمذي ]
هذه من محاسن الإسلام ، وخصاله الحميدة ، وصفاته النبيلة ، التي فقدها كثير من التجار ، ولم يرمها كثير من الناس اليوم ، لا سيما في بيعهم وشرائهم ، فعليكم بتقوى الله ، وتحري الكسب الحلال في أموالكم ، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً.
7-
ومن أكثر طرق المال الحرام تداولاً بين
الناس اليوم ، ولاسيما في المعارض والمحلات التجارية الكبرى ، بيع النجش ، ومقصوده
، أن يزيد أو ينقص في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ، وإنما يريد الإضرار بالبائع أو
المشتري ، سواءً كان متواطئاً مع البائع أم المشتري أم لم يكن ، فكل ذلك من أكل المال
الحرام ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : " نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّجْشِ " [ متفق عليه ] ، فاحذروا عباد الله أسباب سخط الله تعالى ، وكلوا الرزق الحلال الطيب ، ليبارك لكم فيما رزقكم ربكم
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : " نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّجْشِ " [ متفق عليه ] ، فاحذروا عباد الله أسباب سخط الله تعالى ، وكلوا الرزق الحلال الطيب ، ليبارك لكم فيما رزقكم ربكم
8-
ومن صور أكل المال الحرام ، غش الناس
والتدليس عليهم في المعاملات ، من أجل أكل أموالهم بالباطل ، كمن يجعل طيب الطعام في
الأعلى ، والرديء في الأسفل ، أو الجديد في الأعلى والقديم في الأسفل ، أو الكبير في
الأعلى والصغير في الأسفل ، وهذا أمر لا يجوز شرعاً ولا عرفاً ، وهو من الغش المتداول
بين الناس اليوم ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا ، فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ قَالَ : أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ ، كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي " [ أخرجه مسلم ] ،
فأين الإسلام ، وأين الأخوة التي حث عليها كتاب الله تعالى ، وأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، ألا فليتق الله أناس عرف الحق فلم يتبعوه ، وعلموا الحلال فتجاوزوه ، فاتقوا الله أيها التجار وبينوا عيوب السلع للناس قبل بيعها ، والله هو الرزاق ذو القوة المتين ،
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ ، إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ " [ أخرجه ابن ماجة وأحمد ] ،
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ ، لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ " [ أخرجه ابن ماجة ] ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا ، فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ قَالَ : أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ ، كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي " [ أخرجه مسلم ] ،
فأين الإسلام ، وأين الأخوة التي حث عليها كتاب الله تعالى ، وأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، ألا فليتق الله أناس عرف الحق فلم يتبعوه ، وعلموا الحلال فتجاوزوه ، فاتقوا الله أيها التجار وبينوا عيوب السلع للناس قبل بيعها ، والله هو الرزاق ذو القوة المتين ،
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ ، إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ " [ أخرجه ابن ماجة وأحمد ] ،
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ ، لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ " [ أخرجه ابن ماجة ] ،
ومن علم أن في سعلة عيباً وجب عليه أن يبينه لمن
اشتراه ، لأن هذا من حق المسلم على أخيه ، ولا يجوز له أن يكتمه ، فإنه كتمه فهو آثم
،
قَالَ أَبُو سِبَاعٍ : اشْتَرَيْتُ نَاقَةً مِنْ دَارِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه ، فَلَمَّا خَرَجْتُ بِهَا ، أَدْرَكَنَا وَاثِلَةُ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ : يَا عَبَد اللَّهِ ! اشْتَرَيْتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : هَلْ بَيَّنَ لَكَ مَا فِيهَا ؟ قُلْتُ : وَمَا فِيهَا ؟ قَالَ : إِنَّهَا لَسَمِينَةٌ ظَاهِرَةُ الصِّحَّةِ ، فَقَالَ : أَرَدْتَ بِهَا سَفَرًا أَمْ أَرَدْتَ بِهَا لَحْمًا ؟ قُلْتُ : بَلْ أَرَدْتُ عَلَيْهَا الْحَجَّ ، قَالَ : فَإِنَّ بِخُفِّهَا نَقْبًا ، فَقَالَ صَاحِبُهَا : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ! أَيْ هَذَا تُفْسِدُ عَلَيَّ ، قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَبِيعُ شَيْئًا إِلَّا يُبَيِّنُ مَا فِيهِ ، وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا يُبَيِّنُهُ " [ أخرجه أحمد ] ،
فما أحوجنا أيها الأخوة في الله ، للعودة الصادقة للدين ، والنصيحة لجميع المسلمين
قَالَ أَبُو سِبَاعٍ : اشْتَرَيْتُ نَاقَةً مِنْ دَارِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه ، فَلَمَّا خَرَجْتُ بِهَا ، أَدْرَكَنَا وَاثِلَةُ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ : يَا عَبَد اللَّهِ ! اشْتَرَيْتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : هَلْ بَيَّنَ لَكَ مَا فِيهَا ؟ قُلْتُ : وَمَا فِيهَا ؟ قَالَ : إِنَّهَا لَسَمِينَةٌ ظَاهِرَةُ الصِّحَّةِ ، فَقَالَ : أَرَدْتَ بِهَا سَفَرًا أَمْ أَرَدْتَ بِهَا لَحْمًا ؟ قُلْتُ : بَلْ أَرَدْتُ عَلَيْهَا الْحَجَّ ، قَالَ : فَإِنَّ بِخُفِّهَا نَقْبًا ، فَقَالَ صَاحِبُهَا : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ! أَيْ هَذَا تُفْسِدُ عَلَيَّ ، قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَبِيعُ شَيْئًا إِلَّا يُبَيِّنُ مَا فِيهِ ، وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا يُبَيِّنُهُ " [ أخرجه أحمد ] ،
فما أحوجنا أيها الأخوة في الله ، للعودة الصادقة للدين ، والنصيحة لجميع المسلمين
وحتى لا أطيل في الموضوع فينسي آخره
أوله ، لعلي أتطرق إلى بعض وسائل الحرام للوصول إلى المال الحرام ومن ذلك
9- الكذب في البيع والشراء ، كمن حلف أنه
اشترى السلعة بكذا وكذا ، وهو كاذب في ذلك ، أو أنه أعطي فيها كذا وكذا من الثمن وهو
كاذب في ذلك ، ليرفع سعر السلعة وهي لا تساوي المبلغ الذي طلبه
10- بعض العمال والأجراء يتفق مع الزبون لبيع السلعة بسعر ، ويخفي السعر الحقيقي
عن صاحب العمل ، ويأخذ الفرق بين السعرين ، وهذا حرام لما فيه من الغش والكذب والخيانة
11-
ومن الأموال المحرمة بيع سلعة تقليدية
أو تجارية على أنها سلعة أصلية ، ولا يخفى على كل مسلم ما لهذا العمل المشين من خيانة
للمسلمين ، وأكل أموالهم بالباطل ، وهذا لا شك أنه يأكل هذا المال ظلماً وعدواناً ،
إنما يأكل في بطنه ناراً ، فليتق الله ويسلم ، أو ليعصه فيندم
12-
ومن الأموال المحرمة بيع آلات اللهو
والطرب ، وبيع أشرطة الغناء ، وأشرطة الفيديو التي تحوي مسلسلات هابطة ، وأفلام خليعة
، مخلة بالآداب ، ملفتة إلى الحرام ، وتصد عن سبيل الله وعن الصلاة ، وتبعد عن طريق
الله القويم ، وصراطه المستقيم
13-
ومن الأموال المحرمة بيع الدخان والشيشة
والمخدرات ، مما لا يخفى على كل مسلم ضررها على الأفراد والمجتمعات والأمم ، وإن الله
عز وجل إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ، فهذه الأموال التي بسببها يتم تدمير شباب الأمة ورجالها
ونسائها ، حرام أشد الحرمة ، وصاحبها معرض للعقوبة والعياذ بالله ، إذا وضع في قبره
، وعند لقاء ربه ، هذه الأموال بهذه الطرق الغير مشروعة سحت حرام ، وكل جسد نبت من
السحت فالنار أولى به والعياذ بالله
والنصوص مِن القرآن والسُّنَّة في هذا
المعنى كثيرة جدًّا، حتى إنَّ صيانة مال المسلم وحُرْمة التعدِّي عليه أمرٌ معلوم لدَى
كل من له معرفة بالشريعة، بل إنَّ ذلك معلومٌ لدَى كل مسلم
وحُرمة التعدي عليها شاملٌ لأخْذها غصبًا،
أو أخذها حيلة واختلاسًا، كما أنَّ تحريم ذلك باقٍ حتى وإن رُوِّج لأخْذها بالدعايات
البرَّاقة، والشعارات المشعوذة، فالحُكم واحد، فإذا سُمِّي أخذها تأميمًا أو اشتراكية،
فإنَّ ذلك لن يُغيِّر من الحقيقة شيئًا، ولن يجعلَها مباحةً لذلك الأخْذ، كما أنَّ
مَن سمَّى الخمرَ بغير اسمها لا تصير له حلالاً.
والعجب أن تنطلي مثلُ هذه الأفكار المستوردة
من الشيوعيِّين والملاحدة على بعض الناس، فيهتف مع أولئك، ويَنسى نصوصَ الشريعة الواضحة
التي فيها صلاحُ الدِّين والدنيا، وفيها النجاح والفلاح، وإذا لم يوافقْهم العلماء
على آرائهم رَمَوْهم بالجمود والرجعية، والسير في ركاب الرأسماليِّين، بل لقد تعدَّى
أمرهم إلى أن اتهموا علماء الدِّين بأخْذ الرِّشوة حين لم يوافقوهم على "نزغاتهم"
وأهوائهم
والعجبُ أن يَدَّعي أولئك أنَّ في النصوص
الشرعية ما يؤيِّد اعتداءَهم، ويشبهون على البسطاء بأشياء لا حُجَّة لهم فيها! فقد
سمعْنا مَن يستدلُّ بحديث: ((الناس شُركاءُ في ثلاث)) على أخْذ المصارِف والعقارات
والشركات وغيرها، مما ليس له ذِكْر في هذا الحديث، مع أنَّهم لم يعملوا بالحديث، ولم
يجعلوا الناسَ شُركاءَ في الثلاث المذكورة فيه
وسمعْنا بعضَهم يحتجُّ على أفعالهم المنافية
للإسلام بأنَّ الإسلام فَرَض الزكاة في الأموال، وهم لم يعملوا بالنصوص الواردة في
الإسلام في الزكاة، فلم يأخذوا الزكاة، ولم يصرفوها في مصارِفها الشرعيَّة، وإنَّما
أخذوا الضرائبَ، وصرفوها حسبَ رغباتهم، ثم إذا كان الإسلام قد فَرَض الزكاة، فأيُّ
حُجَّة لهم في تأميمِ الأموال، وأخْذها بعدَ إخراج الزكاة منها، لولا أنَّها مغالط
مكشوفة؟
إنَّ الإسلام بريءٌ ممَّا نسبه إليه
هؤلاء المُغرِضون، وها هي نصوصُ الإسلام تدحض مزاعمَهم، وتُبطِل افتراءاتِهم
إننا نعلم أنَّ هؤلاء لهم مقاصدُ، قد
تبدو حينًا، وقد يحاولون تغطيتَها حينًا، وهي أنهم يُريدون أن يستبدلوا أفكارًا ونظمًا
مستمدة من الخارج بالإسلام وتعاليمه
إنَّهم يريدون أن يقولوا: إنَّ الإسلام
لم يَعُدْ صالحًا لاحتياجات الأمَّة ورغباتها؛ ولذا فهم يستعيضون عنه بمبادئِ الشيوعيَّة والإلحادية، فهل أدرك المخدوعون مراميَ
أولئك الذين يسوقونهم إلى الهاوية السحيقة؟
*************************************************************
*****
*****
القوامة الشرعية للرجل
بين فقه النص وظروف الواقع
أحمد الله تعالى أبلغ الحمد وأكمله،
وأزْكاه وأشمله، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا
عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، المصطفى بتعميم دعوتِه ورسالته، صلوات الله وسلامه عليه،
وعلى إخوانه من النبيِّين، وآل كل، وسائر الصَّالحين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد.
فإنَّ التَّشريع الإسلامي قد أثبت القوامة
الشرعيَّة للرَّجل بضوابطها الشَّرعية،
قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]،
وإنَّ هذه القوامة من تَمام نعمة الله - سبحانه وتعالى - عليْنا، فإنَّها ملائمة ومناسبة لكلٍّ من الرَّجُل والمرأة، وما فطرنا الله عليه من صفات جبلّية، ومن استعدادات فطريَّة
قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]،
وإنَّ هذه القوامة من تَمام نعمة الله - سبحانه وتعالى - عليْنا، فإنَّها ملائمة ومناسبة لكلٍّ من الرَّجُل والمرأة، وما فطرنا الله عليه من صفات جبلّية، ومن استعدادات فطريَّة
بيد أنَّ الأزمان تغيَّرت، والثَّقافات
تداخلتْ، وكثُرت محاولات أعداء المسلمين تشويه صورة هذا الدين الحنيف، بطرقٍ مُباشرة
وأخرى غير مباشرة، بل بطرُق ظاهرُها الرَّحْمة، والشَّفقة والعَطْف على المرأة، وباطِنُها
العذاب، كلّ هذه الأمور، مضافًا إليْها سوء الفهم لدى كثيرٍ من المسلمين لمعنى القوامة
ووظيفتِها الشَّرعية، جعل من الأهمية بمكانٍ الحديث عن هذه الوظيفة الشَّرعيَّة السامية،
بِما يوضِّح حقيقتَها الشَّرعيَّة، ويبيِّن زيف تلك الشبه والادِّعاءات التي وجهت لهذا
الدين عبر قوامة الرَّجُل الزَّوجيَّة في الشَّريعة الإسلاميَّة
وقد اقتضت طبيعة البحث أن تكون خطَّة
الدراسة في تمهيد، وستَّة مباحث، وخاتمة، وبيان ذلك فيما يأتي
التمهيد: جعلتُه عن تكريم الإسلام للمرْأة.
المبحث الأوَّل: تناولت فيه تعْريف القوامة
في اللُّغة والاصطِلاح.
المبحث الثَّاني: ذكرت فيه النُّصوص
الشرعيَّة من القرآن والسنَّة على القوامة، وفقْه تلك النصوص.
المبحث الثالث: تكلَّمت فيه عن الأسباب
الشرعيَّة للقوامة.
المبحث الرابع: تناولتُ فيه الضَّوابِط
الشَّرعيَّة لقوامة الرَّجُل.
المبحث الخامس: تكلَّمت فيه عن مقتضى
قوامة الرجل الشرعيَّة.
المبحث السادس: تناولت فيه الشُّبهات
المعاصرة حوْل القوامة الشَّرعيَّة للرَّجُل، والرَّد عليْها.
الخاتمة: ذكرت فيها أبرز النَّتائج التي
توصَّلتُ إليْها من خلال البحث.
وأخيرًا: فقد حاولتُ من خِلال هذا البحث
الإسهامَ في معالجة هذا الموضوع، معالجة شرعيَّة مفيدة للأُسْرة والمجتمع، فما كان
من صوابٍ فمِن الله - عزَّ وجلَّ - وما كان من زللٍ فمِن نفْسي، وأستغفر الله، ولا
غرْو؛ فإنَّ العصمة والكمال لمن تفرَّد بالجلال، وهو حسبي وعليه الاتِّكال،
{وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
[هود:88]
{وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
[هود:88]
(تمهيد)
تكريم الإسلام للمرأة
جاء الإسلام والمرْأة لا قيمة لها في
المجتمع، بل جاء الإسلام والمرْأة تعَدُّ من سقط المتاع: تُباع وتورث وتوهب وتُهان،
فهي سلعة من السِّلَع التي تتداولُها الأيدي، وإنَّما يحتاج إليْها للاستِمْتاع الجسدي
فقط كسائر ما يستمتع به الرَّجُل، ولا غرْو، فقد كان الرَّجُل يدفن ابنتَه وهي حيَّة؛
خشية العار، وما الظَّنُّ بِمجتمع وصل به الحال إلى أن يقتُل الأب فلذة كبدِه بيديْه،
وبأبشع صور القتْل وأفظعها.
وقد جاء الإسلام ومعه الكرامة والعزَّة
والشَّرف والتَّقدير للمرأة، جاء بما يكفل حقوقها ويحميها من كيد الآخرين وعدوانِهم
لما في طبيعتِها من اللِّين والرقَّة واللَّطافة؛ فهي الأم الحنون، وهي الأُخْت الكريمة،
وهي الزَّوجة الحبيبة، وهي البِنْت الرَّقيقة؛ فالمرأة نبع الحنان، ومصدر الأمان ونهر
الحب والعطاء والعرفان.
وقد كرَّم التَّشريع الإسلامي المرْأة
أيَّما تكريم، وهذا التَّكريم تضمَّنته نصوص الشَّريعة الإسلاميَّة المتمثِّلة في القرآن
الكريم والسنَّة النبويَّة الصحيحة، منذ أكثر من أربعةَ عشر قرنًا من الزَّمان.
فثمَّة آياتٌ عديدة أشارت إلى تكريم
المرأة؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ
خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، ففي هذه الآية الكريمة، تقرير قاطع بأنَّ الله
- سبحانه وتعالى - كرَّم بني آدم، وهم الرجال والنساء على حدّ سواء، دونَما فارق بين
ذكورهم وإناثهم، ومقتضى هذا بداهة أنَّه - سبحانه - كرَّم الجنس البشري كله.
والتَّكريم - كما قال ابن منظور في
"لسان العرب" -: هو التَّشريف، وإحسان المعاملة، والإنعام على البشر بما
يناسبهم ويرضيهم، وممَّا سبق نستنتِج: أن الله - تعالى - قد أفاء بمعاني التكريم هذه
على الرِّجال، كما أفاء بها على النِّساء، تمامًا بتمام.
وثمَّة أحاديث عديدة في هذا الصَّدد،
بعضُها يوصي الرِّجال بالنساء، وبعضها فيه أهميَّة الرَّحم وبيان فضل صلتها، فمِن الأوَّل
ما روي في الصَّحيحين عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه
قال: ((واستوْصُوا بالنساء خيرًا))[1] ففي الهدْي النَّبوي الشَّريف: الحثُّ على الرِّفْق
بالنِّساء وحسن معاملتهنَّ، وهذا فيه من التَّكريم ما هو بيِّن.
ومن الآخر ما رواه مسلم عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله خلق الخلق حتَّى إذا فرغ
منهم قامتِ الرَّحِم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة، قال: نعم، أما ترْضَين أن
أصِل مَن وصلك وأقطع من قطعك، قالت: بلى، قال: فذاك لك"[2].
فالله - سبحانه وتعالى - هو الرَّحمن
الرَّحيم، خلق الرَّحِم بِمعناها الحرفي الخاص، وهو موضع الولد من الأُنْثى، ومعناها
الأعمّ الَّذي يشمل كلَّ قرابة تبدأ من الرَّحم وما يتولَّد فيه، واشتقَّ لها اسمًا
من اسمه تعالى، وقضى أزَلاً بأنَّ مَن وصلها وأدَّى حقَّها برًّا وإحسانًا، وصله الله
تعالى، ومَن قطعَها عقوقًا وإهمالاً، قطعه الله تعالى، فهل بعد ذلك تكريم؟! فإنَّه
- وايم الله - تكريم ما بعده تكريم، وتشريفٌ ما بعده تشريف.
وعن أبي هريرة قال: جاء رجُلٌ إلى رسول
الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ النَّاس بِحُسن صحابتي؟
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم
-: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثم أبوك))[3].
والحديث عن تكْريم الإسْلام للمرأة ذو
شجون، ولكن حسبي في هذه العجالة أن أذكُر غيضًا من فيض:
لقد أقرَّ الإسلام لها حقَّ التملُّك
ما دام عن طريقٍ مشْروع، كما أقرَّ لها حقَّ الميراث، وأعطاها الصَّلاحية التَّامة
في التصرُّف بأموالها، وقد أقرَّ الإسلام نفاذ صدقة الزوجة من مالِها الخاص بغير إذن
زوجها، فإن تصدَّقت بمالها كلِّه فلا حرج على الزوجة في ذلك، وإن لم يأذنْ زوجها في
ذلك؛ لأنَّ للمرأة ذمَّةً ماليَّة مستقلَّة كالرَّجُل، وحقُّها في التصرف في مالها
أمرٌ مقرَّر في الشَّريعة ما دامت رشيدة؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ
رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]، وهو ظاهر في فك الحجْر
عنهم، وإطْلاقهم في التصرُّف[4].
كما جعل الإسلام رضاها شرطًا رئيسًا
في صحَّة الزَّواج، وحرَّم على الأولياء إكراهَهَا على ذلك؛ فهي صاحبةُ القرار في الرِّضا
بالزَّواج ابتداءً؛ إذْ ليس لوليِّها أن يعضلَها ويَمنعها من ذلك، فإن فعل انتقلتِ
الولاية إلى مَن بعدهنَّ كما إنها صاحبة القرار في الرضا بالزوج الذي تقدَّم لها.
ودليل ذلك ما رُوِي عن عائشة - رضي الله
عنه - الله عنها: "أنَّ فتاة دخلتْ عليْها فقالت: إنَّ أبي زوَّجني ابن أخيه ليرْفَع
بي خسيستَه وأنا كارهة، قالت: اجلسي حتَّى يأتي النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم
- فجاء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل
الأمر إليها، فقالتْ: يا رسولَ الله، قد أجزتُ ما صنع أبي؛ ولكن أردت أن أعلم ألِلنساء
من الأمر شيء"[5].
كما أنَّ الإسلام أكرم المرْأة بتشريع
ما يصونُها ويحفظ كرامتَها وعفافها، فأمر بالحجاب والستر، ونهى عن السفور والاختلاط.
ومن تكْريم الإسلام للمرْأة أن هيَّأ
لها أسباب الاستِقْرار والرَّاحة والأمان؛ فأوْجَب على زوجِها: النَّفقة والكسْوة والسَّكن،
كما أمره برِعايتِها والتلطُّف معها.
والدَّليل على ذلك ما قالَه النَّبيُّ
- صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فاتَّقوا الله في النِّساء فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمان
الله واستحللْتُم فروجَهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهنَّ ألاّ يوطئْنَ فُرُشَكم أحدًا
تكرهونه، فإن فعلْنَ ذلك فاضربوهنَّ ضربًا غير مبرح، ولهنَّ عليْكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ
بالمعروف))[6].
ليس هذا فحسب، بل جعل النَّبيُّ - صلَّى
الله عليه وسلَّم - الإنفاق عليْها من أفضل النَّفقات، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم
-: "دينارٌ أنفقْتَه في سبيل الله، ودينار أنفقْته في رقبة ودينار تصدَّقت به
على مسكين، ودينارٌ أنفقْته على أهلك؛ أعظمُها أجرًا الَّذي أنفقتَه على أهلك"[7].
وقد حثَّ الإسلام على التودُّد إلى المرأة
وتحمُّل ما قد يصدر منها من أذًى، وحفظ معروفها؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله
- صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة؛ إن كرِه منها خلقًا رضي منها آخر))[8].
وبعد، فهذا غيضٌ من فيْض عن مكانة المرأة
ومنزلتِها في الإسلام منزلة التكريم، ومنزلة التَّشريف والوقار، فهل بعد ذلك تكريم؟!
فإنَّه وايم الله تكريمٌ ما بعده تكريم، وتشريفٌ ما بعده تشريف.
المبحث الأوَّل
تعريف القوامة لغة واصطلاحًا
القوامة في اللغة: مِن قام على الشَّيء
يقوم قيامًا؛ أي: حافظ عليْه وراعى مصالحَه، ومن ذلك القيم، وهو الَّذي يقوم على شأن
شيء ويليه، ويُصْلِحه، والقيِّم هو السيِّد، وسائس الأمر، وقيِّم القوم: هو الَّذي
يقومهم ويسوس أمورَهم، وقيِّم المرْأة هو زوْجُها أو وليُّها؛ لأنَّه يقوم بأمرها وما
تحتاج إليْه.
والقوَّام على وزن فعال للمبالغة من
القيام على الشيء، والاستِبداد بالنَّظر فيه وحفظه بالاجتهاد[9].
القوامة في الاصطلاح:
أطلق الفُقهاء ثلاثة معان على لفظة
(القوامة)، وهذه المعاني هي:
الأول: القيِّم على القاصر، وهي ولاية
يعهد بها القاضي إلى شخصٍ رشيد ليقومَ بِما يصلح أمر القاصر في أموره الماليَّة.
الثاني: القيِّم على الوقف، وهي ولاية
يفوض بِموجبها صاحبها بِحِفظ المال الموقوف، والعمل على بقائه صالحًا ناميًا بحسب شروط
الواقف.
الثَّالث: القيِّم على الزَّوجة، وهي
ولاية يفوّض بِموجبها الزَّوج تدبير شؤون زوجتِه والقيام بِما يصلحها[10]، وهذا ما
نحن بصدَد الحديث عنه.
وبناء عليه؛ يمكن القول بأنَّ القوامة
الزوجيَّة: ولاية يفوّض بموجبها الزَّوج القيام على ما يصلح شأن زوجتِه بالتدبير والصيانة.
وبِهذا يتبيَّن أنَّ القوامة للزَّوج
على زوجتِه تكليف للزَّوج، وتشريف للزَّوجة، حيث أوجب عليه الشَّارع رعاية هذه الزَّوجة
التي ارتبط بها برباط الشَّرع واستحلَّ الاستمتاع بها بالعقد الَّذي وصفه الله - سبحانه
وتعالى - بالميثاق الغليظ؛ قال تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ
إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، فالقوامة من ثَمَّ
تشريفٌ للمرأة وتكريم لها، بأن جعلها تحت قيِّم يقوم على شؤونِها وينظر في مصالحها
ويذبُّ عنها، ويبذل الأسباب المحقّقة لسعادتها وطمأنينتِها.
ولعلَّ هذا يصحِّح المفهوم الخاطئ لدى
كثير من النساء، من أنَّ القوامة تسلُّط وتعنُّت، وقهر للمرأة وإلغاء لشخصيَّتها، وهذا
ما يحاول الأعداء تأكيدَه، وجعله نافذة يلِجون من خلالها إلى أحكام الشَّريعة الإسلامية
فيعملون فيها بالتَّشْويه.
المبحث الثاني
النُّصوص الشرعيَّة من القرآن والسنَّة على القوامة وفقْهها
النصوص الشرعيَّة الدَّالَّة على القوامة
من القرآن الكريم:
الأصل في القوامة قوله تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، فهذه الآية الكريمة هي
الأصل في قوامة الزَّوج على زوجتِه، وقد نصَّ على ذلك جمهور العلماء من المفسِّرين
والفقهاء.
قال ابن جرير - رحِمه الله -:
"يعنِي بذلك - جلَّ ثناؤه -: الرِّجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهنَّ، والأخذ
على أيديهنَّ فيما يجب عليهنَّ لله ولأنفسهنَّ {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى
بَعْضٍ}؛ يعني: بما فضل الله به الرِّجال على أزواجِهم من سوْقهم إليهنَّ مهورهنَّ
وإنفاقهم عليهن أموالهم، وكفايتهم إيَّاهنَّ مؤنهنَّ، وذلك تفضيل الله إيَّاهم عليهنَّ؛
ولذلك صاروا قوامًا عليهنَّ، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليْهم من أمورهن"[11].
وقال ابن كثير في تفسير الآية:
"أي: الرَّجل قيم على المرأة؛ أي: هو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدِّبُها
إذا اعوجَّت"[12].
وقال الجصَّاص في تفسير الآية:
"قيامهم عليهنَّ بالتَّأديب والتَّدبير والحفظ والصيانة؛ لما فضَّل الله الرَّجُل
على المرأة في العقْل والرَّأي، وبما ألزمه الله - تعالى - من الإنفاق عليْها، فدلَّت
الآية على معانٍ، أحدُها: تفضيل الرَّجُل على المرأة في المنزلة وأنَّه هو الَّذي يقوم
بتدبيرها وتأْديبها، وهذا يدلُّ على أنَّ له إمساكَها في بيتِه، ومنعها من الخروج،
وأنَّ عليْها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، ودلَّت على وجوب نفقتِها عليه"[13].
وقال ابن العربي في تفسير الآية: قوله:
{قَوَّامُونَ} يقال: قوَّام وقيِّم وهو فعَّال وفعيل مِن قام، والمعنى: هو أمين عليْها،
يتولَّى أمرها ويصلحها في حالِها، قاله ابن عباس، وعليْها له الطاعة... وعليْه - أي
الزَّوج - أن يبذُل المهْر والنَّفقة يُحْسِن العِشْرة، ويَحميها ويأمُرها بطاعة الله
تعالى، ويرغِّب إليْها شعائر الإسلام، من صلاةٍ وصيام، وعليْها الحفاظ لماله، والإحسان
إلى أهْله، وقبول قولِه في الطَّاعات"[14].
والرِّجال قوَّامون عليهنَّ بإلزامهنَّ
بحقوق الله تعالى: من المحافظة على فرائضه، وكفّهن عن المفاسد، وبالإنفاق عليهنَّ،
والكسوة والمسكن.
النُّصوص الشَّرعيَّة الدَّالَّة على
القِوامة من السنَّة النبويَّة:
وقد أمر النَّبيُّ - صلَّى الله عليه
وسلَّم - المرْأة بطاعة زوْجِها ما دام ذلك في حدود الشَّرع، وما دام ذلك في حدود قُدْرتِها
واستطاعتها، وممَّا يدلُّ على ذلك:
1
- ما رواه الشَّيخان عن أبي هُرَيْرة
- رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يحلُّ لِلمرأةِ
أن تصومَ وزوجُها شاهد إلاَّ بإذنِه، ولا تأذنُ في بيتِه إلاَّ بإذْنِه، وما أنفقت
من نفقةٍ عن غيْر أمْرِه فإنَّه يؤدّى إليه شطره"[15].
قال الحافظ ابن حجر: "وهذا القيْد
– أي: وزوجُها شاهد - لا مفهوم له؛ بل خرج مخرج الغالب، وإلاَّ فغيْبة الزَّوج لا تقتضي
الإباحة للمرْأة أن تأذن لِمَن يدخل بيته، بل يتأكَّد حينئذٍ عليْها المنع؛ لثبوت الأحاديث
الواردة في النَّهي عن الدُّخول على المغيبات"[16].
وفي ذلك يقول الشَّوكاني: "إنَّ
النَّهي في الحديث محمولٌ على عدم العِلْم برضا الزَّوج، أما لو علمت رضاه بذلك؛ فلا
حرج"[17].
2
- وما رواه الشَّيخان عن أبي هُرَيْرة
- رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا دعا الرَّجُل
امرأتَه إلى فراشِه فأبتْ فبات غضبانَ عليْها، لعنتْها الملائكةُ حتَّى تصبح"[18].
3
- وما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبدالرحمن
بن عوف - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا صلَّت
المرأة خَمسها، وصامَتْ شَهْرَها، وحفِظَتْ فرْجَها، وأطاعتْ زَوْجَها، قيل لها: ادْخُلي
الجنَّة من أيِّ أبواب الجنَّة شئت))[19].
المبحث الثالث
الأسباب الشَّرعية للقوامة
لقد شرعَ الله - سبحانه وتعالى - القوامة
الشرعيَّة للرَّجُل لأجل سببين كبيريْن للقوامة، ويتَّضح ذلك من قوله تعالى: {الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا
أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، فهذه الآية الكريمة هي الأصْل في قوامة
الزَّوج على زوجته، وقد نصَّت الآية الكريمة على سببين للقوامة التي جعلها للرِّجال
على النساء هما:
السَّبب الأوَّل:
قوله سبحانه: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْضٍ}، وهذا نصٌّ صريح من الله - سبحانه وتعالى - على تفضيل الرِّجال على النِّساء،
بما ركَّب الله - سبحانه - في الرِّجال من صفات وسمات وخصائصَ اقتضت تفْضيل الرِّجال
على النساء، سواء أكانت تلك الخصائص والصفات من جهة الخِلْقة التي خَلَق الله عليْها
الرجال، أم من جهة الأوامر الشَّرعيَّة التي تطلب من الرِّجال دون النِّساء.
أمَّا من جهة الخِلْقة التي خلق اللهُ
عليْها الرِّجال: فإنَّ من المعلوم تفوُّق الرِّجال على النِّساء - في الجملة - في
العقل والقوَّة والشدَّة، على عكس النِّساء، فهنَّ جُبِلْن على الرقَّة والعطف واللين،
وهذا الأمر فضلاً عن كوْنِه مشاهَدًا في الواقع، فإنَّ النَّصَّ القرآني قد جاء بتأييده،
ومن ذلك أن الله - سبحانه وتعالى - جعل شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد؛ قال سبحانه:
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا} [البقرة: 282].
قال ابن كثير: "وإنَّما أقيمت المرْأتان
مقامَ الرجُل؛ لنقصان عقل المرْأة كما رُوِي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:
"حرج رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أضحى أو فطرٍ إلى المصلَّى فمرَّ
على النساء، فقال: ((يا معشر النِّساء، تصدَّقن فإنِّي أريتكنَّ أكثر أهل النَّار))،
فقلن: وبِم يا رسول الله؟ قال: ((تكْثِرن اللَّعن وتكفُرن العشير، ما رأيتُ من ناقصات
عقل ودين أذْهَبَ للُبِّ الرجُل الحازم من إحداكنَّ))، قلن: وما نقصان دينِنا وعقلنا
يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادة المرأة مثلَ نِصْف شهادة الرَّجُل؟)) قلن: بلى، قال:
((فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من
نقْصان دينها))[20].
وهذا إخبار من النبي - صلَّى الله عليه
وسلَّم - وشهادة منه على نقصان عقل المرأة"[21].
ولعلَّ هذا الأمر من أقْوى الأمور التي
يتمسَّك بها أعداء الإسلام، الذين يزعمون باطلاً مساندتَهم للمرأة، وأنَّ ذلك - أي
القول بنقصان عقْل المرأة - مِمَّا يجرح كرامتَها وكبرياءَها، وينادون بالمساواة مع
الرِّجال، وإنَّ المتأمِّل في دعاواهم ومكايدهم يتبيَّن له قلَّة علمهم وضعف فقههم،
إضافةً إلى ما تكنُّه صدورُهم من الحقد والعداوة للإسلام وأهله، وبتأمُّل حديث النَّبيِّ
- صلَّى الله عليه وسلَّم - يَجِدُ كلُّ منصفٍ أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم
- لم يصِف المرأة بالجنون أو السَّفه، بل أخبر - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ تركيبها
الذي خلقها الله - سبحانه وتعالى - عليه يستدعي نقْصان العقل والدين مقارنة بالرجال،
فالله - سبحانه وتعالى - أعطى الرجُل من قوَّة العقل وحسن التدبير ما لم يعطِه المرأة،
وأعطاه من أمور الدين ما لم يعطِه المرأة، وليْس ذلك ينقص من أجرها وثوابها، وإنَّما
ذلك يتناسب وفطرتَها التي فطرها الله - سبحانه وتعالى - عليْها، بل في نفس الحديث أثبت
النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قدرة النِّساء الضعيفات على سلْب لبِّ الرجال
بما منحهنَّ الله - تعالى - من قدرة على ذلك، وقد وصَفَ الله - سبحانه وتعالى - مكْرَ
النِّساء وكيدهنَّ بالعظمة؛ كما قال سبحانه: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:
28].
أمَّا من جهة الأمور الشَّرعيَّة التي
يطالَب بها الرِّجال دون النِّساء وكانت سببًا في تفضيلِهم، فذلِك نحو: الجهاد وشهود
الجُمعة والجماعات، وغيرها من العبادات التي لم تُطلَب من النِّساء.
السبب الثاني:
في قوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، حيث جعل - سبحانه وتعالى - إنفاق الرِّجال
على النِّساء سببًا لقوامتِهم عليهنَّ؛ إذ إنَّ الرَّجل اكتسب خاصِّيَّة القوامة لكونِه
القائم على الزَّوجة من جهة الإنفاق والتَّدبير والحفظ والصيانة، ولا يرد هنا فرضية
إنفاق الزَّوجة على زوجها مما يجعلها هي صاحبة القوامة؛ إذ إنَّ ذلك مخالفٌ للأصل الذي
جعله الشَّارع، فالأصل أنَّ الإنفاق يكون على الرجُل فهو الذي يقوم بالمهر والنَّفقة
والسَّكن لزوجتِه، وأمَّا ما شذَّ عن ذلك فهو مخالف للأصْل، إضافة إلى أنَّ الإنفاق
سببٌ من أسباب القوامة، ممَّا يستدعي مراعاة الأسباب الأخرى، ولعلَّ من المناسب في
هذا المقام إيراد كلام بعض أئمَّة السَّلف - رضوان الله عليهم - في أسباب قوامة الرَّجُل
على المرأة:
يقول العلامة ابن العربي في قوله تعالى:
{بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْضٍ}:
"المعنى: إني جعلت القوامة على المرأة للرَّجُل
لأجل تفضيلي له عليها؛ وذلك لثلاثة أشياء: الأوَّل: كمال العقل والتمييز، والثاني:
كمال الدِّين والطَّاعة في الجهاد والأمر بالمعْروف والنَّهي عن المنكر على العموم،
وغير ذلك.
وهذا الذي بيَّنه النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم - في الحديث الصَّحيح: ((ما رأيت من ناقصات عقْل ودين أذهبَ للُبِّ الرجُل
الحازم من إحداكنَّ، وقد ذكر الله - سبحانه - ذلك في كتابه الكريم فقال: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ
إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، الثالث: بذله المال من الصَّداق والنَّفقة، وقد نصَّ
الله عليه هاهنا"[22].
وقال الحافظ ابن كثير في قوله تعالى:
{بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْضٍ}؛ أي: لأنَّ الرجال أفضل من النساء، والرَّجُل خير من المرأة، ولهذا كانت
النبوَّة مختصَّة بالرجال وكذلك الملك الأعظم؛ لقولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة))[23]، وكذا منصب القضاء وغير ذلك، وقوله تعالى:
{وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}؛ أي: من المهور والنَّفقات والكلف الَّتي
أوجبها الله عليهِم لهنَّ في كتابه وسنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فالرَّجُل
أفضل من المرأة في نفسِه وله الفضْل عليْها والإفضال، فناسب أن يكون قيِّمًا عليْها؛
كما قال الله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228][24].
وقال ابن عبَّاس - رضي الله عنه - في
قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ
عَلَى النِّسَاءِ}: "يعني: أمراء عليهنَّ، أن تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته،
وطاعته أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله، وقوله: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ} وفضله
عليها بنفقته وسعيه"[25].
وخلاصة القوْل:
أنَّ قوامة الرجُل على المرأة تكون بسبب
الجانب الفطري الذي فطر الله - تعالى - الرجال عليه، من كمال العقل وحسن التدبير، والقوة
البدنية والنفسية، وبسبب المسؤولية التي يتحمَّلها الرجال للنساء من النفقة، والقيام
على شؤونهن بالحفظ والرعاية.
المبحث الرابع
الضوابط الشَّرعيَّة لقوامة الرَّجُل
إنَّ الشَّارع الحكيم لمَّا جعل القوامة
بيد الرجُل بِحكمته - سبحانه وتعالى - لم يجعل ذلك مطلقًا يستغلُّه الرجال في إذلال
النساء والتحكم بهنَّ، وفق أهوائِهم وما تشتهيه أنفسهم؛ بل قيد تلك الوظيفة بضوابطَ
وقيود شرعية، من شأنِها أن تكون سببًا في فهْم الرِّجال للقوامة التي أرادها الشَّارع
الحكيم، وتنبه النساء إلى ذلك، وترْدع كلَّ مَن يستغلُّ تلك الوظيفة الشَّرعيَّة لإهانة
المرْأة والحطِّ من قدرها، وسلْبها حقوقَها.
وهذا - وبكل أسف - هو واقع كثيرٍ من
الرِّجال ممَّن جهِلوا الحكم الشَّرعيَّ لتلك الوظيفة الرَّائدة، فعملوا فيها بالجهل
الذي هو سببٌ لكلِّ شرٍّ - والعياذ بالله - أو علِموا الحُكْم الشَّرعيَّ؛ بيْد أنَّهم
تجاهلوا أو حمَّلوا تلك الوظيفة ما لم تَحتمِل، فجعلوها نافذةً يلِجون من خلالها إلى
حقوق المرأة ومكانتها فيعملون فيها بالهدْم والتَّشويه، ونرجو أن تكون هذه الفئة من
الرِّجال قليلة، إلاَّ أنَّهم - والحق يقال - كانوا ولا زالوا سببًا رئيسًا لامتعاض
المرأة من هذه الكلمة (القوامة)؛ بل حدا الأمرُ كثيرًا من النساء إلى التمرُّد على
تعاليم الدين الحنيف بسببها.
والحق الذي لا مِراء فيه: أنَّ الشَّارع
الحكيم ضبط تلك القوامة وبيَّنها أحسن بيان، حيث وضَّح الحقوق التي يَجب أن تتوافر
للمرأة كاملة غير منقوصة، ووضَّح كذلك حقوقَ الرَّجُل الَّتي تطالب المرأة بتحقيقها؛
ولهذا استحقَّت هذه الشَّريعة المباركة أن توصف بأنَّها شريعة العدل والكمال.
ويمكن القول بأنَّ ضوابط القوامة الزوجيَّة
تتمثل في الآتي
الضَّابط الأول: أداء الزَّوج لواجباته:
ومن الواجبات الشَّرعيَّة الَّتي يجب
على الرَّجُل أداؤُها
أ - المهر: وهو المال الواجب للمرأة
على الرَّجُل بالنِّكاح أو الوطء؛ قال تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4][26].
وقد أجمع علماء المسلمين على أنَّه لا
يجوز له وطءٌ في نكاح بغير صداق دَيْنًا أو نقدًا، وهذا المهر حقٌّ للمرأة أثبته الشارع
لها توثيقًا لعقد الزَّواج الذي هو أخطر العقود، وتأكيدًا على مكانة المرأة وشرفها،
ودليلاً على صدق رغبة الرَّجُل في الارتباط بها؛ حيثُ بذَل لها المال الَّذي هو عزيزٌ
على النَّفس، ولا يبذل إلاَّ فيما هو عزيز، كما أنَّه سببٌ لديْمومة النِّكاح واستمرارِه.
ب - النَّفقة: بمجرَّد تمام الزَّواج
وتمكُّن الزَّوج من الاستِمْتاع بالزَّوجة، يلزم الزَّوج الإنفاق على زوجتِه، وتوفير
ما تحتاجه من مسكن وملبس؛ قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]،
والدَّليل على ذلك ما قالَه النَّبيُّ
- صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فاتَّقوا
الله في النِّساء؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمان الله واستحللْتُم فروجهنَّ بكلمة الله،
ولهنَّ عليْكم رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف))[27].
وقد أجْمع العُلماء على وجوب إنْفاق
الزَّوج على الزَّوجة، قال ابن قدامة: "اتَّفق أهل العلم على وجوب نفقات الزَّوجات
على أزواجهنَّ إذا كانوا بالغين، إلاَّ النَّاشز منهنَّ... وفيه ضرب من العبرة وهو
أنَّ المرأة محبوسة على الزَّوج يَمنعها من التصرُّف والاكتساب، فلا بدَّ من أن ينفق
عليْها، ولا شكَّ أنَّ إنفاق الرَّجُل على زوجته من أعظم أسباب استِقْرار الأسرة واستدامة
الزَّواج، كما أنَّه دليل على علوِّ مكان المرْأة ورفيع منزلتها.
لكن ينبغي أن يعلم أنَّ النَّفقة على
الزَّوجة والأولاد يكون بقدر كفايتهم وأنَّ ذلك بالمعروف؛ دليل ذلك قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ
وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، وما رواه الشَّيخان عن
عائشة أنَّ هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجُلٌ شحيح وليس يُعْطيني
ما يكفيني وولدي إلاَّ ما أخذتُ منْه وهو لا يعلم، فقال: ((خُذِي ما يكفيكِ وولدَك
بالمعروف))[28]، وهذا الحديث كما يدل على وجوب النفقة وكوْنها بقدر الكفاية بالمعروف،
فهو يدلُّ أيضًا على جواز أخْذِ الزَّوجة من مال زوجِها بغير علمه إذا لم يعطِها ما
يكفيها"[29].
ج - المُعاشرة بالمعروف: إنَّ من حقِّ
المرأة على زوْجِها أن يُعاشِرَها بالمعروف؛ قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، ولا شكَّ أنَّ المعاشرة
لفظ عام يشمل جميع جوانب الحياة الأسرية، والتعاملات الزوجيَّة التي تقع بين الزَّوجين،
وبناءً عليه؛ فإنَّ الزَّوج مُطالب بأن يحسن إلى زوجتِه من جهة تَحسين الحديث، والتأدُّب
معها، وعدم تَحمليها ما لا تطيق، ومن جهة التجمُّل لها ومراعاة ما يدخل السرور عليْها،
والتَّجاوُز عمَّا قد يبدر منْها ممَّا يكدر الصَّفو.
قال القرطبي في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: "على ما أمر الله به من حسن
المعاشرة، والمراد بهذا الأمر في الأغلب الأزْواج؛ وذلك توفية حقها من المهر والنفقة،
وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقًا في القول، لا فظًّا ولا غليظًا، ولا
مظهِرًا ميلاً إلى غيرها... فأمر الله - سبحانه - بحسن صُحْبة النِّساء إذا عقدوا عليهنَّ؛
لتكون أدمة بينهم وصحبتهم على الكمال، فإنَّه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش، وهذا واجب على
الزَّوج، وقال بعضهم: هو أن يتصنَّع به"[30].
وقال ابن كثير في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}: "أي: طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ
وحسِّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قُدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله؛ كما
قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وقال رسول الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم -: ((خيرُكم حيرُكم لأهله وأنا خيركم لأهلي))[31].
وكان من أخلاقِة - صلَّى الله عليه وسلَّم
- أنَّه جميل العشْرة، دائم البشْر، يداعب أهله، ويتلطَّف بهم ويوسعهم نفقة، ويضاحك
نساءه حتَّى إنَّه كان يسابق عائشة أمَّ المؤمنين - رضي الله عنها - يتودَّد إليْها
بذلك، قالت - رضي الله عنها -: "سابقَني النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم
- فسبقتُه فلبِثْنا حتَّى إذا رهقني اللحم سابقني فسبقني، فقال: ((هذه بتلك))[32]،
ويجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها فيأكل معهنَّ العشاء في بعض الأحيان ثم
تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائِه في شعار واحد يضع عن كتفيه
الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهلِه قليلاً قبل أن
ينام يؤانسهم بذلك؛ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21][33].
الضابط الثاني: العدل والإنصاف في استخدام هذه الوظيفة:
إنَّ قوامة الرَّجُل إنَّما هي وظيفة
شرعية جعلها الشارع للرجل، ومن ثمَّ فإنَّ على الرَّجُل مراعاة النصوص الشَّرعيَّة
عند مباشرة تلك الوظيفة، بأن يكون عادلاً في تعامُله، منصفًا في معاملته لزوجتِه، مراعيًا
حقوقها وواجباتها، وممَّا يُؤْسَف له أنَّ الكثير من الرِّجال يستخدمون وظيفة القوامة
على أنَّها سيف موجَّه على رقبة المرأة، وكأنه لا يحفظ من القرآن الكريم سوى آية القوامة،
ولا من أحاديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - سوى الأحاديث التي تبين عظيم حق الزَّوج
على زوجته، وينسى أو يتناسى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحذِّر الأزواج
من ظلم أزواجهم، وتبيِّن لهم حرمة الاعتِداء على النساء سواء أكان ذلك الاعتداء مادِّيًّا
أم معنويًّا، وهذا ممَّا جعل الكثير من أعداء الإسلام يتمسَّكون بمثل هذه القضايا لتشْويه
صورة الإسلام والمسلمين.
إنَّ وظيفة القوامة تعني مسؤوليَّة الزَّوج
عن إدارة دفَّة سفينة العائلة، وسياسة شؤون البيت ومراعاة أفرادِه، وعلى رأسهم الزَّوجة
التي وصفها النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنَّها خير متاعِ الدُّنيا، وليس
للزَّوج الحقُّ مطلقًا في استِغْلال هذه الوظيفة في الإساءة للزَّوجة، والتَّقليل من
شأنِها أو تكْليفها ما لا تطيق، فإنْ فعل فإنَّ للمرأة أن ترفع أمرها إلى وليِّها أو
مَن تراه من المسلمين؛ لردْع ذلك الزَّوج وتبصيره سواء السَّبيل.
المبحث الخامس
مقتضى قوامة الرجل الشرعية
إنَّ القوامة لا تعني إلْغاء حقوق المرْأة
وتهميش شخصيَّتها، كما أنَّها لا تعنِي الإذن للرَّجُل بإيذاء المرأة والنَّيل منها،
يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله -: "ينبغي أن نقول: إنَّ هذه القوامة ليْس من
شأنِها إلْغاء شخصيَّة المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلْغاء وضْعِها
المدني، وإنَّما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسَّسة الخطيرة، وصيانتها
وحمايتها، ووجود القيِّم في مؤسَّسة ما لا يلغي وجود شخصيَّة أخرى أو إلغاء حقوق الشُّركاء
فيها، فقد حدَّد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية
وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجته وعياله"[34].
إنَّ مقتضى القوامة هو قيام الرَّجُل
بواجباته تِجاه المرأة وأسرته، من تقْديم المهر ابتداء للمرأة، وتوفير المسكن والملبس
اللائق بها وأداء النفقة الواجبة عليه، يقول ابن العربي في تفسير قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]: "بفضل القوامية؛
فعليه أن يبذل المهر والنفقة، ويحسن العشرة ويحجبها ويأمرها بطاعة الله - تعالى - وينهي
إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام إذا وجبا على المسلمين"[35].
وإنَّ من مقتضى القوامة إشراف الرَّجُل
على المرأة، من جهة أمرِها بالمعروف ونَهيِها عن المنكر بالحسنى، وكذلك تعاهُدها بالتَّعليم
والرِّعاية واستحضار معاملة النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – لزوْجاته، والتأسِّي
به في ذلك كله، ومن ثم يمكن اختصار القول في القوامة: بأنَّها تقتضي إدارة الرجل لأسرته
وقيادته لها إلى أن تصل إلى برِّ الأمان، ولا يشكل أن معنى الإدارة والقيادة تشمل الإشراف
التامَّ على من تحت يده، لكن ينبغي أن يدرك أن تلك الإدارة وتلك القيادة لا تعني تَهميش
الآخرين الَّذين يشرف عليهم، بل الاستِئْناس بآرائهم ومشاورتِهم في أمور ذلك البيت
الإسلامي.
لقد حقَّق النَّبيُّ - صلَّى الله عليه
وسلَّم - القوامة بمعناها الحقيقي دون أن يكون ذلك تهميشًا لحقوق المرأة، ودون أن يكون
ذلك إهانة للمرأة، ودون أن يكون ذلك تسلُّطًا وتجبُّرًا على هذا المخلوق اللطيف الرَّقيق؛
فعن عائشة قالت: "كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مهنة أهله، فإذا حضرت الصَّلاة
قام إلى الصلاة"[36].
وإنَّ من مقتضى القوامة قيامَ الزَّوجة
بواجباتها تجاه زوجها، ومن تلك الواجبات
1-
طاعته بالمعروف:
إنَّ الشَّارع الحكيم أوْجب على الزَّوجة
طاعة زوْجِها في غير معصية الله تعالى، "ووجوب الطَّاعة في الحقيقة من تتمَّة
التَّعاون بين الزَّوجين؛ وذلك لأنَّ الأسرة هي اللَّبِنة الأولى في بناء المجتمع،
فإن كانت سليمة كان المجتمع سليمًا، ولا تستقيم حياةُ أيِّ جماعة إلاَّ إذا كان لها
رئِيس يُدير شؤونَها ويحافظ على كيانِها، ولا توجد هذه الرِّياسة إلاَّ إذا كان الرَّئيس
مطاعًا، وهذه الرِّياسة لم توضع بيد الرَّجُل مجَّانًا، بل دفع ثَمنها؛ لأنَّه مكلَّف
بالسَّعي على أرْزاق الأسرة والجهاد من أجلها، مع ما في تكوينِه وطبيعته من الاستعداد
لها"[37].
2-
القرار في البيت:
من حقوق الزَّوج على زوجته قرارها في
بيتِه وعدم خروجها منه إلاَّ بإذنِه؛ ما لم يكن ضرورة شرعيَّة تبيح ذلك، وقرارها في
بيْتها ليس استبعادًا لها أو كبتًا لحريَّتها، بل هو تشريف لها؛ فهي مسؤولة عن بيتِها،
ترعاه وتحوطه وتقوم على تنظيمه بِما يكفل السَّعادة لأفراد أسرتها.
3
- عدم إذن الزَّوجة لأحد يكرَه زوجُها
دخول بيته:
وذلك امتثالاً لقول النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم -: ((ولكم عليهنَّ ألاّ يوطِئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلنَ ذلك فاضربوهنَّ
ضربًا غير مبرح، ولهنَّ عليْكم رِزْقُهن وكسوتُهنَّ بالمعروف))[38].
4- القيام على شؤونه:
من حقوق الزَّوج رعاية الزَّوجة لجميع
أمورِه فتحفظ مالَه، وتراعي كتْم أسراره الَّتي لا يأذن بنشْرِها بين النَّاس، وتتعاهد
مأْكَله ومشربه ومنامه، ولقد كان هذا هو شأْن الصَّحابيَّات الفضليات - رضوان الله
تعالى عليهن - وممَّا ورد عنهنَّ في ذلك ما يأتي:
أ- ما أخرجه الشَّيخان عن هشام بن عروة
قال: أخبرني أبي عروةُ بنُ الزبير عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: تزوَّجني
الزُّبير - رضي الله عنه - وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء، غير ناضح، وغير
فرسِه، فكنتُ أعلِف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان
يخبز جارات من الأنصار وكنَّ نسوة صدق، وكنت أنقل النَّوى من أرض الزُّبير التي أقْطعه
رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على رأسي، وهي مني على ثلُثي فرسخ، فجئت يومًا
والنَّوى على رأسي، فلقِيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعه نفرٌ من الأنصار،
فدعاني ثمَّ قال: إخ إخ، ليحمِلَني خلفَه، فاستحييتُ أن أسير مع الرِّجال، وذكرت الزُّبَير
وغيرتَه وكان أغير الناس، فعرف رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنِّي قد استحيَيت؛
فمضى، فجِئْتُ الزُّبير فقلت: لقِيني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى رأسي
النَّوى، ومعه نفرٌ من أصحابه، فأناخ لأرْكب، فاستحييتُ منه وعرفت غيرَتَك، فقال: والله
لحَمْلُك النَّوى كان أشدَّ عليَّ من ركوبك معه، قالت: حتَّى أرسل إليَّ أبو بكر بعد
ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرَس، فكأنَّما أعتقني".
وزاد مسلم عن رواية البُخاري:
"فكنتُ أعلف فرسَه، وأكفيه مؤونته، وأسوسه، وأدقُّ النَّوى لناضحِه، وأعلفهنَّ
وأستقي الماء، وأحرز غربه"، وزاد في رواية أخرى: "كنت أخدم الزبير خدمةَ
البيت، وكان له فرس، وكنتُ أسوسه، فلم يكن من الخدمة شيءٌ أشدّ عليَّ من سياسة الفرس؛
كنت أحتشُّ له، وأقوم عليه وأسوسه"[39].
كانت السيِّدة أسماء تفعل ذلك بِمحض
إرادتها، وكان السبب الحامل على الصبر على ذلك شغل زوجها وأبيها بالجهاد وغيرِه ممَّا
يأمرهما به النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويقيمهما فيه، وكانوا لا يتفرَّغون
للقيام بأمور البيت بأن يتعاطَوا ذلك بأنفسهم، ولضيق ما بأيديهم على استخدام مَن يقوم
بذلك عنهم، فانحصر الأمر في نسائِهم، فكنَّ يكفينَهم مؤنة المنزل ومن فيه؛ ليتوفَّروا
هم على ما هُم فيه مِن نَصْر الإسلام.
واستدلَّ بِهذا الخبر على أنَّه على
المرأة القيام بِجميع ما يحتاج إليه زوْجُها من الخدمة، قال النَّوويُّ شارحًا خِدْمة
السيِّدة أسماء لزوْجها الزبير: هذا كله من المعروف والمروءات التي أطبق الناس عليها،
وهو أن المرأة تخدم زوجها بهذه الأمور المذكورة ونحوها، من الخبز والطبخ وغسل الثياب
وغير ذلك، وكله تبرُّع من المرأة، وإحْسان منها إلى زوجِها، وحسن مُعاشرة، وفعل معروف
معه، ولا يجب عليها شيء من ذلك، بل لو امتنعت من جَميع هذا لم تأثم، ويلزمه هو تحصيل
هذه الأمور لها، ولا يحلُّ له إلزامُها بشيء من هذا، وإنَّما تفعلُه المرأة تبرُّعًا،
وهي عادة جميلة، استمرَّ عليْها النِّساء من الزَّمن الأوَّل إلى الآن، وإنَّما الواجب
على المرأة شيئان: تَمكينُها زوجَها من نفسها، وملازمة بيته[40].
ب- ومما يدل على وجوب خِدْمة المرأة
لزوجها: قضاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على سيِّدتنا فاطمة الزَّهراء - رضي
الله عنها - الَّذي رواه ابن أبي شيبة، فقال: "قضى رسولُ الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - على ابنتِه فاطمة بِخدمة البيت، وقضى على عليٍّ - رضي الله عنه - بِما كان
خارجًا من البيت من الخدمة"[41].
ولا عجبَ، فالسيِّدة فاطمة الزَّهراء
بنت رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - (سيدة نساء العالمين) شكتْ ما تلقى يدُها
من الرَّحى* وسألتْ أباها - صلَّى الله عليه وسلَّم – خادمًا، فدلَّها على خير من ذلك؛
وهو ذكر الله تعالى[42]، ولعلَّ في هذه الأحاديث ما يواسي قلوب كثيرٍ من النساء إذا
عرفن أنَّ الصَّحابيات الفضليات - رضوان الله عليهنَّ - وهن من خير القرون، كنَّ يَخدمن
أزواجهنَّ ويقمن بشؤونهنَّ.
المبحث السادس
الشُّبهات المعاصرة حوْل القوامة الشَّرعيَّة للرَّجل والرد عليها
من قديم الزَّمن وأعداء المسلمين يُحاولون
تشويه صورة الإسلام عبر قنوات متعدِّدة، ولا شكَّ أنَّ موضوع المرْأة من الموْضوعات
التي يتعلَّق بها أولئِك القوم لتشْويه صورة الإسلام من خلال إبراز مفاهيم خاطِئة عن
مكانة المرْأة المسلمة وحقوقها، ومن ذلك موضوع القوامة (قوامة الرَّجُل على زوجته)،
فحمَّلوها ما لا تحتمل وجعلوا منها سببًا لإثارة ضغائن النِّساء، ومن تلك الشبه التي
أوْردوها على موضوع القوامة ما يأتي:
1-
القوامة تقْييد لحريَّة المرأة وسلب
لحقوقها، وإهانة لكرامتِها.
2-
القوامة سببٌ للقدْح في عقل المرْأة،
وحسْن تدبيرها.
3-
القوامة استِعْباد للمرأة، ووصاية للرجُل
عليْها[43].
وللرَّد على هذه الشُّبه يمكن القول
ابتداء: إنَّ تلك الشبه إنَّما هي صادرة من أعداء الإسلام الَّذين يريدون الإساءة إليْه،
ومن ثمَّ إذا علِمْنا مصدر تلك الشُّبه استطعنا أن نردَّ تلك الشبهة بكل يسر وسهولة،
لاسيَّما إذا استحضرْنا جهل أولئك بِمعنى القوامة ومقتضاها وضوابطها، في الشَّريعة
الإسلاميَّة والمقاصد الشَّرعيَّة لإقْرارها.
إنَّ القوامة الزَّوجيَّة في الشَّريعة
الإسلاميَّة ليست تسلُّطًا ولا قهرًا، وليْستْ سلبًا لحقوق المرأة أو حطًّا من كرامتِها،
بل هي تقْدير وتشريف لها ورفعة لشأنِها، وإقرارٌ بكرامتها، فإنَّ الَّذي خلق الرَّجُل
هو الله - عزَّ وجلَّ - الَّذي خلق المرْأة، وهو الَّذي شرع القوامة، أوليْس الَّذي
خلق المرْأة علاَّمًا بِما يصلح لها وبِما يناسبها؛ {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
إنَّ الشَّريعة الإسلاميَّة لمَّا جاءتْ
بالقوامة للرَّجُل لم تنسَ وظيفة المرأة، فهي ربَّة البيت، والقائمة على شؤونه من تنظيم
وترتيب ورعاية، وهي الرَّاعية في بيت زوجِها ومسؤولة عن رعيَّتها، كما أنَّها مربِّية
الأجيال، فهي ملكة متوَّجة في بيت الزوجيَّة، قد كفل لها الشَّرع السُّكْنى والنَّفقة
والكسْوة بالمعروف، وكفل لها أيضًا حُسْن المعاملة والاحترام والتقدير.
إنَّ الَّذين أثاروا مثل هذه الشُّبه
جهِلوا أو تجاهلوا تكريم الإسلام للمرأة، وما علموا أنَّ الرَّسول الكريم - صلَّى الله
عليه وسلَّم - وهو في مرضِه الذي توفِّي فيه يوصي الرجال بالنساء، وكفى بها شرفًا ومنقبةً
لهنَّ.
وهاهنَّ نساء الغرْب يشتكين الويلات
بسبب تحرُّرهن من مثل تعاليم الإسلام، فقد فقدن الوظيفة الحقيقيَّة للمرأة، تقول الروائيَّة
الإنجليزيَّة الشَّهيرة (أجاثا كريستي): "إنَّ المرأة مغفَّلة؛ لأنَّ مركزها في
المجتمع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم؛ لأنَّنا بذلْنا الجهد الكبير للحصول على حق العمل
والمساواة مع الرَّجُل، ومن المحزن أنَّنا أثبتْنا - نحن النساء - أننا الجنس اللطيف
الضعيف، ثم نعود لنتساوى اليوم في الجهد والعرق اللَّذين كانا من نصيب الرَّجُل وحده".
وتقول المحامية الفرنسيَّة (كريستين):
"سبعة أسابيع قضيْتُها في زيارة كلٍّ من بيروت ودمشق وعمان وبغداد، وها أنا أعود
إلى باريس فماذا وجدت؟ وجدتُ رجُلاً يذهب إلى عمله في الصَّباح، يتعب ويشقى ... يعمل
حتَّى إذا كان المساء عاد إلى زوجته ومعه خبز، ومع الخبز حُبٌّ وعطف ورعاية لها ولصغارها،
الأنثى في تِلك البلاد لا عملَ لها إلاَّ تربية الجيل، والعناية بالرَّجُل الَّذي تحب،
أو على الأقل الرَّجُل الذي كان قدرها، في الشَّرق تنام المرأة وتحلم وتحقِّق ما تريد،
فالرَّجُل وفَّر لها خبزًا وراحةً ورفاهية، وفي بلادنا حيثُ ناضلتِ المرأة من أجل المساواة
فماذا حقَّقت؟ المرأة في غرب أوروبا سِلْعة، فالرَّجُل يقول لها: انْهضي لكسب خبزك،
فأنت قد طلبت المساواة، ومع الكدِّ والتَّعب لكسب الخبز تنسى المرأة أنوثَتَها وينسى
الرَّجُل شريكته، وتبقى الحياة بلا معنى"[44]، فهذه كتابات نساء الغرْب اللاتي
تعالين على القوامة، وطلبن المساواة التي تَمنعها الفطرة، فضلاً عن العقل والدِّين.
وأمَّا عن الظُّلْم الذي تعيشه المرأة
الغربيَّة، فحدِّثْ ولا حرج، وهل هناك ظلم أعظم من أن تفقد المرأة وظيفتها الحقيقيَّة؛
بل كما تقدم على لسان إحدى الغربيات تفقد أنوثتها، هذا إضافة إلى العنف والقسوة التي
تتعرَّض لها المرأة في تلك المجتمعات.
تقول الدكتورة فاطمة نصيف في معرض حديثها
عن العنف ضدَّ النِّساء في الغرب: "وإليْكم بعضَ ما حصلت عليه قبل ذهابي لمؤتمر
بكين، حيث طلبنا من الشرطة الفيدرالية الأمريكيَّة أن تمنحنا تقارير عن العُنف ضدَّ
المرأة الأمريكيَّة:
-
79% من الرِّجال في أمريكا يضْرِبون زوجاتِهم
ضربًا يؤدِّي إلى عاهة.
-
17% منهنَّ تستدعي حالتهنَّ الدخول للعناية
المركزة، وحسب تقرير الوكالة المركزية الأمريكيَّة للفحص والتحقيق: هناك زوجة يضرِبُها
زوجُها كلَّ 18 ثانية في أمريكا.
وكتبت صحيفة أمريكيَّة أنَّ امرأة من
كلِّ عشر نساء يضرِبُها زوجُها، فعقبت عليْها صحيفة Family Relation أنَّ امرأة من كل امرأتين يضربها زوجُها،
وتتعرض للظلم والعدوان.
أمَّا في فرنسا، فهناك مليونا امرأة
معرَّضة للضرب سنويًّا، وتقول أمينة سر الدَّولة لحقوق المرأة (ميشيل أندريه):
"حتَّى الحيوانات تعامل أحيانًا أفضل من النساء، فلو أنَّ رجُلاً ضرب كلبًا في
الشَّارع، سيتقدَّم شخصٌ ما يشكوه لجمعيَّة الرفق بالحيوان، لكن لو ضرب رجُلٌ زوجتَه
في الشَّارع، فلن يتحرَّك أحد في فرنسا".
-
92% من عمليَّات الضرب تقع في المدن، و60%
من الشَّكاوي الليليَّة التي تتلقَّاها شرطة النجدة في باريس هي استغاثة من نساء يسيء
أزواجهن معاملَتَهن.
وفي أمستردام (عاصمة هولندا) اشترك في
ندْوة نحو مائتي عضو يمثلون إحدى عشرة دولة، وكان موضوع الندوة: (إساءة معاملة المرأة
في العالم)، وأجْمع المؤتمرون على أنَّ المرأة مضطهدة في جَميع المجتمعات الدَّولية،
وبعض الرِّجال يحرقون زوجاتِهم بالسَّجائر ويكبلونَهنَّ بالسَّلاسل.
وفي لندن (عاصمة بريطانيا) يفيد تقرير
أنَّ 77% من الأزواج يضربون زوجاتهم دون أن يكون هناك سبب لذلك.
وتَمضي الدكتورة فاطمة قائلة:
"وعندما نعلم أنَّ كلَّ هذا يحدث في بلادِهم ويتركونَها لتركيز الأضْواء على المرأة
المسلمة والعربيَّة ويقولون: مظلومة وتتدخَّل لجانُهم؛ فلا بدَّ أن نعي أنَّها لن تتدخَّل
لإنقاذ المرأة المسلمة، لكنها تريد تشويه صورتها ثمَّ إلصاق التُّهم بالإسلام"[45].
الخاتمة
وبعد هذه الرحلة العلميَّة الممتعة والشَّائقة
حول موضوع "القوامة الشرعية للرجل بين فقه النص وظروف الواقع"، يمكن القول
بأنَّ أهمَّ النَّتائج التي توصلت إليْها من خلال الدراسة هي
أوَّلاً: أكَّدت الدراسة على أنَّ الإسلام
كرَّم المرأة، ورفع من شأنها، وكفل لها الحريَّة المنضبطة بضوابط الشَّرع.
ثانيًا: أثبتت الدِّراسة أنَّ القوامة
الزوجيَّة إنَّما هي للرَّجُل، وليست للمرأة بنص القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة
الصَّحيحة.
ثالثًا: أثبتت الدراسة أنَّ جنس الرجال
أفضل من جنس النساء؛ بما فضل الله الرجال على النساء من العبادات، وكذلك من جهة الخلقة
التي فضل الله عليْها الرجال والنساء.
رابعًا: أثبتت الدراسة أنَّ وظيفة القوامة
وظيفة شرعيَّة، جعلها الشَّارع الحكيم تكريمًا للمرأة وتشريفًا لها.
خامسًا: أثبتت الدراسة أنَّ وظيفة القوامة
لا تعني تسلُّط الرَّجل، كما لا تعني سلب حقوق المرأة أو تهميش رأيِها ووجودها في الحياة.
سادسًا: أثبتت الدراسة أنَّ الشَّارع
الحكيم لما جعل القوامة بِيَد الرجل، لم يجعل ذلك مطلقًا دون قيد أو شرط؛ بل جعله مقيَّدًا
بالمعروف.
سابعًا: أثبتت الدراسة أنَّ الشبه والافتراءات
التي يثيرها أعداء الإسْلام، إنَّما هي من العداوة والبغْضاء المتأصِّلة في نفوسهم،
وما تُخفي صدورهم أكبر.
ثامنًا: أثبتت الدِّراسة أنَّ القوامة
الزَّوجيَّة إنَّما هي رعاية الأسرة وإدارتُها بحكمة، وليست تسلُّطًا أو تعنُّتًا.
تاسعًا: أثبتت الدراسة أنَّ إسناد مسؤوليَّة
الأسرة، وإدارتها بيد الرَّجُل لا يعني ذلك تَهميش مسؤوليَّة المرأة تِجاه أسرتها؛
بل هي مسؤولة عن تلك الأسرة في نطاق اختصاصِها.
عاشرًا: أثبتت الدِّراسة أنَّ اعتراف
كثيرٍ من نساء الغرْب بأنَّ سعادة المرأة الحقيقيَّة إنَّما هي في بيتها، وأنَّ وظيفتها
الحقيقة هي رعاية أسرتها من زوج وأولاد.
حادي عشر: أثبتت الدِّراسة أنَّ من الحكمة
ألاّ ننساق وراء الشِّعارات الغربية البرَّاقة، التي تدعو إلى تحرُّر المرأة من وظيفتها
الحقيقيَّة، وتمرُّدها على طبيعتها التي أوجدها الله تعالى، بل ننظر إلى الحياة الحقيقيَّة
لتلك النسوة، وكيف أصبحت سلعة قيمتها في إنتاجها فقط
ثاني عشر: أثبتت الدِّراسة أنَّ انتهاك
الغرب لحقوق المرأة، والتَّعامل معها بأبشع صور العنف وأفظعها، ولا أدلَّ على ذلك من
تلك الإحصائيات التي تقدَّمت في ثنايا البحث، والَّتي تبيِّن حجم العنف الذي يُمارس
مع المرأة في تلك البلاد.
والحمد لله فاتحة كل خير، وتمام كل نعمة.
**********************************************************************
النشوز بين الزوجين
الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على
رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فحيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات
المستمِعون والمستمعات في حلقةٍ من حلقات فقه الأسرة، وكنتُ قد شرعت في الحلقة الماضية
في مسائل النُّشوز والشِّقاق بين الزوجين، وأشَرتُ إلى أنَّ من أجَلِّ نِعَمِ الله
تعالى علينا نعمةَ الحياة الزوجيَّة والسعادة الأسريَّة؛
قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]،
وأنَّ بيوتنا جزءٌ من الدُّنيا، والدُّنيا دارُ ابتلاءٍ
واختبار، ولا تدومُ على حال صفاء، ومن طَبيعة الحياة الزوجيَّة أنْ يعتريها بعضُ المكدرات
والمشكلات التي تقعُ بين الزوجين، وقد ورد في الشريعة الإسلاميَّة ما يُساعد في معالجة
النُّشوز بين الزوجين والحد من آثاره السلبيَّة، وذكرت في الحلقة الماضية أنَّ الأدلَّة
العامَّة والخاصَّة قد أرشدت الزوجين إلى أنْ يعالجا المشكلات الزوجيَّة بينهما داخل
البيت؛ وذلك مُراعاةً لحقوق الزوجين، وحِفظًا للعِشرة بينهما، وقد ورد في القُرآن الكريم
والسُّنَّة النبويَّة المطهَّرة تفصيلٌ لهذه المعالجة، وفيها الرحمةُ بالزوجين، والسعيُ
في تحصيل المودَّة وإزالة أسباب الشِّقاق كي ينعم الزوجان بحياتهما، ويُربِّيا أولادهما
في بيتٍ مُطمئنٍّ مُستقر، تحوطُه الرحمةُ والسَّكينةُ، وتملؤه البهجة والسُّرور.
وسيكون حديثُنا - بإذن الله تعالى -
عن النُّشوز بين الزوجين في عددٍ من المسائل مُبيِّنين المراد بالنُّشوز، والمراحل
العلاجيَّة له، وما الذي يكون من قِبَلِ الزوج أو الزوجة، ومتى يتدخَّل أطراف أخرى
في الإصلاح بين الزوجين، ومتى يُصارُ إلى الاحتكام إلى القاضي، نسأل الله تعالى الفقهَ
في الدِّين، والسداد والإخلاص في القول والعمل.
المسألة الأولى: المراد بالنُّشوز بين الزوجين، وحكمه:
النُّشوز لغة: من النَّشَزِ وهو المكان
المرتفِع، قال ابن منظور في "لسان العرب": "النُّشُوزُ يكون بين الزوجين،
وهو كراهة كلِّ واحد منهما صاحبه، واشتقاقُه من النَّشَزِ، وهو ما ارتفع من الأَرض،
ونَشَزَت المرأَةُ بزوجها وعلى زوجها تَنْشِزُ وتَنْشُز نُشُوزًا، وهي ناشِزٌ ارتفعت
عليه واستعصت عليه وأَبغضته وخرجت عن طاعته وفَرَكَتْه، ونَشَزَ هو عليها نُشُوزًا
كذلك، وضربها، وجفاها، وأَضَرَّ بها".
والمراد بنُشوز الزوجة عند جمهور العلماء: "خُروج الزوجة عن الطاعة الواجبة
للزوج"؛ [المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية، وعند فقهاء الحنفيَّة أنَّه:
خروج الزوجة من بيت زوجها بغير حقٍّ].
وصور نُشوز الزوجة كثيرةٌ متقاربة؛
منها:
أن تمنعه من الاستِمتاع بها دون عُذرٍ،
وألا تصير إليه إلا وهي كارهة، أو أنْ يجد منها إعراضًا وعُبوسًا بعد لطفٍ وطلاقةِ
وجهٍ، أو أنْ تُخاطبه بكلام خشن بعد أنْ كان لَيِّنًا، أو أن تخرج من بيته دون إذنه،
أو ترفض السفر معه، أو تُدخِل بيته مَن يكره، أو بترْكها شيئًا من حُقوق الله تعالى
كالغسل من الجنابة أو الصَّلاة أو صيام رمضان، أو تخونه في نفسها أو ماله، ونحو ذلك.
أمَّا حُكم نشوز الزوجة فهو حرام،
ومن الأدلَّة على ذلك:
ما ورد في تعظيم حقِّ الزوج على زوجته
ووُجوب طاعتها له، وعظيم أجرها إنْ أطاعت زوجها؛ روى الإمام أحمد وغيره أنَّ عمَّة
حصين أتَتِ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال لها: ((أذات زوجٍ أنت؟)) قالت:
نعم، قال: ((انظري أين أنت منه; فإنما هو جنَّتُك ونارُك))؛ أخرجه الإمام أحمد والبيهقي
وغيرهما وصحَّحه الألباني.
وما ورَد من الوعيد الشَّديد لِمَن تنشز
على زوجها وتمتنعُ عن فراشه، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا باتَتِ المرأة
هاجرةً فراش زوجها لعنَتْها الملائكة حتى تصبح))، وفي رواية: ((حتى ترجع))؛ رواه مسلم.
وعن أبى هُرَيرة - رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا دعَا الرجل امرأتَه إلى فِراشه فلم
تَأتِهِ فبات غَضبان عليها لعنَتْها الملائكة حتى تُصبِح))؛ رواه مسلم.
وقد ورَد في بَيان الصِّفات والخِلال
المحمودة في الزوجات طاعة الزوج؛ فقد سُئِل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم
-: أيُّ النساء خيرٌ؟ قال: ((التي تسرُّه إذا نظر، وتُطيعه إذا أمَر، ولا تُخالفه في
نفسها ومالها بما يكرَهُ))؛ أخرجه الإمام أحمد في "المسند" والنسائي وغيرهما.
وقال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ
بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ
فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ... ﴾ [النساء: 34] الآية، فقد أخبر الله
تعالى أنَّ الصالحات من النساء قانتاتٌ؛ أي: مطيعات لأزواجهن.
وقد ذكَر ابن حجر الهيتميُّ أنَّ النُّشوز
كبيرةٌ من كَبائر الذنوب، وأنَّه صرَّح به جمعٌ من الفقهاء.
أمَّا نُشوز الزوج فمِن صُوَره:
كراهيته لزوجته، وجَفاؤه لها، والغِلظة
في التَّعامُل معها، والإعراض عنها، أو الحديث معها بكلامٍ خشن أو سب وشتم، أوالإضرار
بها.
أمَّا حُكم نُشوز الزوج: فإنْ كان نشوز
الزوج عن زوجته دون حقٍّ؛ بأنْ منعها ما يجبُ لها من النَّفقة أو القسم أو المبيت،
أو هجَرَها وتركها مُعلَّقة، أو تعدَّى عليها بالإهانة أو السب، فهذا محرَّم؛ لما فيه
من ارتِكاب المحرَّم ومنْع الواجب، والتعدِّي على الزوجة.
فقد قال تعالى ناهيًا عن تعليق الزوجة
والإضرار بها: ﴿ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾
[النساء: 129]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ [البقرة:
231]، وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء:
34]، وعن حَكِيم بن معاوية عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، ما حقُّ
زوجِ أحدِنا عليه؟ قال: ((تطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا
تُقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت))؛ رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((ولا تُقبِّح))؛ أي: لا تَقُلْ: قبَّحكِ الله، ويُقاس عليه ما هو مثله أو أشد كاللعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق